الاثنين، 13 أكتوبر 2014

من لطائف الحج

حكى الشيخ محمد زاهد الكوثري رحمه الله في مقال له "أن بلدة شمني في بلغاريا كانت مركزا هاما إسلاميا في عهد الحكم الإسلامي، وكان مفتيها الكبير المعمَّر عالما جليلا له خدمات علمية ودينية عظيمة للغاية كما هو معروف لأهل تلك البلاد".

وقد حكى هذا المفتي عن نفسه -كما يروي الكوثري- قائلا: "إني كنت طفلا بلغاريا، فتبناني مسلم، ورباني وأحسن تربيتي، وبعثني إلى الآستانة، وحصلت العلم على كبار أساتذتها، فتخرجت في العلوم، وعينت مفتيا للبلد، واستمررت في الإفتاء إلى اليوم، وكلي في سبيل خدمة الدين، ومع هذا كله كانت تعتريني هواجس، وتوسوس في صدري: ربما كان ديني السابق هو الحق وأنا غلطت في اختيار هذا الدين تبعا لولي نعمتي. وأستعيذ في الحال من هذه الهاجسة الشنيعة، ثم تعاودني هذه الهاجسة مرة أخرى فأردها بشدة واستعاذة، وهكذا، لكن لم تنقطع عني تلك الهاجسة إلى أن حججت، وأديت المناسك، وشهدت المشاهد، ووقفت المواقف، وزرت قبر المصطفى (صلوات الله وسلامه عليه)، فزالت عني معاودة تلك الهواجس نهائيا بحمد الله تعالى" (مقالات الكوثري ص 189-190).
وهكذا يبدو الانتفاع الفردي الشخصي بفريضة الحج حاضرا دائما -في أوقات الضعف الإسلامي ومراحل القوة على السواء- وذلك لمن خاض التجربة بصدق، وإقبال نفس، ووعي قلب، حتى بدون خطب ونصائح كثيرة.

ولعل تجربة الداعية والحقوقي الأميركي مالك شباز أو مالكولم إكس رحمه الله تمثل نموذجا فذا في هذا الباب، فالرجل الذي آمن في سجون الولايات المتحدة بإسلام منقوص يقوم على العنصرية والتعصب الزنجي ضد البيض، رجع من الحج عام 1964 وقد خاض تجربة الإسلام العادل الذي يسوي بين البشر، وتعلم أن عنصرية البيض البغيضة والقاسية في أميركا لا يُرَد عليها بعنصرية السود، وإنما بعدالة الإسلام التي يمكنها أن تستوعب جميع الألوان!
وتجربة مالك الرائعة مع رحلة الحج لا يمكن أن نعتبرها مجرد سياحة دينية شخصية وضعت يد الرجل على الحقيقة، إذ تجاوزت التجربة شخصه حتى تحول إلى صوت عظيم للإسلام على الشاطئ الآخر للأطلسي، فتأثرت به جماهير عريضة صححت به إسلامها، أو انقادت إليه بعد أن كانت خارج حدود الإسلام، لذلك أُسكت صوت الرجل عاجلا في حادث اغتيال أثيم عام 1965.


منقول عن الكاتب نبيل الغولي / مصر