الخميس، 20 فبراير 2014

سر السعادة ..


 في قصة لتولستوي يقول الإقطاعي للفلاح الطامع في أرضه سوف أعطيك ما تشاء من أرضي. تريد عشرة فدادين.. مائة فدان.. ألفا.. لك أن تنطلق من الآن جريا في دائرة تعود بعدها إلى مكانك قبل أن تغرب الشمس فتكون لك الدائرة التي رسمتها بكل ما اشتملت عليه من أرض.. شريطة أن تعود إلى نقطة البدء قبل غروب الشمس، أما إذا غربت الشمس و لم تعد فقد ضاعت عليك الصفقة.. و يفكر الفلاح الطماع في دائرة كبيرة تشمل كل أرض الإقطاعي.. و هو مطمع يحتاج منه إلى همة و سرعة قصوى في الجري حتى يحيط بها كلها في الساعات القليلة الباقية على الغروب
و يبدأ في الجري و كلما تقدم الوقت كلما وسع من دائرته اغترارا بقوته و طمعا في المزيد و تكون النتيجة أن تتقطع أنفاسه و يسقط ميتا قبل ثوان من بلوغ هدفه.. ثم لا يحصل من الأرض إلا على متر في متر يدفن فيه..
 
و هذه هي حاجة الإنسان الحقيقية من الأرض بضعة أشبار يرقد فيها.. و هو ينسى هذه الحقيقة فيعيش عبدا لأهواء و أطماع و أوهام تضيع عليه حياته
و قد فطن تولستوي إلى هذه الحقيقة فوزع أرضه على الفلاحين و هرب من بيته الأنيق الدافئ و سكن في كوخ حقير مع الفقراء المعدمين، وكذلك فعل غاندي الذي عاش على عنزة يحلب لبنها و يغزل صوفها

و يبدأ في الجري و كلما تقدم الوقت كلما وسع من دائرته اغترارا بقوته و طمعا في المزيد و تكون النتيجة أن تتقطع أنفاسه و يسقط ميتا قبل ثوان من بلوغ هدفه.. ثم لا يحصل من الأرض إلا على متر في متر يدفن فيه.. و هذه هي حاجة الإنسان الحقيقية من الأرض بضعة أشبار يرقد فيها.. و هو ينسى هذه الحقيقة فيعيش عبدا لأهواء و أطماع و أوهام تضيع عليه حياته
و قد فطن تولستوي إلى هذه الحقيقة فوزع أرضه على الفلاحين و هرب من بيته الأنيق الدافئ و سكن في كوخ حقير مع الفقراء المعدمين، و كذلك فعل غاندي الذي عاش على عنزة يحلب لبنها و يغزل صوفها
و كذلك فعل المسيح الذي عاش بلا بيت و بلا زوجة و بلا ولد.. لا يملك إلا ثوبه ، و هؤلاء هم السعداء العظام الذين جاءوا ليعلموا الناس كيف تكون السعادة
قال لنا بوذا إن السعادة في قمع الرغبة و ردع النفس و كبح الشهوة بذلك وحده يكون العتق الحقيقي للروح و تحررها من سجن الجسد
و قال لنا المسيح:
(( من أهلك نفسه في سبيلي وجدها ))
و قال طالوت لجنوده في القرآن:
(( إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني و من لم يطعمه فإنه مني ))
و كلها إشارات و رموز إلى الحقيقة
فنحن لم نوهب الشهوة لنشبعها أكلا و شربا و مضاجعة و تكديسا للمطامع و الثروات.. و إنما وهبنا الشهوة لنقمعها و نكبحها و نصعد عليها كما نصعد على درج السلم ، فالجسد هو الضد الذي تؤكد الروح وجودها بقمعه و كبحه و ردعه و التسلق عليه
و بقمع الجسد و ردعه و كبحه تسترد الروح هويتها كأميرة حاكمة و تعبر عن وجودها و تثبت نفسها و تستخلص ذاتها من قبضة الطين و تصبح جديرة بجنتها و ميراثها.. و ميراثها السماء كلها، و مقعد الصدق إلى جوار الله.. و هذه هي السعادة الحقة
أما إذا غلب حكم الطين و انتصرت الجبلة الحيوانية و قرن الإنسان ذاته الشريفة بالمادة الطبيعية فقد هبط بنفسه إلى سجن الضرورات و إلى غلظة الآلية و إلى نار الطبيعة التي تأكل بعضها بعضا و أصبح منها و فيها و لها.. و تلك هاوية التعاسة و التمزق و الشتات
و طريق الإنسان هو هذا الكدح خارجا من قبضة مادته إلى نورانية روحه (( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ))
و هو في مكابدة دائمة من لحظة ميلاده يتأرجح بين قطبي جسده و روحه في قلق لا يهدأ و صراع لا يتوقف.. يصعد ثم يسقط ثم يعاود الصعود ثم يعاود السقوط
و كل منا له معراج إلى الكمالو كل منا يصعد على قدر عزمه و إيمانهو لا صعود دون ربط الأحزمة على البطون و كبح الشهوات
و الكامل حقا لا يرى في الحرمان حرمانا فموضوعات اللذة المادية لم تعد بذات قيمة في نظره فهو قد وصل بإدراكه العالي إلى تذوق المتع الروحية و اللذات المجردة.. فأصبحت الماديات بعد ذلك شيئا غليظا لا يسيغه.. و هو ارتقاء أذواق و ليس فقط ارتقاء همم و عزائم
و الصوفية يسمون هذا المعراج النفسي بالخروج.. الخروج من الصفات البشرية إلى الصفات الإلهية
و الله يطوي الصفات البشرية عن أحبابه كما يطوي لهم الأرض و يجذبهم إليه.. و هي الجذبة الصوفية.. و هي إذا جاءت لصاحبها على غير استعداد جعلت منه مجذوبا خارجا عن صوابه، و هي رتبة دون الكمال.. لأن الكمال هو الصلاح بوعي.. و ليس الصلاح بفقد الوعي ، والأنبياء في هذا الموضوع هم القدوة
منقول عن الدكتور مصطفى محمود