الأربعاء، 15 مايو 2013

اليهود هم اليهود ..

عندما برَّأ البابا اليهود المعاصرين من ذنب اضطهاد وتعذيب المسيح عليه السلام، كانت حجته بأن يهود اليوم الذين يُضطهدون في العالم ليسوا مثل يهود الماضي، الذين قتلوا الأنبياء،  ونقضوا عهد الله واعتدوا في السبت، فهل اليهود هم اليهود أم تغيروا ؟
من صفات اليهود المذكورة في القرآن الكريم التحايل على الشرع؛ من أجل تحقيق مصالحهم، وضرب الله لنا مثلا على ذلك في قصة أهل القرية حاضرة البحر.  
تتلخص هذه القصة في أن قوما من بني إسرائيل اخذ الله تعالى عليهم عهداً بأن يتفرغوا لعبادته في يوم السبت، وحرّم عليهم الاصطياد فيه دون سائر الأيام، واختباراً منه سبحانه لإيمانهم ولوفائهم بعهودهم أرسل إليهم الحيتان في يوم السبت دون غيره، فكانت تتراءى لهم على الساحل في ذلك اليوم قريبة المأخذ، سهلة الاصطياد، وهنا سال لعاب شهواتهم ومطامعهم، وفكروا في حيلة لاصطياد هذه الحيتان في يوم السبت، فقالوا: لا مانع من أن نحفر إلى جانب ذلك البحر ،الذي يزخر بالأسماك في يوم السبت، أحواضا تنساب إليها المياه ومعها الأسماك، ثم نترك هذه الأسماك محبوسة في الأحواض في يوم السبت، لأنها لا تستطيع الرجوع إلى البحر لضآلة الماء الذي في الأحواض، ثم نصطادها بعد ذلك في غير يوم السبت، وبذلك نجمع بين احترام ما عهد إلينا في يوم السبت، وبين ما تشتهيه أنفسنا من الحصول على تلك الأسماك.
وقد نصحهم الناصحون بأن عملهم هذا احتيال على محارم الله، وأن حبس الحيتان في الأحواض هو صيد لها، وهو فسوق عن أمر الله ونقض لعهوده، ولكنهم لجهلهم واستيلاء المطامع على نفوسهم لم يعبأوا بنصح الناصحين، بل نفذوا حيلتهم الشيطانية، فغضب الله عليهم ومسخهم قردة، وجعلهم عبرة لمن يعتبر ممن عاصرهم ولمن أتى بعدهم وموعظة للمتقين.
وفي عصرنا ما يشبه تلك القصة :
في كل سبع سنوات يحتفل اليهود بعام يسمى عام (الشميتا )، واحتفل به اليهود في العام (2007) مع بداية السنة اليهودية الذي صادف مع شهر رمضان المبارك، وفيه يجب ترك الأراضي المملوكة لليهود غير مزروعة لكي ترتاح، ويتفرغون لعبادة  ربهم كما جاء في التوراة : (وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى فِي جَبَلِ سِينَاءَ قَائِلا:كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهمْ: مَتَى أَتَيْتُمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنَا أُعْطِيكُمْ تَسْبِتُ الأَرْضُ سَبْتًا لِلرَّبِّ. سِتَّ سِنِينَ تَزْرَعُ حَقْلَكَ، وَسِتَّ سِنِينَ تَقْضِبُ كَرْمَكَ وَتَجْمَعُ غَلَّتَهُمَا. وَأَمَّا السَّنَةُ السَّابِعَةُ فَفِيهَا يَكُونُ لِلأَرْضِ سَبْتُ عُطْلَةٍ، سَبْتًا لِلرَّبِّ ).
 ويقوم الحاخامات المتشددون بتحريم أكل الخضار والفواكه المحلية، ويعتمدون على المستورد منها،  فلا يزرعونها ولا يقطفون من ثمارها إلا ما يسدُّ جوع العائلة بشرط أن لا يباع منها شيئا في الأسواق،ويتركون الثمار تسقط وتتعفن،تبعا لتزوريهم على الله تعالى: أن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام واستراح في اليوم السابع،ويقوم اليهود بالاحتيال على هذه الشعيرة التوراتية من خلال طرق وحيل عجيبة: منهم من يبيعون أراضيهم لمدة عام  للحاخامات الذين يقومون بدورهم ببيعها شكليا لغير اليهود بشيكل واحد، مقابل أن يحافظ المالك الصوري الجديد على زراعة الأرض كما خطط صاحبها اليهودي. ومنهم من يعمد إلى زراعة تسمى زراعة المدرَّجات، بحيث يضع المزروعات في أماكن مرتفعة عن الأرض، ومنهم من يغطي مزروعاته بأغطية تفصلها عن الأرض تحايلا على النص التوراتي . 
فهل  يهود  التاريخ القديم هم يهود العصر الحاضر ؟!

