‏إظهار الرسائل ذات التسميات خواتيم الظالمين. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات خواتيم الظالمين. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 26 يناير 2014

لا تكونوا كالببغاء


لا تكونوا كالببغاء


كان شيخ يعلم تلاميذه العقيدة؛ يعلمهم "لا إله إلا الله" شرحا لها وتربيةً عَلَيْها.
وفي يوم أحضر أحد تلامذة الشيخ ببغاء هدية له، وكان الشيخ يحب تربية الطيور والقطط.
ومع الأيام أحب الشيخ الببغاء وكان يأخذه معه في دروسه، حتى تعلم الببغاء نطق كلمة "لا إله إلا الله"‼
فكان ينطقها ليل ونهار... وفي مرة وجد التلامذة شيخهم يبكي بشدة وينتحب، وعندما سألوه قال لهم: قط عندي قتل الببغاء.
فقالوا له: لهذا تبكي‼
إن شئت أحضرنا لك غيره وأفضل منه.
رد الشيخ وقال: لا أبكي لهذا... ولكن أبكاني أنه عندما هاجم القط الببغاء أخذ يصرخ ويصرخ إلى أن مات، مع أنه كان يُكثر من قول "لا إله إلا الله"، إلا أنه عندما هاجمه القط نسيها ولم يقل إلا الصراخ‼ لأنه كان يقولها بلسانه فقط ولم يعلمها قلبه ولم يشعر بها‼
ثم قال الشيخ: أخاف أن نكون مثل هذا الببغاء؛ نعيش حياتنا، نردد "لا إله إلا الله" من ألسنتنا، وعندما يحضرنا الموت ننساها ولا نتذكرها لأن قلوبنا لم تعرفها.
فأخذ طلبة العلم يبكون خوفا من عدم الصدق في "لا إله إلا الله".


الثلاثاء، 5 مارس 2013

الأخسرين أعمالا ...

الأخسرين أعمالا ... 

عبر التاريخ كان هناك طموحا عند بعض علماء الكيمياء، طموح يتمثل في تحويل النحاس على ذهب، ولكي يحقق هؤلاء هذه الرغبة الجامحة بذلوا جهودا جبارة، من أجل الوصول إلى الهدف المنشود، فالوصول إليه يعني الثروة والسلطة والجاه وتحقيق الأحلام، ولما مرت السنون والغاية لم تتحقق، قال أحدهم: أن السر في توفير مادة الزبئق الأحمر، فإذا وفرنا هذه المادة ومسحنا بها النحاس مسحا خفيفا تحول النحاس إلى ذهب، فانتقل العلماء القدماء للبحث عن الزبئق الأحمر لتحيق الحلم، ولما أعجزهم الأمر، قالوا أن تلك مادة مرتبطة بالجان، فتحول العلم إلى خرافة، فقد ضل سعي البشر ، وبقي تحويل النحاس إلى ذهب قضية خاصة بالجن، نستطيع أن سمي هذه الفئة من العلماء بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم .
يقول الله تعالى في خواتيم سورة الكهف :
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) .
تتحدث الآية عن فئة من الناس وصفتهم بالخسارة الشاملة والتامة، فهم ليسوا خاسرين فقط بل الأخسرين، فماذا يقول المفسرون في تعليل وصفهم بالأخسرين؟
أولا : الأخسرين إسم تفضيل أي أنه هناك اشتراك في الخُسران، يوجد خاسرون كُثُر سواء الكفرة والفَسَقة والظّلَمة بعضهم خاسر وبعضهم أخسر من بعض أي التفضيل فيما بين الخاسرين أنفسهم.
ثانيا: نلاحظ استخدام كلمة (ضلّ) مع كلمة (سعيهم) ولم يقل ضل عملهم لأن السعي هو العدو أو المشي الشديد دون العدو، وقال في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يُحسن صنعا ولم يقل يعمل صالحاً، والإحسان هو الإتقان في العمل وليس العمل العادي.
ثالثا : في اللغة لدينا : فعل وعمل وصنع أما الفعل فقد تقال للجماد( نقول هذا فعل الرياح) وقد يكون للعاقل وغيره ، والعمل ليس بالضرورة صنعاً فقد يعمل الإنسان بدون صنع، وأغلب ما يكون للعاقل وقلّما يُستعمل للحيوان، أما الصنع فهو أدقّ وهو من الصَّنعة وهو دقة العمل وإتقان العمل كما في قوله تعالى (صُنع الله الذي أتقن كل شيء) والصنع لا تستعمل إلا للعاقل الذي يقصد العمل بإتقان وإحسان.
فالآية تتحدث عن العي الحثيث مع الرغبة القوية بالإتقان من أجل الإنجاز، ولكن لأن هذا الصنع ضال لا يتبع منهج الله القويم كان الوصف لهم بالأخسرين أعمالا.

اللهم لا تجعلنا ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا

الاثنين، 4 مارس 2013

احـــذروا القــــرآن ..!


