جاء في كتاب الله الكريم على لسان النبي شعيب عليه السلام :
{ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } [ هود : 88]
يروى أن عبيد البصرة جاؤوا يوما إلى الحسن البصري( شيخ الواعظين) في أول يوم من أيام رمضان وهو يعظ في مسجد البصرة، وشكوا له سوء معاملة الأسياد لهم، وتوسلوا إليه أن يخطب خطبة يحثُّ فيها على فضل عتق الرقاب، فوعدهم خيرا .
وانتظر العبيد خطبة الجمعة، ثم الجمعة التالية، ثم الثالثة من دون أن يخطب الحسن البصري كما وعدهم.
ومرَّ عام وجاء رمضان الذي يليه، وفي أول أيام رمضان إذ الحسن البصري يتكلم عن فضيلة عتق الرقاب، حثَّ الناس فيها على عتق العبيد، و لم يبق احد ممن سمعها إلا خرج وأعتق من عبيده، و بعد أن تحرر العبيد اجتمعوا بعضهم في بيته، و قالوا له: ما الذي أخرك عن الخطبة هذه المدة؟ قال لهم: كنت لا املك عبدا، و لم يكن معي ما اشتري به عبدا لأعتقه، فلما رزقني الله ثمن عبد اشتريته وأعتقته حتى أكون قد طبقت الكلام على نفسي أولا، فخرج الكلام صادقا من القلب فوصل إلى قلوب الناس .
يقول علماء التربية الحديثة إن التعلم في أغلب الأحيان ظاهرة مرئية، ومن خلال الدراسات تبين أن مساهمة الحواس في التعلم كالتالي:
الذوق: 1%، اللمس: 1.5% ، الشم : 3.5% ، السمع: 11% ، البصر: 83%.
أي أن أكثر من ثمانين بالمائة من سلوكيات الإنسان تأثرت بما رآه لا بما سمعه، وكانت العرب تقول قديما :
" ربَّ فعل رجل في ألفِ رجلٍ أبلغ من قول ألف رجل في رجل " . بمعنى آخر أن عملا واحدا فيه القدوة الحسنة الصادرة من رجل واحد أكبر تأثيرا من ألف خطبة في ذات الموضوع.
هذا ما يفسره ذلك التلازم القوي بين الإيمان والعمل الصالح في كتاب الله الكريم قوله تعالى:{ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ َتعْقِلُونَ } (البقرة:44).
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } (فصلت:33).
وفي الحديث الشريف المتفق عليه : قال النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ إنه:
(يؤتى بالعالم يوم القيامة، ويلقى في النار، فتندلق أقتابه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيطوف به أهل النار فيقولون: ما لك؟ فيقول: كنت آمر بالخير ولا آتيه، وأنهى عن الشر وآتيه) [متفق عليه] .
وقديما قيل: كُن أمـامي لكي تكـون إمــامي.