مات الدين .. عاش الدين

داود عليه السلام كان أول من جمع بين النبوَّة والمُلك في بني إسرائيل، أي جمع بين الدين والحكم به، وذلك أن الله سبحانه آتاه الملك والحكمة بُعيد انتصاره على جالوت ، قال تعالى :
{ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِـينَ }  [  البقرة : 251 ]

روي أن داود النبي (عليه السلام) مر بغلمان يلعبون وينادون أحدهم  بـ (يا مات الدين) فيجيب منهم غلام، فدعاهم داود (عليه السلام) فقال: يا غلام ما اسمك؟
قال: مات الدين.
فقال له داود (عليه السلام): من سماك بهذا الاسم؟
فقال: أمي.
فانطلق داود (عليه السلام) إلى أمه فقال لها: يا أيتها المرأة ما اسم ابنك هذا؟
قالت: مات الدين.
فقال لها: ومن سماه بهذا؟
قالت: أبوه.
قال: وكيف كان ذاك؟
قالت: إنَّ أباه خرج في سفر له، ومعه قوم، وهذا الصبي حمْلٌ في بطني، فعاد القوم ولم يَعُد زوجي، فسألتهم عنه، فقالوا: مات.
فقلت لهم: فأين ما ترك؟
قالوا: لم يخلِّف شيئاً.
فقلت: هل أوصاكم بوصية؟
قالوا: نعم زعم أنك حبلى، فما ولدت من ولد :جارية أو غلام فسمِّيه مات الدين، فسمّيته.
قال داود (عليه السلام): وتعرفين القوم الذين كانوا خرجوا مع زوجك؟
قالت: نعم.
قال: فأحياء  هم  أم  أموات؟
قالت: بل أحياء.
قال: فانطلقي بنا إليهم.
ثم مضى معها فاستخرجهم من منازلهم، وجعل يسأل كل واحدٍ على حدة،في أي يوم مات؟ وفي أي سنة؟ وفي أي شهر؟ وأين مات؟  وما لباسه ؟ وما سبب موته؟  ومن أول من وصل إليه؟ ومن دفنه؟  ..ومثل تلك الأسئلة الدقيقة، فوقع الرجال في أقوالهم، وأقرّ أحدهم بأن أصحابه قتلوا والد الغلام،  ولما استخرج منهم أنهم قتلة والد الصبي، أثبت عليهم المال والدم،  فأوقع بهم القصاص ، وأقام العدل ، وأحيا الدين، وقال للمرأة: سمي ابنك هذا .. عاش الدين .

الحسن البصري ودرس القدوة الصالحة ..

جاء في كتاب الله الكريم على لسان النبي شعيب عليه السلام :
{ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } [ هود : 88]
يروى أن عبيد البصرة جاؤوا يوما إلى الحسن البصري( شيخ الواعظين) في أول يوم من أيام رمضان وهو يعظ في مسجد البصرة، وشكوا له سوء معاملة الأسياد لهم، وتوسلوا إليه أن يخطب خطبة يحثُّ فيها على فضل عتق الرقاب، فوعدهم خيرا .
وانتظر العبيد خطبة الجمعة، ثم الجمعة التالية، ثم الثالثة من دون أن يخطب الحسن البصري كما وعدهم.
ومرَّ عام وجاء رمضان الذي يليه، وفي أول أيام رمضان إذ الحسن البصري يتكلم عن فضيلة عتق الرقاب، حثَّ الناس فيها على عتق العبيد، و لم يبق احد ممن سمعها إلا خرج وأعتق من عبيده، و بعد أن تحرر العبيد اجتمعوا بعضهم في بيته، و قالوا له: ما الذي أخرك عن الخطبة هذه المدة؟ قال لهم: كنت لا املك عبدا، و لم يكن معي ما اشتري به عبدا لأعتقه، فلما رزقني الله ثمن عبد اشتريته وأعتقته حتى أكون قد طبقت الكلام على نفسي أولا، فخرج الكلام صادقا من القلب فوصل إلى قلوب الناس .
 يقول علماء التربية الحديثة إن التعلم في أغلب الأحيان ظاهرة مرئية، ومن خلال الدراسات تبين أن مساهمة الحواس في التعلم كالتالي:
 الذوق: 1%،    اللمس: 1.5%    ، الشم : 3.5%   ، السمع: 11%    ،   البصر: 83%.
 أي أن أكثر من ثمانين بالمائة من سلوكيات الإنسان تأثرت بما رآه لا بما سمعه، وكانت العرب تقول قديما :
"  ربَّ فعل رجل في ألفِ رجلٍ أبلغ من قول ألف رجل في رجل " . بمعنى آخر أن عملا واحدا فيه القدوة الحسنة الصادرة من رجل واحد أكبر تأثيرا من ألف خطبة في ذات الموضوع.
هذا ما يفسره ذلك التلازم القوي بين الإيمان والعمل الصالح في كتاب الله الكريم قوله تعالى:{ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ َتعْقِلُونَ } (البقرة:44).
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } (فصلت:33).
وفي الحديث الشريف المتفق عليه : قال النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ إنه:
(يؤتى بالعالم يوم القيامة، ويلقى في النار، فتندلق أقتابه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيطوف به أهل النار فيقولون: ما لك؟ فيقول: كنت آمر بالخير ولا آتيه، وأنهى عن الشر وآتيه) [متفق عليه] .
وقديما قيل:  كُن أمـامي لكي تكـون إمــامي.

