الأربعاء، 14 ديسمبر 2011

عواقب إطلاق البصر

النظر ة سهم الشيطان ..
يقول الله تعالى مخاطبا عباده المؤمنين :
قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30].
في صحيح البخاري عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: ((مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاء)).
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ  قَالَ: ((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ)).
   جاء في الأثر : أن مَنْ غضَّ البصر ، وترك النظر ، جعل الله في قلبه حلاوة لا يدركها إلا من عرفها .
 هكذا يكافئ الله سبحانه من غض البصـر عن النساء العفيفات الطاهرات اللواتي يجعلن من حمرة الحياء في وجوههن زينة ، فما تكون عقوبة الناظر في وجوه الزانيات المتبرجات اللواتي ينصبن شباكهن لكل ناظر !؟ يدعونه بنظرات فاضحات إلى الزنا والعياذ بالله ، نساء في كامل زينتهن يتصدرن لوحات الإعلان ، ونساء كاسيات عاريات يملأن شاشات التلفاز ، والإعلانات تملأ الطرقات ، والتلفاز شباك مفتوح على فيح نار جهنم ليل نهار ، ولا مناص للمسلم من السير في الطرقات ، أو الجلوس في البيت ، وإذا كان النظر لسائر النساء زنا بالعين وإثم بالقلب ، فماذا يكون عقاب النظر والتحديق في وجوه المومسات ؟

  روى البخاري ومسلم ، واللفظ له ، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ  عن النبي r قال : لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة : عيسى بن مريم وصاحب جريج ، وكان جريج رجلاً عابداً ، فاتخذ صومعة فكان فيها ، فأتته أمه ، وهو يصلي .
فقالت  :  يا جريج .
فقال : يا رب أمي وصلاتي !
 فأقبل على صلاته ، فانصرفت . فلما كان من الغد أتته ، وهو يصلي .
 فقالت : يا جريج .
فقال :  يا رب أمي  وصلاتي !
 فأقبل على صلاته ، فانصرفت  .
فلما كان من الغد أتته ، وهو يصلي ،
 فقالت : يا جريج .
  فقال : أي رب أمي وصلاتي !
 فأقبل على صلاته .
فقالت : اللهم لا تُـمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات  .
قتذاكر بنو إسرائيل جريجاً وعبادته ، وكانت امرأة بغيٌّ يتمثل بحسنها ، 
فقالت : إن شئتم لأفتننه لكم .
فتعرضت له فلم يلتفت إليها ، فأتت راعياً كان يأوي إلى صومعته ،  فأمكنته من نفسها فوقع عليها ، فحملت ،  فلما ولدت ،
قالت  : هو من جريج .
 فأتوه فاستننزلوه , وهدموا صومعته ، وجعلوا يضربونه .
فقال : ما شأنكم ؟
قالوا : زنيت بهذه البغي فولدت منك .
 فقال : أين الصبي ؟
فجاءوا به ، فقال : دعوني حتى أصلي . فصلى فلما انصرف أتي الصبي فطعن في بطنه وقال : يا غلام من أبوك ؟
 قال : فلان الراعي.  فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به .
 وقالوا : نبني لك صومعتك من ذهب .
 قال : لا أعيدوها من طين كما كانت ، ففعلوا .

بطاقة عضوية في حزب الشيطان ..

بطاقة عضوية في حزب الشيطان


 [ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ  إِنَّ "كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً  ]  { النساء: 76 }
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "  إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ يَا وَيْلِي أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِي النَّارُ "
بعض الأسئلة ملغومة ومفخخة ، تجيب عليها بداهة فتجد نفسك قد تورطَّت فيما لا يحمد عقباه ، وهي أسئلة استدراجية ليس الغاية منها الجواب بل ما بعد الجواب من مقاصد ، ومثل هذه الأسئلة  :
ـ أيهما أكثر وأقوى في هذا العالم الخير أم الشر ؟
سألت هذا السؤال لعدد كبير من الناس من مختلف الثقافات والمنابت ، من المسلمين وغير المسلمين ، فأجاب أغلب الناس  : الشر طبعا .
ولم يكن سؤالي إلا بعد قراءة تقرير صحفي عن زمرة ( عبدة الشيطان ) ، فعلمت أن هذا السؤال هو بطاقة العضوية في هذه الزمرة الضالة ، التقرير كان يتحدث عن شاب لبناني انضم إلى عبدة الشيطان ثم فرّ منها قبل أن يرتكب جريمة شنعاء .
بدأت قصة الشاب مع الزمرة بأن تعرف على شباب من جيله دعوه إلى حفلة رقص صاخبة ، ثم توالت الدعوات وتوالت الحفلات ، ودخل في دهاليز الانحراف من الخمر إلى الزنى إلى المخدرات ، وذات يوم عرض عليه أحدهم أن يعرفه على شخص سماه " الأستاذ " يأتي بالعجائب ويقوم بالغرائب ، وتعرف الشاب على الأستاذ في إحدى شقق العاصمة بيروت ، وصار يزوره لما رأى عنده من المدهشات ، فكان الأستاذ يخرج نفسه من النافذة ويعود ، ويرتفع في سماء الغرفة ، وتلك من الأعمال التي يتقنها السحرة ، دهش الشاب ، وخبل الأستاذ عقله ، وبعد لقاءات وتوطد العلاقة بين الشاب والأستاذ ، سأل الأستاذ الشاب : أيهما أقوى في عالمنا الخير أم الشر ؟؟
أجاب الشاب بثقة : الشر طبعا .
فقال الأستاذ : إذا كان الخير من الله والشر من الشيطان ، فالشيطان في عالمنا أقوى من الله ، ألا يقول المنطق ذلك ؟
قال الشاب : هذا غريب ولكنه المنطق .
واصل الأستاذ : والمنطق أيضا يقول أن على الإنسان أن يعبد الأقوى ، فلا طائل من عبادة الضعيف المغلوب على أمره .
واستمر الحوار حتى دخل الشاب في زمرة عبدة الشيطان ، وتعلم من أستاذه أن دين عابد الشيطان أن يحرم الحلال ويحلل الحرام ، ولا تكون عبدا للشيطان حتى تخالف كل ما جاءت به الأديان . وصار الشاب يعبد مع رفاقه الشيطان حتى تجاوز كل محظور .
وكان أن طلب منهم الأستاذ التحضير لاحتفال كبير ستكون فيه طقوس كبيرة لعبادة الشيطان ، وعرض عليهم فيلما صوَّره عبد الشيطان في إحدى الدول الغربية لتقليد طقوسه في يوم الاحتفال ، وكان الفيلم يظهر عبدة الشطان وقد تجمعوا في أحد المقابر المهجورة ، وهناك أشعلت النيران ، ودقت الموسيقى الصاخبة ، وقدمت الخمور والمخدرات ، وكان أن جاء أحد الشباب بأخته ، وأدخلها في الحفلة وهي تصرخ وتصيح من الخوف ، ثم قام الأخ باغتصاب أخته ، أمام الحفل ، وتوالى عليها الحضور ، ثم قتلوها وقطعوا جسدها وألقوه في النار بين صرخات الذهول والانتعاش ، بعد الفيلم شرح الأستاذ عن إخلاص جماعة الفيلم للشيطان ، وتفاخر بجرأتهم ، وحدث أن طلب من الشاب أن يكون هو من يحضر أخته لتكون القربان ، هنا ارتعش الشاب خوفا ، وقد كانت تربطه بأخته علاقة حميمة ، فوعد ، ولكنه هرب من الجماعة وكشف أمرها واعتقلت السلطات عناصرها ، ثم أهملت القضية لأن بعض أعضاء الجماعة كانوا من أبناء كبار القوم في لبنان . 
سألت مرة صديق ذات السؤال ، فأجاب الإجابة المعهودة ، فقلت له :
ـ حيث تعيش ، هل يخرج أغلب الناس في بلدكم صباحا للعمل أم للسرقة ؟
و هل أغلب الأولاد في بلدكم أولاد زواج أم أولاد زنى ؟!
فقال : للعمل طبعا .
فقلت : كيف تقول إذن أن الشر أقوى ، وأكثر ، والكسب خير والسرقة شرّ ، والزواج خير و الزنى شرّ ؟!
فأجاب : إذن ، لماذا يجيب الناس بأن الشر أغلب وأقوى ؟
قلت : لأن الشر يطفو أمام الناس كما يطفوا السمك الميت على سطح البحر فيظن الجاهل أن السمك الميت أكثر من السمك الحي

الأربعاء، 30 نوفمبر 2011

مصير الخائين ..

ابن العلقمي وسقوط بغداد


يقول الله تعالى شأنه :
[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ۞ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ] { الأنفال : ـ 28 }
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { : خَيْرُكُمْ قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَنْذُرُونَ وَلَا يَفُونَ ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ ، وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ ، وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ . } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
لمـَّا وصلت جيوش أبرهة الأشرم القادمة لهدم الكعبة عبر رمال الصحراء العربية ، مرّت بثقيف ،  فطلب أبرهة الأشرم منهم دليلا يدُّله على الطريق ، فأرسلت ثقيف معه جاسوسا يدعى أبا رُغال ، ولما مات أبو رغال صارت العرب ترجم قبره ، وذات مرّة قال جرير في خصمه الفرزدق : " إذا مات الفرزدق فارجموه كرجمكم لقبر أبي رغال"،
وكل غاز كأبرهة يبحث عن فأر كأبي رغال .
سقطت بغداد  حاضرة الخلافة العباسية سنة 656هـ على يد هولاكو سقوط الذُّل والهوان ، سقوطا مدوِّياً لم يشهد مثله الزمان ، ولعب دور أبي رغال وزير الخليفة مؤيد الدين أبو طالب بن العلقمي .
 خرج ابن العلقمي بأهله وخدمه وحشمه لمقابلة التتار ، واجتمع مع هولاكو ، ولما عاد أشار على الخليفة أن يخرج لمصالحة التتار على نصف خراج العراق كما اتفق معهم ، وادعى أن هولاكو يريد مصاهرة الخليفة لتوثيق العقد .
خرج الخليفة في سبعمائة من الأمراء والقادة والفقهاء والعلماء في موكب عرس مهيب ، ولما وصلوا أدخل هولاكو عليه منهم سبع عشرة نفساً ، وأُنزل الباقون عن مراكبهم ونُهبت وقتلوا عن آخرهم .
عاد الخليفة وممن بقي معه إلى بغداد برفقة ابن العلقمي ، فأشار ابن العلقمي على الخليفة أن يجمع ما في القصر من الجواهر والنفائس ، ويقدمها لهولاكو عساه يقبل الصلح . فأخذها ولم يقبل ، ودخل هولاكو بغداد ، ومكث فيها أربعين يوما يدمر ويقتل ويحرق ، ولم ينجُ إلا من اختبأ في الآبار وأماكن الحشوش وقني الوسخ . أو في دور أهل الذمة من اليهود والنصارى ، أو في بيت الوزير ابن العلقمي . 
 أما الخليفة فقد قتلوه رفساً ، وهو في جوالق ( أكياس ) ، لئلا يقع على الأرض شيئا من دمه . وقُتل معه ولداه أحمد وعبد الرحيم ، وأُسرت أخواته ، مع ألف بكر من دار الخلافة .
واستباح التتار بغداد أربعين يوما ، فقتلوا الصغير والكبير ، حتى قيل أن من قتلوا فيها بلغ ألف ألف ، وقيل ألفي ألف . ولما انقضى الأمر المقدَّر ، وانقضت الأربعون يوما ، بقيت بغداد خاوية على عروشها ، والقتلى في الطرقات كأنها التلول ، وسقط عليهم المطر فتغيرت صورهم ، وأنتنت من جيفهم البلد ، فحصل الوباء ، وسرى مع الريح إلى بلاد الشام ، فمات خلق كثير ، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون ، إنا لله وإنا إليه راجعون ،  ولعنة الله على الخائنين .
ابن العلقمي كان من كبار وزراء في بلاط الخليفة ، وكان له عند الخليفة من التعظيم والوجاهة ما لم يكن لغيره من الوزراء ، ولكنه كان خبيث الطوِّية على الإسلام وأهله .
ورحل هولاكو إلى مقر ملكه ، وفوض الأمر في بغداد إلى الأمير علي بهادر وإلى الوزير ابن العلقمي ، ثم ذاق ابن العلقمي الذَّل والهوان على يد التتار الذين والاهم ، شأنه شأن الخائنين ،  ورأته امرأة في بغداد يركب برذونا ( كديشا ) وهو مُرَسَّـم عليه ، وسائق يسوق به ويضرب فرسه ، فقالت له : يا بن العلقمي أهكذا كان بنو  العباس يعاملونك ؟ فوقعت كلماتها في أذنيه ، وكان موكبه يضاهي موكب السلطان زمن العباسيين ، وانقطع إلى داره إلى أن مات كمدا وضيقا ، وقلة وذلة . (نهاية الظالمين : 17).
وتلك نهاية الرغاليين والعلاقمة الذين جاؤوا على متن الطائرات والدبابات الأمريكية إلى العراق ، وبدؤوا يخرجون على ظهور براذين المذلّة ، وليعلموا ]أن َّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الخائِنِينَ [

سر البركة ...

سِــــــــرّ البـــــركة


يقول الله رب العالمين:
[مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] { البقرة:261} .
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " ثَلاثَةٌ أَقْسِمُ عَلَيْهِنَّ : مَا نَقَصَ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ فَتَصَدَّقُوا ، وَلا عُفِيَ رَجُلٌ عَنْ مُظْلَمَةٍ ظُلِمَهَا إِلا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا فَاعْفُوا يَعِزِّكُمُ اللَّهُ ، وَلا فَتْحَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلا فَتْحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ " .
نقول كثيرا  هذا مال فيه بركة ، أو هذا مال لا بركة فيه ، ونقول هذا طعام فيه بركة أو هذا طعام لا بركة فيه  ، وهذا وقت فيه بركة أو هذا وقت لا بركة فيه ، فما المقصود بالبركة ؟ وأين تكون ؟ ولماذا تختفي  ؟
  الرسول r رضيعا تأخذه حليمة السعدية ولها طفل ترضعه وما في صدرها لا يكفيه ، وما أن تضعه في حجرها حتى يبارك الله في لبنها فترضع محمد حتى يروى ، وترضع ولدها حتى يروى ، فيقول زوجها : تعلمي والله يا حليمة ، لقد أخذتِ نسمة مباركة.
و في طريقه إلى المدينة مهاجرا بصحبة أبي بكر ، مرّ على خباء أعرابية تدعى أم معبد الخزاعية تُطعِم وتَسقي مَنْ مرّ بها ، وليس في الجوار غير شاة عجفاء ، خلَّفها الجهد عن الغنم ، فمسح الرسول ضرعها ، فدرَّت اللبن الكثير ، ولما عاد زوجها أبو معبد وعجب من أمر الشاة ، قالت الزوجة : لقد مرّ بنا رجل مبارك .
وكذا البركة في شاة جابر بن عبد الله في غزوة الخندق ، فقد أكل الرسول r وصحبه من لحم شاة وصاعا من الشعير وشبعوا  .
فالبركة تجعل القليل كثيرا ، وغيابها يجعل الكثير قليلا .
في المثل الشعبي نقول : "اللي بينقص بيخلص " . وهذه قاعدة لا يختلف عليه اثنان ، والرسول r يقول : " ما نقص مالٌ من صدقة " . فكيف لا ينقص المال من الصدقة التي تؤخذ منه ؟
البركة في اللغة : النماء والزيادة والسعادة ، وقال ابن عباس البركة : الكثرة من كل خير ، وابن القيم يقول : النافع هو المبارك ، وأنفع الأشياء أبركها ، والبركة شيء من الخير يجعله الله في بعض مخلوقاته .
يقول الدكتور جاسم المطوع أنه كان في ندوة في باريس مع علماء أجانب وتحدث فيها عن البركة ، فقام علماء لغة بالبحث في معاجمهم عنها فلم يجدوها ، فكأن هذه كلمة إسلامية بمعناها ومرادها .
وأحسب البركة الزيادة في الشيء عند الأخذ منه و دون أن يعتريه نقص ، لقوله r  : " ما نقص مال من صدقة " .
وذكر الدكتور جاسم المطوع في تلك المحاضرة القصة التالية :
رجل من المسلمين رزقه الله رزقا واسعا ، فصار صاحب شركات وأموال كثيرة ، لم ينس هذا الرجل حق الله في ماله ، فكان كثير الصدقات والهبات ، يقدم للجمعيات الخيرية والمحتاجين ولا يبخل بما أفاض الله عليه من خير ، ونمت أمواله ، وكَبُر أولاده ، وأرسل أكبر أولاده ليدرس الاقتصاد في أرقى الجامعات البريطانية ، وتخرَّج الولد ، وفرح الأب أن ابنه صار كفؤا ليحل محله ، فلم يعد الأب قادرا على إدارة كل هذه الشركات ، ذات يوم جلس الأب مع ابنه ، وأوصاه أن يسير على نهجه في الصدقات ، فقال الابن :
ـ ولكن جميع حساباتك لا يظهر فيها ما يُصرف في هذا الباب ، والأصل أن تُسَجًّل لتحسم من النفقات ، لنحدد بدقة الأرباح والخسائر  .
فقال الأب : لا أفهم .
قال الولد : درسنا في الجامعة أن المال الذي يستهلك دون أن يوظف ويستثمر ينقص رأسمال الشركات ، وما تنفقه يقع في هذا الباب .
قال الأب : ألم تدرسوا عن البركة في المال ؟
قال الابن : علم الاقتصاد لا يعترف بمثل هذه المصطلحات .
قال الأب : حسنا ، هل تعرف كم تنجب الشاة في كل ولادة ؟
قال الابن : تنجب واحدا أو اثنين .
قال الأب : أما الكلبة فتنجب سبعة أو ثمانية جراء في البطن الواحد ، والناس بشكل عام يذبحون أبناء الماعز ، ولا يذبحون الكلاب ، فحسب علمكم يجب أن تكون الكلاب التي تتكاثر بوفرة ولا تُذبح  أكثر في الدنيا من الماعز الأقل تكاثرا والأكثر ذبحا  وواقع الحال يقول غير ذلك ، إنها  البركة ، يا ولدي ، التي لا تدرسونها في الغرب .

