الشـــحنة الإيمانية ....
|
هذا أخ يمرًّ بجوار المسجد والمؤذن ينادي للصلاة، فيواصل الأخ سيره ويصلي في بيته، أو مكتبه، أو متجره ، أو معمله ، وإذا ما لقيته شكا لك قسوة القلب ، وغياب طمأنينة الإيمان عنده !!!
وهذا أخ ، يفضّل أن يقضي وقت فراغه أمام التلفاز، أو في السهر مع الخلان ، ثم يشكو جفوة القلب وذهاب حلاوة الإيمان منه !!!
شتان شتان بين مثل هؤلاء ، وبين رجل قلبه معلّق في المساجد ، مصباح هدى ويقين ينير بنور المسجد، ويشحن القلب بشحنات إيمان ربانية تهديه خارج المسجد، رجل ممن شهد الله تعالى له بالإيمان، لأنه ممن يعمرون مساجد الله تعالى الذي ملأ بنوره السموات والأرض .
إن العلاقة بين عمارة المساجد والإيمان علاقة ثابتة إلا أنها تغيب عن كثير من المسلمين، فقد أسقط البعض من حساباته ومن مهماته الاعتكاف في المسجد أو قضاء بعض الوقت فيه، أو المشاركة في نشاطاته، وتلك من مصائد الشيطان، والعياذ بالله.
ضرب الله لنا مثلا لنوره آية المشكاة من سورة النور، وفي الآية التي تليها أوضح لنا أين يكون نوره :
{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ 37} [ سورة النور ]
فأصل الاقتباس من نور الله تعالى يكون في بيوت الله تعالى وهي المساجد ، فالمسجد هو مكان شحن القلوب بطاقة الإيمان وبنور هداية القرآن، فإذا طال مكوثنا في المساجد واعتكافنا فيها قوية شحنة الإيمان في القلب .
روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه مرّ بسوق المدينة فوقف عليها ، فقال: يا أهل السوق، ما أعجزكم؟
قالوا : وما ذاك يا أبا هريرة؟
قال: ذاك ميراث محمد _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ يقسم وأنتم ها هنا، ألا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه؟ قالوا: أين هو؟ قال : في المسجد.
فخرجوا سراعا، ووقف أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ لهم حتى رجعوا. فقال لهم: ما لكم؟ فقالوا: يا أبا هريرة، لقد أتينا المسجد، فلم نر شيئا يقسَّم. فقال لهم : وما رأيتم في المسجد؟
قالوا: رأينا قوما يصلون ،وقوما يقرأ ون القرآن، وقوما يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ : ويحكم فذاك ميراث محمد ـ صَلَّى الله ُعَلَيِّهِ وَسَلَّمَ ـ. (رواه الطبراني في الكبير)
عن عمير بن المأمون، قال: سمعت الحسن بن علي يقول:
" من أدام الاختلاف إلى المساجد أصاب ثماني خصال: آية محكمة، وأخا مستفادا، وعلما مستطرفا، ورحمة منتظرة، وكلمة تدله على هدى، وترك الذنوب رجاء أو خشية " .
وعن محمد بن المنكدر قال :
" خلفت زياد بن أبي زياد مولى أبن عياش يخاصم نفسه في المسجد فيقول :
أجلسي أين تريدين؟ أين تذهبين؟ أتخرجين إلى من أحسن من هذا المسجد؟ انظري إلى ما فيه، تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان؟
قال : وكان يقول لنفسه: ومالك من الطعام يا نفس إلا هذا الخبز والزيت، ومالك من الثياب إلا هذان الثوبان، ومالك من النساء إلا هذه العجوز، أتحبين أن تموتي؟ فقالت: أنا اصبر على هذا العيش. ( محاسبة النفس لابن أبي الدنيا93 ـ 94 ) .