الاثنين، 27 أغسطس 2012

الإمام يتعلم درسا من لص

  
إنه لأمر عجيب أن ترى بعض أهل الضلال يثبتون على ضلالتهم ويدافعون عن ضلالتهم بكل حزم وإصرار ، ويتحملون في سبيل ضلالتهم المشقات والصعاب ، وينشغلون في تنميتها وتمكينها ، ولا أمل في الجنة ، وفي ذات الوقت ترى أهل الحقّ يتخلون عنه عند أول صدمة ، ويتنصلون منه عند أول ابتلاء ، وهم يطلبون الجنّة ، لاحظ ذلك الخليفة الفاروق عمر ، فكان يستعيذ منه :
اللهم إني أعوذ بك من جَلد الفاجر ، وعجز الثقة .
ولله درّ تلك النفس الأبية التي وجدت في تلك الظاهرة زلزالا يزلزلها :
يكادُ يزلزلُ في همتي    سدورُ الأمينِ وعزم المريب
والله إنها لإحدى الكبر أن ترى طالب الدنيا الفانية يجد ويجتهد ، ويواظب ويواصل ، ويستدرك ويصبر ، وترى طالب الآخرة الباقية متكاسلا متماوتا ، لا يتم عملا ، ولا يصبر على عنائه ، ينام على فراش الأمل الكاذب ، يتوسد التسويف ويتدثر بالآمال الكاذبة ، فيحتفل بأضغاث الأحلام ، حتى إذا استيقظ على كارثة أو هزيمة راح يتمغط كسلا ، وجلس يتثاءب بملء شدقيه ، ويدعو بالنصر والتمكين ، ويسأل الله تعالى جنة عرضها السموات والأرض .
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : كنت كثيرا أسمع والدي يقول : رحم الله أبا الهيثم . غفر الله لأبي الهيثم . عفا الله عن أبي الهيثم .
فقلت : يا أبتِ من أبو الهيثم ؟ فقال : لما أخرجت للسياط ومدت يداي ، إذا أنا بشاب يجذب ثوبي من ورائي ويقول لي : تعرفني ؟ قلت : لا . قال : أنا أبو الهيثم العيار اللص الطرار ! مكتوب في ديوان أمير المؤمنين أني ضربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق ، وصبرت في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا ، فاصبر أنت في طاعة الرحمن لأجل الدِّين .

الجمعة، 24 أغسطس 2012

كن راحلة في الإسلام .. ننتصر بك !!

عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ ، لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً " . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ  ".
راحلة أي : ناقة شابة ، قوية ، مرتاضة ، تصلح للركوب ، فكذلك لا تجد في مائة من الناس من يصلح للصحبة ، وحمل المودة وركوب المحبة ، فيعاون صاحبه ويلين له جانبه .
نقرأ في التعليق على هذا الحديث عند عموم الشارحين ..
" .. هذا الحديث مشتمل على خبر صادق ، وإرشاد نافع. أما الخبر، فإنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخبر أن النقص شامل لأكثر الناس، وأن الكامل – أو مقارب الكمال – فيهم قليل، كالإبل المئة، تستكثرها. فإذا أردت منها راحلة تصلح للحمل والركوب، والذهاب والإياب، لم تكد تجدها. وهكذا الناس كثير ، فإذا أردت أن تنتخب منهم من يصلح للتعليم أو الفتوى أو الإمامة، أو الولايات الكبار أو الصغار، أو للوظائف المهمة، لم تكد تجد من يقوم بتلك الوظيفة قياماً صالحاً .. "
ويمكن النظر في الحديث من الوجه المتفائل المبشّر ، فيمكن القول أن الناس لكي يصلح حالهم يكفي أن يكون فيهم واحد بالمئة من الأفراد يتمتعون بسمات الرواحل ، ففي قرية عدد سكانها ثلاثة آلاف نسمة يتغير حالها ويصلح أمرها إذا توفر فيها ثلاثون فردا يتصفون بصفات الراحلة القدرة على حمل هم من هموم الدعوة ، وصفات وخصائص الراحلة المسلمة هي صفات حزب الله الخمس الأساسية المذكورة في قوله تعالى :
{  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{54} إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ{55} وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } { المائدة : 56 }  

الخميس، 23 أغسطس 2012

على طريق الربانية ..

نقرأ في معاني  الربانيين في قوله تعالى :
{ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ } [آل عمران:79]
قال سعيد بن جبير: العالم الذي يعمل بعلمه، 
وعن ابن عباس: فقهاء معلمون.
وقيل: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره،
وقال المبرد: هم أرباب العلم سُموا به لأنهم يربون العلم، ويقومون به ويربون المتعلمين بصغار العلوم. 
 وجاء في كنز العمال 4/70 : أن رجلا ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: صف لي الجنة، فقال النبي: فيها فاكهة ونخل ورمان. وجاء رجل آخر إلى النبي يسأله: صف لي الجنة يا رسول الله، فقال له: سدر مخضود وطلع منضود وفرش مرفوعة ونمارق مصفوفة. وجاء رجل ثالث: صف لنا الجنة يا رسول الله، فقال: فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين. وجاءه رجل رابع: صف لنا الجنة يا نبي الله فقال: فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.فقالت له السيدة عائشة: ما هذا يا رسول الله؟ فقال لها صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم!

في مقدمة صحيح مسلم عن ابن مسعود، قال: ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة .
وعن ثمامة بن أشرس قال : شهدت رجلا وقد جاء خصما إلى بعض الولاة ، فقال الرجل : أصلحك الله ، أنا رافضي ناصبي ، وخصمي جهمّي مشبّه ، مجسِّم قدري ، ويشتم الحجاج بم الزبير ، الذي هدم الكعبة على علي بن أبي سفيان، ويلعن معاوية بن أبي طالب .
فقال له الوالي : ما أدري مما أتعجب ، من علمك بالأنساب ، أم من معرفتك بالألقاب ؟!
فقال الرجل : أصلحك الله ، ما خرجت من الكتاب ، حتى تعلمت هذا كلّه .
وقل لأحدهم : أيهما أفضل أبو بكر أم علي ؟ قال : علي أفضل . قيل : وكيف عرفت ذلك : قال : لأن أبا بكر لما مات مشى علي في جنازته ، ولما مات عليّ لم يمشِ أبو بكر في جنازته .
فأين الربانيون الذين يأخذون بأيدينا في الدين برفق ، حتى تستوعب عقولنا أسس الدين ، وتطمئن قلوبنا بحقائقه ، وتنشط أجسادنا في الطاعات ، قبل أن يدخلونا في أودية المتشابهات، وزراديب الخلافات ، ومتاهات الفرق ، ومزالق السياسات  ؟؟  

الأربعاء، 22 أغسطس 2012

حطب جهنم وسؤال مشروع ..!!

نقرأ في القرآن الكريم :( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ )
ونقرأ : ( وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ)
  ونقرأ :( وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ )
ونقرأ : ( إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ )
ونقرأ: (وَإِنْ تُطَع أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)
ونقرأ في الحديث الشريف :  عن ابن عباس –رضي الله عنه- قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: ( عرضت علي الأمم فجعل يمر النبي ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان والنبي ومعه الرهط والنبي وليس معه أحد ...) [ متفق عليه ]
وهذا يوصلنا إلى أن أغلب الناس يدخلون النار ، فكيف ذلك ؟  
روي أن عجوزا سألت عالما :
أين رحمة الله بعباده ، وأغلب أهل الأرض يدخلون النار والعياذ بالله ؟!
فقال العالم : ألك نخل ؟ قالت : نعم ؟
قال : أتحبينه ؟ قالت : نعم .
قال : أيهما أكثر خشبه أم ثمره ؟ قالت : خشبه .
قال : فأين يذهب خشبه الكثير ؟ قالت : إلى النار .
قال : فأين حبك للنخلة ؟! فسكتت .
ولكي تصير المسألة أكثر وضوحا نتعرف إلى حقيقتين متفق عليهما :
الأولى : الكون في معظمه مظلم حالك الظلمة ، فالظلام هو الأصل والنور هو الاستثناء ، والقرآن يذكِّرنا أن الإيمان نور والكفر ظلام .
الثانية : الكون في معظمه ميت لا حياة فيه ، والحياة على الأرض استثناء ، والقرآن الكريم يذكرنا أن الكفر موت والإيمان حياة .
فكيف تعجب عندما تعلم أن معظم الناس في النار ؟!!
ويوجهنا الفضيل بن العياض  لترك الجدل :
' اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين'.

الثلاثاء، 21 أغسطس 2012

التافهون للتافهات

قال الجاحظ : وذ ُكر لي عن أبي بكر الهذلي قال :كنا عند الحسن البصري إذ أقبل وكيع بن أبي سود فجلس، فقال يا أبا سعيد : ما تقول في دم البراغيث يُصيب الثوب: أيصلي فيه ؟ فقال : يا عجبا ً ممن يلغ في دماء المسلمين كأنه كلب ، ثم يسـأل عن دم البراغيث !! فقام وكيع يتخلج في مشيته كتخلج المجنون ، فقـال الحسن :إن لله في كل عضو منه نعمة فيستعين بها على المعصية، اللهم لا تجعلنا ممن يتقوى بنعمتك على معصيتك .
في حرب عام 1948 التي ضاعت فيها فلسطين وشرد أهلها في بقاع الأرض ، تلك الحرب التي انهارت فيها جيوش العرب أمام عصابات الصهاينة ، تلك الحرب التي قال فيها محمد فوزي أحد وزراء الخربية في مصر : لو أطلق كل جندي مصري رصاصة واحدة لهزمت إسرائيل ، في تلك الحرب أرسل الملك فاروق إلى ملك الأردن أن شكاوي كثيرة تأتيه من الجبهة لأن علم الأردن مرفوع على بعض المواقع أعلى بعشر سنتميترات من علم مصر .
ووفي عام 1999 اجتمع الرئيس الأمريكي بل كلينتون مع زعماء الهنود الحمر لأول مرة في التاريخ الأمريكي في البيت الأبيض، ومن المعروف أن الرجل الأبيض دخل أمريكيا بالحديد والنار ، وأباد الهنود الحمر ولم يبق منه اليوم إلا ما يقارب من المليون ونصف يعيشون في محميات تنتشر بينهم الأمراض الجنسية ، ويقضون الوقت في لعب القمار وشرب الخمور .
كان أهم مطلب لزعماء الهنود الحمر من الرئيس الأمريكي أن يوفر لهم كميات من ريش النسور ليزنوا به رؤوسهم في الاحتفالات ، لأنهم يجدون صعوبة في الحصول عليه .
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ , وَيُحِبُّ مَعَالِيَ الأَخْلاقِ , وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا " .

جهاز لكشف بضاعة السلطان .. !!

تعلمنا كتب التاريخ كيف نكشف ما يدور في كواليس الحكام والسلاطين ، وتمدنا بمنظار سحري يمكننا أن نعرف ما تخفي ابتسامتهم وخطاباتهم أمام الناس ، منظار يكشف لنا ما يدور في قصورهم وأنديتهم ، ويريحنا من عناء التحري والبحث .
وروي أن سليمان بن عبد الملك قال لأبي حازم الفقيه : عظني وأوجز .
فقال : إنما أنت سوق من الأسواق ، فما نفقَ عنكم حُمل إليكم ، فاختر لنفسك ما أحببت ، إن أردت الحق أتاك أهله ، وإن أردت الباطل أتاك أهله ، والناس على دين السلطان إلا قليل ، فيكن للبر والمروءة عندك نُفاق ، فيكسد بذلك الفجور والدناءة في الأرض .
وذُكر عن الطبري في تاريخه أنه قال :
( كان الناس إذا أصبحوا في زمن الحجاج يتساءلون إذا تلاقوا: من قُتل البارحة ، ومن صُلب ، ومن جُلد ؟؟  وكان الوليد بن عبد الملك صاحب بناء ، واتخاذ المصانع والضياع ، وكان الناس يلتقون في زمانه،  فيسأل بعضهم بعضا عن البناء والمصانع والضياع،  فولى سليمان بن عبد الملك،  فكان صاحب نكاح وطعام،  فكان الناس يسأل بعضهم بعضا عن التزويج والجواري،  فلما ولى عمر بن عبد العزيز كانوا يلتقون، فيقول الرجل للرجل : ما وراءك الليلة،  وكم تحفظ من القرآن  ومتى تختم وما تصوم من الشهر).
فإذا أردت أن تعرف بضاعة السلطان أو الحاكم السريّة في بلد ، فاسمع ما يتحدث به الناس علانية في الأسواق ..  
و عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : " لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ عَمِلَ فِي صَخْرَةٍ صَمَّاءَ لا بَابَ لَهَا وَلا كُوَّةَ لأَخْرَجَ اللَّهُ , عَزَّ وَجَلَّ , عَمَلَهُ كَائِنًا مَا كَانَ " .

كم يساوي الإنسان بلا روح ؟؟

إذا جئنا بإنسان زنته 70 كغم ، وجدنا أن جسمه يتكون من  :
كمية  من الدهن تكفي لصنع سبعة قطع من الصابون ، وكمية من الكربون تكفي لصناعة  سبعة أقلام رصاص ، و كمية  من الفوسفور تكفي لصنع رؤوس 120 عود كبريت ، وكمية من الحديد تكفي لعمل مسمار متوسط الحجم ، وكمية من الشيد تكفي لطراشة غرفة صغيرة ، كمية  من الماء تملأ برميلا سعته 45 لتر ، فيكون سعر الإنسان مواد  مصنعة أقل من خمسة دنانير .
فما الذي يجعل الإنسان لا يبيع أصغر أصابعه بآلاف الدنانير ؟
إنها الروح ، تلك النفخة الربانية المباركة  في هذا الجسد المادي ، فالإنسان جسد وروح ،  قال تعالى :   
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍJ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍJثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ

فقد نفخ الله تعالى من روحه النورانية الباقية في هذا الجسد الطيني الزائل ، فصار الجسد سجنا للروح  ، فكان الصراع بين روح تسمو إلى سماء الفضائل وجسد يهفو إلى أرض الرذائل ، روح تشد الإنسان إلى المعالي ، وجسد يشد الروح إلى شهواته .
الجسد هو الصدفة ، والروح هي اللؤلؤة الثمينة  .
الجسد هو القفص ،  والروح هي الطائر الغرِّيد .