جاء في كتاب قبسات من حياة الصحابة :
 أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لقد عشت برهة من دهري ، وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن ، وتنزل السورة على محمد ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  فيتعلم حلالها وحرامها ، وما ينبغي أن يقف عنده منها ، كما تعلمون أنتم القرآن ، ثمّ لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان ، فيقرا ما بين الفاتحة إلى خاتمته ، ما يدري ما آمره ولا زاجره ، وما ينبغي أن يقف عنده . 
فالإيمان هو الأساس ، والإيمان طاقة قلبية يزيد وينقص ، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي ، تلك مسألة اتفق عليها العلماء ، ويصدقها واقع الحال ، وإذا حل النفاق محل الإيمان تبدلت القاعدة ،  قال تعالى :
﴿ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ( 124 ) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ ( التوبة ) .
وقال جل ثناؤه : ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (يونس:101).
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا (82)
والآن صار بالإمكان أن نفهم دور القرآن في زيادة الإيمان أو نقصانه عند من يسمعه ، وصار من الواجب أن يعرض المرء قلبه على ميزان القرآن ليعلم في أي حال هو قلبه ، ويسأل نفسه أسئلة لا يجيب عنها إلا هو ذاته .
عندما تقرأ أو تسمع آيات تحدثك عن نعيم الجنة ، عن أنهارها وأشجارها وظلالها ، وعن أزواجها ودرجاتها ، هل تزيدك تلك الآيات رغبة في دخولها ، وتشذ همتك  ؟
عندما تقرأ أو تسمع عن عذاب جهنم وأهوالها، وعن دركاتها وسعيرها وخزنتها، هل تزيدك تلك الآيات رهبة منها ، وتشحذ همتك  ؟
ذات يوم قبل بضعة أعوام ، تجمع الناس حول مسجد البيرة الكبير للمشاركة في جنازة أحد قادة الأحزاب اليسارية ، ولم أرغب في الصلاة عليه كما فعل الكثيرون ، وخرجت أنظر مع الناظرين ، وتصادف أن وقفت بجوار عدد من مراسلي وكالات الإعلام ، الذين لا يزورون المساجد إلا للتصوير من الخارج ، وكانت آيات تتلى من على مئذنة المسجد ، لا أدري أهي المصادفة أم أن واضع الشريط في المسجل قصدها ، وكانت الآيات :
﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) (الحاقة ) .
وهي آيات تقرع القلوب وتقشعر منها جلود المؤمنين ، لما فيها من ترهيب وسوء عقاب ، خاصة لمن يعلم معنى واسلكوه في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا ، وسمعت بعض الناس يقولون : اللهم عافنا واعف عنا ، وسمعت بعض الصحافيين يتبادلون النكات حول الآيات ، ويستهزئون بمعانيها ، فهل يعلمون بما يهزؤون ؟؟
الله إنا نبرأ إليك مما يأفكون ..

الاثنين، 25 فبراير 2013

ابن العلقمي وسقوط بغداد

ابن العلقمي وسقوط بغداد

  لمـَّا وصلت جيوش أبرهة الأشرم القادمة لهدم الكعبة عبر رمال الصحراء العربية ، مرّت بثقيف ،  فطلب أبرهة الأشرم منهم دليلا يدُّله على الطريق ، فأرسلت ثقيف معه جاسوسا يدعى أبا رُغال ، ولما مات أبو رغال صارت العرب ترجم قبره ، وذات مرّة قال جرير في خصمه الفرزدق : " إذا مات الفرزدق فارجموه كرجمكم لقبر أبي رغال"،
وكل غاز كأبرهة يبحث عن فأر كأبي رغال .
سقطت بغداد  حاضرة الخلافة العباسية سنة 656هـ على يد هولاكو سقوط الذُّل والهوان ، سقوطا مدوِّياً لم يشهد مثله الزمان ، ولعب دور أبي رغال وزير الخليفة مؤيد الدين أبو طالب بن العلقمي .
 خرج ابن العلقمي بأهله وخدمه وحشمه لمقابلة التتار ، واجتمع مع هولاكو ، ولما عاد أشار على الخليفة أن يخرج لمصالحة التتار على نصف خراج العراق كما اتفق معهم ، وادعى أن هولاكو يريد مصاهرة الخليفة لتوثيق العقد .
خرج الخليفة في سبعمائة من الأمراء والقادة والفقهاء والعلماء في موكب عرس مهيب ، ولما وصلوا أدخل هولاكو عليه منهم سبع عشرة نفساً ، وأُنزل الباقون عن مراكبهم ونُهبت وقتلوا عن آخرهم .
عاد الخليفة وممن بقي معه إلى بغداد برفقة ابن العلقمي ، فأشار ابن العلقمي على الخليفة أن يجمع ما في القصر من الجواهر والنفائس ، ويقدمها لهولاكو عساه يقبل الصلح . فأخذها ولم يقبل ، ودخل هولاكو بغداد ، ومكث فيها أربعين يوما يدمر ويقتل ويحرق ، ولم ينجُ إلا من اختبأ في الآبار وأماكن الحشوش وقني الوسخ . أو في دور أهل الذمة من اليهود والنصارى ، أو في بيت الوزير ابن العلقمي .  
 أما الخليفة فقد قتلوه رفساً ، وهو في جوالق ( أكياس ) ، لئلا يقع على الأرض شيئا من دمه . وقُتل معه ولداه أحمد وعبد الرحيم ، وأُسرت أخواته ، مع ألف بكر من دار الخلافة .
واستباح التتار بغداد أربعين يوما ، فقتلوا الصغير والكبير ، حتى قيل أن من قتلوا فيها بلغ ألف ألف ، وقيل ألفي ألف . ولما انقضى الأمر المقدَّر ، وانقضت الأربعون يوما ، بقيت بغداد خاوية على عروشها ، والقتلى في الطرقات كأنها التلول ، وسقط عليهم المطر فتغيرت صورهم ، وأنتنت من جيفهم البلد ، فحصل الوباء ، وسرى مع الريح إلى بلاد الشام ، فمات خلق كثير ، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون ، إنا لله وإنا إليه راجعون ،  ولعنة الله على الخائنين .
ابن العلقمي كان من كبار وزراء في بلاط الخليفة ، وكان له عند الخليفة من التعظيم والوجاهة ما لم يكن لغيره من الوزراء ، ولكنه كان رافضيا خبيث الطوِّية على الإسلام وأهله .
ورحل هولاكو إلى مقر ملكه ، وفوض الأمر في بغداد إلى الأمير علي بهادر وإلى الوزير ابن العلقمي ، ثم ذاق ابن العلقمي الذَّل والهوان على يد التتار الذين والاهم ، شأنه شأن الخائنين ،  ورأته امرأة في بغداد يركب برذونا ( كديشا ) وهو مُرَسَّـم عليه ، وسائق يسوق به ويضرب فرسه ، فقالت له : يا بن العلقمي أهكذا كان بنو  العباس يعاملونك ؟ فوقعت كلماتها في أذنيه ، وكان موكبه يضاهي موكب السلطان زمن العباسيين ، وانقطع إلى داره إلى أن مات كمدا وضيقا ، وقلة وذلة . (نهاية الظالمين : 17).
وتلك نهاية الرغاليين والعلاقمة الذين جاؤوا على متن الطائرات والدبابات الأمريكية إلى العراق ، وبدؤوا يخرجون على ظهور براذين المذلّة ، وليعلموا ]أن َّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الخائِنِينَ [

النظر في وجوه المومسات

النظر في وجوه المومسات

   جاء في الأثر : أن مَنْ غضَّ البصر ، وترك النظر ، جعل الله في قلبه حلاوة لا يدركها إلا من عرفها .
 هكذا يكافئ الله سبحانه من غض البصر عن النساء العفيفات الطاهرات اللواتي يجعلن من حمرة الحياء في وجوههن زينة ، فما تكون عقوبة الناظر في وجوه الزانيات المتبرجات اللواتي ينصبن شباكهن لكل ناظر !؟ يدعونه بنظرات فاضحات إلى الزنا والعياذ بالله ، نساء في كامل زينتهن يتصدرن لوحات الإعلان ، ونساء كاسيات عاريات يملأن شاشات التلفاز ، والإعلانات تملأ الطرقات ، والتلفاز شباك مفتوح على فيح نار جهنم ليل نهار ، ولا مناص للمسلم من السير في الطرقات ، أو الجلوس في البيت ، وإذا كان النظر لسائر النساء زنا بالعين وإثم بالقلب ، فماذا يكون عقاب النظر والتحديق في وجوه المومسات ؟

  روى البخاري ومسلم ، واللفظ له ، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ  عن النبي r قال : لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة : عيسى بن مريم وصاحب جريج ، وكان جريج رجلاً عابداً ، فاتخذ صومعة فكان فيها ، فأتته أمه ، وهو يصلي .
فقالت  :  يا جريج .
فقال : يا رب أمي وصلاتي !
 فأقبل على صلاته ، فانصرفت . فلما كان من الغد أتته ، وهو يصلي .
 فقالت : يا جريج .
فقال :  يا رب أمي  وصلاتي !
 فأقبل على صلاته ، فانصرفت  .
فلما كان من الغد أتته ، وهو يصلي ،
 فقالت : يا جريج .
  فقال : أي رب أمي وصلاتي !
 فأقبل على صلاته .
فقالت : اللهم لا تُـمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات  .
قتذاكر بنو إسرائيل جريجاً وعبادته ، وكانت امرأة بغيٌّ يتمثل بحسنها ،  
فقالت : إن شئتم لأفتننه لكم .
فتعرضت له فلم يلتفت إليها ، فأتت راعياً كان يأوي إلى صومعته ،  فأمكنته من نفسها فوقع عليها ، فحملت ،  فلما ولدت ،
قالت  : هو من جريج .
 فأتوه فاستننزلوه , وهدموا صومعته ، وجعلوا يضربونه .
فقال : ما شأنكم ؟
قالوا : زنيت بهذه البغي فولدت منك .
 فقال : أين الصبي ؟
فجاءوا به ، فقال : دعوني حتى أصلي . فصلى فلما انصرف أتي الصبي فطعن في بطنه وقال : يا غلام من أبوك ؟
 قال : فلان الراعي.  فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به .
 وقالوا : نبني لك صومعتك من ذهب .
 قال : لا أعيدوها من طين كما كانت ، ففعلوا .
تُرى لو طاوعنه نفسه ونظر إليها وحدثها ، كيف ستكون خاتمته !!

