‏إظهار الرسائل ذات التسميات الأمر بالمعروف. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الأمر بالمعروف. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 23 سبتمبر 2013

لمن يريد العزة


حكي أن رجلا من العارفين أمر هارون الرشيد بالمعروف فحنق عليه هارون، وكانت له بغلة سيئة الخُلُق فأمر أن يُربط معها لتوقع به المضرة، ففعلوا ذلك فلم تضره، فقال: اطرحوه في بيت وطينوا عليه الباب ففعلوا، فرئي في بستان وباب البيت مسدود، فأُخبر هارون بذلك فأتي بالرجل وقال: من أخرجك من البيت؟ فقال: الذي أدخلني البستان، فقال: ومن أدخلك البستان؟ قال: الذي أخرجني من البيت، فقال هارون: أركِبُوه دابة وطوفوا به البلد، وليقل قائل: ألا إن هارون أراد أن يذل عبداً أعزه الله فلم يقدر.


   وحكي عن بعضهم أنه قال: رأيت رجلاً يطوف بالبيت وبين يديه خدم والخدم يطردون الناس عنه، وبعد ذلك بمدة رأيت إنساناً يتكفف على جسر في بغداد ويسأل شيئاً، قال: فكنت أنظر إليه وشبهته بذلك الرجل الذي كان يطوف وبين يديه الخدم، فقال: إيش تنظر؟ فقلت: شبهتُك برجل رأيتُه في الطواف من شأنه كذا وكذا، فقال: أنا ذلك الرجل، إني تكبرت في موضع يتواضع الناس فيه؛ فوضعني الله في موضع يرتفع الناس فيه.

الجمعة، 5 يوليو 2013

ابنة هولاكو .. ودرس بليغ

قال تعالى في سورة النور :
)لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(. [النور:63].
وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ إذا تبايعتم بالعِيْنَةِ وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذُلاًّ ، لا يَنزعه شيءٌ حتى ترجعوا إلى دينكم ] رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن القطان ، وقال الحافظ في البلوغ رجاله ثقات .
بينما كانت إبنة "هولاكو"- قائد التتار- تتجول فى شوارع بغداد رأت حشداً غفيرا من الناس يجتمعون بمجلس أحد العلماء، فسألت متعجبة: ما هذا؟
فأخبروها أنه رجل من علماء الدين الذين يلتف الناس حولهم، فأمرت أن يأتوها به مربوط الرجلين واليدين بعمامته وحافي القدمين.. ففعلوا ووضعوه أمامها..سألته: أنت رجل الدين؟
فقال: نعم
قالت: إن الله يحبنا ولا يحبكم؛ فقد نصرنا عليكم ولم ينصركم علينا، وقد علمت أن الله تعالى قال: "والله يؤيد بنصره من يشاء"!فلم يجب العالم وإشترط لأن يرد على كلامها أن يفكوا قيده وأن يجلس على كرسى مثلها، فوافقت على شرطه وأعادت عليه الكلام..فقال لها: أتعرفين راعى الغنم؟
قالت: كلنا يعرفه.فقال: أليس ما عنده غنم؟
قالت: بلى
قال: ألا يوجد بين رعيته بعضاً من الكلاب؟
قالت: بلى
قال: وما عمل الكلاب؟
قالت: تحرس له غنمه وتعيد له الغنم الشاردة حتى ولو أصابها بجروح إذا إمتنعت وأبت..!قال لها: إنما مثلنا ومثلكم كذلك، فالله تعالى هو الراعى ونحن الغنم وأنتم الكلاب، فلما شردنا عن أوامر ربنا سلط الله تعالى الكلاب علينا ليردونا إليه مرة أخرى!!

الأربعاء، 15 مايو 2013

الحسن البصري ودرس القدوة الصالحة ..

جاء في كتاب الله الكريم على لسان النبي شعيب عليه السلام :
{ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } [ هود : 88]
يروى أن عبيد البصرة جاؤوا يوما إلى الحسن البصري( شيخ الواعظين) في أول يوم من أيام رمضان وهو يعظ في مسجد البصرة، وشكوا له سوء معاملة الأسياد لهم، وتوسلوا إليه أن يخطب خطبة يحثُّ فيها على فضل عتق الرقاب، فوعدهم خيرا .
وانتظر العبيد خطبة الجمعة، ثم الجمعة التالية، ثم الثالثة من دون أن يخطب الحسن البصري كما وعدهم.
ومرَّ عام وجاء رمضان الذي يليه، وفي أول أيام رمضان إذ الحسن البصري يتكلم عن فضيلة عتق الرقاب، حثَّ الناس فيها على عتق العبيد، و لم يبق احد ممن سمعها إلا خرج وأعتق من عبيده، و بعد أن تحرر العبيد اجتمعوا بعضهم في بيته، و قالوا له: ما الذي أخرك عن الخطبة هذه المدة؟ قال لهم: كنت لا املك عبدا، و لم يكن معي ما اشتري به عبدا لأعتقه، فلما رزقني الله ثمن عبد اشتريته وأعتقته حتى أكون قد طبقت الكلام على نفسي أولا، فخرج الكلام صادقا من القلب فوصل إلى قلوب الناس .
 يقول علماء التربية الحديثة إن التعلم في أغلب الأحيان ظاهرة مرئية، ومن خلال الدراسات تبين أن مساهمة الحواس في التعلم كالتالي:
 الذوق: 1%،    اللمس: 1.5%    ، الشم : 3.5%   ، السمع: 11%    ،   البصر: 83%.
 أي أن أكثر من ثمانين بالمائة من سلوكيات الإنسان تأثرت بما رآه لا بما سمعه، وكانت العرب تقول قديما :
"  ربَّ فعل رجل في ألفِ رجلٍ أبلغ من قول ألف رجل في رجل " . بمعنى آخر أن عملا واحدا فيه القدوة الحسنة الصادرة من رجل واحد أكبر تأثيرا من ألف خطبة في ذات الموضوع.
هذا ما يفسره ذلك التلازم القوي بين الإيمان والعمل الصالح في كتاب الله الكريم قوله تعالى:{ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ َتعْقِلُونَ } (البقرة:44).
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } (فصلت:33).
وفي الحديث الشريف المتفق عليه : قال النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ إنه:
(يؤتى بالعالم يوم القيامة، ويلقى في النار، فتندلق أقتابه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيطوف به أهل النار فيقولون: ما لك؟ فيقول: كنت آمر بالخير ولا آتيه، وأنهى عن الشر وآتيه) [متفق عليه] .
وقديما قيل:  كُن أمـامي لكي تكـون إمــامي.

الثلاثاء، 14 مايو 2013

وزير للتقوى ... !!

كلمة التقوى وما تصرَّف منها وردت في القرآن الكريم حوالي مئتين وخمسين مرة ؛ وذلك لأن تحقيق التقوى مقصد رفيع من مقاصد الشريعة، كما أن الأمر بالتقوى جاء متنوعا وشاملا في القرآن الكريم، فقد خوطب به الناس جميعا ، قال تعالى :  { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ }
كما خوطب به المؤمنون ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ }
وخوطب به الرسول الكريم : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ }  [الأحزاب:1]

روي أنه عندما ولي عمر بن الخطاب الخلافة جلس على المنبر،  وبايعه الناس بيعة عامة، فقام رجل، وقال لعمر: " اتق الله يا عمر ! " فنبهه بعض الحاضرين بأنه لا يجوز أن يقول ذلك للخليفة، يومها قال عمر كلمته المشهورة: " لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها " .
وعلى ذات الطريق سار الخليفة العباسي هارون الرشيد .
فقد ذُكر أن يهوديا من أهل الذمّة كانت له مظلمة عند هارون الرشيد، فاختلف إلى بابه مدة، ولكن الحجَّاب منعوه  من الوصول إلى الخليفة، ذات يوم انتظر اليهودي خروج موكب الخليفة من القصر، فلما خرج هارون الرشيد وكان راكبا في موكبه، سعى اليهودي حتى وقف بين يديه، وقال : أتـق الله يا أمير المؤمنين!
 فنزل هارون الرشيد عن دابته وخرّ ساجداً، فلما رفع رأسه أمر بحاجة الذميّ فقضيت، فلما رجع قيل له: يا أمير المؤمنين، نزلت عن دابتك لقول يهودي !
قال : لا، ولكن تذكرت قول الله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَاد }  [ البقرة :206]  .

وقد روى عن رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ قوله : ( .. أن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل : أتق الله ، فيقول : عليك بنفسك ) . { خرجه الألباني في السلسلة الصحيحة ]  

عمر بن عبد العزيز جعل للأمر وزيرا ، فقيل أنه انه استدعى وزيرا يدعى مهاجرا، وقال له: كن بجانبي، فإذا رأيتَني ظلمت مسلمًا أو انتهكت عرضاً، أو شتمت مؤمناً، فخذ بتلابيب ثوبي وقل: اتق الله يا عمر. فكان وزيره مهاجر يهزه دائمًا، ويقول: اتق الله يا عمر.