أول من صام بالقضاء ..

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (*) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ  } [ البقرة 183ـ184 ] .
جاء في الظلال : رخصّ الله سبحانه وتعالى للمريض والمسافر أن يفطرا في رمضان، ثم حببهم في اختيار الصوم مع المشقة - في غير سفر ولا مرض -: (وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون). . لما في الصوم من خير في هذه الحالة، حيث يبرز عنصر تربية الإرادة, وتقوية الاحتمال, وإيثار عبادة الله على الراحة، وكلُّها عناصر مطلوبة في التربية الإسلامية. كما يبدو لنا منه ما في الصوم من مزايا صحية - لغير المريض - حتى ولو أحس الصائم بالجهد.
إلى أين يقودنا هذا الموضوع؟ إنه يقودنا إلى أول من صام في الفضاء . 
ولكن قبل ذلك هل تعلم أن المحطة الفضائية الدولية، تدور 16 دورة حول الأرض كل 24 ساعة !! وإذا أراد المسلم أن يصلي خمس صلوات في اليوم فعليه أن يصلي ثمانين مرّة، وإذا أراد أن يصوم فإن مدة الصيام عنده ساعة ونصف فقط ؟
هذه المسألة الفقهية ثارت في ماليزيا وليس في لجنة الإفتاء التابعة لرابطة العالم الإسلامي، فما قصتها ؟
في عام 2003 اشترت (كوالالمبور ) 18 طائرة روسية من طراز سوخوي، وعلى هامش الصفقة وافقت روسيا على إشراك علماء إندونيسيين في رحلة فضائية إلى المحطة الدولية،  الغاية منها إجراء تجارب علمية لمراقبة انعكاسات انعدام الجاذبية على خلايا مصابة بالسرطان، وتقرر أن يشترك في التدريب لتلك الرحلة رائدا فضاء من إندونيسيا هما:  شيخ مظفر شكور ( 35 سنة) وهو طبيب عام ، وفايز خالد ( 27 سنة ) وهو طبيب أسنان، وبعد انتهاء سنة من  التدريب تقرر أن يشارك واحد في الرحلة هو شيخ مظفر شكور .
وطُلب من شيخ شكور أن يستعد  للإقلاع على متن صاروخ ( سويوز )  الروسي من مركز (بايكونور) الفضائي الروسي في كازاخستان في العاشر من تشرين الأول 2007،  وكان توقيت الرحلة خلال شهر رمضان، وهذا يعني أن العالِم سيقضي تسعة  أيام من رمضان في الفضاء، فكيف يصوم ويصلي ؟؟
كان همّ هذا العالم المسلم أن لا يضيع عليه صيام رمضان حتى ولو كان في جوف السماء في رحلة تقطع مئات الآلاف من الكيلومترات لا ( 81) فقط .  ، يريد أن يحافظ على صيامه حتى وهو خارج نطاق الجاذبية، والأرض تبدو من نافذة المركبة كوكبا يسبح في ملكوت الله.
فأرسل شيخ شكور يستفتي في صيامه وصلاته في الفضاء،ورغب أن يكون أول مسلم يصوم في المدار حول الأرض، فقامت دائرة التنمية الإسلامية في ماليزيا بإعداد كُتيّب في عشرين صفحة وضَّحت فيه قواعد فقهية لروَّاد الفضاء، لكنَّ الكتيِّب حدد عدد صلوات رائد الفضاء المسلم بخمس صلوات كالمسلمين في الأرض، وان يكون توقيت الصلاة مطابقا لتوقيت محطة بايكونور على الأرض. وأوضح كتيِّب الإرشاد كيف يجب أداء الصلاة في الفضاء رغم انعدام الجاذبية فقال "بالإمكان الوقوف أو الركوع أو الجلوس وإذا لم يتسنَّ الجلوس فالتمدد".