وكان رمضان ، وكان الصيام فريضة من الله لتزكو به النفوس وتطهر وترتقي ، قمع لشهوات الجسد لإضعاف أسوار سجن الروح لعلها تشرق بنور ربها ، وتتحر من قيود الجسد وشهواته .
هذه قصة طريفة وغريبة عن فقير بنى مسجدا لله في منطقة " فاتح " في اسطنبول ، واسم ذلك الجامع بالتركية " صانكي يدم " أي " كأنني أكلت " !! .
ولهذا الاسم الغريب قصة اغرب وأعجب ، كان يعيش في منطقة " فاتح " شخص فقير وورع اسمه " خير الدين كججي أفندي " ، كان هذا الرجل عندما يمشي في السوق وتتوق نفسه لشراء فاكهة أو لحم أو حلوى ، يقول في نفسه : " صانكي يدم " أي " كأنني أكلت " ، ثم يضع ثمن تلك الفاكهة أو اللحم أو الحلوى في صندوق له،  ومضت الأشهر والسنوات ، وهو يكف نفسه عن كل لذائذ الأكل ، ويكتفي بما يقيم أوده فقط ، وكانت النقود تزداد في صندوقه شيئا فشيئا ، حتى استطاع بهذا المبلغ الموفور أن يبني مسجدا صغيرا في محلته ، ولما كان أهل المحلة يعرفون قصة هذا الشخص الورع الفقير ، وكيف استطاع أن يبني هذا المسجد ، فقد أطلقوا على الجامع اسم "جامع صانكي يدم" .
وجاء في ترجمة الإمام الغزالي :
لما أحس أبا حامد الغزالي دنو أجله ، قال لبعض أصحابه : ائتني بثوب جديد ، فقال له : ما تريد به ؟ قال أبوحا مد سألقى به الملك . فجاءوه بثوب، فطلع به إلى بيته ، وأبطأ على أصحابه فلم يعُد . فذهب إليه أصحابه يستطلعون نبأه، فإذا هو ميت، وعند رأسه ورقة كتبت فيها هذه الأبيات:
قل لأخوانٍ رأوني ميتا
أتظنوني بأني ميتكم
أنا في الصّور وهذا جسدي
أنا عصفور وهذا قفصي
لا تزعجكم هجمة الموت فما


فرثوني وبكوا لي حزنا
ليس هذا الميت والله أنا
كان بيتي وقميصي زمنا
طرتُ عنه وبقي مرتهنا
فما هي إلا نقلةٌ من هاهنا

مهر الكذابة من الكذاب ...!

مهور النساء عبر العصور تعبير عن روح العصر وظروفه ، وهي معيار لقيم المجتمع وطموحاته ، مهر أم سليم من أبي طلحة كان الإسلام ، وكان صداق علي لفاطمة درع من حديد ، ونقرأ عن صحابي دان صداقه آية من كتاب الله ، ونعجب عندما نقرأ أن مهر المرأة في جزيرة جاوة الغربية هو 25 فأرا ، وحاكم جاوة فرض هذا المهر في سبيل القضاء على الفئران التي أصبحت خطرا يهدد محصول الجزيرة .
ولكن أخطر مهر هو ما قدمه مسليمة الكذاب صداقا لسجاح الكذابة ، فما كان ؟
مسيلمة الكذاب ادعى النبوة في عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ويروى أن عمرو بن العاص زاره في الجاهلية ، فقال له مسيلمة : ماذا أنزل على صاحبكم في هذا الحين ؟ فقال له عمرو : لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة ( والعصر إن الإنسان لفي خسر .. ) .
فكر مسليمة ساعة ثم قال : لقد أنزل عليّ مثلها .
فقال عمرو وما هي ؟ قال: يا وبر يا وبر ، إنما انت إيراد وصدر ، وساترك حفر نقر .. ! ثم قال : كيف ترى يا عمرو ؟ فقال عمرو : والله إنك تعلم ، أني أعلم أنك كذاب ، وأعلم أن محمدا صادق ، ولكن كذاب ربيعة أحب إليًّ من صادق مضر .
وفي عهد أبي بكر كثرت الردة وظهور أدعياء النبوة ، وأشهرهم سجاح بنت الحارث من بني تميم ، وزحفت بمن معها من أتباع لتقاتل مسليمة .  
ولما سمع مسيلمة عن قدوم سجاح لمحاربته بدأ يعد المكر لأنه لا يستطيع محاربة هذا الجيش الكبير فقال لخدمه : انصبو خيمة كبيرة قريبة من سجاح وبخروها بالبخور وأغلقوها, وقدمت سجاح  , ثم تزوجها وأقامت عنده ثلاثة أيام ثم رجعت إلى قومها. فقالوا: ما أصدقك فقالت: لم يصدقني شيئا. فقالوا: إنه قبيح على مثلك أن تتزوج بغير صداق، فبعثت إليه تسأله صداقا فقال: أرسلي إلي مؤذنك. فبعثته إليه وهو شبت بن ربعي. فقال: ناد في قومك إن مسيلمة بن حبيب رسول الله قد وضع عنكم صلاتين مما أتاكم به محمد يعني صلاة الفجر وصلاة العشاء الآخرة فكان هذا صداقها عليه .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَثْقَلَ الصَّلاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاةُ الْعِشَاءِ , وَصَلاةُ الْفَجْرِ , وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهَا , لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا " .
وقال تعالى في سورة الإسراء :
{ أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا * وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا * وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا }

السبت، 11 أغسطس 2012

الشاعر الذي لم يتعب ربه

شعراء فلسطين المخضرمين ليسوا على وفاق مع رمضان ، ومع الدين بشكل عام ، فهذا سميح القاسم يجاهر :

رمضان كريم جدا

والعبد سميح القاسم

ليس يدبصائم

وهنا الشاعر يقول ما يفعل لأنه لا يخشى درة عمر ولا سيف الحجاج فهو في دولة تصف نفسها بأنها واحة الديمقراطية وحرية التعبير وليس العبور ..

ولما وضع الاحتلال في الخمسنيات  قانون أملاك الغائبين ، وقام حارس أملاك الغائبين بوضع اليد على بعض المساجد ، قال الشاعر راشد حسين :

الله صار غائبا يا سيدي          صادر إذن حتى بساط المسجدِ

ولراشد حسين قصة فيها عبرة ..

فقد كان يكرر في قصائده عبارات خارجة عن المقبول شرعا ، ومن تلك العبارات :

أنا تعبانُ من الربِّ الذي حوله جدي بياع جنان وجواري

والذي من أجل حرقي

سوف أقضي العمر في جمع الحطب ..

ومن العجيب أن الشاعر سافر بعدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، وهناك عمل في البعثة الفلسطينية في الأمم المتحدة ، وأصيب في غربته بغم ثقيل ، وتعذبت نفسه ، فأدمن الخمر والتدخين لكي يخرج من بؤس غربته وشقائه بعيدا عن وطنه الذي أحب ، وغادره طوعا ، والخمر وإن كانت عند أهل الدين أم الخبائث ، فهي عند الشعراء " للشعر لا للسكر تنعصرُ " .

وذات يوم عاد إلى غرفته في الفندق في نيويورك ، متعبا مثقل الرأس ، اضجع على فراشه ، والسيجارة مشتعلة في بين أصابعه ،فسقط من نارها على الفراش ، واحترق ، واحترق الشاعر ومات  ..

وأعيد جثمانه ، ودفن في فلسطين ، ورثاه شعراء ونقاد وأدباء ، وكان أبلغ ما قيل يومها :

ـ هذا رجل ، لم يتعب الله في جمع الحطب .




الجمعة، 10 أغسطس 2012

مراحل المحبة عند الغزالي

من روائع  حجة الإسلام أبي حامد الغزالي في تفسير  الآية 20 من سورة الحديد

 {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}

 قال : المحبة تمرّ مع الإنسان خلال عمره في خمس مراحل :

المرحلة الأولى : تبدأ مع الإنسان في سن التمييز ، فالصبي في أول حركته وتمييزه يظهر فيه غريزة بها يستلذ اللعب واللهو ، حتى يكون عنده ألذ من سائر الأشياء ، واللعب ما يتعب فيه الإنسان دون فائدة ، ويتلهى به ثم يذهب .

 المرحلة الثانية : تبدأ مع الإنسان في فترة الفتوة ، وهي لذة الزينة ، ولبس الثياب ، وركوب الخيل ، فيستحقر معها لذة اللعب .

المرحلة الثالثة : وتظهر بعد المرحلة الثانية ، فتظهر في الشاب لذة الوقاع ، وشهوة النساء ، فيترك بها جميع ما قبلها في سبيل الوصول إليها .

 المرحلة الرابعة : ثم يظهر بعدها لذة الرئاسة ، والعلو ، والتكاثر ، وهي آخر لذات الدنيا وأعلاها .

 المرحلة الخامسة : وتظهر بقرب الأربعين ، إذ تظهر غريزة أخرى ، يدرك بها معرفة الله تعالى ومعرفة أفعاله ، فيستحقر جميع ما قبلها ، فكل متأخر فهو أقوى مما قبله من المراحل .

 كان عمر بن عبد العزيز يقول :

" .. لي نفس توّاقة ، يوم كنت في المدينة تاقت نفسي إلى الإمارة ، ويوم صرت أمير المدينة تاقت لما هو اعلى منها للخلافة ، ولما صرت في الخلافة تاقت نفسي إلى الجنة .. " .

المذيع الذي قتله لسانه


المذيع اللبناني أميغو ولد عام 1951  لعائلة درزية. في مطلع السبعينيّات  مثل  على خشبة كازينو لبنان  حيث قام بتقليد عدد من كبار الفنانين ( سخرية واستهزاء ) ، وفي عام  1976  عُرض عليه العمل في إذاعة مونتى كارلو  ، وتميّز حينها بإدخال اللهجة العامية إلى الأثير، بعدما كانت الفصحى هي السائدة.

شارك بالتمثيل في فيلم حسناء والعمالقة ( شبه الإباحي )  وغنّى « تمارا» في فيلم آخر الصيف ( أو آخر الحياء )  .

عمل اميغو  في مونتكارلو لمدة 17 عاما تميز خلالها ببرنامج مرسال الهوى وكان المذيع الالمع فيها وساعد ذلك على الغيرة الشديدة لبعض زملائه منه وتدبير المكائد له فاختلف مع الإدارة واثر على تقديم استقالته من عمله وقبلت الاستقالة نتيجة اصراره الشديد عليها وترك الاذاعة متوجها إلى اذاعة الشرق من باريس التي لم يستمر فيها غير فترة بسيطة وفاجئه مرض السرطان .