وروي أن الإمام الزاهد أبا الحسن بن سنان ـ رضي الله عنه ـ دخل على حاكم مصر أحمد بن طولون ذات يوم ، وقال له : يا بن طولون اتق الله ! فعجب الجالسون في مجلس الحاكم واستشاط الحاكم غضبا، فأمر الأمير أن يسجن ابن سنان ، وأمر الحراس أن يجوِّعوا له أسدا ثلاثة أيام، حتى اشتدّ به الجوع وكاد أن يأكل ما أمامه من بشر أو حيوان، وأدخل الحارسُ الأسد على العالم الزاهد، وانتظر وراء الباب ساعة، ثم نظر فوجد العالم ساجدا لله، والأسد فوق رأسه يحرسه، فرفع الخبر إلى الحاكم ، فأمر بإحضاره، وقال له : بم دعوت الله ، قال  بقوله { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } [الطور: 48]
فقال الأمير : ألم تخف من الأسد؟ فأجاب : بلى خفت أن يمسني لعاب الأسد ، فتلحق بثوبي نجاسة تمنعني من الصلاة .

فانظر، رعاك الله، إلى تلك الكلمة التي أكثر الله تعالى من ذكرها، والتي جعل لها الخليفة الراشدي الخامس وزيرا يذكره بها، واعلم أنك إن لم تقلها لغيرك فإنه لا خير فيك ، وإن لم تسمع أحد يقلها لك، فإنك محروم من الأخ الناصح والصديق الوفي . فقوِ قلبك، وعوِّد لسانك على قولها للآخرين، وتقبلها من غيرك بكل صدر رحب، فلا يقولها لك إلا من يتوسم فيك خيرا، ويراك من أهل التقوى .  

الأربعاء، 1 مايو 2013

المؤمن ينصح .. والمنافق يغش

قال الإمام المحدث أبو داود صاحب كتاب " سنن إبي داود " :
 مدار الفقه على أربعة أحاديث : حديث " إنما الأعمال بالنيات" ، وحديث " الحلال بين والحرام بيّن "؛ و حديث " الدين النصيحة " و حديث " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " .
النصيحة في اللغة مأخوذة من نصح الثوب ، أي أصلحه وخاطه ، فيشبه فعل الناصح مع المنصوح له بفعل من يصلح ثوبه ويسد خلله، فالناصح يسد خللا في المنصوح،  وقيل مأخوذة من نصح العسل إذا صفاه من العوالق كالشمع، وهنا وجه الشبه أن الناصح يحاول تصفية حال المنصوح ، ومنها التوبة النصوح الخالصة من شوائب العزم على العودة للذنب . فلا خرق فيها ولا شائبة .
ذكر ابن حجر في الفتح ، أن جريراً كان ناصحاً لعباد الله، أرسل غلاما له ليشتري فرسا من السوق ، فاشترى فرساً بأربعمائة درهم، ثن جاء بالفرس وصاحبه إلى سيده جرير بن عبد الله ليدفع له ثمنه ، فقال جرير لصاحب الفرس: بكم بعته؟ قال: بأربعمائة درهم، فرأى جرير أن الغلام بخس ثمن الفرس ،  فقال جري لصاحب الفرس : أتريد أن تكون خمساً، قال: نعم، قال: وستاً، قال: نعم. قال: وسبعاً، قال: نعم. قال: وثمانياً، قال: نعم. قال: خذ ثمان مائة فإني بايعت رسول الله عليه الصلاة والسلام على النصح لكل مسلم .
فانظروا عباد الله ، ونحن في عالم يتفنن الناس في أساليب الاحتيال لتحصيل المال ، وينشئون معاهد لتعليم فن الكسب بأي طريقة .   
ولا تقتصر النصيحة على الاقتصاد بل تشمل كل نواحي الحياة ، واسمعوا لهذا الموقف من علي بن أبي طالب ، وحكته وبلاغته في التفريق بين المؤمنين والمنافقين ..
جاء أبو سفيان فطرق الباب على علي ، يوم تولى أبو بكر الخلافة؛ لأن أبا سفيان ينظر إلى بني هاشم، ويريد أن يتولوا هم الخلافة؛ لأنه حديث عهد بجاهلية وما هضم فكرة أن يتولى أبو بكر الخلافة؛ لأن أبا بكر من تيم وهي أسرة ضعيفة.
طرق الباب على علي ، من هو علي ؟ تربى في القرآن، عرف النصيحة، عرف الأدب، عرف كيف يتعامل مع الكتاب والسنة، رضع الرسالة الخالدة، ففتح الباب في ظلام الليل، قال أبو سفيان : يا علي ! كيف يتولى أبو بكر الخلافة، وهو تيمي وأنت من بني هاشم؟ إن شئت ملأت لك المدينة خيلاً جرداً وشباباً مرداً. فهو يريد القتال، قال علي وأخذ بتلابيب أبي سفيان : يا أبا سفيان ! المؤمنون نصحة، والمنافقون غششة.
فالنصيحة علامة فارقة بين المؤمنين والمنافقين ، وجاء تأكيد هذه القضية في كتاب الله ـ عز وجل ـ ، فقال في وصف المؤمنين :
: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]
قال الله في المنافقين: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ [التوبة:67]
فالنصيجة من الإيمان ، والغش من النفاق ، فانظر أخي المسلم هل تنصح إخوانك ، وهل تقبل نصيحة الناصحين ، نسأل الله تعالى أن يطهرنا من النفاق والشقاق وسوء الأخلاق ، وأن يجعلنا من عباده الناصحين المنتصحين .

الاثنين، 4 مارس 2013

هكذا يُعلِّم الصغارُ الكبارَ ..!


الكبير يُعلم الصغير بالوعظ المباشر ، أو بالأمر الصريح والنهي الواضح ، لأن لسنوات العمر تقديرا يسمح بذلك ، ولأن قَدْر الكبير يعطيه الأهلية للأمر والنهي ، ولكن عندما يريد الصغير أن يعلِّم الكبير فعليه أن يتلطف ويتواضع ، فلا يجيز له واقع الاحترام أن يأمر وينهى ..
 هكذا فعل إبراهيم عليه السلام عندما علّق الفأس في رقبة الصنم ليعلّم أباه بطلان ما يعبد ..
 وهكذا فعل الحسن والحسين مع الأعرابي الذي لا يحسن الوضوء فادعيا التخاصم فيمن يحسن الوضوء ..
 وهكذا فعل الصبي معاذ مع والده عمرو بن الجموح في قصة يرويها ابن إسحاق .
قال ابن إسحاق :
كان عمرو بن الجموح سيدا من سادات بني سلمة ، وشريفا من أشرافهم ، وكان قد اتخذ في داره صنما من خشب ، يقال له : مناة . فلمّا أسلم فتيان بني سلمة : معاذ بن جبل ، ومعاذ بن عمرو ، وغيرهم ممن أسلم وشهد العقبة ، كانوا يدلجون بالليل على صنم عمرو ذلك ، فيحملونه فيطرحونه في بعض حفر بني سلمة ، وفيها عذرات الناس ، منكَّسا على رأسه ، فإذا أصبح عمرو ، قال : ويلكم ، من عدا على إلهنا هذه الليلة ؟ ثم يغدو يلتمسه ، حتى إذا وجده غسله وطهره ، وطيبه ، ثم قال : والله لو أعلم من فعل بك ذلك لأخزينه ، فإذا أمسى ونام غدوا ففعلوا بصنمه مثل ذلك ، فيغدوا فيلتمسه ، فيجده مثل ما كان فيه من الأذى ، فيغسله ويطيبه ويطهره ، فيغدون عليه إذا أمسى فيفعلون به ذلك ، فلما طال عليه ذلك استخرجه من حيث ألقوه يوما ، فغسله وطهره ، ثم جاء بسيف فعلَّقه عليه ، ثم قال له : والله إني لا أعلم من يصنع بك ما ترى ، فإن كان فيك خيرا فامتنع ، فهذا السيف معك ، فلما أمسى ونام غدوا عليه ، فأخذوا السيف من عنقه ، ثم أخذوا كلبا ميتا فقرونه فيه بحبل ، ثم ألقوه في بئر من آبار بني سلمة فيها عُذر من عُذر الناس ، وعاد عمرو فلم يجد الصنم في مكانه الذي كان فيه فخرج يتبعه ، حتى وجده في تلك البئر منكسا ، مقرونا بكلب ميت ، فلما رآه أبصر شأنه ، وكلَّمه من أسلم من قومه ، فأسلم وحسن إسلامه ، فقال يوما وهو يذكر قصة إسلامه :
والله لـو كنتَ إلهـًا لم تكـنِ        أنت وكلبٌ وسـط البئر في قرنِ
الحمـد لله العـليِّ ذي المنـن        الواهـب الـرزاق ديَّـان الدّينِ
هـو الذي أنقـذني من قبل أن       أكـون في ظلمـة قـبرٍ مُـرتهنِ
ولما جاءت غزوة أحد ذهب عمرو بن الجموح إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتوسل إليه أن يأذن له ، وقال له : يا رسول الله إن بني يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك إلى الجهاد ، والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة . واستشهد في معركة أحد في السنة الثالثة للهجرة .
سأل الرسولـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ   جماعة من بني سلمة قبيلة عمرو : من سيدكم يا بني سلمة ؟
 قالوا : الجد بن قيس .
 قال : بل سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح .

الحـلال بيّن و الحـرام بيّن ..!


قديما قالوا : لم يَبقَ من الحلال شيئا  إلا الماء الفرات ، والحشيش النبات .
ونسمع اليوم من يقول : لم يُبقِ ابن الحرام لابن الحلال شيئا .
وفي هذه الأقوال نتيجة مفادها التوسع في الشبهة والحرام .
و لكن الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  يقول : ‏:‏ ‏"‏الحلال بين ، والحرام بين ، وبينها أمور مشتبهات‏"‏‏.‏
فأي الأقوال معتبر لديك ؟؟
الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  يقرر أن المشتبهات هي القليل الذي يكون بين الشيئين الكبيرين الواضحين ، وكلما قلّ ورع المسلم خاض في المشتبهات ، فما هي درجات الورع ؟
يقول العلماء : الورع له أربع درجات :
الأولى : العدول عن كل ما تقتضي الفتوى تحريمه ، وهذا لا يحتاج إلى أمثلة .
الثانية : الورع عن كل شبه لا يجب اجتنابها ولكن يستحب ، ومن هذا قول الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " . جاء في العقد الفريد عن مالك بن انس قال:( بعث أبو جعفر المنصور إلي َّ وإلى ابن طاووس، فأتيناه فدخلنا عليه، فإذا به جالس على فرش قد نُضدَّت، وبين يديه أنطاع قد بُسطت وجلاوزة بأيديهم السيوف، فأومأ إلينا أن اجلسا، فجلسنا، فأطرق رأسه قليلاً ،ثم رفع رأسه وقال لابن طاووس: حدثني عن أبيك ، قال : نعم، سمعت أبي يقول: قال ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ :( إن أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل أشركه الله في حكمه، فأدخل عليه الجور في عدله) فأمسك ساعة. قال مالك: فضممت ثيابي مخافة أن يملأني من دمه، ثم التفت إليه أبو جعفر وقال: عظني . قال: نعم. ان الله تعالى يقول: ﴿ المْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَاد (6) إرَمَ ذَاتِ العِمَاد (7)، التي لمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا في البِلاَد( 8) وَثَمُوَد الذين َجَابُوا الصّخْرَ بِالوَاد(9) وَفِرْعَونَ ذِي الأوتَادِ (10)  الّذِينَ طَغَوا في البِلاد(11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الفَسَاد(12) فَصَبّ عَليِهمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ(13) إِنَّ رَبَّكَ لبِالِمرْصَاد (14) فأمسك المنصور ساعة، حتى اسودّ ما بيننا وبينه، ثم قال: يا طاووس ، ناولني هذه الدواة. فأمسك عنه ، قال: ما يمنعك أن تناولنيها؟ قال: أخشى أن تكتب بها معصية لله فأكون شريكك فيها)
الثالثة : الورع عن بعض الحلال مخافة الوقوع في الحرام ، روي عن أبي سعيد الخدري أنهم خرجوا مع رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  في سفر فنزلوا رفقا ، رفقة مع فلان ورفقة مع فلان ، قال : فنزلت في رفقة أبي بكر فكان معنا أعرابي من أهل البادية ، فنزل بأهل بيت من الأعراب ،وفيهم امرأة حامل ، فقال لها الأعرابي : أيسرُّكِ أن تلدي غلاما ؟ إن أعطيتني شاة ولدتِ غلاما ، فأعطته شاة ، وسجع لها أساجيع ! قال : فذبح الشاة ، فلما جلس القوم يأكلون ، قال : أتدرون من أين هذه الشاة ؟ فأخبرهم ، فرأيت أبا بكر يتقيأ . .
الرابعة : الورع عن كل ما ليس لله تعالى ، وهو ورع الصديقين ، مثال ذلك ما رُوي عن يحيى بن يحيى النيسابوري رحمة الله عليه أنه شرب دواءً، فقالت له امرأته‏:‏ لو مشيت في الدار قليلاً حتى يعمل الدواء، فقال‏:‏ هذه مِشية لا أعرفها، وأنا أحاسب نفسي منذ ثلاثين سنة ،  فهذا رجل لم تحضره نيَّة في هذه المشية تتعلق في الدين، فلم يقدم عليها، فهذا من دقائق الورع‏.‏