الخميس، 28 فبراير 2013

ريــــاضة النفــــــوس

ريــــاضة النفــــــوس

  أذكر يوما أني صحبت أخا يدرّب الكاراتيه في سفر طويل شاق،وعدنا إلى بيته في ساعة متأخرة ، وكنّا في غاية الإرهاق ، أما أنا فألقيت نفسي على الأريكة كالقتيل ، أما هو فتخفف من ثيابه ، وبدأ يقفز ويضرب في الهواء ، حتى تصبب جسده بالعرق ، قلت له : سبحان الله ، بعد كل هذا السفر والتعب عندك طاقة لكي تتدرب !! فقال : شعرت بأن جسمي يؤلمني فأرحته بالتدريب .  فتذكرت ذات يوم التحقت به بدورة كاراتيه لأيام معدودات كانت أشقُّ عليَّ من حمل الجبال وأكل الحصى ، فما الذي جعل التعب عند أخي راحة ؟

هل يستطيع المسلم أن يصل إلى مرحلة لو تأخر عن قيام الليل لاضطربت نفسه ، وقلقت فلا دواء لها إلا في القيام بين يدي الله تعالى ؟

هل يستطيع المسلم أن يصل إلى درجة لو فاتته قراءة القرآن لأصيب بالغمِّ والهمِّ حتى يقوم إلى ورده يقرأه ؟

هل يستطيع المسلم أن يصل إلى حالة من حب الخير لدرجة أنه إن نسي أن يغيث ملهوفا ، أو يتصدق بصدقة ، قام من ليله وبحث عن باب خير يدخل فيه ؟

واختصارا هل يستطيع المسلم أن يصل إلى مرحلة يستلذ فيها بالطاعات ، وَتَتَكدر نفسه إذا قصَّر عنها أو أَغْفَلها ؟؟ 

نعم يستطيع ، فانظر لنفسك أخي مقيم الصلاة كيف تثور نفسك إذا جاء موعد الصلاة ، وكيف ترتاح نفسك إذا أديت الفريضة ، ولو نظرت في السبب لوجدت اليقين وطول المجاهدة ، ومن عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل .

قال محمد بن المنكدر من التابعين : كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت .

قال أبو يزيد البسطامي : ما زلت أشوّق نفسي إلى الله وهي تبكي ، حتى حملتني إليه وهي تضحك .

  وجاء في كتاب ( الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ) :" ولا يزال العبد يعاني الطاعة ويألفها ويحبها ويؤثرها حتى يرسل الله سبحانه وتعالى عليه برحمته الملائكة تؤزه عليها أزّا وتحرّضه عليها ، وتزعجه عن فراشه ومجلسه إليها ، ولا يزال يألف المعاصي ويؤثرها ويحبها حتى يرسل الله إليه الشياطين فتؤزه إليها أزّاً ، فالأول قوّى جند الطاعة بالمدد ، فكانوا من أعوانه ، والآخر قوّى جند المعصية بالمدد فكانوا أعوانا عليه".

ولله در الشاعر يوم قال :

هـي الأخـلاق تنبـت كالنبـات    إذا سُـقيت بمـاء المكرمـات

وجاء في الحديث الشريف عن حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودا ،فأيُّ قلب أُشربها نُكِت[ نُقطت] فيه نكتة سوداء  ، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء ، حتى تصير القلوب على قلبين ، على أبيض مثل الصفا ، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض ، والآخر أسود مرباداً [ شديد السواد ] كالكوز مجخيّاً[ مكبوباً] لا يعرف معروفا ، ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه ) .

ومن الشعر :

لا تحسب المجد تمرا أنت آكله

وقال آخر :

لا يؤيسنّك من مجد تباعده
إن القناة التي شاهدت رفعتها


 

لن تبلغ المجد حتى تلعق الصخرا

فإن للمجد تدريجا وترتيبا
تنمو أنبوبا فأنبوبا

الثلاثاء، 26 فبراير 2013

أتريد رؤية الله ..!!


 
أتريد رؤية الله سبحانه وتعالى  ؟!
إذا كنت تطلب ذلك الدنيا فاعلم أنك تطلب ما طلبه قوم موسى عليه السلام ،  وانتظر بعدها صاعقة تأخذك فورا :﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تنْظُرون ، فلو كانت رؤية الله سبحانه وتعالى ممكنة في الدنيا لكان أولى الناس بها الأنبياء والرسل عليهم السلام ، واسمع لهذا الحوار الرباني في طور سيناء وقد تم ميقات الله تعالى لموسى عليه السلام :
﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ
لماذا ينقلب السائل مصعوقا ؟! لأن الله سبحانه : ﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ . فالله تعالى أعظم وأجل من أن يُرى في هذه الدنيا الدنية التي لا تعدل عنده جناح بعوضة ، لذلك قال موسى عليه السلام لمّا أفاق :"سبحانك " تنزيها لله عن كل نقص.
ولكن الشوق يقتلك لرؤية وجهه الكريم !
لأنك إن سمعت عن رجل كثير الكرم جواد لأحببت أن تراه وتكلمه ، فوا شوقاه  لرؤية أكرم الأكرمين  وأجود الأجودين ، الله جلّ في علاه !!
ولو حدثوك عن رجل قوي ، ويأتي بالعجائب لبذلت مالا لكي تذهب وتشاهده ، فوا شوقاه لرؤية خالق الأقوياء  ،  قاصم الجبابرة ، الله جل في علاه !!
فمتى نراه جلّ في علاه !!
( واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا ) هكذا أخبرنا الصادق الأمين ..
فهذا الغطاء الأول ، الذي يُكشف عن البصر :
﴿ لَقَدْ كُنْتَ ِفي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاَءَك فَبَصَرُكَ اليَوْمِ حَدِيدٌ
 وفي الحديث الذي يرويه البخاري :
[ ‏قال أناس يا رسول الله : هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال :‏ ‏هل ‏ ‏تضَّارون ‏ ‏في الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا : لا ، يا رسول الله .  قال : هل ‏ ‏تضَّارون ‏ ‏في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ؟ قالوا : لا ، يا رسول الله . قال :  فإنكم ترونه يوم القيامة .. ]
الجسر الأول هو الموت ، والجسر الثاني هو اجتياز الصراط ودخول الجنة ..
أما الكفار المكذبين بيوم الدين ، فهم ﴿ كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فهم لا يستحقون هذه النعمة العظيمة ، فقد غفلوا عن آيات الله في الدنيا ولم يروها فلا حظ لهم في تلك الهبة التي لا وصف لعظمها :
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
وشتان بين الفريقين يوم القيامة كما توضح سورة القيامة  :
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22 )  إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23 ) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24 ) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ  ( 25)  

يا أرحم الراحمين ، نسألك بفضلك حسن الخاتمة ، ونسألك بعفوك جواز الصراط ، ونسألك أن تجعل كتابنا بيميننا مع الأبرار والصديقين ، ونسألك شربة من يد نبيك لا نظمأ بعدها أبدا ، وحياة لا نموت بعدها أبدا ، وسعادة لا نشقى بعدها أبدا ، ونظرة إلى وجهك الكريم لا نسأل بعدها شيئا .

من يتقِ الله يجعل له مخرجا ..


متى يبحث الإنسان عن مخرج ؟
أصحاب المغارة لما سدَّت صخرة بابها ، وعلموا أن لا حيلة لهم بحثوا عن مخرج ، صاحب الدَّين الثقيل الذي أغلقت عليه أبواب الرزق يبحث عن مخرج ، وكل من يقع في ضيق يبحث عن مخرج ، فهل يجرِّب طريق التقوى أم طريق المعصية ؟؟   
هذا تاجر تجمعت عليه الديون من كل جانب ، وكسدت بضاعته على كل حال ، وضاقت عليه الدنيا حتى لا يكاد يجد مخرجا ، فماذا يفعل بالعادة ؟
يبدأ بالكذب في أقواله ، وبإخلاف مواعيده ، ويأخذ يغش في بيعه ، ظنَّا منه أن في ذلك منجاته ، فيكون قد خسر الدنيا والآخرة .
وأعرف طالبا في امتحان التوجيهي استعصت عليه الإجابة ، وعقد الشيطان على عقله ، فبدأ بالسباب والشتائم ، ونطق بكلمة الكفر . وربما تعرفون أمثلة كثيرة من واقع الحال ، عند الحواجز ، وعند اختناقات السير ، فالمخرج عند أشباه هؤلاء هو الكفر والعصيان ، وشعار أمثال هؤلاء " مسبة الدين في وقتها تسبيح " والعياذ بالله .
الله  جلّ وعلا في سورة الطلاق يقول :
﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا( 2)  وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ( 3 )
وجاء في نفس السورة :
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا  ( 4 )
ذكر الأستاذ عمر خالد في أحد دروسه القصة التالية  : 
كان لي صديق يعمل في إحدى الفنادق الكبيرة بالقاهرة،وكان من ضمن مهام مهنته أن يُعدَّ لحفلات تُرتكب فيها محرمات،وبينما هو يعد قائمة بالمطلوب لإحدى هذه الحفلات،نظر أمامه فإذا بالشيخ محمد متولي الشعراوي -رحمه الله- يتناول الطعام أمامه في المطعم، فتيقظ ضميره وشعر أنه يأتي مُحرَّماً ،فما كان منه إلا أن ترك ما بيده وذهب إليه يسأله،هل ما أفعله بوظيفتي حلال أم حرام؟ فقال له:" إنه حرام"،فقال له "فماذا أفعل ؟" فقال له:" اتركها"،فرد الشاب "إن لي زوجة وأولادا،فمن أين سنجد قوتنا؟"،فردَّ عليه الشيخ الجليل:" بابني إنه (من يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب)"،فقال له:" إذن أظل بوظيفتي حتى أجد غيرها ثم أتركها"،فرد الشيخ الشعراوي بحزم:" يا بني إنه يقول:من يتقِ الله (أولاً) يجعل له مخرجاً (بعد ذلك)...فكيف تريده أن يجعل لك مخرجاً وأنت لم تتقه؟"
فظل الشاب يفك
ِّر حتى هداه الله تعالى إلى كتابة الاستقالة والتوكل عليه سبحانه،ولكنه قبل أن يتمَّ كتابتها إذا بمدير سلسلة الفنادق التي ينتمي إليها هذا الفندق يتصل به ويقول:"أريد أن أخبرك بشيء،فردَّ الشاب وأنا أيضاً أريد أن أخبرك بشيء-يعني الاستقالة- ولكن المدير قال له: "سأقول لك أنا أولاً: لدينا وظيفة شاغرة لمدير فرعنا بالمدينة المنورة وقد اخترتك لها،فما رأيك؟!!!"

ويقول الدكتور "عبد الله الخاطر" الذي كان يعيش في انجلترا لدراسة الدكتوراه:
"التقيت بشاب إنجليزي يعيش في جنوب لندن،وقد أسلم حديثاً،وبعد إسلامه بثلاثة أسابيع عثر على وظيفة ، فحاول غيره من الشباب المسلمين أن يحذروه من أن يقول أنه قد أسلم حين يذهب للمقابلة الشخصية،حتى لا يكون ذلك سبباً في عدم قبوله،فيتأثر نفسياً فيرتد عن دينه،إلا أن هذا الشاب توكل على ربه ولم يخشهم،فذكر لأصحاب العمل أنه قد أسلم وكان اسمه"رود"، فأصبح "عمر"، وقال لهم أيضاً بفخر:"لقد غيرت ديني واسمي وأريد وظيفة تتيح لي وقتاً للصلاة، فما كان منهم إلا أن قبلوه في تلك الوظيفة!!! وكان الأمر أعجب عندما قالوا له:" إننا نريد في هذه الوظيفة رجلاً عنده القدرة على اتخاذ القرارات الصعبة وأنت عندك قدرة عظيمة جداً في اتخاذها،فقد غيرت اسمك ودينك وهذا إنجاز كبير!!!

لكل شيء حقيقة ....!!


لكل شيء حقيقة ....!!

لكل شيء حقيقة تدلُّ عليه وتثبته، قضية فطرية يدركها الصغار والكبار ، لأن لكلِّ شيء دليل يدل عليه ، ويتفاوت الناس في إدراك الدليل ، تفاوتهم في النضج والمعرفة .الصغار في بلادنا لديهم طرق لطيفة في إثبات دليل الصيام  ، فعندما يقول الصغير : أنا صائم يقولون له أخرج لسانك ، فإذا كان اللسان أحمر ورديَّا ، فيقولون له لا أنت مفطر ، أما إذا كان ورديا مائلا للبياض فيقولون نعم أنت صائم ، وبعضهم تعلّم أن يكشف عن الصوم من خلال جلد ظاهر اليد ، فيمسك الجلد بين الأصابع فإذا كان رخوا كان الصغير صائما ، وإذا كان مشدودا كان الصغير مفطرا ، وعند الكشف وظهور الإفطار يتهكمون عليه منشدين  :" يا مفطر رمضان الله يا قليل دينك          كلبتنا السمرا تشـحوط مصارينك "في هذه الكلمات البسيطة البريئة معانٍ عميقة توافق ما جاء عن الصيام ، أولها أن رمضان لله ، ويوافق ذلك ما جاء في الحديث القدسي : ( كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به )  ، وثانيها أن الإفطار دليل على قلّة الدين ، و المفطر شخص دينه ضعيف وقليل ، وثالثها أن المفطر في رمضان هو شخص غلبت عليه شهوة بطنه ، وقدمها على دينه ، لذلك يستحق العقاب بأن ( تشحوط)  الكلبة السمراء ـ رمز الشراهة والسوء وقرينة الشياطين ـ  أمعاءه التي قدَّم طلبها على أوامر الله تعالى ، ورابعها أن عاجل العقاب والثواب هو ما يُفضِّله الأطفال  .   يفعل الصغار ذلك لأنهم يعرفون بالفطرة أن الشيء يحتاج إلى دليل أو لكل شيء حقيقة تدل عليه ، فالدليل السلوكي هو الذي يثبت ما في القلب أو ينفيه  ، وكذلك تعارف العلماء أن الإيمان في جوهره ما وقر في القلب ونطق به اللسان وصدقت به الجوارح .جاء في كتاب ( قبسات من حياة الصحابة ) أخرج ( ابن عساكر ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال :( إن الرسول دخل المسجد ، والحارث بن مالك راقد ، فحرَّكه برجله ، وقال : ارفع رأسك ، فرفع رأسه ، فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، فقال النبي : كيف أصبحت يا حارث بن مالك ؟ قال : أصبحت مؤمنا حقا . قال : إن لكل شيء حقيقة ، فما حقيقة ما تقول ؟ قال : عزفت عن الدنيا ، وأظمأت نهاري ،و أسهرت ليلي ، وكأنّي أنظر إلى عرش ربي ، وكأني انظر إلى أهل الجنة فيها يتزاورون ، وإلى أهل النار يتعاوون ، فقال النبي : أنت امرؤ نوّر الله قلبك ، عرفت فالزم . وفي رواية : قال : يا رسول الله ، ادعُ لي بالشهادة ، فدعا له ، فقال : فنودي يوما : يا خيل الله اركبي ، فكان أول فارس ركب ، وأول فارس استُشهد )
الحديث يشير إلى فضل الزهد في الدنيا وصيام النهار وقيام الليل ، تلك الطاعات التي تجعل زجاجة القلب دُريَّة شفافة يكاد المرء منها يرى ملكوت الله وجنته وناره .ومن حديث سويد بن الحارث قال: وفدت سابع سبعة من قومي على رسول الله ـ صلّى الله عليهِ وسلَّم ـ  ، فلما دخلنا عليه وكلمناه ، أعجبه ما رأى من سمتنا وزينّا فقال : ( ما أنتم ؟) قلنا : مؤمنون فتبسم رسول الله ـ صلّى الله عليهِ وسلَّم ـ  وقال : ( إن لكل قول حقيقة ، فما حقيقة قولكم إيمانكم ؟ ) قلنا : خمس عشرة خصلة ، خمس منها أمرتْنَا بها رسلك أن نؤمن بها ، وخمس أمرتنا أن نعمل بها ، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية ، فنحن عليها الآن ، إلا أن تكره منها شيئاً ، فقال رسول الله ـ صلّى الله عليهِ وسلَّم ـ : ( وما الخمس التي أمرتكم بها رسلي أن تؤمنوا بها )؟ قلنا : أمرتنا أن نؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، والبعث بعد الموت . قال ( وما الخمس التي أمرتكم أن تعملوا بها)؟ قلنا: أمرتنا أن نقول : لا إله إلا الله ، ونقيم الصلاة ، ونؤتي الزكاة ، ونصوم رمضان ، ونحج البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً، فقال ـ صلّى الله عليهِ وسلَّم ـ : (وما الخمس التي تخلقتم بها في الجاهلية ؟) قالوا : الشكر عند الرخاء والصبر عند البلاء ، والرضاء بمر القضاء ، والصدق في مواطن اللقاء ، وترك الشماتة بالأعداء . فقال رسول الله ـ صلّى الله عليهِ وسلَّم ـ   : ( حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء ) ثم قال : وأنا أزيدكم خمساً ، فتتم لكم عشرون خصلة إن كنتم كما تقولون ، فلا تجمعوا ما لا تأكلون ، ولا تبنوا ما لا تسكنون ولا تنافسوا في شيء أنتم عنه غداً تزولون ، واتقوا الله الذي إليه ترجعون وعليه تعرضون ، وارغبوا  فيما عليه تقدمون وفيه تخلدون )).

لـــــــّذة الطاعــــــة

قال أبو نعيم في الحلّية :
"  ..كان مُطْرف بن عبد الله أحد الصالحين يزور المقابر ، فيبكي ، ويدعو لأهلها ، وفي ليلة من الليالي التي كانت  باردة ممطرة ترك زيارتهم ، وما زارهم ، فرأى في المنام في تلك الليلة كأن رجلاً من أهل المقابر من المسـلمين يقول :
يا مطرف , ما زرتنا الليلة , والله الذي لا إله إلا هو يا مطرف ، إنّـا نستأنس بزيارتك , وإن الله ينوِّر قبورنا بزيارتك أسبوعاً كاملاً , يا مطرف تزوّد من " لا إله إلا الله " فقد حِيل بيننا وبين "لا إله إلا الله" ، والله لو تعلم يا مطرف نفع لا إله إلا الله لقضيت بها أنفاسك ..."
 وتلا قول الله  تعالى من سورة سبأ :
﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ( 54)    .
يا للموتى يشتهون ذكر الله ، يشتهون كلمة التوحيد ، وقد انقطع عملهم من الدنيا ، ونحن في الدنيا ، فهل نكون موتى ينسون ذكر الله تعالى ؟؟
اذكروا الله ..
ما أطيبَ ذكر الله !
ما أطيب الجلوس في بيت من بيوت الله أحبَّ بقاع الأرض إلى الله !
ما أطيب هذا المجلس لأنه مجلس يذكر فيه اسم الله نسبحه ونحمده ونستغفره !
ما أرقّ هذا المجلس في أفياء رمضان شهر الرحمة والتوبة والعتق من النيران !
ما ألذ الطاعة بعد يوم من الظمأ والجوع ومجاهدة النفس !
أحقا للطاعة لذّة ؟!
يقول ابن المنكدر - رحمه الله ـ  :
" كل ملذوذ إنما له لذَّةٌ واحدة  إلا العبادةَ فإنّ لها ثلاثَ لذاتٍ : إذا كًنْتَ فيها ، وإذا تذكّرتها ، وإذا أُعطيت أجرُهـا  .
وكان الصالحون من قبلنا عند الموت والاحتضار يتأسفون على فراق الصيام ، يقول علقمة بن مرفد :
 لما احتضر عامر بن عبد القيس بكى ، فقيل له :
أتجزع من الموت وتبكي ؟!
قال : ومالي لا أبكي ، ومَن أحقُّ الناس بذلك منّي ، والله ما أبكي جزعا من الموت ، ولا حرصا على دنياكم ، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر ، وقيام ليل الشتاء .
ولما حضرت عبد الرحمن بن الأسود النخعي الوفاة بكى ،  وقال :
"  يا أسفا على الصلاة والصيام  "
ويقول الإمام بن تيمية:
" مساكين أهل الدنيا ،خرجوا منها ولم يذوقوا أحلى ما فيها،قيل وما أحلى ما فيها؟ قال:" حبُّ الله عز وجل  "