جواب الشيخ محمد عبد المُكست ..

جواب الشيخ محمد عبده المُسكِت...

   أجمل ما يقرأ المرء ذلك ما صنفه العرب تحت باب الأجوبة المُسْكِتة ، فهناك الكلمة الواضحة ، والفكرة العميقة ، والحجة المفحمة ، وخير الأجوبة المسكتة ما جاء في القرآن الكريم ، انظر مثلا في المناقشة التي جرت بين إبراهيم عليه السلام والنمرود :
 ]أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بالشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ [   .  
وجاء في كتاب ربيع الأبرار : أن رجلا قال لجعفر بن محمد الصادق : ما الدليل على الله، ولا تذكر لي العلم والعرض والجوهر ؟ فقال له : هل ركبت البحر؟ قال : نعم ، قال :هل عصفت بكم الريح حتى خِفتم الغرق؟ قال : نعم ، قال : فهل انقطع رجاؤك من المركب والملاحين؟ قال : نعم ، قال :تتبعت نفسك أن ثَمَّ من ينجيك؟ قال : نعم ، قال : فإن ذاك هو الله ، قال الله تعالى :  ]وإذا مَسَّكُمُ الضُّرُ في البَحْرِ ضلَّ مَنْ تَدْعُونَ إلا إياه [ ، ] وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون [ .
و رُوِيَ عن أبي حنيفة : أن بعض الزنادقة سألوه عن وجود الله تعالى فقال لهم : إني مُفَكِّر في أمر قد أُخْبرت عنه :  ذكروا لي أن سفينة في البحر فيها بضاعة وحمولة ،وليس بها أحد يقودها ،ولا يحرسها ومع ذلك تذهب وتجيء بنفسها في مقاومة الأمواج ، وترسو على الشواطئ ما بالكم أتصدقون ؟
 قالوا  : هذا شيء لا يقوله عاقل .
 فقال : ويحكم هذه الموجودات بما فيها من العالم ،وما اشتملت عليه ليس لها صانع ! فبهت القوم وأسلموا على يديه .
في نهاية القرن التاسع عشر عين الخديوي حلمي باشا الشيخ محمد عبد مفتيا للديار المصرية ، وكان الخديوي يستقبل زعماء الطوائف في مصر بوصفه الحاكم ،  وكان يزوره قادة اليهود والنصارى ، ويجري بينهم نقاش في الدين والدنيا ، أحس الخديوي بسطحية ثقافته الدينية ، فحار في الدين الحق ، فسأل أحد معاونيه :
ـ من أعلم أهل مصر بالإسلام ؟
فقال المعاون : الشيخ محمد عبده  .
قال الخديوي  : حسنا ، ومن أعلم أهل مصر بالمسيحية ؟
قال المعاون : سيادة بابا القبط  .
فسأل  : ومن أعلم أهل مصر باليهودية ؟
قال المعاون : الحاخام الأكبر .
قال: أطلب منك أن تدعو الشيخ والبابا والحاخام إلى القصر على وجه السرعة .
وتم ما أراد الخديوي ، حضر الثلاثة ، وأعد لهم الملك مجلسا ، وبعد السلام والمجاملة ، قال الخديوي: اسمعوا ، أريد من كل منكم أن يقدم لي حجة واحدة فقط ، يثبت فيها أن دينه الصحيح ، دون أن يدخل في الفلسفة ، حجة واحدة فقط لا يزيد عليها ، ثم قال : ـ تفضل يا سيادة الحاخام .
قال الحاخام بتواضع مصطنع :
ـ شكرا لتقديمي ، ولكني أقدم الكلام لسيادة البابا .
قال الملك : حسنا ، تفضل يا سيادة البابا .
فقال البابا : شكرا لكم ، وأنا بدوري أقدم الشيخ فهو أكبرنا سنا ( رغم أنه كان أصغرهم ، فمن المعروف أن الشيخ توفي في الثامنة والخمسين ) .
قال الخديوي : لا بأس ، تفضل يا شيخ .
أدرك الشيخ ذكاء محاوريه ، فهم يُريدون منه أن يبدأ بقضية ، ويَرُدُّون بأحسن منها كما في المبارزات الشعرية بين الفرزدق وجرير والأخطل أمام الخليفة عبد الملك  ، ففكر الشيخ قليلا ، وقال :
ـ لا بأس ما دمتم قدمتموني فسوف أقول ، ولكن قبل قولي علينا أن نتفق جميعا على جواب سؤال : ما هي غاية الدين الكبرى ؟
قال الحاخام : الحياة الأبدية .
قال البابا : الدينونة .
قال الشيخ : أحسنتم ، غاية الدين متعلقة بالفوز بعد الموت .
فقال الملك : غاية الدين نيل رضا الله ودخول الجنة ، أتوافقون ؟
فقبلوا جمعيا ما لخصه الملك من إجابات ، فقال الشيخ :
ـ إذا دخل اليهود الجنة سيدخل معهم النصارى والمسلمون لأن أتباعهما يؤمنون بموسى عليه السلام ورسالته ، وإذا دخل النصارى الجنة فسيدخل معهم المسلمون لأنهم يؤمنون بعيسى ورسالته ، ولن يدخل معهم اليهود لأنهم لا يؤمنون بعيسى ورسالته ، أما إذا دخل المسلمون الجنة فلن يدخل معهم لا اليهود ولا النصارى لأنهم لا يؤمنون برسالة محمد r .
فأسقط في يد الحاخام والبابا ، نظر الملك إلى الجميع وقال :
ـ لقد قضي الأمر ، انصرفوا إلى أعمالكم .

كم ثمن صلاتك ؟!

كــم ثمـــن صــــلاتك ؟

قال تعالى في سورة آل عمران :
] إِنَّ الَّذِيِنَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدَ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنَاً قَليلاً أُوْلئِكَ لاَ خَلقَ لَهُمْ في الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلَّمَهُمُ اللهُ وَلاَ يَنْظْرُ إِليْهِم يَومَ القِيامةِ ولاَ يُزَكْيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أليمُُ  [  (آل عمران:77)
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ فَاتَهُ صَلاةُ الْعَصْـرِ فَكَأَنَّمَا وَتَرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ .
لو تجرأنا بالسؤال : كم دينارا ثمن إيمانك بالله ؟ أو كم من المال لو أعطيت تكفر بالله ؟ أو أي مبلغ من المال لو أعطيته راودتك نفسك بالكفر ؟ سؤال لا يخلو من الوقاحة ، لأننا تجرأنا ووضعنا المال أمام المبدأ والضمير والعقيدة ، ولكنه جد واقعي ، فما دام الإيمان يزيد وينقص فهو يغلو ويرخص ، ولكن الناس لا يحبون مثل هذه الأسئلة ، رغم أن الكثيرين يبيعون دينهم بغرض تافه من أغراض الدنيا ، وكثير من الآيات تتحدث عن الذين يشرون أنفسهم ويشترونها ، وجاءت يشرون في باب المدح في القرآن ، وجاءت يشترون في باب الذَّم بصورة عامة .
سمعت في أحد البرامج الدينية هذه القصة الطريفة :
كان شيخ يدرس في أحد المساجد في العاصمة السويدية ، ودخل رجل المسجد ، وصار  ينظر في أنحاء المسجد ، ولم يصلّ ركعتين ، فعرف الشيخ أن الرجل مسلم تارك للصلاة قادته رجلا الفضول للمسجد أو جاء يسأل عن أحد الناس ، فدعاه الشيخ للجلوس في الحلقة وبعد  التعارف ، غيّر الشيخ مسار الدرس قاصدا إيصال موعظة إلى  الجالس الجديد ، فقال : في هذه الدنيا لكل شيء ثمن ، فبعض الناس لا يبيع أمانته بدينار ، ولكنه قد يبيعها بمليون دينار ، فأمانة الأول ثمنها دينار ، وأمانة الثاني ثمنها مليون دينار . والصلاة أيضا لها ثمن ، وأسألكم بحق الله تعالى عليكم كم ثمن صلاة كل منكم ؟ فأجيبوا ولا تدلسوا .
 تردد الجالسون واستنكروا السؤال ، وبدا منهم ما يدلُّ على ذلك ، أدرك الشيخ ذهول المفاجأة وقال لهم : أنا إمام المسجد وأعرف أن لصلاتي ثمنا ، وإذا فتنت لا آمن على نفسي كما كان الفاروق عمر لا يأمن على نفسه من جارية سوداء رأسها كالزبيبة ، وأجعل السؤال : عند أي مبلغ من المال تراودك نفسك بترك الصلاة ؟ ولصلاتي ثمن أخبركم عنه أخيرا كي لا تقيسوا عليه . تشجع أحد الحاضرين وقال : قد يوسوس لي الشيطان بعشرة آلاف ، وقال الثاني : بعشـرين ، وقال الثالث : بنصف مليون ، وبخمسة ملايين .. وهكذا حتى وصل إلى الضيف الجديد فقال له : وأنت يا أخي كم ثمن صلاتك ؟ فتردد الضيف ثم قال : أنا يا شيخ للأسف لا أصلي ، فقال الشيخ : كيف تترك كنزا عظيما يساوي الآلاف والملايين بلا مقابل !!
فبهت الجالس ولم يعرف جوابا ، وحفر السؤال في قلبه إشارة مرور تهديه إلى الصراط المستقيم . 
هل نستطيع بعد ذلك أن نقول :
التاجر الذي تفوته صلاة الجماعة ليربح قرشا ، أن الصلاة في جماعة عنده تساوي قرشا؟
وأن الشاب الذي يترك جلسة القرآن حبا في السمر والسهر ،أن جلسة القرآن عنده تساوي نكتة أو قصة سخيفة  ؟
وأن المسلم الذي تفوته صلاة الفجر ليكسب ساعة نوم أن صلاة الفجر عنده تساوي غفوة قصيرة ؟

ليس للعبد أن يختبر ربه ...

ليس للعبد أن يختبر ربه ..
يقول الحقّ جلّ جلاله في سورة الأنعام :
[وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ] {الأنعام:112}
وروى  الترمذي وابن ماجه وأحمد وغيرهم، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم قال  ـ : إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ.
في السبعينيات من القرن الماضي انتشر في فلسطين وخاصة في منطقة رام الله الفكر اليساري ، ونشط طلاب الجامعات في التنظير لأفكاره ، ونشط اليساريون في ميدان العمل التطوعي ، وانتشرت هذه الظاهرة .
أذكر حادثة لا تغيب عن بالي كان لها أشد الأثر مع بساطتها في ضلالي فترة طويلة من الزمن ، فكنَّا نجمع القمامة من ساحة النادي ، ونحرق ما يمكن حرقه ، وحدث أن داعبني أحد الرفاق وقبض على يدي وراء ظهري مازحا ، فتقدم آخر وكفاه سوداوان من شحبار الحريق ، وقال مازحا :
ـ  من يمنعني من (شحبرة ) وجهك ؟
 خطرت على بالي فورا قصة الرسول r مع الرجل الكافر الذي سرق السيف المعلق على الشجرة والرسول نائم ، فقلت ببراءة الأطفال :
ـ  الله .
فما كان منه إلا أن شحبر وجهي بإحدى يديه . فكتمتها في نفسي ولم أسأل عنها ، وحاولت استنتاج ما أريد منها .
حادثة صغيرة كان لها أثر كبير على الشاب الصغير الذي يدرج نحو الثالثة عشرة من عمره ، فحفرت في قلبه حفرة شك باض فيها الشيطان وفرَّخ سنوات عدة . ومرت سنوات ، وكلما خطرت هذه القصة على بالي يغني شيطان الشك في قلبي.
 ذات مرّة وبعد التخرج من الجامعة والعمل في التعليم صحبنا الطلاب برحلة مدرسية إلى دير قرنطل في أريحا ، وصعدنا الجبل إلى دير الرهبان في أعلاه ، هناك سأل طالب بعمر القصة الراهب : لماذا سمي هذا الجبل بجبل قرنطل ؟
 فقال الراهب : قرنطل كلمة يونانية تعني الأربعين ، وعلى هذا الجبل جرّب الشيطان المسيح ( عليه السلام ) أربعين يوما  فكان يقول له انظر إلى مملكة أريحا الثرية الناس فيها يأكلون أطيب الطعام ، ويشربون ألذ الشراب ، ويعيشون برخاء ، وأنت هنا صائم غذاؤك الحشائش ، لو كنت كريما عند الله ما أجاعك وأشبع الناس . ولكن المسيح عليه السلام رفض الإغراء وحافظ على صيامه .
وحدثت عن سبب التسمية لأحد الأخوة من أهل العلم ، فقال الأمر ليس كذلك ، هناك جرّب الشيطان المسيح عليه السلام بقصة أخرى رويت في غير مكان ، ومنها كتاب " أدب الدنيا والدين " :
 فقد ورد أن إبليس اللعين قال لعيسى عليه السلام :
ـ  ألست تقول أنه لا يصيبك إلا ما كتب الله لك ؟
قال : بلى  .
 قال : فارمِ نفسك من ذروة هذا الجبل ، فإنه إن يقدر لك السلامة تسلم .
 فقال عليه السلام : يا ملعون ، إن لله أن يختبر عباده ، وليس للعبد أن يختبر ربه . فكان كلامه ماء طمأنينة بارد يصب على شحبار شك وفد إلى قلبي من نار سبق وأشعلت .

رب كلمة قلبت رجلا ...

لا تبخل بكلمة الحق

قوله تعالى:
[أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ  ] { إبراهيم }

وصدق النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول :
(( لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ ، وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ))
اليوم نقول : وماذا ينفع الكلام . آه لو يجدي الكلام !!
وقديما قالوا : ربّ كلمة قلبت همّة ، وربّ همّة أحيت أمّة .
وكان معاوية يقول : ما زلت أطمع في الخلافة مذ قال لي رسول الله r : " إن ولّيت فأحسن " . 
الكلمة الحق كالبذرة ، حيثما رميتها نفعت ولو بعد حين ، فإن تناولها طير عابر فهي لك صدقة ، وإن جرَّها نملٌ غابر فهي له غذاء ، وإن دفنت في أرض القلوب الطيبة أخرجت شجرة طيبة .
فقل كلمة الحق في كل حال ، وتلطّف في وضعها بين أيدي  الناس ، ولا تقذفها في وجوههم .
بشر الحافي من كبار الزهاد وأئمة الصلاح ، كان في أول حياته صاحب لهو وشرب ، يجمع رفقاء السوء في بيته فيسهرون ويشربون ، وذات يوم مرّ رجل صالحٌ بداره ، فسمع أصوات المعازف واللهو في الدار ، فدقَّ الباب ، فخرجت إليه جارية ، فقال : صاحب هذه الدار حرّ أم عبد ؟ فقالت : بل حرّ  ، فقال : صدقت لو كان عبدا لاستعمل أدب العبودية وترك اللهو والطرب . ومضى في سبيله . فلما عادت الجارية سألها بشر عن الطارق فأخبرته ما كان منه ، فلحق بشر بالرجل حافيا حتى أدركه ، فقال له : أنت الذي وقفت بالباب ، وخاطبت الجارية ، فقال : نعم ، فقال بشر أعد عليّ الكلام ، فأعاده عليه ، فمرَّغ بشر خديه بالتراب ، وقال : بل عبد . ثم هام على وجهه حافيا حاسرا حتى عُرف بالحافي ، وقيل له ذات يوم : لم لا تلبس نعلا ؟ قال : لأني ما صالحني مولاي إلا وأنا حافٍ . فلا زال على هذه الحالة حتى مات .
وجاء في كتاب ( التبصرة لابن الجوزي  ) :
تعلّق رجل بامرأة ومعه سكين ، لا يدنو منه أحد إلا عقره ، وكان شديد البدَن ، فبينما الناس كذلك و المرأة تصيح ، مرّ بشر بن الحارث ، فدنا منه وحكّ كتفه بكتف الرجل ، فوقع الرجل إلى الأرض ، ومرّت المرأة  ومرّ بشر ، فدنوا من الرجل ، وهو يرشح عرقاً ، فسألوه : ما حالك ؟ قال : لا أدري ، ولكن حاكني شيخ وقال : إن الله ـ عزّ وجلّ ـ ناظرٌ إليك وإلى ما تعمل ، فضعفت لقوله وهبته هيبة شديدة لا أدري من ذلك الرجل . فقالوا له : ذلك بشر بن الحارث ، فقال : واسوأتاه كيف ينظر إليّ بعد اليوم ؟ وحمّ من يومه .. 
ورُوي أن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ مرّ  ذات يوم في موضع من نواحي الكوفة ، فإذا فتيان فسّاق قد اجتمعوا يشربون ، وفيهم مغنٍ يقال له زاذان ، يضرب ويغني ، وكان له صوت حسن . فلما سمع ذلك قال ابن مسعود : ما أحسن هذا الصوت لو كان بقراءة كتاب الله ، ومضى ، فسمع زاذان قوله فقال : من كان هذا ؟ قالوا : إنه عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله r ، فقام وضرب بالعود على الأرض فكسره . 
الفضيل بن عياض ، شيخ الحرم المكي ، ومن أكابر الصالحين والعباد ، ولد في سمرقند عام  105 هـ وتوفي في مكة عام 187هـ ، كان قاطع طريق قبل أن يتوب ، وكان يعشق جارية ، فبينما هو يرتقي الجدران إليها سمع تاليا يتلو : ] أَلَمْ يَأْنِِ لِلَذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهم لِذكْرِ اللهِ [ فلما سمعها قال : بلى يا رب ، قد آن ، فرجع فأوى إلى خربة ، فسمع بعض الناس يخوفون بعضهم بالفضيل ، فقال : والله إني تبت إليك وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام .