‏إظهار الرسائل ذات التسميات معادلات إسلامية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات معادلات إسلامية. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 9 مايو 2013

من يحكم القدس يحكم العالم ..

في شهر شوال من عام 15 للهجرة ، بدأ حصار المسلمين للقدس ، وكان قائد جيوش المسلمين أمين الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح ، والجيش الذي حاصرها بقيادة عمرو بن العاص ، واستمر الحصار ستة أشهر، في تلك الأيام كان المتصرف بأمر القدس البطريرك صفرونيوس ، وكان رجلا عالما ومحنكا ، يعتبره النصارى من أعظم البطاركة الذين عاشوا في القدس ، وله مؤلفات كثيرة ، لذلك لقبوه بالحكيم ، وعندما رأى صفرونيوس أن الدائرة تدور للمسلمين وأن لا مجال لمقاومة الحصار وقتا أطول ، قرر تسليم المدينة مقابل شروط منها التعهد بعدم مس كنائسها وأديرتها ، أما الشرط الثاني الذي أصر عليه طلب رئيس البطارقة والأساقفة منهم أن لا يسلم القدس إلا للخليفة عمر بن الخطاب. فأرسل عمرو بن العاص يخبر الخليفة عمر في المدينة بما طلبه صفرونيوس رئيس الأساقفة المسيحيين في القدس فاستشار الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصحابه فكان أول من تكلم عثمان بن عفان فقال: أقم ولا تسر إليهم فإذا رأوا أنك بأمرهم مستخفن ولقتالهم مستحقر فلا يلبثون إلا اليسير حتى ينزلوا على الصغار ويعطوا الجزية. وقال علي بن أبي طالب: إني أرى أنك إن سرت إليهم فتح الله هذه المدينة على يديك وكان في مسيرك الأجر العظيم. ففرح عمر بن الخطاب بمشورة علي فقال: لقد أحسن عثمان النظر في المكيدة للعدو وأحسن علي المشورة للمسلمين فجزاهما الله خيراً ولست آخذاً إلا بمشورة علي فما عرفناه إلا محمود المشورة ميمون الغرة.
في ربيع الأول من السنة 16 هـ وصل عمر إلى فلسطين ، لم يدخل عمر إلى القدس مباشرة، وإنما ذهب إلى منطقة الجابية وكان المسلمون هناك مستعدين لاستقباله، مع أبي عبيدة بن الجراح، وخالد، ويزيد، فرحبوا به ترحيبًا عظيمًا، وقام في الجابية يخطب : " أيها الناسُ أصلحوا سرائركم تَصلُحْ علانيتكم، واعملوا لآخرتكم تُكْفَوْا أَمْرَ دنياكم" .
ودخل عمر القدس فاتحا ترفرف فوقه الأعلام الإسلامية ظافرة إلى بيت المقدس، بعد أن خيمت عليها أعلام النسر الروماني نحو ثلاثة قرون من الزمن ، وكان ما كان من العهدة العمرية ، ورفض عمر لطلب البطريرك الصلاة في الكنيسة ، وعندما ودع عمر البطريرك ، استوقفه عمر وسأله عن سر إصراره على تسليم المدينة للحليفة شخصيا ، فأجاب البطريرك :
ـ لقد أحببت أن أرى بعيني الرجل الذي يحكم العالم ، فمن يحكم بيت المقدس يحكم العالم .

الثلاثاء، 5 مارس 2013

الاشتغال بالقرآن ....


أمر الله سبحانه وتعالى عباده بدعائه ، وحذره من تركه لأنه مظهر من مظاهر الكبر، ولا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ‏سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر:60]
والدعاء كما يعلمنا الرسول مخ العبادة ، ولكن كيف ندعو ؟؟
جاء في حديث فضالة ‏بن عبيد أن رسول الله سمع رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله تعالى ولم يصل على النبي ‏فقال رسول الله : عجل هذا، ثم دعاه فقال له أو لغيره : إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه ‏عز وجل والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد بما شاء" رواه ‏الإمام احمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح
وفي حديث أنس: أنه كان  ‏جالسا مع النبي، ورجل يصلي ثم دعا: اللهم إنى أسالك بأن لك الحمد لا اله إلا أنت، المنان، بديع ‏السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد دعا الله
باسمه ‏الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى"
وقد بين العلماء أن الدعاء قد يأتي على صورتين ، دعاء ثناء ودعاء طلب :
داء الثناء مثلدعاء ذى النون علية السلام : ونادى في الظلمات لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ))
 
وهو ما يتعارف عليه بالذكر، ولهذا جاء في ‏الحديث أفضل الدعاء" لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل ‏شيء قدير"
أما دعاء الطلب أو المسألة هو ما فيه سؤال مباشر :
  ((وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ 89 فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ 90)). <<الأنبياء :89,90>>
فخير الدعاء هو الدعاء الذي يبدأ بالثناء على الله سبحانه وتعالى ، بتسبيحه وتحميده وتكبيره، والثناء على الرسول بالصلاة عليه، ثم تقديم السؤال.
وإذا طلب تم ما هو خير من ذلك فهو قراءة القرآن ، ففيه تسبيح وتحميد وخير الدعاء دعاء الرسل وألأنبياء والصالحين، ومن هنا نفهم حديث الرسول وقد روى ‏الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من شغله قراءة القرآن عن ذكري ‏ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" رواه الترمذي وقال حديث حسن .
فيما يرويه أبو سعيد الخدري أن الرسول قال: من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله تعالى على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه .

الراوي: أبو سعيد الخدري - خلاصة الدرجة: صحيح أو حسن - المحدث: ابن الملقن - المصدر: تحفة المحتاج - الصفحة أو الرقم: 2/173

الإفــــراط والتفــــريط .....

الإفــــراط والتفــــريط ..... 

 التفريط هو التقصير في الأمر وتضييعه حتى يفوت وفي التنزيل: "أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّه" (الزمر: من الآية56)
والإفراط هو المبالغة والغلو وتجاوز الحدود وفي التنزيل : " ولا تطع من اغفلنا ...
الاقتصاد – الاستقامة – الوسط – السواء- هذه الكلمات كلها تعني أنك تكون وسطياً لا إفراط ولا تفريط ، (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ (64) آل عمران) (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ (19) لقمان)
فالاستقامة هي فضيلة بين رذيلتين، وهكذا نجد أن :
الكرم وسط بين رذيلتين هما الإسراف أو التبذير من جهة والبخل والتقتير من جهة أخرى ، قال تعالى : (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) الفرقان)
والشجاعة وسط بين رذيلتين هما التهور في طرف والجبن في الطرف الثاني .

الأستاذ مالك بن نبي
ذهان السهولة (مرض السهولة): يميل المسلم في تقويمه للأشياء إما للغلو فيها أو للحط من قيمتها، ويتمثل هذا في نوعين من الأمراض: فإما أن الأمور سهلة جداً ولا تحتاج إلى تعب وكد فكر، والحل بسيط، وإما أن الأمور مستحيلة، وأبرز مثال على مرض (السهولة): قضية فلسطين، فقد قيل: إن إخراج اليهود سيتحقق بعد أشهر، ولو نفخنا عليهم نفخة واحدة لطاروا، ولكنهم في الحقيقة لم يطيروا، (وهناك من يظن أنه بخطبة رنانة تحل مشاكل المسلمين، وبعضهم يكره أن تدعوه إلى تفكير عميق في موضوع ما من الموضوعات لأنه يؤثر السهولة ويكتفي بتفسير سطحي، وعندما تخطط السياسة طبقاً لمبدأ السهولة فإنها سوف تجتذب إلى تيارها كثيراً من الناس ذوي النوايا الطيبة، الذين يقدرون الأشياء بناء على سهولات الحاضر لا على صعوبات المستقبل) وأيسر طريق لأصحاب السياسات الانتهازية أن يستخدموا كلمات مثل: الاستعمار والإمبريالية والوطنية؛ للتغرير بالشعوب، هذه الكلمات التي (تليق جداً لتشحيم المنحدر حتى يكون الانزلاق عليه نحو السهولة ميسوراً جداً
 ذهان الاستحالة: وقد يحدث العكس، فيرى المسلم أن الأمور مستحيلة ويقف أمامها عاجزاً، وهي في الحقيقة غير مستحيلة ولكن ربما يضخمها عمداً حتى لا يتعب نفسه في الحل، أو أنه يشعر بضآلة نفسه وصغر همته فيحكم عليها بالاستحالة، وقد مرت فترة كانت بعض الشعوب تنظر إلى صعوبة إخراج المستعمر من بلادها
وقد تجد اليوم بعض المسلمين الذين ينتظرون (معجزة الرجل الوحيد) كأن يأتي صلاح الدين آخر ليوحد المسلمين من جديد، ويعتقدون استحالة أية محاولة لاستئناف حياة إسلامية.
ومن هذه المعاني وصل الفلاسفة إلى شيء سموه الوسط الذهبي.. ومبدأ الثنائية خطأ فليست الأمور أسود أو أبيض. ونحن نتعامل مع إسرائيل بين حدّي الاستحالة والسهولة.
فإما أنها دويلة العصابات أو أنها التنين النووي?

مفتاح كنز المعرفة ....


" يجعل لكم فرقانا " أي : يجعل لكم ما تفرقون به بين الحق والباطل وبين الضار والنافع وهذا يدخل فيه العلم بحيث يفتح الله على الإنسان من العلوم ما لا يفتحها لغيره فإن التقوى يحصل بها زيادة الهدى وزيادة العلم وزيادة الحفظ ولهذا يذكر عن الشافعي ـ رحمه الله ـ أنه قال : % شكوت إلى وكيع سوء حفظي % % فأرشدني إلى ترك المعاصي % % وقال اعلم بأن العلم نور % % ونور الله لا يؤتاه عاصي % ولاشك أن الإنسان كلما ازداد علما ازداد معرفة وفرقانا بين الحق والباطل والضار والنافع وكذلك يدخل فيه ما يفتح الله على الإنسان من الفهم لأن التقوى سبب لقوة الفهم وقوة الفهم يحصل بها زيادة العلم فإنك ترى الرجلين يحفظان آية من كتاب الله يستطيع أحدهما أن يستخرج منها ثلاثة أحكام ويستطيع الآخر أن يستخرج أكثر من هذا بحسب ما آتاه الله من الفهم فالتقوى سبب لزيادة الفهم ويدخل في ذلك أيضا الفراسة أن الله يعطي المتقي فراسة يميز بها حتى بين الناس ف
ثم ختم سبحانه وتعالى نداءاته للمؤمنين بهذا النداء الذي يهديهم إلى سبيل الخير والفلاح فقال سبحانه “يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم”.وقد اختلف العلماء والمفسرون في معنى “فرقانا” فقال بعضهم (يجعل لكم مخرجا) وقال بعضهم: (نجاة) وقال بعضهم
(
فصلا وفرقا بين حقكم وباطل مَنْ يبغيكم السوء من أعدائكم وكل ذلك متقارب المعنى وإن اختلفت العبارة كما يقول ابن جرير الطبري في تفسيره.وقال الآلوسي معنى (فرقانا) هداية ونورا في قلوبكم تفرقون به بين الحق والباطل.ويقول الدكتور محمد سيد طنطاوي: كل هذه المعاني جائزة ويمكن الجمع بينها والمعنى “يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا اللهبأن تصونوا أنفسكم عن كل ما يغضبه، وتطيعوه في السر والعلن (يجعل لكم فرقانا) أي هداية في قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل
ونصرا تعلو به كلمتكم على كلمة أعدائكم ومخرجا من الشبهات التي تقلق النفوس ونجاة مما تخافون وفضلا عن كل ذلك فإنه سبحانه يكفر عنكم سيئاتكم أي يسترها عليكم في الدنيا، و”يغفر لكم” يوم القيامة ما فرط منكم من ذنوب بلطفه وإحسانه.
{ يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِِ }  [ الأنفال : 29 ]
يقول العلامة ابن سينا : كنت أقرأ في مسألة في كتاب ، فأعجزتني ، وتعسّر علي حلها، فطويت الكتاب ،وذهبت إلى المسجد لصلاة العصر ، فلما فرغت من الصلاة ، وجدت بباب المسجد وراقا يبيع الكتب ، فقدَّم إلي كتابا يبيعني إياه، ولم أكن في حاجة إلى شرائه، ولكن الرجل قال لي: يا سيدي،  إني في حاجة إلى ثمن هذا الكتاب لأشتري به طعاما ، فاشتريته لا بقصد قراءته ، إنما لسد حاجة بائعه ، ولما جلست في بيتي فتحت الكتاب فإذا هو نفس الكتاب الذي أعجزتني مسألته الرياضية، ولكنني لما قرأته ، فتح الله ما كان مستعصيا عليّ من قبل ، فعلمت أن أفعال الخير تفتح كنوز المعرفة . 
وقد كان كثير من أهل العلم إذا استعصت عليهم مسألة ، وعجزوا عن طلابها في الكتب، رجعوا إلى الله بالرجاء والدعاء والاستغفار فيفتح لهم فيها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" كنت إذا استعصت عليَّ المسألة لجأت إلى الله بالدعاء والاستغفار، فما هو إلا هنيهات حتى يفتح عليَّ بها " .
وكما أعمال الخير تفتح كنوز المعرفة المستعصية، فإن المعاصي تحجب نور الله عن قلوب العباد، قال أبو الأديان:
" كنت مع أستاذي أبي بكر الدقاق، فمّر حدثٌ فنظرت إليه، فرآني أستاذي وأنا أنظر إليه، فقال: يا بني لتجدّن غِِبها ولو بعد حين.
 يقول: فبقيت عشرين سنة وأنا أراعي الغِبّ، فنمت ليلة وأنا متفكر فيه، فأصبحت وقد نسيت القرآن كله" .
وممن جميل ما ينسب للإمام الشافعي ، قوله لشيخه وكيع بن الجراح :

شَكَوْتُ إِلى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظي
وَأَخْبَرَني أنَّ العِلْمَ نورٌ
 

فَأرْشَدَنِي إِلى تَرْكِ المَعاصي
ونورُ اللهِ لا يُهْدَى لعاصِ



معادلة العفاف


قيل : يمتحن الذهب بالنار ،
والمرأة بالذهب ،
والرجل بالمرأة ..
ما بين رجلين وامرأتين يبرز العفاف بوجهه المشرق..أكرم به من خلق.. سجيّة طيبة.. قدح معلّى.. ثمرة حلوة.. رائحة زكية.. تلكم معاشر الشباب هي: ( معادلة العفاف )
قصتان رائعتان رسالة من السلف وفعل من الخلف.. تلكم هي نتاج تربية القرآن ‏{ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ }‏

القصة الأولى لشاب عابد في الكوفة أوردها الزبيدي رحمه الله تعالى في كتابه " إتحاف السادة المتقين " وهاهو نصها:
قال سعيد أبو أحمد العابد عليه رحمة الله تعالى:
 كان عندنا في الكوفة شاب متعبد لازم لمسجد جامع لا يفارقه، وكان حسن السمت، فنظرت إليه امرأة ذات جمال وعقل فشغفت به، طال عليها ذلك فلما كان ذات يوم وقفت له على الطريق وهو يريد المسجد فقالت له: يا فتى اسمع مني كلمات أكلمك بها ثم اعمل ما شئت.. فمضى ولم يكلمها.. ثم وقفت له بعد ذلك على طريقه وهو يريد منزله فقالت له: يا فتى اسمع مني كلمات أكلمك بها، فأطرق مليا وقال: هذا موقف تهمة وأنا أكره للتهمة موضعا.. فقالت له: والله ما وقفت موقفي هذا جهالة بأمرك ولكن معاذ الله أن يتشوّف العباد إلى مثل هذا مني والذي حملني على أن لقيتك في مثل هذا الأمر بنفسي لمعرفتي أن القليل من هذا عند الناس كثير وأنتم معاشر العباد على مثال القوارير أدنى شيء يعيبها، وجملة ما أقول لك - كما تقول هذه المرأة لهذا العابد- إن جوارحي كلها مشغولة بك فالله في أمري وأمرك
قال: فمضى الشاب إلى منزله وأراد أن يصلي فلن يعقل كيف يصلي وهكذا أهل الحب والغرام، أخذ قرطاساً وكتب كتاباً ثم خرج من منزله وإذا بالمرأة واقفة في موضعها فألقى الكتاب إليها ورجع من منزله وكان فيه.. أتظنون معاشر الشباب أن فيه كلمات الحب والغرام كما يفعل بعض الشباب! كلا، لكنه كتب كتاباً فيه: ( بسم الله الرحمن الرحيم اعلمي أيتها المرأة أن الله عز وجل إذا عصاه العبد حلم فإذا عاد إلى المعصية مرة أخرى ستر فإذا لبس لها ملابسها غضب الله تعالى لنفسه غضبة تضيق منها السماوات والأرض والجبال والشجر والدواب فمن ذا يطيق غضبه! فإن كان ما ذكرتِ باطلا فإني أذكرك يوما تكون فيه السماء فيه كالمهل وتصير الجبال كالعهن وتجثو الأمم لصولة الجبار العظيم وإني والله قد ضعفت عن إصلاح نفسي فكيف بإصلاح غيري، وإن كان ما ذكرت حقا فإني أدلّك على طبيب يداوي الجراح ذلك الله رب العالمين فقصديه بصدق المسألة فإني مشغول عنك بقول الله تعالى ‏{ ‏وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ }‏ فأين المهرب من هذه الآية؟! )
ثم جاءت بعد ذلك بأيام فوقفت له على الطريق فلما رآها من بعيد أراد الرجوع لمنزله كي لا يراها فقالت: يا فتى لا ترجع فلا كان الملتقى بعد هذا اليوم أبداً إلا غداً بين يدي الله عز وجل ثم بكت بكاء شديداً وقالت: أمنن علي بموعظة أحملها عنك وأوصني بوصية أعمل عليها
فقال لها: أوصيك بحفظ نفسكِ من نفسكِ وأذكرك قوله تعالى { ‏وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ }‏
فما كان منها إلا أن بكت بكاء شديدا ثم لزمت في بيتها وأخذت في العبادة فلم تزل كذلك حتى ماتت عليها رحمة الله تعالى..

