‏إظهار الرسائل ذات التسميات سنام الإسلام. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات سنام الإسلام. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 18 أبريل 2013

فكّوا العاني ...

في نهاية سورة يوسف ، وبعد أن مكن الله تعالى لنبيه جاء :
( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ )يوسف عليه السلام يحمد الله على نعمته الكبرى وهي إحراجه من السجن ، ويتجاهل مصيبة إلقائه بالبئر ، هو هنا ينسى إساءة إخوته الكبيرة عندما ألقوه في البئر رغم ما فيها من هلاك محقق ، ويحمد الله تعالى على نعمة الخروج من السجن ، فالسجن ابتلاء عظيم يسمى مدافن الأحياء ، والدفن حيا أعظم من دفن الميت ، وجاء في الأثر أن يوسف عليه السلام لما أراد أن يخرج من السجن كتب على بابه :
هَذَا قَبْرُ الْأَحْيَاءِ، وَبَيْتُ الْأَحْزَانِ، وَتَجْرِبَةُ الْأَصْدِقَاءِ، وَشَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ .
والنبي  صلى الله عليه وسلم  قد أدرك هذا الأمر، وعلم شدة ألمه، وعظيم أثره، فقد جاء عنه  صلى الله عليه وسلم  أنه قال:« وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لأَجَبْتُ الدَّاعِي »، أي أجاب داعي الملك لما أرسله إلى يوسف عليه السلام  ليخرج لمقابلة الملك، فلم يجب الداعي حتى يتبين الجميع من براءته، ويَظْهر للناس نزاهته وعفته .
، فنبينا  صلى الله عليه وسلم  يبين لو أنه لبث ما لبث يوسف عليه السلام لأجاب الداعي، ولعجَّل بالخروج من السجن، كل ذلك لعظم أمر السجن، وشدة قهره، وبلائه.
 قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -:( فكاك الأسارى من أعظ الواجبات، وبذل المال الموقوف وغيره في ذلك من أعظم القربات) مجموع الفتاوى(28/642). 
 عندما عاد أبو جعفر المنصور من بعض غزواته، لقيته امرأة، وقالت له: يا منصور، استمع ندائي، أنت في طيب عيش وأنا في بكائي. فسألها عن مصيبتها التي عمتها وغمتها، فذكرت له أن لها ابناً أسيراً في بلاد سمتها، وأنها لا يهنأ عيشها لفقده، ولا يخبو ضرام قلقها من فقده، وأنشد لسان حالها ذلك الملك المعلى:( أيا ويح الشجيّ من الخليّ ) فرحب المنصور بها، وأظهر الرقة بسببها، وخرج من القابلة إلى تلك المدينة التي فيها ابنها، وجاس أقطارها وتخلَّلها حتى دوخها، إذ أناخ عليه بكلكله وذلَّلها، وأعراها من حماتها، وببنود الإسلام المنصورة ظلَّلها، وخلص جميع ما فيه من الأسرى، وجلبت عوامله إلى قلوب الكفرة كسراً، وانقلبت عيون الأعداء حسرى). (نفح الطيب1/597: نقلاً عن كتاب صلاح الأمة في علو الهمة6/214).
ويومَ رجعَ الأمير الحاجب المنصور من جهادِه بنصرٍ عزيز مؤزر في 16 السادس عشر من يونيو الموافق الخامس عشر من صفر 609 هـ..، يذكر بعض المؤرخين المسلمين أن تعداد الجيش الإسلامي وصل لثلاث مئة ألف مقاتل وآخرون يوصلون العدد لنصف مليون مقاتل لكثرة المتطوعين فيه .وكان صبيحةَ عيدِ الأضحى المبارك ، والناسُ يُهللون ويُكبرون في المساجد والطرقات ، فقبلَ أن يَنزِلَ عن جوادِه اعترضتْ طريقَه امرأةٌ عجوز قائله :
” يا منصور ، كلُّ الناسِ مسرورٌة إلا أنا ، فقال المنصور: لما ذا ؟
قالت: ولدي أسيرٌ عندَ الصليبين في حِصن رباح.
فإذا هو يرفض النزولْ عن ظهرِ جوادِه ، و إذا به يلوي عنقَ فرسِه مباشرةً وينادي في جيشِه ألّا ينزلَ أحدٌ عن فرسِه ، ثم ينطلقُ متوجهاً كالسهم الخارق إلى حِصنِ رباح ، وظلُّ يجاهدُهم حتى فتحَ اللهُ على يديه ذلك الحِصن ، وُرجعُ بأسرى المسلمين إلى أهلِهم ليشهدوا مع أهلِهم فرحةَ العيد ، وكان من بينهم ولدُ المرأةِ العجوز ، ففَرِحتْ ودعتْ للمنصورِ بخير.
وقد كان السلطان محمد الناصر معلنا الجهاد وأمرا بتجهيز الجيوش لإيقاف المد الصليبي ، وسائرا بقواته إلى الأندلس ليستقر في اشبيلية ومرسلا جزءا من جيشه لتحرير – قلعة رباح – ذات الموقع الإستراتيجي و حصن رباح يقع وسط الأندلس وأغار على جيان وبياسة وأجزاء من مرسية. و قد استطاع المسلمون أن يغزوا ذلك الحصن الذي كلله الأمير بالنصر وعودة الأسرى. على الرغم من أن ألفونسو الثامن و البابا آنوسنت الثالث معلنا حربهم الصليبية في أوروبا وكان للبابا أمر – حرب صليبية لا يحل الغفران على من لا يساعد أو يشارك فيها – لذا أرسلت أوربا كلها الجنود والمؤن لدعم التحالف النصراني .
ففكاك الأسير، والمسارعة في نجدته، والحرص على الوقوف معه، وبذل كل مجهود لتخليصه من الأسر، مما أمر به الشارع الحكيم، فنصرته والسعي إلى فكاكه واجب شرعي على الكفاية.

الثلاثاء، 5 مارس 2013

في المحبة ...



      
 وفي ليلة العاشر من ذي الحجة سنة ستٍ ومئة أفاض الشيخ المعمَّر طاووس مع الحجيج من عرفات إلى المزدلفة للمرة أربعين ، فلما حط رحاله في رحابها الطاهرة ، وأدى المغرب مع العشاء ، وأسلم جنبيه إلى الأرض يلتمس شيئاً من الراحة أتاه اليقين ..
فيحبه جبريل ، فينادي في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء؛ ثم يوضع له القبول في الأرض) والحديث في الصحيحين من حديث أبي هريرة.
فالتحابب والتآلف إنما يُنال بالإيمان والعمل الصالح، وقال القاسم رحمة الله: يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين مودة ومحبة﴿95﴾ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴿96﴾ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا ﴿97﴾

وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ﴿98﴾
قوله تعالى: إن الذين آمنوا أي صدقوا. وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا أي حباً في قلوب عباده. حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد سيجعل لهم الرحمن ودا قال : يحبهم ويحببهم إلى المؤمنين.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا علي بن هاشم ، عن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : يحبهم ويحببهم.
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الحكم بن بشير ، قال : ثنا عمرو ، عن قتادة ، في قوله سيجعل لهم الرحمن ودا قال : ما أقبل عبد إلى الله إلا أقبل الله بقلوب العباد إليه ، وزاده من عنده.
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا : إي والله في قلوب أهل الإيمان. ذكر لنا أن هرم بن حيان كان يقول : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله ، إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه ، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم.
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، أن عثمان بن عفان كان يقول: ما من الناس عبد يعمل خيراً ولا شراً، إلا كساه الله رداء عمله.
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن مسلم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله سيجعل لهم الرحمن ودا قال : محبة. وذكر أن هذه الآية نزلت في عبد الرحمن بن عوف.
حدثني محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي ، قال : أخبرنا يعقوب بن محمد ، قال : ثنا عبد العزيز بن عمران ، عن عبد الله بن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، عن أمه أم إبراهيم ابنة أبي عبيدة بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيها، عن عبد الرحمن بن عوف ، أنه لما هاجر إلى المدينة وجد في نفسه على فراق أصحابه بمكة، منهم شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وأمتة بن خلف ، فأنزل الله تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا .

في حــق الأخـــــوة ....



قال يحيى بن معاذ : حظ المؤمن منك ثلاث خصال؛ لتكون من المحسنين : إحداهما : إن لم تنفعه فلا تضره.
الثانية : إن لم تسرَّه فلا تغمه .
والثالثة : إن لم تمدحه فلا تذمَّه .

قال الإمام الشافعي:
من علامات الصادق من اخوة أخيه :
أن يقبل علله، ويسد خلله، ويغفر زلـله . 
قال الحسن : لأن اقضي حاجة لأخ أحبّ إليَّ من أن أعتكف سنة . وقال : خصلتان ليس فوقهما شيء : الإيمان بالله ونفع الإخوان ..

الســـــــائحون و الســــــــائحات


لا تخلو الدعاية السياحية لبلد ما من صور النساء الفاتنات والأطعمة الشهيات ..
فما بالكم بسياحة تدعو للامتناع عن الطعام والنساء ..
تلك سياحة مختلفة ...
قال الله تعالى يعدد  صفات عباده الصالحين :
{ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِالْمُؤْمِنِينَ } (التوبة )
وقال مخاطبا نساء النبي   :
{َعسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًاِ }  [ التحريم : 5 ]
 قال بن جرير في تفسيره: أما قوله السائحون فإنهم الصائمون ..
وقالت عائشة ـ سياحة هذه الأمة الصيام .
وفي الحديث عن الرسول _ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ أنه قال:
( سياحة أمتي الصوم, ورهبانيتهم الجهاد ) .
وقال الفراء: سُمِّي الصائم سائحاً لأن السائح لا زاد معه.
وقال سفيان بن عيينة:
" إنما قيل للصائم سائح لأنه يترك اللذات كلها من المطعم والمشرب والمنكح " .  
وقال النقاش:
" هم سائحون لأنهم يجولون بأفكارهم في توحيد ربهم وملكوته، وما خلق من العبر والعلامات الدالة على توحيده وتعظيمه " .
هم السائحون بنفوسهم الزكية وأرواحهم الطاهرة في ملكوت الله في الدنيا، فسفر الروح يجمع القلب على الإيمان، وسفر الجسد يشتت القلب في زينة الحياة الدنيا ومباهجها.
تصوم أجسادهم في الدنيا لتفطر نفوسهم في الجنّة ..
قال رسول الله _ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  _:
( إن في الجنة لغرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وألان الكلام وتابع الصيام وصلى بالليل والناس نيام) إسناده حسن رواه ابن خزيمة في صحيحه .

قال مجاهد { كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَة } نزلت في الصائمين .

وفي الحديث عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: سمعت رسول الله _ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  _ يقول :
 ( إن الجنة لتبخر وتزين  من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان، فإذا كانت أول ليلة من شهر رمضان هبت ريحٌ من تحت العرش، يقال لها : المثيرة ، فتصفق أوراق أشجار الجنان، وحلق المصاريع، فيسمع لذلك طنين لم يسمع السامعون أحسن منه، فتبرز الحور العين حتى يقفن بين شرف الجنة، فينادين : هل من خاطب إلى الله فيزوجه؟  ثم يقلن الحور العين:  يا رضوان الجنة ما هذه الليلة؟ فيجبهن : هذه أول ليلة من شهر رمضان ، فتحت أبواب الجنة على الصائمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم )  رواه البهيقي ورواه الإمام أحمد.

يقول ابن رجب عن بعض السلف قال : " بلغنا أنه يوضع للصوام مائدة يأكلون عليها والناس في الحساب، فيقولون: يا رب نحن نحاسب وهم يأكلون، فيقال:  إنهم طالما صاموا وأفطرتم وقاموا ونمتم .

لكم سياحتكم ولنا سياحتنا.......
سياحتكم دنيوية دليلها الشهوة والمتعة، سياحتنا ربانية دليلها السمو والرفعة
سياحتكم النساء والشراب والطعام، وسياحتنا الصيام ، والقيام والاعتكاف . 
فلكم دينكم ولنا دين ..

الاثنين، 4 مارس 2013

درس في الشموخ


من صناديد قريش الذين كان يُشار إليهم بالبنان رجل كان يدعى عمرو بن ود ، وكان يُعدُّ بألف فارس ، اسمه يرعب الأطفال في مكة ، وأبوه كان يدعى بيضة البلد ، شارك في معركة بدر فأثخنته الجراح ولم يشارك في معركة أحد ، ولما وقعت معركة الأحزاب حمل كفره في يده ، ورغبة الانتقام في صدره ، وراح يتبختر حول الخندق ، وتيمم مكان ضيقا من الخندق  وضرب فرسه فاقتحم الخندق ، وركز عمرو رمحه وأقبل يجول حوله ويصيح : هل من مبارز ؟
 فقال الرسول  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  : من لهذا الكلب ؟
 فلم يجبه أحد ، فقام عليٌّ وهو مقنّع بالحديد ، فقال : أنا له يا نبي الله .
 فقال : إنه عمرو بن ود ، اجلس .
 ولما لم يجد عمرو من يخرج له جعل يؤنبهم ويسبهم ويقول : ألا من رجل ؟ أين جنتكم التي تزعمون أن من قُتل منكم دخلها ؟
فقام علي ، فقال : أنا له يا رسول الله . فأمره النبي بالجلوس ، فنادى عمرو الثالثة .
فقام علي (رضي الله عنه) فقال: يا رسول الله أنا.
فقال: إنه عمرو!
فقال: وإن كان عمراً فأنا علي بن أبي طالب!!
فاستأذن عليُّ رسولَ الله  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ فأذن له، وألبسه درعه ذات الفضول، وأعطاه سيفه ذا الفقار، وعممه عمامة السحاب على رأسه تسعة أكوار (أدوار) ثم قال له: تقـدَّم.
فقال لما ولّى: (اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه).ثم قال: (برز الإيمان كله إلى الشرك كله).

فمشى عليٌّ إليه . وما زال رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  آنذاك رافعاً يديه مقحماً رأسه إلى السماء داعياً به قائلاً: (اللهم إنك أخذت مني عبيدة يوم بدر وحمزة يوم أحد، فاحفظ علي اليوم علياً، رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين).
فقال عمرو: من أنت؟
 قال : أنا علي .
 قال : ابن عبد مناف ؟
قال : أنا ابن أبي طالب .
كان عمرو  نديم أبي طالب في الجاهلية، فقال عمرو: أجل، لقد كان أبوك نديماً لي وصديقاً، فارجع فإني لا أحب قتلك!
 فقال علي (رضي الله عنه ): لكنيّ أحب أن أقتلك!
 فقال عمرو: يا ابن أخي إني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك، فارجع وراءك خير لك، ما آمن ابن عمك حين بعثك إلي أن أختطفك برمحي هذا فأتركك شايلاً بين السماء والأرض لا حي ولا ميت!!
فقال له علي (رضي الله عنه): قد علم ابن عمي أنك إن قتلتني دخلت الجنة وأنت في النار، وإن قتلتك فأنت في النار وأنا في الجنة.
فقال عمرو: كلتاهما لك يا علي؟ تلك إذاً قسمة ضيزى!!
فقال علي : إن قريشاً تتحدث عنك أنك قلت: لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلا أجيب، ولو إلى واحدة منها؟
قال: أجل.
قال: فإني أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
قال: دع هذه!!
قال: فإني أدعوك إلى أن ترجع بمن يتبعك من قريش إلى مكة، فإن يكُ محمد صادقاً فأنتم أعلى به عيناً، وإن يك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمره.
قال: إذن تتحدث نساء قريش عني : أن غلاماً خدعني ، وينشد الشعراء فيَّ أشعارها أني جبنت، ورجعت على عقبي من الحرب، وخذلت قوماً رأسوني عليهم.
قال: فإني أدعوك إلى البراز راجلاً، فحمي عمرو وقال: ما كنت أظن أحداً من العرب يرومها مني .
ثم نزل فضرب وجه فرسه ففر ـ ثم قصد نحو علي وضربه بالسيف على رأسه، فأصاب السيف الدرقة فقطعها، ووصل السيف إلى رأس علي .
فضربه علي على رجليه بالسيف فوقع على قفاه، وثار العجاج والغبار، وأقبل عليّ ليقطع رأسه فجلس على صدره، فتفلَ اللعين في وجه الإمام فغضب، وقام عن صدره يتمشى حتى سكن غضبه، ثم عاد إليه فقتله.
وجاء علي برأس عمرو إلى رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ فتهلل وجه رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ ) فقام أبو بكر وعمر بن الخطاب وقبلا رأسه.
فقال عمر: هلا سلبته درعه، فإنه ليس في العرب درع مثلها؟
 فقال علي : إني استحييت أن أكشف سوأة ابن عمي.
ولما قتل علي عمراً انهزم المشركون وانكسرت شوكتهم، وكفى الله المؤمنين القتال ،
وفي رواية الحاكم في المستدرك عن النبيـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  :
( لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة)
.وسبب ذلك أنه لم يبق بيت من بيوت المشركين إلا وقد دخله وهنٌ بقتل عمرو، ولم يبق في المسلمين بيت من بيوت المسلمين إلا ودخله عزٌّ بقتل عمرو .
  

الأربعاء، 1 أغسطس 2012

لا صدقة ولا جهاد

طبع الإنسان على حب الأجر العاجل والنتيجة الفورية ، وذلك مصداقا لقول الله تعالى ﴿ خُلِقَ الإنسانُ مِنْ عَجَلٍ، كما طبع الإنسان على حب المال ﴿ وَتحبُونَ المالَ حًبَّاً جَمَّاً وجاء الدين ليهذب هذه الطبائع ويوجهها إلى غاية سامية ، ألا ترى أن الطفل الصغير يحب المكافأة الفورية المباشرة ، وكلما تقدم به العمر والنضوج العقلي صار يبحث عن الأجر العظيم وإن تأخر ؟! ويبلغ الإنسان قمة نضوجه عندما يوقن أن الأجر الحقيقي يأتي متأخرا في اليوم الآخر ، عن يحيى بن معاذ ـ رحمه اللَّه تعالى ـ  أنه قال: الدنيا مزرعة رب العالمين، والناس فيها زرعه، والموت منجله ، وملك الموت حاصده، والقبر مداسه ، والقيامة بيدره ، والجنة والنار بيت أهوائه: فريق في الجنة وفريق في السعير" .
ولكن مزرعة الدنيا فيها أنواع شتى من الغراس ، ولا ريب أن ثمار الأشجار مختلفة القيمة ، فأي الأشجار أكثر إثمارا للحسنات المؤدية  إلى الجنة ؟
قال تعالى في سورة التوبة :
﴿ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ   [التوبة :111]
تتحدث هذه الآية عن ثلاث أشجار باسقات في السماء ضاربات جذورها في أعماق النفس البشرية ، ثمارها في الجنّة من أشرف الثمار :
الشجرة الأولى : البيعة لجماعة المسلمين .
الشجرة الثانية : النفقة في سبيل الله .
الشجرة الثالثة : الجهاد  في سبيل الله .  
وهذا ما يتضح أكثر من حديث ابن الخصاصية ، فقد روى الحاكم في المستدرك  من حديث بشير بن الخصاصية رضي الله عنه ، قال :
 ( أتيت رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  لأبايعه على الإسلام فأشترط عليَّ :
تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، وتصلي الخمس ، وتصوم رمضان ، وتؤدي الزكاة ، وتحج البيت، وتجاهد في سبيل الله.
قال : قلت: يا رسول الله, أما اثنتان فلا أطيقهما، أما الزكاة فما لي إلا عشر ذود - أي إبل -  هن رسلُ أهلي وحمولتهم، وأما الجهاد فيزعمون أنه من ولّى - أي هرب من المعركة- فقد باء بغضب من الله ، فأخاف إذا حضرني كرهت الموت وخشعت نفسي ، قال : فقبض رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  يده ثم حركها . ثم قال: لا صدقة ولا جهاد فبم تدخل الجنة ؟ قال بشير ، ثم قلت : يا رسول الله ، أبايعك .  فبايعني عليهن كلهن (. [قال الحاكم حديث صحيح ووافقه الذهبي] .
هذا الحديث العظيم يؤكد المعنى الحقيقي للانضمام إلى جماعة المسلمين المعبر عنها بالمبايعة والتي تقتضي التجرد التام من أوساخ الدنيا وحطامها . وبذل النفس والنفيس في مرضاة الخالق العظيم.
إن بشيراً- رضي الله عنه- كان بحاجة إلى وقفة تربوية ومراجعة نبوية تبّين له حقيقة المبايعة على الإسلام, وأن الإسلام لا يقبل من المسلم إلا أغلى ما يملك لينال شرف الانضمام إلى أهله, ويفوز بلقب الانتماء إلى شريعته .
فحين اشترط بشير ، أن يُبقي على نفسه وماله, باذلاً ما سواها بكل رحابة صدر؛ قبض رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  يده الشريفة ، واعتذر عن المبايعة ؛لأنً سلعة الله غالية الثمن, باهظة التكاليف !