الأخسرين أعمالا ...
|
عبر التاريخ كان هناك طموحا عند بعض علماء الكيمياء، طموح يتمثل في تحويل النحاس على ذهب، ولكي يحقق هؤلاء هذه الرغبة الجامحة بذلوا جهودا جبارة، من أجل الوصول إلى الهدف المنشود، فالوصول إليه يعني الثروة والسلطة والجاه وتحقيق الأحلام، ولما مرت السنون والغاية لم تتحقق، قال أحدهم: أن السر في توفير مادة الزبئق الأحمر، فإذا وفرنا هذه المادة ومسحنا بها النحاس مسحا خفيفا تحول النحاس إلى ذهب، فانتقل العلماء القدماء للبحث عن الزبئق الأحمر لتحيق الحلم، ولما أعجزهم الأمر، قالوا أن تلك مادة مرتبطة بالجان، فتحول العلم إلى خرافة، فقد ضل سعي البشر ، وبقي تحويل النحاس إلى ذهب قضية خاصة بالجن، نستطيع أن سمي هذه الفئة من العلماء بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم .
يقول الله تعالى في خواتيم سورة الكهف :
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) .
تتحدث الآية عن فئة من الناس وصفتهم بالخسارة الشاملة والتامة، فهم ليسوا خاسرين فقط بل الأخسرين، فماذا يقول المفسرون في تعليل وصفهم بالأخسرين؟
أولا : الأخسرين إسم تفضيل أي أنه هناك اشتراك في الخُسران، يوجد خاسرون كُثُر سواء الكفرة والفَسَقة والظّلَمة بعضهم خاسر وبعضهم أخسر من بعض أي التفضيل فيما بين الخاسرين أنفسهم.
ثانيا: نلاحظ استخدام كلمة (ضلّ) مع كلمة (سعيهم) ولم يقل ضل عملهم لأن السعي هو العدو أو المشي الشديد دون العدو، وقال في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يُحسن صنعا ولم يقل يعمل صالحاً، والإحسان هو الإتقان في العمل وليس العمل العادي.
ثالثا : في اللغة لدينا : فعل وعمل وصنع أما الفعل فقد تقال للجماد( نقول هذا فعل الرياح) وقد يكون للعاقل وغيره ، والعمل ليس بالضرورة صنعاً فقد يعمل الإنسان بدون صنع، وأغلب ما يكون للعاقل وقلّما يُستعمل للحيوان، أما الصنع فهو أدقّ وهو من الصَّنعة وهو دقة العمل وإتقان العمل كما في قوله تعالى (صُنع الله الذي أتقن كل شيء) والصنع لا تستعمل إلا للعاقل الذي يقصد العمل بإتقان وإحسان.
فالآية تتحدث عن العي الحثيث مع الرغبة القوية بالإتقان من أجل الإنجاز، ولكن لأن هذا الصنع ضال لا يتبع منهج الله القويم كان الوصف لهم بالأخسرين أعمالا.