الإخلاص والحكمة عندما يجتمعا

الإخلاص والحكمة عندما يجتمعا

يذكر أنه في زمن أبي جعفر المنصور ، دخل عليه رجل مجوسي يدعي الإيمان . فقال : إن رائحة الطائفين حول الكعبة تزعج البعض فلو وضعت على ظهر الكعبة بخوراً وناراً لإن هبت الريح شم الناس ريحاً طيباً . فأمر الخليفة بفعل ذلك . وهذه قضية المجوس: الطواف وعبادة النار . فبلغ ذلك العالم يزيد بن النقاش ، فقال : انشروا بين الناس أني ذاهب للحج.
فقال أبو جعفر : نذهب معه لنتعلم منه، فتواعد كلاهما أن يلتقيا في التنعيم ليلقي أبو اليزيد درساً في مناسك الحج. فاجتمع الناس وفيهم أبو جعفر. فقال أبو اليزيد : "إذا قلت أما بعد ، استوقفني. وأحمد الخليفة ، أنه فعل كذا وكذا، حتى إنه وضع البخور على ظهر الكعبة. فبدأ أبو اليزيد حديثه ، فحمد الله ثم قال : أما بعد. فاستوقفه المريد وقال ما أمره به أبو اليزيد .
فقال أبو اليزيد : إخسأ يا هذا أأنت أفقه من أمير المؤمنين ؟ أمير المؤمنين أفقه مني ومنك وأعلم بكتاب الله مني ومنك. كيف تتدعي على أمير المؤمنين كذباً أنه يفعل كما تفعل المجوس نطوف حول النار. وانفعل أبو اليزيد حتى قال أمير المؤمنين لأحدهم : اذهب بسرعة وانزل البخور وأطفؤوا النيران. فانتهى الأمر بأدب، دون تجريح لأحد .

لقاحــــات ربانية ....

لقاحــــات ربانية .... 

يقول الله تعالى في سورة السجدة:
{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ٍ24} .       
ابن القيم رحمه الله في كتابه ( الفوائد ) فكك عناصر هذه المعادلة، فإذا اجتمع الصبر مع اليقين أورثا الإمامة في الدين، وعبر عن التفاعل بين الصبر واليقين بالتلاقح، فقال :الصبر لقاح اليقين، فإذا اجتمعا أورثا الإمامة في الدين.

ومن اشهر المعادلات الذي ذكرها ابن القيم:
v   الطلب لقاح الإيمان، فإذا اجتمع الإيمان والطلب أثمرا العمل الصالح.
v   الخشية لقاح المحبة، فإذا اجتمعا أثمرا امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه.
v   العمل لقاح العلم، فإذا اجتمعا كان الفلاح والسعادة.
v   العزيمة لقاح البصيرة، فإذا اجتمعا نال صاحبهما السيادة في الدنيا     والآخرة.
v   التقوى لقاح التوكل، فإذا اجتمعا استقام القلب.
v   النصيحة لقاء العقل، فإذا اجتمعا أنتجا الحكمة والسداد.
v   لقاح الهمة العالية النية الصحيحة، فإذا اجتمعا بلغ العبد غاية المراد.
v   الصبر لقاح البصيرة ، فإذا اجتمعا فالخير في اجتماعهما .

مفاتيح الخير ومفاتيح الشر ...

مفاتيح الخير ومفاتيح الشر ...

كان يقال لكل باب مفتاح ، وكان لفظ المفتاح يقترن عند السامع بقطعة حديد ثقيلة تشبه المطرقة ذات أسنان ..                                                                                                                                                                          
واليوم نعرف أن ابن القيم رحمه الله كان أدق في التعبير عندما قال : لكل مطلوب مفتاح ..
فرقم الهاتف هو مفتاح خط الهاتف المطلوب للأخذ والرد ..
ورقم الحساب في البنك هو مفتاح البنك للسحب والإيداع ..
في الحديث الشريف : مفتاح الجنة لا إله إلا الله .
وفي القول السائر : الصبر مفتاح الفرج ....
و الإمام ابن القيم ذكر في كتابه القيم " حادي الأفراح إلى بلاد الأفراح " أن الله جعل لكلِّ خير وشر مفتاحا وبابا يدخل منه إليه، ويقول إن هذا الباب باب عظيم من أنفع أبواب العلم، وهو معرفة مفاتيح الخير والشر، لا يصدق به إلا كلّ من له بصيرة صحيحة وعقل يعرف ما في نفسه والوجود مكن الخير الشر .
ومن الأمثلة على هذه المفاتيح قول الإمام : مفتاح الصلاة الطَّهور( الوضوء ) . فلكي تحسن الصلاة عليك أن تحسن الوضوء أولا، حتى أن العلماء قالوا : إذا أخطأ الإمام ولُبس عليه في الصلاة، فإن هذا دليل  على أن من خلفه لم يحسن الوضوء . 
فلو توضأ الواحد منا ونظر في آيات الله في الماء أصل كل حي ، وأن الإيمان حياة والكفر موت، وأن الصلاة هي شعار المؤمنين ، وأن الذنوب تتساقط مع ماء الوضوء من تحت الأظافر ومن بين الأسنان كما ذكر الحديث الشريف ، فكيف ستكون صلاتنا ؟؟!!
من مفاتيح الخير الذي ذكرها ابن القيم :
وقد جعل الله سبحانه لكل مطلوب مفتاحا ، يفتح به ، فجعل  مفتاح الصلاة الطهارة، ومفتاح الحج الإحرام ، ومفتاح البر الصدق ، ومفتاح الجنة التوحيد ، ومفتاح العلم حسن السؤال حسن الإصغاء ، ومفتاح النصر والظفر الصبر ، ومفتاح المزيد الشكر ، ومفتاح الولاية المحبة والذكر ، ومفتاح الفلاح التقوى ، ومفتاح التوفيق الرغبة والرهبة ، ومفتاح الإجابة الدعاء ،  ومفتاح الرغبة في الآخرة الزهد في الدنيا ، ومفتاح الإيمان التفكر فيما دعا الله عباده إلى التفكر فيه ،  ومفتاح الدخول على الله إسلام القلب وسلامته له والإخلاص له في الحب والبغض والفعل والترك ، ومفتاح حياة القلب تدبر القرآن والتضرع بالأسحار وترك الذنوب،  ومفتاح حصول الرحمة الإحسان في عبادة الخالق والسعي في نفع عبيده،  ومفتاح الرزق السعي مع الاستغفار والتقوى ،  ومفتاح العز طاعة الله ورسوله ، ومفتاح الاستعداد للآخرة قصر الأمل ، ومفتاح كل خير الرغبة في الله والدار الآخرة .
ومفتاح كل شر حب الدنيا وطول الأمل ، و جعل الشرك والكبر والأعراض عما بعث الله به رسوله والغفلة عن ذكره والقيام بحقه مفتاحا للنار ،  و جعل الخمر مفتاح كل أثم ، وجعل الغنى مفتاح الزنا ، وجعل إطلاق النظر في الصور مفتاح الطلب والعشق ، وجعل الكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان، وجعل المعاصي مفتاح الكفر ، وجعل الكذب مفتاح النفاق ، وجعل الشح والحرص مفتاح البخل  وقطيعة الرحم وأخذ المال من غير حله ،  وجعل الأعراض عما جاء به الرسول مفتاح كل بدعة وضلالة .
وهذه الأمور لا يصدق بها إلا كل من له بصيرة صحيحة وعقل يعرف به ما في نفسه وما في الوجود من الخير والشر فينبغي للعبد أن يعتني كل الاعتناء بمعرفة المفاتيح وما جعلت المفاتيح له والله ومن وراء توفيقه وعدله له الملك وله الحمد وله النعمة والفضل لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .