إنه لأمر عجيب أن ترى بعض أهل الضلال يثبتون على ضلالتهم ويدافعون عن ضلالتهم بكل حزم وإصرار ، ويتحملون في سبيل ضلالتهم المشقات والصعاب ، وينشغلون في تنميتها وتمكينها ، ولا أمل في الجنة ، وفي ذات الوقت ترى أهل الحقّ يتخلون عنه عند أول صدمة ، ويتنصلون منه عند أول ابتلاء ، وهم يطلبون الجنّة ، لاحظ ذلك الخليفة الفاروق عمر ، فكان يستعيذ منه :
اللهم إني أعوذ بك من جَلد الفاجر ، وعجز الثقة .
ولله درّ تلك النفس الأبية التي وجدت في تلك الظاهرة زلزالا يزلزلها :
يكادُ يزلزلُ في همتي سدورُ الأمينِ وعزم المريب
والله إنها لإحدى الكبر أن ترى طالب الدنيا الفانية يجد ويجتهد ، ويواظب ويواصل ، ويستدرك ويصبر ، وترى طالب الآخرة الباقية متكاسلا متماوتا ، لا يتم عملا ، ولا يصبر على عنائه ، ينام على فراش الأمل الكاذب ، يتوسد التسويف ويتدثر بالآمال الكاذبة ، فيحتفل بأضغاث الأحلام ، حتى إذا استيقظ على كارثة أو هزيمة راح يتمغط كسلا ، وجلس يتثاءب بملء شدقيه ، ويدعو بالنصر والتمكين ، ويسأل الله تعالى جنة عرضها السموات والأرض .
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : كنت كثيرا أسمع والدي يقول : رحم الله أبا الهيثم . غفر الله لأبي الهيثم . عفا الله عن أبي الهيثم .
فقلت : يا أبتِ من أبو الهيثم ؟ فقال : لما أخرجت للسياط ومدت يداي ، إذا أنا بشاب يجذب ثوبي من ورائي ويقول لي : تعرفني ؟ قلت : لا . قال : أنا أبو الهيثم العيار اللص الطرار ! مكتوب في ديوان أمير المؤمنين أني ضربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق ، وصبرت في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا ، فاصبر أنت في طاعة الرحمن لأجل الدِّين .
هناك تعليق واحد:
شكرا لك على هذا الجهد
إرسال تعليق