تقول موسوعة الويكيبديا  أن أميغو  أصيب بسرطان بالمخ وهو على الهواء مباشرة ففقد الذاكرة أثناء حديثه على الهواء ، وتوجه إلى المشفى وفوجئ الكل باصابته بسرطان في المخ ترك العمل باذاعة الشرق وعاد إلى بلده ليموت بين اهله ..

كنت شاهد على خبر نعيه حوالي عام 1992 ، وجاء في الخبر " أن الأميغو  ح. و  توفي بسبب سرطان نادر أصاب لسانه " ، يومها قلت سبحان الله مذيع لا يحتاج من الدنيا غير لسانه ، فيكون المرض فيه ، ويقتله ..

يقول المغني البريطاني المسلم يوسف إسلام :

" في الفن يصارع الفنان ، ويكافح ليل نهار لكي يصل إلى القمة ، وعندما يصل يكتشف أنه قد أضاع نفسه ، لذا قررت البحث عن نفسي فوجدتها في الإسلام " .

 

سبب عجيب للبكاء

بكاء لسبب عجيب ، هو بكاء صاحب سليمان بن يسار

هو أبو أيوب سليمان بن يسار، مولى أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث .  

أحد فقهاء المدينة  السبعة، كان عالما ثقة عابدا ورعا حجة، كثير الصيام، فقيها كبيرا لذا كان سعيد بن المسيب  سيد الفقهاء في عصره إذا سأله أحد في معضلة، يقول له: اذهب إلى سليمان بن يسار فإنه أعلم من بقي اليوم، ويقول الإمام مالك عنه: كان سليمان من علماء الناس بعد  سعيد بن المسيب ، وكان كثيرا ما يوافقه. 

وكان حسن الهيئة جميل الوجه، وقد جر عليه جمال وجهه بعض المتاعب وعرضه لبعض الفتن التي عصمه الله منها لخشيته وتقواه فقد قام برحلة من المدينة إلي مكة هو ورفيق له، ولما وصلا إلي الأبواء ضربا خيمة أقاما بها، وذهب رفيقه إلي السوق يشتري بعض ما يحتاجون إليه، وبصرت به أعرابية كانت تقيم بالجبل المطل على الخيمة، فأخذ حسنه وجمال وجهه بلبها، فانحدرت إليه في الخيمة، وجلست بين يديه، وأسفرت عن وجهها، يقول راوي الخبر فبدا كأنه فلقة قمر، وتحدثت إليه، فظن أنها تريد طعاما، فقام إلي ما عنده من طعام ليعطيها إياه. فقالت: لست أريد هذا إنما أريد ما يكون من الرجل إلي أهله.
فقال: جهزك إلي إبليس، ثم وضع رأسه بين كفيه وأخذ يبكي وينتحب، فلما رأت منه ذلك، أسدلت برقعها على وجهها، وانصرفت عائدة إلي خيمتها. ولما عاد صاحبه، وقد ابتاع ما يحتاجان إليه، ورآه وقد انتفخت عيناه من البكاء، وانقطع حلقه.
فقال له: ما يبكيك؟
قال: خير .. ذكرت صبيتي.
قال: لا، إن لك قصة، إنما عهدك بصبيتك منذ ثلاث أو نحوها، ولم يزل به حتى أخبره بشأن الإعرابية فوضع ما جاء به وانخرط في بكاء حار، ودهش سليمان من بكاء صاحبه.
وسأله: ما يبكيك؟
قال: أنا أحق بالبكاء منك.
قال: فلم؟
قال: لأني أخشى أن لو كنت مكانك لما صبرت عنها.
وقال راوي الخبر: فمازالا يبكيان.
فلما انتهى سليمان إلي مكة، وطاف وسعى، أتى الحجر، واحتبي بثوبه، فنعس، فإذا به يرى في النوم: رجلا وسيما جميلا طوالا، له شارة حسنة، ورائحة طيبة. فسأله سليمان: من أنت رحمك الله؟
قال: أنا يوسف بن يعقوب.
قال: يوسف الصديق؟
قال: نعم.
قلت: إن في شأنك وشأن امرأة العزيز لشأنا عجيبا.
فقال له يوسف: شأنك وشأن صاحبة، الأبواء أعجب. وهذا الخبر يدل على ما كان يتمتع به سليمان بن يسار من عفة وأمانة وتقوى لله ومراعاة لحرماته وخشية منه. وكان شأن سليمان شأن الفقهاء في عصره يبدو نظيف الثياب، حسن المظهر. وقد عاش سليمان ثلاثا وسبعين سنة وتوفى على أرجح الأقوال عام سبعة ومائة للهجرة. فرحمه الله وأجزل مثوبته

الخميس، 9 أغسطس 2012

أبو عتاب الزاهد عدو الكلالة ..

من أخطر ما يواجه شباب الإسلام اليوم ما يعرف بالعوم : قانون القصور الذاتي ، الذي نصه " الجسم الساكن يبقى ساكنا ما لم تؤثر به قوة تحركه ، ومثله في القرآن الكريم ـ ولله المثل الأعلى ـ :

{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}. النحل : 76 .

والسيف الكليل هو السيف الذي لا يقطع ، فليس له في السيوف إلا الجراب والاعجواج ..

المسلم الكليل تقول له لم لا تحفِّظ القران في مسجد حيك ؟

فيقول : لم يطلب مني أحد ذلك .
وإذا قيل له : لماذا لا ترسل أولادك ليتعلموا القرآن وتحثهم على ذلك .

قال أمهم لم تشجعني على ذلك !!

وإذا قيل له مسجد حيكم يحتاج لصيانة .

قال تلك مهمة المؤذن أو الإمام ولم يطلبوا مني صيانته !!

فهو ساكن لا يتحرك إلا بأوامر بشرية ، وكأن الله تعالى لم يكلفه بالواجبات ، ولم يجعل له نورا يمشي به في الناس ، إذا رأيت مثل ذلك الشاب المتماوت ، فاسترجع وقل : إنا لله وإنا إليه راجعون .

يحكى أن أبا عتاب الزاهد : كان يسكن (مقابر بخارى )
دخل المدينة يوماً ليزور أخاً له في الله فوجد غلمان أميرها نصر بن أحمد خارجين من داره بالملاهي والمعازف , فأخذت أبا عتاب شدةٌ وغيرةٌ لله , فرفع رأسه إلى السماء باكيًا وداعياً واستعان بالله على قمع هذا المنكر ....!
وحمل عليهم بعصاه فولوا الأدبار منهزمين إلى دار الأمير وأخبروه خبره ,فدعاه الأمير إلى مجلسه معاتباً ومؤنباً قائلاً :
أما علمت أن من يخرج على السلطان يتغدى في السجن ؟؟
أبو عتاب : أما علمت أن من يخرج على الرحمن يتعشى في النيران ؟
الأمير: من ولاك الحسبة؟
أبو عتاب : من ولاك أنت الإمارة ؟
الأمير: ولانيها الخليفة !
أبو عتاب: ولاني الحسبة رب الخليفة..!
الأمير : أذهب قفد وليتك الحسبة ...!
أبو عتاب : عزلت نفسي عنها ....!
الأمير : العجب ..!من أمرك تحتسب حين لا تؤمر وتمتنع حين تؤمر!!!
أبو عتاب : لأنك إذا وليتني عزلتني وإذا ولاني ربك لن يعزلني أحد !!!
الأمير : سل حاجتك تعطَ !!
أبو عتاب : حاجتي أن ترد علي شبابي !
الأمير : ليس ذلك ألي ولا استطيعه !!
أبو عتاب : حاجتي أن تكتب إلى مالك خازن النار أن لا يعذبني !
الأمير : سبحان الله ليس ذلك أليَّ أيضا !!
أبو عتاب : أن تكتب إلى رضوان خازن الجنة أن يدخلنيها !
الأمير : ليس ذلك أليَّ ولا أملكه لنفسي فكيف لغيري !!!
أبو عتاب : أنا أذاً مع الرب جل وعلا مالك الحوائج كلها , فقد عودني أن لا أسأله حاجة غلا أجابني إليها من غير منَّة ولا أذى ....!!!
فخلَّى الأمير سبيله وذهب مرفوع الرأس منصوراً .....
رحم الله تعالى أبا عتاب لقد أعطانا حقاً درساً علمياً في معرفة الله تعالى وأن من عرف الله تعالى صغر في عينه ما سواه فهذة ذكريات الخلود التي سجلها التاريخ بقلم من نور تفنى الدنيا وما عليها واحاديث هؤلاء الكرام باقية لا تزول , ورحم الله الفضيل بن عياض حيث قال :
من خاف الله تعالى لم يضره أحد ومن خاف غير الله لم ينفعه أحد

الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

سكينة بنت الحسين تصنف الأجيال

سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب سليلة بيت علم وتقوى ، لقيت من الدنيا ، وتقلبت بها الأحوال حتى صارت خبيرة بأخلاق الرجال ، وكانت مع ذلك أديبة ناقدة يجتمع عندها الشعراء وتحكم بينهم ، أنشدها شاعر يوما قول لبيد :
ذهب الذين يعاش في أكنافهم     وبقيت في خلفٍ كجلد الأجربِ
فقالت : لله أبوه ، ما كان أشعره !
فقالوا : وكيف ذلك يا أم المؤمنين ؟
قالت : كان القوم إذا عرف أحدهم عن أخيه خًلّة ( حاجة ) سدها من حيث لا يعلم ، وجاء قوم كان أحدهم إذا عرف عن أخيه خلة سدها من حيث يعلم ، ثم ذهب هؤلاء ، وجاء قوم ، كان أحدهم إذا عرف عن أخيه خلة أحب أن يسأله ، فإذا سأله أعطاه ، ثم ذهب هؤلاء وجاء قوم ، كان أحدهم إذا عرف عن أخيه خلّة ، أحب أن يسأله ، فإذا سأله منعه ، ثم فضحه .
رحمتك يا رب ، هذا في القرون الأولى فكيف بنا اليوم ، كان ذلك في زمن السابقين بالخيرات ، فكيف بنا اليوم ..

الشاعر و حفار القبور

تشيع اليوم على ألسنة الناس أدعية مثل :
أطال الله في عمرك .. فرّحك الله بأولاد أولادك .. وينساك الموت .
وإذا خاطبنا ذا مكانة قلنا :
يا طويل العمر .. أدامك الله   .. مدّ الله في ظلك ..
ونقرأ في دعاء من سبقونا من الصالحين :
تربت يداك ... ثكلتك أمّك .. أحسن الله ختامك ومثلها ..
والسنة تعلمنا أن نقرن الدعاء بطول العمر بحسن الخاتنة وزيادة الصالحات
باختصار هناك أقوام تبني وتنشط لكي تنسى الموت ، وهناك أقوام إذا دعا الرجل لأخيه قال : جعل الله الموت مني ومنكم على بال .
يروى أن الشاعر العراقي الشهير بدر شاكر السياب عندما أصيب بمرض السل ، وتيقن من قرب الأجل ، وكان المرض قد انتشر في المدينة ، وأهلك أهلها ، أراد أن يحجز لنفسه قبرا ويريح أهله من البحث عن قبر ، وفعلا ذهب لإلى المقبرة العامة ، وقابل حفار القبور ، المسؤول عن المقبرة ، وقال له أريد أن أشتري قبرا لي ، فما كان من حفر القبور إلا أن تجهله وقال : لا يوجد عندنا قبور ، فقال السياب سأدفع لك ضعف الثمن ، فرد عليه الحفار : يا أخي لا يوجد ف يمقبرتي قبورا للبيع فالموت في البلد كثير ، وجميع القبور محجوزة .
فقال السياب : يا رجل ، أنا شخص غريب في المدينة ، وأخاف إن مت أن لا أجد قبرا يحويني .
فقال الحفار : قلت لك القبور جميعها محجوزة ، وأنا كما ترى رجل مريض ، وكبير في السن ، فلا تثقل عليّ .
هنا خطرت للشاعر فكرة ، وقال : ما رأيك لو تكرمت عليّ ، وبعتني القبر الذي حجزته لنفسك !
فسكت الحفار هنيهة ، وكأن مفاجأة أخرسته ، وقال : يا الله ، أتدري أني أدفن في كل يوم أناسا كثيرين ، وأرتزق من هذا العمل سنوات ، ولكني نسيت أن أحجز لنفسي قبرا ، وكأني لا اموت ..

ســـرّ هيبـــــة الرجال



الهيبة كما يعرفها الغزالي خوف منشؤه التعظيم ومصدره الإجلال، لذا لا نسمي الخوف من العقرب مهابة ويصح أن نسمي الخوف من السلطان العظيم مهابة، وأكثر ما تكون مع المحبة والمعرفة، كما قالت العرب:
أهـابُكَ إجـلالاً ومـا بـكَ قدرةٌ          علـيَّ ولكنْ مـلءُ عينٍ حبيبــها
 والهيبة مطلب خاص لكل من يطلب التأثير في الناس، لذا نجد صاحب الحكم و سلطان،يحرص عليها كل الحرص ، فإذا ظهر للناس لبس فاخر الثياب ، وأحاط  نفسه بالجنود أو الحراس أو الأتباع، وإذا تحرك ترافقه المركبات الفخمة، وحتى في التسمية نراه يسمي " الركن المهيب "، فهو يصنع الهيبة بمظاهر خارجية، ونسمي هذه الهيبة المصطنعة ؛ لأنها تزول بزوال عارضها ، أما الهيبة التي تبقى وتلازم صاحبها فهي الهيبة الذاتية، النابعة من ذات الرجل لا مما حوله، وهي مطلبنا في هذه المعادلة ، فما هو مصدر الهيبة الذاتية التي تحيط ببعض الناس دون غيرهم ؟؟
 للسلطان هيبة كما يقال، ولكن هل يهاب الناس من وزير مرتشي ؟ للفخامة هيبة ، ولكن هل يهاب الناس من غني بخيل ؟ للشيب وقار، ولكن هل يهاب الناس من شيخ كثير المزاح والضحك؟
 الرسول صلى الله عليه وسلّم كان ذا هيبة عظيمة، حتى لا يستطيع الصحابي إطالة النظر إليه .
الفاروق عمر بن الخطاب كان مهاب الجانب فقد هابه الكثير من الصحابة حيا وميتا.
وكان الإمام مالك تهابه السلاطين، وإذا كان الناس عنده لا يلتفت أحد إلى أحد هيبة له .
وكان الإمام أحمد بن حنبل ذا هيبة ووقار تقع الرعْدة على من يكلمه .
فما سر هيبة هؤلاء وأمثالهم من الرجال؟
يقول الإمام يحيى بن معاذ الرازي‏:‏ ( على قدر حبك الله يحبك الخلق، وعلى قدر خوفك من الله يهابك الخلق، وعلى قدر شغلك بأمر الله يَشغُلُ في أمرك الخلق ) . وجماع ذلك هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
والمطلع على سير أهل الهيبة من الرجال، يجد أن مصدر هيبتهم الأول كان أمرهم بالمعروف ونهيهم عن
المنكر، ونلخص ذلك بالمعادلة التالية :
درجة الهيبة عند الرجل = مقدار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عنده .