سأعصي اليوم .. وأتوب غدا !!!!

في قصة يوسف عبر كثيرة وفيها آيات للسائلين، ومن الدروس التي يجب الإفادة منها مسألة نجدها في قول إخوته عندما قرروا في لحظة قتل يوسف أو إلقائه في أرض بعيدة، قال تعالى :
{ لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ (*) إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (*) اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ } [ يوسف: 7 _ 9 ]
هنا يقرر الأخوة أن يتخلصوا من يوسف بدافع الغيرة والحسد، ويعرفون أن ما يقومون به من المحرمات والمكروهات والكبائر، ولكنهم يعللون فعله بأمرين:
الأول أنهم سيحصلون على ودِّ أبيهم بعد إقصاء ابنه المحبوب،والثاني أنهم يمنُّون أنفسهم أنهم سيتوبون ويكونون من الصالحين بعد الجريمة ، وهو منهج خطير ، حيث يقول صاحبه : دعوني أفعل ما أشاء من المعاصي فإن باب التوبة مفتوح ،وسأتوب وأكون مستقبلا من الصالحين، وله أمثلة كثيرة في واقع المسلمين، وهذا المنهج مرفوض من الإسلام، فما وجه خطورته ؟
أولا: إن نيَّة التوبة قبل ارتكاب المعصية، معناها أنك تستخف بأمر الله تعالى أصلاً، وأن الله لن يوفقك إلى التوبة، لأنك نويت التوبة قبل بدء المعصية، فأنت مستهتر غير صادق في توبتك.
ثانيا : هذا المنهج فيه أمن من مكر الله تعالى، فما أدراك أنك ستعيش حتى تتوب، وكم من رجل أخذه الله بغتة دون أن يدرك توبة كان يؤجلها، وتلك من صفات الكافرين .
ثالثا : في هذا المنهج تشجيع على ارتكاب المعاصي ، فتقديم العزم على التوبة قبل صدور الذنب فيه تسهيل لفعله، وإزالة لشناعته، وتنشيطا من الداعين له .
رابعا : هذه توبه فاسدة وما أدراهم أنهم سيستقيمون على الدين والصلاح ، فبعض الناس يقول له الشيطان أنت الآن أذنب ثم تتوب فينتكس هذا المسكين ،ويذهب على وجهه في المعاصي .
وكان الإمام البنا إذا أراد أن يوصي أحد إخوانه المهاجرين إلى الغرب يقول له : إياك والمرأة الأولى والكأس الأولى ، وذلك لأنهما يكسران الحاجز، وكسره يعني أن تنفتح عليك  أبواب رياح  الشهوات . 
هذه الآية العظيمة يحذر الله فيها سبحانه عباده من الأمن من مكره فيقول سبحانه: {أَفَأَمِنُـوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِـرُونَ} المقصود من هذا تحذير العباد من الأمن من مكره بالإقامة على معاصيه والتهاون بحقه، والمراد من مكر الله بهم كونه يملي لهم ويزيدهم من النعم والخيرات وهم مقيمون على معاصيه وخلاف أمره، فهم جديرون بأن يؤخذوا على غفلتهم ويعاقبوا على غرتهم بسبب إقامتهم على معاصيه وأمنهم من عقابه وغضبه.

مهر التوبة ...!!

كما أن أكبر مسجد من الطين في العالم شاهد عصري على مهر التوبة .
في جمهورية مالي غرب إفريقيا التي يبلغ تعداد سكانها أحد عشر مليونا، تسعون بالمئة منهم مسلمون، وفي مدينة (جِني )  بالتحديد يوجد أكبر مسجد طيني في العالم . ولهذا المسجد قصة ذات دلالة قوية وعبرة بالغة، ففي أحد الأعوام أسلم ملك هذه المدينة، وكان له قصر كبير من الطين، وعند إسلامه قرر إعادة بناء قصره ليكون مسجدا، فكان مسجد مدينة (جني) شاهدا على توبة نصوح لرجل قرر أن يلتحق بدرب الهدى ودين الحق.
هذا نمط من الرجال يقرر أن يتوب إلى الله فيقدم بين يدي توبته خير ما يملك، لأنه يعرف القاعدة الذهبية التي قررها رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ في كلمته الجامعة حين قال : الصدقة برهان ، فأراد أن يبرهن على صدق إيمانه بأن قدم بين يدي توبته مهرا لها فأكد العزم على التوبة النصوح .

تجسد الأمور المعنوية يوم القيامة

قال سبحانه وتعالى في محكم آياته :
{ وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ *  وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } [ سورة ق : 19ـ 22 ]
الموت هو اختراق حاجز الغيب، فيكون بصره من حديد يرى ما كان عاجزا عن رؤيته في الدنيا، وتدلنا الأحاديث الشريفة على أن الكثير من الأمور المعنوية في الدنيا  تتجسد فيراها الإنسان بأم عينه، فيقلب الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- هذه الأعراض فتصير أعياناً، ومنها :
·        أن العمل الصالح يأتي صاحبه بصورة الشاب الحسن، والعمل القبيح في صورة الشاب القبيح .
·        وتأتي بعض سور القرآن مجسدة، سورة البقرة وآل عمران،  تأتيان كأنهما غمامتان أو فرقان من طير صواف
·        ومن ذلك أيضاً ما ورد في الحديث أن القُرْآن يأتي عَلَى صورة الشاب الشاحب اللون .
·        تأتي كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " على شكل بطاقة .
·        ويأتي الموت على شكل كبش أملح ويذبح على الصراط .

محاولة سرقة قبر النبي ...!!

يقول الله تعالى مخاطبا رسوله الكريم ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ يأمره ويبشره : 
{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } [ المائدة: 67]
 لما وقعت بيت المقدس ـ أولى القبلتين ـ بيد الصليبين، أرادت فئة صليبية الهوى من أهل المغرب أن تسرق جسد النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ من قبره في المدينة المنورة . فأرسلوا اثنين منهم، وجاءوا إلى المدينة، وتعبدوا في الحرم وأظهروا النسك والعبادة، وانقطعوا للعبادة في الحرم النبوي، وكانوا لا يخرجون من المسجد أبداً، بالليل والنهار عبادة، وقراءة، وبكاء عند القبر وعند الحُجْرَة .
وأَمِنَهم الناس، وأحبوهم ، ورأوا أن فيهم علامات الصلاح والتقوى، وكانت لديهم نقود أتوا بها من بلادهم ، فقاموا واشتروا داراً قريبةً من حُجْرة النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ التي فيها قبره، وصاروا يجلسون طوال اليوم وجزءاً من الليل في المسجد، ثم يذهبون وينامون في غرفتهم التي بجوار المسجد.
حفروا في وسط الغرفة نفقاً، وبدءوا ينبشون الأرض من الداخل، من أمام المنطقة التي تصل بهم إلى قبر النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ ، وبطريقة مخفية وسرية كي لا يطلع عليهم  أحد، وهكذا واصلوا حفر النفق، ومرت أياما طويلة، وعصابة السوء تقترب كلّ يوم من الجسد الشريف، ولم يبقَ بينهم وبين القبر غير أشبار معدودة .
وإذا بالإمام المجاهد العظيم نور الدين الزنكي وهو في دمشق يرى في المنام النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ وهو يقول له: يا نور الدين، أنقذني مِن هذين، وهما رجلان أمامه، فتفرَّس في وجهيهما ورآهما، فإذا بعلامات الصلاح والهداية والنور تبدو منهما . قال: فقمتُ وصليتُ ثم نمتُ، وإذا به مرة ثانية في الليل يقول : أنقذني يا نور الدين مِن هذين.
قال: فصليتُ ونمتُ وعزمتُ أن أعمل شيئاً، وإذا بي أرى الرؤيا مرة ثالثة: يا نور الدين، قم أنقذني مِن هذين. وإذا بالملك لم يعد يأتيه نومٌ، فقام ونادى وزراءه، وأمر بالجيش وجهَّزه، وأخذ المال والرجال، وما أمسى بعد أسبوعين إلا في المدينة المنورة.
ولما قَدِم المدينة المنورة نزل في بيته،وأعد وليمة وهدايا، وطلب من والي المدينة أن يجمع أهل المدينة كلِّهم، وأن يدخلهم من أمامه ليعطيهم الجوائز، فجمع الناس كلَّهم في صعيدٍ واحد وصاروا يدخلون من أمام الملك والملك يُقسِّم عليهم، وينظر في وجوههم، إلى أن انتهى الناس كلُّهم، ولم يجد أحداً تنطبق فيه صفات الرجلين الَّلذَين رآهما في المنام، سأل الأمير قائلا: بقي أحد في المدينة ؟ قالوا :لا، لم يبقَ أحدٌ إلاَّ رجلَين زاهدَين عابدَين منقطعَين في العبادة، لا يريدان الدنيا، ولا يريدان العطايا، ولا يرغبان في الجوائز، ولا يخرجان من المسجد، فهما من أهل الله . قال: ائتوا بهم إليَّ. فأرسل حراسه، فأخذوهما، وجاءوا بهما، وعندما دخلا عليه، وإذا بهما هما اللذان رآهما في المنام، وهما صاحبا الصورة، فقال: أدخلوهما. فأدخلهما السجن، وبدأ التحقيق معهما، وتفتيش بيتهما، وعندما جاءوا إلى البيت، وإذا بظاهره فراش ولا أحد يشك فيه، ففتحوه وإذا بالحفرة تحته، فنزلوا فيها وإذا بهم لم يبقَ بينهم وبين قبر الرسول ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ إلا قريباً من شبر فقط. فأمر بقطع رأسيهما بعد أن أقرّأ بجرمهما، ثم أمر فضُرِب حول قبر النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ بدائرة صبَّت بالرصاص، بحيث لا يستطيع أحد أن ينقضها بأي حالٍ من الأحوال .
عُرف عن نور الدين أنه كان يدعو ساجداً قبل السحر: اللهم احشرني يوم القيامة من بطون السباع وحواصل الطير، وكان قبيل المعركة يدعو بدعائه المشهور: اللهم خذ نور الدين شهيدا، وافتح على المسلمين؛
 بتلك الطاعات نال نور الدين شرف حماية خير البرية عليه السلام . 

عزة المسلم .. الرشيد ونقفور


في سنة 187هـ نقـض صـاحب الروم نقفور الصلح الذي كـان بين المسلمين وبين الإمبراطورة أريني ، بعد أن خلعها الروم وملكوه ، فكتب إلى هارون الرشيد :
"  من نقفور ملك الروم ، إلى هارون ملك العرب ، أما بعد ، فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ ( القلعة في الشطرنج )  وأقامت نفسها مكان البيدق ( الجندي ) فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقاً بحمل أمثالها إليها ، لكن ذلك ضعف النساء وحمقهـن ، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها ، وافتد نفسك بما يقع به المصادرة لك ، وإلا فالسيف بيننا وبينك " .
فلما قرأ الرشيد الكتاب استفزه الغضب حتى لم يمكن لأحد أن ينظـر إليه دون أن يخاطبه ، فدعـا بدواة وكتب على ظهـر الكتاب :
" بسم الله الرحمن الرحيم ، من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم ، قـد قرأت كتابك يا ابن الكافـرة ، والجواب ما تراه لا ما تسمعه ، والسلام " .
ثم شخص من يومه وسار حتى أناخ بباب مدينة هرقلة ، ففتح وغـنم ، وخـرب وحرّق ، فطلب نقفور الموادعة على خراج يؤديه في كل سنة ، فأجابه الرشيد إلى ذلك ، فلما رجع من غزوته ، وصار بالرقـة نقض نقفور العهد وخان الميثاق ، وكان البرد شديداً ، فيئس نقفور من رجعة الرشيد إليه ، وجاء الخبر بارتداده عما أخذ عليه فما تهيأ لأحد إخباره بذلك إشفاقاً عليه وعلى أنفسهم من الكرة في مثل تلك الأيام ، فاحتيلَ عليه بشاعر يسمى أبا محمد بن عبد الله بن يوسف فقال له قصـيدة مطلعها :
نقضَ الذي أعطيتهُ نقفورُ         وعليه دائرةُ البوارِ تدورُ
فلما فرغ من إنشاده قال الرشيد : أو قد فعـل نقفور ذلك ؟!
وعلم أن الوزراء قد احتالوا له في ذلك ، فكرَّ راجعاُ في أشد محنة وأغـلظ كلفة حتى أناخ بفنائه ، فلم يبرح حتى رضي وبلغ ما أراد ، و أذل نقفـور وجنده .

الثلاثاء، 14 مايو 2013

شتوة المساطيح والماء الطهور ..!!

يقول الحقُّ ـ جلَّ شأنه ـ  في كتابه العزيز :
{ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا (*) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيـرًا (*) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا }  [ الفرقان : 48ـ 50]
الفلاحون في بلادنا يسمُّون أول المطر (شتوة المساطيح )؛ لأنهم كانوا إذا ما جادت السماء بباكورة نعمتها، هبُّوا إلى الزبيب والقطين المنشور (المسطوح ) على أسطح البيوت، وجمعوه بسرعة كبيرة خوف أن يتلفه الماء المنهمر،  وكانوا  بهذه الشتوة الأولى يتوسمون خيراً بموسم طيب وقريب.
فكيف كان الرسول ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ يستقبل أول المطر،  وهل في ذلك سرٌّ كشفه العلم الحديث ؟
في حديث يرويه أنس حديث أنس ـ رَضِيِ اللهُ تِعَالى عَنْهُ ـ   قال: "أصاَبَناَ وَنَحْنُ مَعَ رَسُول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ مَطَرٌ، فَخَرَجَ رَسُولُ الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ فَحَسَرَ ثَوْبَهُ عَنْهُ حَتّى أَصَابَهُ، فَقُلْناَ: ياَ رَسُولَ الله لِمَ صَنَعْتَ هذَا؟ قالَ: لأنّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبّهِ".
يقول الإمام النووي معلقا على هذا الحديث :
" أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها فيتبرك بها. وفي هذا دليل أنه يستحب عند أول المطر أن يكشف غير عورته ليناله المطر واستدلوا بهذا أنه من الممكن استخدامه في ملامسة الجسد للاستشفاء".
فأين الشفاء في أول المطر الذي يكون عادة محملا بالغبار ويسقط كالوحل ؟
عند سقوط بواكير المطر على الأرض؛ نشم في الجو رائحة تشبه رائحة التبن الطازج في بيادر الحصاد، هذه الرائحة ناتجة عن غاز مشهور اليوم يسمى غاز الأوزون.
هذا الغاز يتكون في طبقات الجو العليا بتأثير الأشعة الفوق البنفسجية في النهار، حيث يشكل واقيا من أشعة الشمس الضَّارة، ويختفي خلال الليل، فسبحان الذي قدَّر وهدى!! غاز الأوزون هذا أثقل من الهواء حيث يتكون من ثلاث ذرات أكسجين، لذا يهبط نحو سطح الأرض، وعندما يختلط ببخار الماء في طبقات الجو يكوِّن مركبًا يسمى ( هيدروجين بروكسيد)، وهو الذي يعطي الجو تلك الرائحة المنعشة عند نزول المطر .
حديثا اكتشف العلماء أن الأوزون هو علاج الفقراء، لأنه دواء شديد الفعالية ضد عدد كبير من الأمراض الخطيرة، وهو بذات الوقت مطهر ومعقم مثالي لغرف العمليات، وبرك السباحة ومياه الشرب .
والأهم من ذلك أن أحدى وسائل استخدامه كعلاج طريقة تسمى : ( الماء المُؤَّوزن) حيث يتم خلط الماء بالأوزون، ويستخدم هذا الماء المشبع بالأوزون كحمام خارجي لعلاج الجروح والحروق والتهابات الجلد .
فسبحان الله تعـالى الذي أوحى لرسوله الكريم كتابا لا تفنى معجزاته .

آرمسترونج .. وآية القمر

يقول سبحانه في علاه : 
{ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (*) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة :124ـ 125]
فكلما قرأ المؤمن سورة زادته يقينا في بحقيقة الوجود وصدق الرسول الكريم، وبذات الوقت يسمعها المنافق فتزيده كفرا وعنادا وتبعده عن جادة الخلاص .
والقرآن ينير طريق المؤمنين في طريقهم إلى الجنة ، ويشفي نفوسهم من أمراض النفس والشك، ولكنه بذات الوقت هو عمى للذين لا يؤمنون . قال تعالى:
{ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ (44) } [فصلت]

ويعلِّق الإمام الغزالي في الإحياء على هذه الآيات  :
"  العلم كالغيث، ينزل من السماء حلوا صافيا، فتشربه الأشجار بعروقها، فتحوله على قدر طعومها، فيزداد المرُّ مرارة والحلو حلاوة، ويزداد المتكبر كبرا، والمتواضع تواضعا .. " .
وآيات الله في الوجود تشبه آيات الله تعالى في كتابه ، فقد سُئل (نيل آرمسترونج) ، أول رائد فضاء حطت رجله على سطح القمر، في إحدى المقابلات الصحفية :
ـ هل يزيد إيمان رجال الفضاء بالله وهم يطوفون في الأعالي أم ينقص؟
فأجاب: المؤمنون منهم يزيد إيمانهم، والملحدون منهم يزيد إلحادهم .

كم بين الإيمان واليقين ؟؟

قالوا : اليقين في اللغة هو العلم، وزوال الشك . اليقين  تحقيق التصديق بالغيب؛ بإزالة كل شك وريب .
وفي الاصطلاح هو بلوغ الإيمان في القلب (لأي من المغيبات) لمرتبة العلم والمعرفة التامة، وتنافي الشك والريب عنها.
قال الله تعالى:
{والَّذينَ يُؤمنونَ بما أنزلَ إليكَ وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون } [ البقرة : 4].
وعندما سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -عن قوله تعالى‏:‏ ‏{ حَقُّ الْيَقِينِ‏ }‏  ‏[‏ الواقعة‏:‏ 95‏]‏ ، و‏{عَيْنَ الْيَقِينِ‏ }  ‏‏[‏التكاثر‏:‏ 7 ]  ، و‏{ عِلْمَ الْيَقِينِ ‏}‏ ‏[‏التكاثر‏:‏5‏]‏ فما معنى كل مقام منها‏؟‏ وأي مقام أعلى‏؟‏‏.
أجاب:  إن للناس في هذه الأسماء مقالات معروفة‏، منها‏:‏
أن يقال‏:‏ ‏{عِلْمَ الْيَقِينِِ‏}‏ما علمه بالسماع والخبر والقياس والنظر،  
و‏{عَيْنَ الْيَقِينِ‏}‏ ما شاهده وعاينه بالبصر،
و‏{حَقُّ الْيَقِينِ‏}‏ ما باشره ووجده وذاقه وعرفه بالاختبار‏.‏
فالأول‏:‏ مثل من أخبر أن هناك عسلًا، وصدَّق المُخبر‏،‏ أو رأى آثار العسل فاستدل على وجوده .
والثاني‏:‏ مثل من رأى العسل وشاهده وعاينه، وهذا أعلى كما قال النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ ‏:‏ ‏( ليـس المُخـبر كالمعـاين ) .
والثالث‏:‏ مثل من ذاق العسل، ووجد طعمه وحلاوته، ومعلوم أن هذا أعلى مما قبله .
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ  ( مدارج السالكين 472/1):
" علم يقين يحصل عن الخبر،  ثم تتجلى حقيقة المخبر عنه للقلب أو البصر حتى يصير العلم به عين يقين،  ثم يباشره و يلابسه فيصير حقَّ يقين،  فعلمنا بالجنة والنار الآن علم يقين،  فإذا أزلفت الجنة للمتقين في الموقف وبرزت الجحيم للغاوين وشاهدوهما عيانا كان ذلك عين يقين،  كما قال تعالى: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ، ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} [ التكاثر ]  فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار فذلك حق اليقين .
ويوافق ذلك ما قاله العلماء في الردِّ على من زعموا أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ  شكّ في الإيمان لقوله تعالى:
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } [ البقرة : 260] .
فإن إبراهيم عليه السلام ما شك في ربه أبداً ، و إنما أراد الانتقال من مستوى الاستدلال إلى مستوى العيان، والارتقاء إلى درجة أعلى من درجات الإيمان ، و هذا حال المؤمنين دائماً في سعيهم إلى الكمال ، فالفرق بين سؤال إبراهيم و سؤال غيره، كالفرق بين سؤال موسى رؤية ربه و سؤال قومه نفس الطلب، لأن سؤال موسى كان سؤال محبة و شوق إلى الله، أما سؤال قومه فكان سؤال ريبة و مكابرة .
قال علي بن أبي طالب لابنه الحسن: يا بني كم بين الإيمان واليقين ؟ قال : أربعُ أصابع، قال : وكيف؟ قال : الإيمان ما سمعناه بآذاننا وصدقناه بقلوبنا، واليقين ما رأيناه بأعيننا فتيقنّا ، وبين السمع والبصر أربع أصابع .
ولكن ما هي مظاهر اليقين في حياة المسلم ؟
نقرأ في حديث عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق  قال: «مِنْ صَحةِ يَقِينُ المَرءِ المُسلمُ أن لا يُرضي النّاسَ بِسخَطِ اللهِ، وَلا يَلُومُهُم عَلَى مـا لَم يُؤتِهِ اللهُ، إنّ اللهَ بعَدلِهِ وَقِسطِهِ جَعَلَ الرُّوحَ وَالرَّاحةَ فِي اليَقِينِ وَالرِّضا، وجَعَلَ الهَمَّ وَالحُزنَِ فِي الشّكِ وَالسَّخَطِ. "