ورحم الله الحسن البصري إذ قال:
" لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من لذة لجالدونا عليها بالسيوف" .
ولله درّ القائل :
تفنى اللذائذُ يا مَنْ نال شهوتَـه
تبقى عواقبُ سوءٍ لا انفكاك لها



من المعاصي ويبقى الإثم والعارُ
ل
ا خير في لذَّة من بعدها النـارُ

باب الكريم لا يٌغلق ..


يقول الله عز وجل في محكم كتابه في أواخر سورة الفرقان :
﴿ وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ آثاما (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ( 69) إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70 ) ﴾ .

هو باب مفتوح في كل الأوقات  لا يغلق أبدا ، لا في الليل ولا في النهار ، مادام في الإنسان عروق تخفق ، وفي الأرض شمس تُشرق  ، هل تعرفونه ؟!
هو باب واسع  يسير الراكب في عرضه سبعون عاما ما بين مصراعيه ولا يبلغهما ، لو دخلته أمَّة الثقلين من الإنس والجن وفي نفس اللحظة لدخلوه دون أن يحدث أيُّ ازدحام أو أيُّ تأخير ، هل تعرفونه  ؟!
هو باب لدار  صاحبها كريم  ، يأتيه أبغض الخلق إليه في أيِّ ساعة ومن أيِّ مكان فيفرح صاحب الدار بقدومهم فرحة المسافر في البيداء يجد راحلته التي تحمل ماءه وقوته ، هل تعرفونه  ؟!
هو باب لدار  صاحبها عفوٌّ  يأتي بابه من كفره وعصاه وهجره وجفاه ، ثم جاء يطلب منه ملء الأرض من حاجات ، فيفرح بقدومه ويعطيه ما يُريد ويزيد ، هل تعرفونه ؟!
أسمع القلوب تقول: الباب هو التوبة ، والدار هي الجنة وصاحبها هو الله جل في علاه.
فاسمعوا هذا الحديث وأبشروا :
" جاء شيخ هرم قد سقط حاجباه على عينيه ، وهو يدّعم على عصا، حتى قام بين يديّ النبي فقال : أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلَّها ، فلم يترك منها شيئا ،وهو في ذلك لم يترك حاجّة ولا داجّة ( أي صغيرة ولا كبيرة ) إلا أتاها ، وفي رواية ، إلا اقتطعها بيمينه ، لو قسِّمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم (أي أهلكتهم) فهل لذلك من توبة ؟ قال : فهل أسلمت  قال : أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله . قال : تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهن الله لك خيرات كلَّهن . قال : وغدراتي وفجراتني !  قال : نعم . قال : الله أكبر . فما زال يكّبر حتى توارى.(رواه الطبراني )
ما أعظم كرم الله عزّ وجلَّ ، يقبل التوبة ، ويعفو ، ويبدل السيئات حسنات !
ألم تسمعوا قول الله تعالى في الحديث القدسي  :
{  يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة } (رواه الترمذي )
ما أوسع رحمة الله تعالى ،  وقُتِل الإنسان ما أكفره !!
هذا عن السيئات التي تبدَّل حسنات ، فماذا عن الحسنات التي عملها قبل الإسلام ، تلك مسألة جوابها في الحديث الشريف :
عن عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام أخبره أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أي رسول الله أرأيت أموراً كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتِاقة أو صلة رحم أفيها أجر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أسلمت على ما أسلفت من خير " ( رواه البخاري ).

الاثنين، 25 فبراير 2013

لا تخرج من رمضان

لا تخرج من رمضان
خروج الثعلب من كرم العنب
 
  هذا رمضان قد لاح هلال إدباره مودعًا ، كما لاح هلال إقباله قادماً ، وهل الدنيا إلا إقبال وإدبار ، ينتقل بينهما المرء من حال إلى حال ؟ ! هذا شهر الصبر يودعنا بهمّة ، وقد ترك معنا ودائع  جمّة ، يرحل وقد زرع فينا أشجارا طيبة ، فهل سنقلعها إذا أقلع؟ 
ترك معنا وديعة صلاة الفجر في جماعة ، فهل سنحفظها إذا غاب ؟
 وترك فينا وديعة قيام الليل فهل سنرعى شجرتها إذا ولّى ؟
ترك فينا شجرة الصدقة وحب المساكين ، فهل سنلقيها وراءه إذا أدبر؟
وزرع فينا عادة الجلوس مع كتاب الله ، فهل سنقفله بعد رمضان كما نفعل في كلّ عام ؟
 يقولون رمضان مدرسة التقوى ، فهل سننجح في امتحان بقية الشهور ؟
 أم سيكون حالنا كحال الثعلب الذي دخل كرم العنب ؟
   يحكى أن ثعلبا هزيلا أنهكه الجوع مرّ على بستان عنب دنت قطوفه حلاوة ونضجا ، فثارت حُمى الجوع في أمعائه ، فجعل يبحث عن مدخلا يعبر منه إلى البستان ، طاف حول السور حتى وجد فتحة صغيرة لتصريف المياه ، تمطى بجسمه النحيل على عادة الثعالب ، ودخل من الفتحة بمشقة ، فالفتحة ضيقة لا تكاد  تسعه ، ولما صار في البستان بين القطوف الدانية ، والظلال الوارفة ، أخذ يأكل من ثمارها ويشرب من مائها ، يأكل ويرتع ويتفيء الظلال ، وعند العصر جاء وقت العُسر ، فقد وصل صاحب البستان وعمّاله ، وعرفوا أن غريبا دخل  البستان ، فصاروا يبحثون عنه بالعصي والكلاب ، وجعل الثعلب يهرب من مكان إلى مكان ، ولما أيقن أن لا خلاص  ولات حين مناص ، طلب الفرار ، وإلا مزقته الكلاب شر ممزق ،  فقصد الثعلب الفتحة التي دخل منها ، وحاول الخروج دون جدوى ، فقد امتلأ بطنه وانتفخ من كثرة ما أكل ، وحاول الخروج مرة بعد مرة  ، وبعد حين عرف أنه لا سبيل للخروج وهو ممتلئ البطن  ، فجعل طرف ذنبه في حلقه ، وتقيء ما في بطنه ، فخرج ملوما مدحورا .
 " الأمور بخواتيمها " ،  واللهو ساعة الحمل ، والشدة عند الولادة ، فاسأل نفسك هل أنت في مقام :
{وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً[
أم أنت في مقام :
{قُلْ هَلْ نُنَبئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ` ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ` أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً ` ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَٱتَّخَذُوۤاْ آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً [