كلمة التقوى وما تصرَّف منها وردت في القرآن الكريم حوالي مئتين وخمسين مرة ؛ وذلك لأن تحقيق التقوى مقصد رفيع من مقاصد الشريعة، كما أن الأمر بالتقوى جاء متنوعا وشاملا في القرآن الكريم، فقد خوطب به الناس جميعا ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ }
كما خوطب به المؤمنون ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ }
وخوطب به الرسول الكريم : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ } [الأحزاب:1]
روي أنه عندما ولي عمر بن الخطاب الخلافة جلس على المنبر، وبايعه الناس بيعة عامة، فقام رجل، وقال لعمر: " اتق الله يا عمر ! " فنبهه بعض الحاضرين بأنه لا يجوز أن يقول ذلك للخليفة، يومها قال عمر كلمته المشهورة: " لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها " .
وعلى ذات الطريق سار الخليفة العباسي هارون الرشيد .
فقد ذُكر أن يهوديا من أهل الذمّة كانت له مظلمة عند هارون الرشيد، فاختلف إلى بابه مدة، ولكن الحجَّاب منعوه من الوصول إلى الخليفة، ذات يوم انتظر اليهودي خروج موكب الخليفة من القصر، فلما خرج هارون الرشيد وكان راكبا في موكبه، سعى اليهودي حتى وقف بين يديه، وقال : أتـق الله يا أمير المؤمنين!
فنزل هارون الرشيد عن دابته وخرّ ساجداً، فلما رفع رأسه أمر بحاجة الذميّ فقضيت، فلما رجع قيل له: يا أمير المؤمنين، نزلت عن دابتك لقول يهودي !
قال : لا، ولكن تذكرت قول الله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَاد } [ البقرة :206] .
وقد روى عن رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ قوله : ( .. أن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل : أتق الله ، فيقول : عليك بنفسك ) . { خرجه الألباني في السلسلة الصحيحة ]
عمر بن عبد العزيز جعل للأمر وزيرا ، فقيل أنه انه استدعى وزيرا يدعى مهاجرا، وقال له: كن بجانبي، فإذا رأيتَني ظلمت مسلمًا أو انتهكت عرضاً، أو شتمت مؤمناً، فخذ بتلابيب ثوبي وقل: اتق الله يا عمر. فكان وزيره مهاجر يهزه دائمًا، ويقول: اتق الله يا عمر.
وروي أن الإمام الزاهد أبا الحسن بن سنان ـ رضي الله عنه ـ دخل على حاكم مصر أحمد بن طولون ذات يوم ، وقال له : يا بن طولون اتق الله ! فعجب الجالسون في مجلس الحاكم واستشاط الحاكم غضبا، فأمر الأمير أن يسجن ابن سنان ، وأمر الحراس أن يجوِّعوا له أسدا ثلاثة أيام، حتى اشتدّ به الجوع وكاد أن يأكل ما أمامه من بشر أو حيوان، وأدخل الحارسُ الأسد على العالم الزاهد، وانتظر وراء الباب ساعة، ثم نظر فوجد العالم ساجدا لله، والأسد فوق رأسه يحرسه، فرفع الخبر إلى الحاكم ، فأمر بإحضاره، وقال له : بم دعوت الله ، قال بقوله { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } [الطور: 48]
فقال الأمير : ألم تخف من الأسد؟ فأجاب : بلى خفت أن يمسني لعاب الأسد ، فتلحق بثوبي نجاسة تمنعني من الصلاة .
فانظر، رعاك الله، إلى تلك الكلمة التي أكثر الله تعالى من ذكرها، والتي جعل لها الخليفة الراشدي الخامس وزيرا يذكره بها، واعلم أنك إن لم تقلها لغيرك فإنه لا خير فيك ، وإن لم تسمع أحد يقلها لك، فإنك محروم من الأخ الناصح والصديق الوفي . فقوِ قلبك، وعوِّد لسانك على قولها للآخرين، وتقبلها من غيرك بكل صدر رحب، فلا يقولها لك إلا من يتوسم فيك خيرا، ويراك من أهل التقوى .