لا مِســــــــــــــــاس

لا مِســــــــــــــــاس

  قالوا الإنسان حيوان اجتماعي ، وقالوا الإنسان حيوان ناطق ، وقالوا الإنسان حيوان مفكِّر ، ولا ريب أن غرضهم القول أن الإنسان يحتاج لغيره من بني جنسه ، لا يحيا فردا مهما ابتدع من أساليب عزلة ، لذا فإن عزل هذا الإنسان في بسجن أو عزله بمقاطعته من بني جنسه من أشد العقوبات ، لذا بقي سلاح المقاطعة عبر التاريخ من الأسلحة الفعالّة في عقاب الإنسان  .
والله سبحانه وتعالى شرّع عقوبة المقاطعة ، فالرجل يهجر زوجه الناشز ، وفي قصة الثلاثة الذين خُلِّفوا صورة واضحة .  
خرج الرسول r إلى غزوة تبوك وقد أعلن النفير العام ، فخرج المسلمون وتخلف ثلاثة لا عذر لهم هم : كعب بن مالك ، ومرارة بن ربيع العمري ، وهلال بن أمية الواقفي ، والثلاثة ممن يُشهد لهم بالصلاح ، فأمر الرسول r بمقاطعتهم ، ونهى الناس عن كلامهم ، واستمرت المقاطعة خمسين ليلة ، ثم أنزل الله قبول توبتهم ، وهذه مقاطعة عامة مؤقتة .
أما لا مساس فهي المقاطعة التي لم يُذكر لها شبيها .
غادر موسى عليه السلام قومه وذهب لميقات ربه ، وقال لقومه أنه لن يغيب عنهم أكثر من ثلاثين ليلة ، وشاء الله أن يُتمَّها بعشر ، فلما طالت غيبته عن قومه بعد الثلاثين استبطأوه ، وظنّوا أن موسى أخلفهم وعده ، فعندئذ تحركت في السامري الوثنية القديمة ، فجمع حلي نساء بني إسرائيل وألقاها في النار ، وسبك منها عجلا له خوار ، وأمرهم بعبادته .
عاد موسى عليه السلام فوجد قومه يعبدون العجل من دون الله ، فغضب ، وأخذ بشعر أخيه هارون يجذبه من رأسه ولحيته ، أما السامري فكان عقابه ] فاذهب فإن لك في الحياة أنْ تقولَ لا مِساس [ طه : 93 .
" لا مساس " عقوبة الله تعالى للسّامري ، وإذا أردتَ أن تتعرف على الواقع الأليم لهذه العقوبة ، فخيل رجلا يقول لكل ما يصادفه وقبل أن يقترب منه : لا تمسني ولا أمسك ، فلا يصافح صديقا ولا يمسّ شيئا يعود له ، ولا يمسّ زوجة ولا طفلا ، لا يمس خضار البائع ، ولا منتجات الصانع ، ويمشى منبوذا بلا أصحاب ، مطرودا عن الأبواب ، مريضا أجرب بلا صديق ، بلا حبيب أو رفيق ، تلك عقوبة تشقُّ على الكلاب والبراغيث والذباب ، فما بالك بمَنْ كرَّمه على سائر المخلوقات ، وسخر له ما في الأرض والسماوات ؟!
في هذين الخبرين دعوة لمقاطعة العاصي ، تبدأ من الهجر لأيام وتنتهي بالهجر التام ، لأن لا سواء بين المعصية والتوبة ، ولأن الجسم السليم يرفض المرض ويحتج عليه بمقاطعة النوم والراحة ، ولكن إذا ما وصلنا لمرحلة نستمرئ فيها المعصية ونقبلها فذلك من علامات مرض القلب ، المكلف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفي حديث ابن مسعود  عن الرسول r أنه قال : " إنّ منْ كان قبلكم ، كانوا إذا عمل العامل منهم بالخطيئة ، نهاهُ الناهي تعذيرا ، فإذا كان الغد جالسه وواكله وشاربه كأنه لم يرهُ على خطيئته بالأمس ، فلما رأى الله ـ عزّ وجلّ ـ ضرب بقلوب بعضهم على بعض .."

الأحد، 24 فبراير 2013

الفيلسوف والسنَّور

الفيلسوف والسنَّور

 هناك مثل صيني يقول :
العقول الصغيرة تناقش الأشخاص ، والعقول المتوسطة تناقش الأشياء ، والعقول الكبيرة تناقش المبادئ .
اسمع إلى حديث الأطفال الصغار تجدهم يقولون : أبي أقوى من أبيك ، وأمي أحسن من أمك ، وإذا ما كبروا قليلا صاروا يقولون : دراجتي أقوى من دراجتك ، ولعبتي أحسن من لعبتك . وإذا ما نضجت العقول انصرفت إلى المبادئ والأفكار .
أرقى الناس عقلا هم المفكرون والفلاسفة ، لذا تجدهم مشغولين بالبحث في الأسئلة الكبرى عن الوجود ،  وعندما سئل أحد الحكماء عن معنى الفلسفة قال : هي نقاش قضية الموت والحياة .
الموت مشكلة البشرية الأولى ، ومشكلة الإنسان الكبرى ، فمنذ بداية التاريخ والمفكرون يناقشون قضية الموت والحياة ، وكما هي قضية عامة هي أيضا قضية خاصة ، والعبي هو الذي يعيش حياته دون أن يجد حلا يقنع به لهذه المسألة .
من الغريب أن رجلا كان يسميه مريدوه " فيلسوف فلسطين "  ، ومات بالسرطان قبل سنتين ، كان يتبنى مقولة عن الموت مفادها : " نحن لا نخاف الموت ، لأننا حيث نكون لا يكون ، وحيث يكون لا نكون " . وبعد البحث وجدت أن هذه المقولة لفيلسوف يوناني يدعى أبيقور ( 341 ـ 270 ق.م ) ، وخلاصة الفكرة أنه يدعو لعدم التفكير في الموت ، فحل المسألة بأن ألغاها ، وقلت لأحد مريدي الفيلسوف الفلسطيني يوما : أحقا ، كان معلمكم لا يؤمن بأي شكل من الحياة بعد الموت ؟ فقال : لا ، بل كان يؤمن بتناسخ الأرواح . فقلت : سبحان الله ، لماذا في قضية الموت علينا أن نعود لما قبل الميلاد ، ولشعوب وثنية ، بينما دعواتكم كلها عن الحداثة وما بعد الحداثة !!
وتعود فكرة التناسخ إلى زمن فرعون موسى ، ثم تكرَّست عند الهنود ، باعثها محاولة تفسير سبب آلام الأطفال والبهائم ولا ذنب لهم ، فقالوا إنها لذنوب سلفت ، وملخصها أن أرواح أهل الخير تدخل في أبدان خيرة فتستريح ، أما أرواح أرباب الشر إذا خرجت تدخل في أبدان شريرة وتتعذب ، ثم تواصل الانتقال والعذاب وتعود إلى صورة إنسان بعد ألف سنة ، فإن أحسن لحق بالمحسنين ، وإن أساء أعاد ألف سنة  أخرى من العذاب .
جاء في كتاب "  تلبيس إبلبيس " القصة التالية على لسان  أبي بكر بن الفلاس:
دخلت على رجل يقول بالتناسخ من أهل بغداد ، فوجدت بين يديه سنورا أسود ( قطة كبيرة ) وهو يمسحها ، ويحك بين عينيها ، ورأيتها وعينها تدمع كما جرت عادة السنانير بذلك ، وهو يبكي بكاء شديدا ، فقلت له : لمَ تبكِ ؟ قال : ويحك ، أما ترى هذه السنور تبكي كلما مسحتها ، هذه أمي لا شك ، وإنما تبكي من رؤيتها إليّ حسرة .
وأخذ يخاطبها خطاب من عنده أنها تفهم منه ، وجعلت السنور تصيح قليلا قليلا . فقلت له : فهي تفهم عنك ما تخاطبها به ! فقال : نعم . فقلت : أتفهم أنت صياحها ؟ قال : لا . قلت : فأنت المنسوخ وهي الإنسان .
 وصدق علام الغيوب :
 ] وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ `وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتُواْ بِآبَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ` قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ[

التوبة الكاذبة وسوء الخاتمة

التوبة الكاذبة وسوء الخاتمة

 بعض الناس دينهم مثل دين الحمّالين ، إذا رَفَعَ الحملَ على ظهره قال : يا الله ، يا رب ، وإذا مشى بالحمل قال : يا قوي ،  يا معين ، وإذا وضع الحمل عن ظهره فسق وكفر ولعن القدر .
مثل هذا سماه الله تعالى في كتابه العزيز : ( الختّـار الكَفور )   وتجد فيما تجد من الناس عجبا ، تراه يوما مواظبا على الصلوات ، يسارع لتلبية نداء الله ، فتسأل عن الخبر ، فيقال : ستجرى له بعد أيام عملية جراحية ،  ثم تراه بعد الشفاء  قد ترك الصلاة وخاض في الدنيا مع الخائضين ، و إذا ما مات له قريب صلى وصام ، وإذا طال العهد تكاسل وغفل ، وهكذا ، يؤمن ثم يكفر ، ثم يؤمن ثم يكفر .
قال منصور بن عمار رحمه الله  :
كان لي صديق مسرف على نفسه ، ثمّ تاب ، وكنت أراه كثير العبادة والتهجد ، ففقدته أياما ، فقيل لي : هو مريض ، فأتيت إلى داره  ، فخرجت لي ابنته ، فقالت : من تريد ؟ قلت : فلانا . فاستأذنت لي ثمّ دخلت فوجدته في وسط الدار ، وهو مضطجع على فراشه ، وقد اسودّ  وجهه وازرقت عيناه ، وغلُظت شفتاه ، فقلت له وأنا خائف منه : يا أخي ، أكثر من قول لا إله إلا الله ، ففتح عينيه ونظر إلي شزرا ، وغشي عليه ، فقلت له ثانيا : يا أخي أكثر من قول لا إله إلا الله ، ثمّ ثالثا ، ففتح عينيه وقال : يا أخي منصور ، هذه كلمة حيل بيني وبينها . فقلت : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . ثمّ قلت له : يا أخي ، وأين تلك الصلاة والتهجد والقيام ؟!فقال : كان ذلك لغير الله ، وكانت توبتي كاذبة ، إنما كنت أفعل ذلك ليقال عني وأذكر به ، وكنت أفعل ذلك رياء الناس ، فإذا خلوت إلى نفسي ، أغلقت الباب ، وأرخيت الستور وشربت الخمور ، وبارزت ربي بالمعاصي ، ودمت على ذلك مدّة فأصابني مرض ، وأشرفت على الهلاك ، فقلت لابنتي الصغيرة هذه : ناوليني المصحف ، وقلت : اللهم بحق هذا القرآن العظيم إلا ما شافيتني ، وأنا لا أعود إلى ذنب أبدا ، ففرّج الله عني .
فلمّا شفيت عدت إلى ما كنت عليه من اللهو والملذات ، وأنساني الشيطان العهد الذي كان بيني وبين ربي، فبقيت على ذلك مدّة من الزمان ، فمرضت مرضا أشرفت به على الموت ، فدعوت أهلي فأخرجوني إلى وسط الدار على عادتي ثم دعوت بالمصحف فقرأت فيه ، ثم رفعته ، وقلت : اللهم بحرمة ما في هذا المصحف الكريم من كلامك إلا فرجت عني ، فاستجاب الله منِّي وفرَّج عني ، ثمّ عُدت إلى ما كنت عليه من اللهو فوقعت في هذا المرض ، فأمرت أهلي فأخرجوني إلى وسط الدار كما تراني ، ثمّ دعوت بالمصحف لأقرأ فيه فلم يتبين لي حرف واحد ، فعلمت أن الله سبحانه وتعالى غضب عليّ ، فرفعت رأسي إلى السماء ، وقلت : اللهم بحرمة هذا المصحف ، إلا ما فرجت عني ، يا جبار السماوات والأرض .
قال منصور بن عمار : فو  الله ما خرجت من عنده إلا وعيني تسكب العبرات ، فما وصلت إلى الباب ، حتى قيل لي : إنه قد مات .
  يقول الله تعالى في كتابه الكريم : ]إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنْ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً [
ومن الشعر :
تتوب عن الذنوب إذا مرضتا
فكم كربة نجاك منها
أمـا تخشـى بأن ـأتي المنــايا



وترجع للذنوب إذا برئتا
وكم كشف البلاء إذا بُليتا
وأنت عـلى الخطايـا قد وَهيتا

السبت، 11 أغسطس 2012

الشاعر الذي لم يتعب ربه

شعراء فلسطين المخضرمين ليسوا على وفاق مع رمضان ، ومع الدين بشكل عام ، فهذا سميح القاسم يجاهر :

رمضان كريم جدا

والعبد سميح القاسم

ليس يدبصائم

وهنا الشاعر يقول ما يفعل لأنه لا يخشى درة عمر ولا سيف الحجاج فهو في دولة تصف نفسها بأنها واحة الديمقراطية وحرية التعبير وليس العبور ..

ولما وضع الاحتلال في الخمسنيات  قانون أملاك الغائبين ، وقام حارس أملاك الغائبين بوضع اليد على بعض المساجد ، قال الشاعر راشد حسين :

الله صار غائبا يا سيدي          صادر إذن حتى بساط المسجدِ

ولراشد حسين قصة فيها عبرة ..

فقد كان يكرر في قصائده عبارات خارجة عن المقبول شرعا ، ومن تلك العبارات :

أنا تعبانُ من الربِّ الذي حوله جدي بياع جنان وجواري

والذي من أجل حرقي

سوف أقضي العمر في جمع الحطب ..

ومن العجيب أن الشاعر سافر بعدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، وهناك عمل في البعثة الفلسطينية في الأمم المتحدة ، وأصيب في غربته بغم ثقيل ، وتعذبت نفسه ، فأدمن الخمر والتدخين لكي يخرج من بؤس غربته وشقائه بعيدا عن وطنه الذي أحب ، وغادره طوعا ، والخمر وإن كانت عند أهل الدين أم الخبائث ، فهي عند الشعراء " للشعر لا للسكر تنعصرُ " .

وذات يوم عاد إلى غرفته في الفندق في نيويورك ، متعبا مثقل الرأس ، اضجع على فراشه ، والسيجارة مشتعلة في بين أصابعه ،فسقط من نارها على الفراش ، واحترق ، واحترق الشاعر ومات  ..

وأعيد جثمانه ، ودفن في فلسطين ، ورثاه شعراء ونقاد وأدباء ، وكان أبلغ ما قيل يومها :

ـ هذا رجل ، لم يتعب الله في جمع الحطب .




الأربعاء، 1 أغسطس 2012

خطيب الجمعة يجمع الأحذية ..!!

 
كانت السنة الماضية من السنوات القليلة التي وحدت المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، على اختلاف طوائفهم إثر نشر الرسوم الملعونة في الصحف الدنمركية والأوربية استهزاء بالرسول الكريم ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ فأظهرت مدى حب الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ في قلوب المسلمين ، وكان لوقفة المسلمين المدافعة عن نبيهم أكبر الأثر في ردع حملة كان يخطط لها أن تتواصل وتتدرج بالإساءة ، في هذه الحادثة دليل على صدق القرآن الكريم كما قال سبحانه: ﴿ إنا كفيناك المستهزئين ﴾.ومن المفيد أن نذكر أن الاستهزاء يأخذ شكلين أساسين ، الأول صريح كما فعلت الرسوم الدنمركية، والثاني غير الصريح ويكون بالتعريض بالحركات أو الكلمات ، وقد تكفل الله سبحانه بكفاية الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ من النوعين ، ومن طريف ما قرأت عن النوع الثاني هذه القصة الحقيقية التي يرويها الشيخ أحمد شاكر .  
يُعد الشيخ أحمد شاكر المتوفى عام 1958  - رحمه الله - من أبرز علماء هذا العصر الثقات ؛ ممن  وفقهم الله تعالى للجمع بين العلم الشرعي ونشره لاسيما علم الحديث ، مع المشاركة النافعة النابهة في قضايا المسلمين الحادثة . ومثل هذا الجمع لا نكاد نجده إلا في القليل من العلماء ، وهو ما تحتاجه أمة الإسلام في كل زمان ؛ لكي لا ينحرف مسيرها بين عالم أو طالب علم منزوٍ عن هموم الأمة ، أو متصدر جهول بشرع الله ، وكان والده الشيخ محمد شاكر من علماء الأزهر ويحكي عن والده قصة فيها عبرة .
ذكر الشيخ أحمد شاكر أن والده الشيخ محمد شاكر ـ وكيل الأزهر سابقاً ـ كفّر أحد خطباء مصر ، وكان فصيحاً متكلماً مقتدراً ، وأراد هذا الخطيب أن يمدح أحد أمراء مصر عندما أكرم طه حسين ، فقال في خطبته : جاءه الأعمى  فما عبس بوجهه وما تولى ! .
وهو يريد بذلك التعريض برسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ   , حيث أن القرآن ذكر قصته مع الأعمى فقال تعالى : ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى(1)أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى(2)
فبعد الخطبة أعلن الشيخ محمد شاكر للناس أن صلاتهم باطلة, وأمرهم أن يعيدوا صلاتـهم لأن الخطيب كفر بهذه الكلمة التي تعتبر شتم لرسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  تعريضاً لا تصريحاً .
هذا ولم يكن الشيخ محمد شاكر رحمه الله ممن يطلقون الأحكام جزافاً ولم يكن يفعل ذلك لمطلب دنيوي أو لمرضاة ذي سلطان ، إذ لم تكن حالة الأزهر في زمانه مثل ما هي عليه في زماننا هذا .
ولكن الله لم يدع لهذا المجرم جرمه في الدنيا قبل أن يجزيه جزاءه في الآخرة .
قال الشيخ أحمد شاكر : ( ولكن الله لم يدعْ لهذا المجرم جرمه في الدنيا ، قبل أن يجزيه جزاءه في الأخرى ، فأقسمُ بالله لقد رأيته بعيني رأسي - بعد بضع سنين ، وبعد أن كان عالياً منتفخاً ، مستعزّاً بمَن لاذ بهم من العظماء والكبراء - رأيته مهيناً ذليلاً ، خادماً على باب مسجد من مساجد القاهرة ، يتلقى نعال المصلين يحفظها في ذلة وصغار ، حتى لقد خجلت أن يراني ، وأنا أعرفه وهو يعرفني ، لا شفقة عليه ، فما كان موضعاً للشفقة ، ولا شماتة فيه ؛ فالرجل النبيل يسمو على الشماتة ، ولكن لما رأيت من عبرة وعظة ) .

