كانت السنة الماضية من السنوات القليلة التي وحدت المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، على اختلاف طوائفهم إثر نشر الرسوم الملعونة في الصحف الدنمركية والأوربية استهزاء بالرسول الكريم ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ فأظهرت مدى حب الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ في قلوب المسلمين ، وكان لوقفة المسلمين المدافعة عن نبيهم أكبر الأثر في ردع حملة كان يخطط لها أن تتواصل وتتدرج بالإساءة ، في هذه الحادثة دليل على صدق القرآن الكريم كما قال سبحانه: ﴿ إنا كفيناك المستهزئين ﴾.ومن المفيد أن نذكر أن الاستهزاء يأخذ شكلين أساسين ، الأول صريح كما فعلت الرسوم الدنمركية، والثاني غير الصريح ويكون بالتعريض بالحركات أو الكلمات ، وقد تكفل الله سبحانه بكفاية الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ من النوعين ، ومن طريف ما قرأت عن النوع الثاني هذه القصة الحقيقية التي يرويها الشيخ أحمد شاكر .
يُعد الشيخ أحمد شاكر المتوفى عام 1958 - رحمه الله - من أبرز علماء هذا العصر الثقات ؛ ممن وفقهم الله تعالى للجمع بين العلم الشرعي ونشره لاسيما علم الحديث ، مع المشاركة النافعة النابهة في قضايا المسلمين الحادثة . ومثل هذا الجمع لا نكاد نجده إلا في القليل من العلماء ، وهو ما تحتاجه أمة الإسلام في كل زمان ؛ لكي لا ينحرف مسيرها بين عالم أو طالب علم منزوٍ عن هموم الأمة ، أو متصدر جهول بشرع الله ، وكان والده الشيخ محمد شاكر من علماء الأزهر ويحكي عن والده قصة فيها عبرة .
ذكر الشيخ أحمد شاكر أن والده الشيخ محمد شاكر ـ وكيل الأزهر سابقاً ـ كفّر أحد خطباء مصر ، وكان فصيحاً متكلماً مقتدراً ، وأراد هذا الخطيب أن يمدح أحد أمراء مصر عندما أكرم طه حسين ، فقال في خطبته : جاءه الأعمى فما عبس بوجهه وما تولى ! .
وهو يريد بذلك التعريض برسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ , حيث أن القرآن ذكر قصته مع الأعمى فقال تعالى : ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى(1)أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى(2) ﴾
فبعد الخطبة أعلن الشيخ محمد شاكر للناس أن صلاتهم باطلة, وأمرهم أن يعيدوا صلاتـهم لأن الخطيب كفر بهذه الكلمة التي تعتبر شتم لرسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ تعريضاً لا تصريحاً .
هذا ولم يكن الشيخ محمد شاكر رحمه الله ممن يطلقون الأحكام جزافاً ولم يكن يفعل ذلك لمطلب دنيوي أو لمرضاة ذي سلطان ، إذ لم تكن حالة الأزهر في زمانه مثل ما هي عليه في زماننا هذا .
ولكن الله لم يدع لهذا المجرم جرمه في الدنيا قبل أن يجزيه جزاءه في الآخرة .
قال الشيخ أحمد شاكر : ( ولكن الله لم يدعْ لهذا المجرم جرمه في الدنيا ، قبل أن يجزيه جزاءه في الأخرى ، فأقسمُ بالله لقد رأيته بعيني رأسي - بعد بضع سنين ، وبعد أن كان عالياً منتفخاً ، مستعزّاً بمَن لاذ بهم من العظماء والكبراء - رأيته مهيناً ذليلاً ، خادماً على باب مسجد من مساجد القاهرة ، يتلقى نعال المصلين يحفظها في ذلة وصغار ، حتى لقد خجلت أن يراني ، وأنا أعرفه وهو يعرفني ، لا شفقة عليه ، فما كان موضعاً للشفقة ، ولا شماتة فيه ؛ فالرجل النبيل يسمو على الشماتة ، ولكن لما رأيت من عبرة وعظة ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق