تشــبّه بالكــرام
الرسول r يقول : " من تشبه بقوم فهو منهم " ، لأن الإنسان يتشبه بمن يحب ، فيطلب رضاء المحبوب بالتشبه به ، ويحشر المرء مع من أحب ، ولو صام وقام بين الحِجر والمقام .
ابن خلدون كان يقول : المغلوب مولع بتقليد الغالب ، فالأمة المهزومة تميل إلى التشبه بالأمة الغالبة في أحوالها ، فشباب العرب بعد حرب الخليج وحرب العراق ظنّوا أن سبب غلبة الأمريكان قَصةُ شعر جنود المارينز فأخذوا يقلدونها .
والشاعر يقول :
تشبّه بالكرام إنْ لم تكن منهم فإن التشبهَ بالكرام جميلُلأن التشبه بالكرام يجعلك منهم ، ألم تسمع بقول الرسول من تشبه بقوم فهو منهم ؟!
المهتدي بالله أحد الخلفاء بني عباس المتأخرين ، ولي الخلافة عام 255هـ وخلع عنها بعد سنة ، كان من أحسن الخلفاء العباسيين مذهبا وأجملهم طريقة ، وأظهرهم ورعا وأكثرهم عبادة ، وكان ممن طرح الملاهي من بيت الخلافة ، وحرّم مجالس الغناء والشراب ، يحكي عنه أبو العباس بن القاسم هذه الواقعة ، فيقول( تاريخ بغداد 3/ 350) :
" .. كنت بحضرة المهتدي عشية من العشايا ، فلما كادت الشمس تغرب ، وَثَبْتُ لأنصرف ، وكان ذلك في شهر رمضان ، فقال لي : اجلس .
فجلست ، ثمّ إن الشمس غابت ، وأذن المؤذن لصلاة المغرب ، فتقدم المهتدي فصلّى بنا ، ثم دعا بطعام فأُحضر طبق وعليه رُغف من الخبز النقيّ وفيه آنية ، في بعضها ملح ، وفي بعضها خل ، وفي بعضها زيت ، فدعاني إلى الطعام ، فابتدأت آكل معذرا ، ظانّاً أنه سيُؤتى بطعام له نيقة وفيه سعة ، فنظر إليّ ، وقال:
ـ ألم تكُ صائما ؟
قلت : بلى .
قال : ألست عازماً على الصوم غداً ؟
قلت : كيف لا ، وهو شهر رمضان .
فقال : كُلْ واستوفِ غداءك ، فليس هاهنا طعام غير ما ترى .
فتعجبت من قوله ، ثم قلت والله لأخاطبنَّهُ في هذا المعنى ، فقلت :
ـ ولمَ يا أمير المؤمنين ، وقد أسبغ الله نعمه وبسط رزقه ، وكثر الخير من فضله ؟
فقال : إن الأمر على ما وصفت فالحمد لله ، ولكني فكرت في أنه كان في بني أمية عمر بن عبد العزيز ، وكان من التقلل والتقشف على ما بلغك ، فغرت على بني هاشم أن لا يكون في خلفائهم مثله ، فأخذت نفسي بما رأيت .
في هذا الشهر الفضيل هل من يتشبّه بالحسين بن علي t ؟
جاء في (الجواهر المجموعة : 771 ) أن امرأة الحسين بن علي بعثت إليه : إنّا صنعنا لك من الطعام طيِّباً ، وصنعنا لك طِيْباً ، فانظرْ أكفاءك فأتنا بهم .
فدخل الحسين المسجد فجمع المساكين ، وانطلق بهم إليها ، ولما دخل عليها قال : أعزم عليك بما كان لي عليكَ من الحقْ أن لا تدخري طعاماً ولا طِيْباً . ففعلت ، فأطعمهم ، وكساهم ، وطيَّبهم .