الواعظ الحنفيُّ .. منفيُّ عــكا
|
( صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي ، وإذا فسدا فسدت أمتي.
قيل : يا رسول الله ومن هما؟
قال: الفقهاء والأمراء )
ومما جاء في الأثر :
إذا رأيتم العلماء على أبواب الملوك ، فبئس العلماء وبئس الملوك
وإذا رأيتم الملوك على أبواب العلماء فنعم الملوك ونعن العلماء ..
جاء في كتاب " حلية البشر في القرن الثالث عشر " للشيخ عبد الرازق البيطار :
كان الشيخ صادق الحنفي إماما كاملا، وعالما عاملا ، لا يخشى سطوة أمير مكابر ، ولا إمام جائر ، وفي سنة 1285 هـ حضر إلى دار السلطنة العلية وعاصمة الأمة الإسلامية ، في أيام خلافة السلطان عبد العزيز خان ، وكان دخول الشيخ صادق أوائل رمضان ، فكان يقرأ درس الوعظ في ( أيا صوفيا) إلى اليوم السابع والعشرين، وقد جرت العادة أن السلطان في ذلك اليوم يدور على الدروس في المساجد، فمتى أتى لدرس يختم المدرس الكلام، ويدعو للسلطان ، ومعه وكلاء الدولة العظام وشيخ الإسلام.
فلما وصل لدرس الشيخ صادق، لم يختم الدرس ولم يدع ، بل التفت إلى الوكلاء ، وخاطبهم بكونهم أدخلوا على السلطان الغرور ، وأبطلوا الشريعة وارتكبوا سفاسف الأمور، ونكّسوا إعلام الدين، وقدموا المخالفين على المؤمنين، وأطال الكلام وتجاوز الحد في هذا المقام ، والسلطان صاغ إليه، فحقد الوكلاء عليه.
وبعد أن ختم ذهب، وقد أضمروا له كلَّ عطب ، ثم بعد ذلك اجتمع والوكلاء ودخلوا على السلطان، فتكلموا في حق الشيخ صادق ما غير قلب أمير المؤمنين عليه، وقالوا له :
قد فعل ما أوجب توجيه المضرّة إليه، فلا بدّ من إعدامه، ليتأدب غيره من عن التكلّم بمثل كلامه.
فقال أمير المؤمنين: نعم، ولكن لا بدّ من مرافعتكم معه في مجلس شيخ الإسلام، لئلا يقول الناس قُتل ظلما، فنقع بين العموم في الملام .
فلمّا أحس شيخ الإسلام ذلك اختلى بالسلطان وقال له : إن قتلناه، قيل بالعبارات الصحيحة : إن السلطان قد قتله لبذله النصيحة، ولكنّ نفيهُ أولى ، ورأي أمير المؤمنين أعظم وأولى ، فأمر السلطان بنفيه في الحال، فأرسل إلى عكا من غير إهمال .
وخير ما نعلّق به على هذه القصة ، كلمات من لباب الحكمة ، للإمام ابن النحاس الدمشقي كما وردت في كتابه " تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين " :
" فمن أخلص لله النيّة أثّر كلامه في القلوب القاسية فليّنها ، وفي الألسن الذّرِبة فقيدها، وفي الأيدي السَلَطة فقيدها .
فإذا نظرنا إلى فساد الرعية و جدنا سببه فساد الملوك، وإذا نظرنا إلى فساد الملوك وجدنا سببه فساد العلماء، وإذا نظرنا إلى فساد العلماء وجدنا سببه ما استولى على ما هم من حبّ المال والجاه وانتشار الصيت ونفاذ الكلمة، ومداهنة المخلوقين وفساد النيَّـات في الأفعال والأقوال، وإذا أراد واحد منهم أن ينكر على الرعية لم يستطع ذلك، فكيف يستطيع الإنكار على الملوك والتعرض للمهالك، ومفارقة ما استولى على قلبه من حب المال والجاه .
اللهم استر فضايحنا وتولَّ مصالحنا
اللهم خذ بأزمة قلوبنا إليك ،
اللهم استعملنا فيما يرضيك يا أرحم الراحمين.. "