الجمعة، 27 يوليو 2012

أشد الناس حسرة .. !!

  . ..    
قال الحق سبحانه وتعالى في سورة مريم :
}  وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ  {{ مريم : 39 }
من أشد الناس حسرة يوم القيامة ؟
قال القرطبي في التذكرة رداً على هذا السؤال ما نصه، عن أبي الفرج ابن الجوزي قال: قال بعض العلماء: أشد الناس حسرة يوم القيامة، رجل ملك عبداً فعلمه شرائع الإسلام فأطاع وأحسن وعصى السيد، فإذا كان يوم القيامة أُمر بالعبد إلى الجنة، وأُمر بسيده إلى النار، فيقول عند ذلك: واحسرتاه واغبناه، أما هذا عبدي؟ أما كنت قادراً على جميع ما له، فما له سعد ومالي شقيت؟! فيناديه الملك الموكل به: لأنه تأدب، وما تأدبت، وأحسن، وأسأت.
ورجل كسب مالاً فعصى الله تعالى في جمعه ومنعه، ولم يقدمه بين يديه حتى صار إلى وارثه، فأحسن في إنفاقه وأطاع الله سبحانه في إخراجه وقدمه بين يديه، فإذا كان يوم القيامة أُمر بالوارث إلى الجنة، وأُمر بصاحب المال إلى النار، فيقول: واحسـرتاه، واغبناه.. أما هذا مالي؟! فيناديه الملك الموكل به لأنه أطاع الله، وما أطعت، وأنفق لوجهه وما أنفقت، فسعد وشقيت.
ورجل علم قوماً ووعظهم، فعملوا بقوله ولم يعمل، فإذا كان يوم القيامة أُمر بهم إلى الجنة، وأُمر به إلى النار، فيقول: واحسرتاه، واغبناه، أما هذا علمي؟ فما لهم فازوا به وما فزت؟ وسلموا وما سلمت؟ فيناديه الملك الموكل به: لأنهم عملوا بما قلت وما عملت، فسعدوا وشقيت.
وقال سفيان بن عينية: كان يقال أشد الناس حسرة يوم القيامة ثلاثة: رجل كان له عبد فجاء يوم القيامة أفضل عملا منه ، ورجل له مال فلم يتصدق منه فمات فورثه غيره فتصدق منه ،ورجل عالم لم ينتفع بعلمه فعلمه غيره فانتفع به .
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ، واجعله الوارث منّـا ..

الاثنين، 23 يوليو 2012

نهاية مجادل ..



هناك جدال حق مثل مجادلة  خولة للرسول -^ - ، التي سمع الله قولها ، وهناك جدال باطل يخزي الله صاحبه ويضله ويعميه ويجعله يوم القيامة من الخاسرين:   } وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ  {  { الحج : 8،9 }    ، وقال -^ - :  " ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع"  .  أبو داود وصححه الألباني.  

أورد ابن خلكان ـ  رحمه الله ـ  في "وفيات الأعيان"، في ترجمة يوسف بن أيوب الحمداني، أنه كان عبدًا صالحًا محبوبًا من الناس، فبينما هو ذات يوم في درسه، إذ قام رجل من الصالحين ظاهرًا، يقال له ابن السقاء، وكان يحفظ القرآن وعنده شيء من الفقه، فقام ذلك الرجل يسأله مسائل يريد بها أن يسيء الأمر في حلقته ، ويشغب عليه وجموع الناس حوله، فلما أكثر عليه قال يوسف بن أيوب لابن السقاء: اجلس فإني والله لأشم من كلامك رائحة الكفر، وأظنك ستموت على غير ملة الإسلام.
فمضت أيام قدم فيها وفد من ملك الروم إلى الخليفة، فلما خرج الوفد عائدًا إلى القسطنطينية، تبعه ابن السقاء ، وذهب معه واستقر به الأمر في تلك المدينة، فما لبث فيها أيامًا حتى بدّل دينه   والعياذ بالله ـ وأعجبه ما عليه النصارى من دين، وخرج من ملة الإسلام، فبقي فيها وكان يحفظ القرآن، ثم قدر لرجل من أهل بغداد أن يذهب إلى تلك البلدة لتجارة له فوجده مريضًا على دكةٍ وفي يده مروحة يذب بها الذباب عن نفسه، فقال له: يا ابن السقاء،  إني كنت أعهد أنك تحفظ القرآن فهل بقي من القرآن في صدرك شيء؟ قال: لا، ولا آية، إلا آية واحدة: } رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ{ {الحجر: 2} .