الأربعاء، 1 أغسطس 2012

القدوة الحسنة

يقول الإمام علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ: " الفرق بين الشك والحقيقة أربع أصابع هي المسافة بين السمع والمشاهدة " ويقصد بذلك المسافة بين الأذن والعين في رأس الإنسان . فالإنسان السوي يصدق ما يرى لا ما يسمع ، والإنسان السوي  من طبعه أن يتأثر بما يشاهد لا بما يقال له  .
وأخطر المسلمين على الإسلام أولئك الذين يدعون الناس إلى الله تعالى بأقوالهم، ويدعون إلى الشيطان الرجيم بأفعالهم ، لأن السلوك هو دليل الفكرة ، والإيمان يستدعي العمل الصالح ، وليس للذي يخالف ما يدعو إليه عند الله إلا المقت وهو أشد ألوان البغض . وأغلب المسلمين دخلوا في الإسلام من باب القدوة الحسنة، ألا ترى أن أكبر دولة إسلامية في العالم هي اندونيسيا تلك البلد التي يزيد سكانها عن مائتي مليون نسمة ، دخل أهلها في الإسلام على يد التجار المسلمين من هنود وعرب وغيرهم في القرن العاشر الهجري .
لذا على الداعية أن يحذر من مخالفة أفعاله لأقواله، فإن النفس مجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لا يعمل بعلمه، ولا يوافق فعله قوله، ولهذا قال الله تعالى على لسان شعيب عليه السلام :

 ﴿ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلَى مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ   .[هود:88]

فالقدوة ذات أهمية وأثر كبير في الاعتقاد والسلوك والأخلاق، وقد يكون أثرها هذا إيجابياً أو سلبياً، لذلك فالقدوة الحسنة أساس رفيع في تزكية النفوس وتهذيبها، وذلك لأن تحلي الداعية بما يدعو إليه الناس من الاعتقاد والسلوك والأخلاق يجعل هذه الدعوة صورة حية ماثلة للعيان، مما يمكّن في نفوس أتباعه القناعة التامة بما يقول، وأن ما يدعوا إليه أمر ممكن تحقيقه وتطبيقه، وهم يرون بأعينهم ذلك التطبيق، ويلمسون آثاره الطيبة على الداعي نفسه، فيتأثرون به أعظم التأثر، ويؤمنون به أصدق الإيمان، هذا بالإضافة إلى أنه عندما يجعل نفسه في مواقف الفداء والتضحية أول المضحين، وفي مواقف البذل أول الباذلين، فإن ذلك يجعل أتباعه يتبعون هذه المواقف في رضا واطمئنان تامين، فضلاً عن تعلقهم به يزداد، ويقينهم بصدقه، وحرصهم عليه.

منذ سنوات طويلة ، انتقل إمام أحد  المساجد إلى مدينة لندن في بريطانيا، و كان يركب الباص دائماً من منزله إلى المسجد .
بعد انتقاله بأسابيع، وخلال تنقله بالباص، كان أحياناً كثيرة يستقل نفس الباص بنفس السائق.
وذات مرة دفع أجرة الباص و جلس، فاكتشف أن السائق أعاد له 20 بنساً زيادة عن المفترض من الأجرة.
فكر الإمام وقال لنفسه أن عليه إرجاع المبلغ الزائد لأنه ليس من حقه. ثم فكر مرة أخرى وقال في نفسه: "إنسَ الأمر، فالمبلغ زهيد وضئيل، و لن يهتم به أحد، كما أن شركة الباصات تحصل على الكثير من المال من أجرة الباصات ، ولن ينقص عليهم شيئاً بسبب هذا المبلغ التافه ، إذن سأحتفظ بالمال وأعتبره هدية من الله وأسكت.
توقف الباص عند المحطة التي يريدها الإمام ، ولكنه قبل أن يخرج من الباب ، توقف لحظة ومد يده ، وأعطى السائق العشرين بنساً ، وقال له: تفضل، أعطيتني أكثر مما أستحق من المال!!!
فأخذها السائق وابتسم، وسأله: ألست الإمام الجديد في هذه المنطقة؟ إني أفكر منذ مدة في الذهاب إلى مسجدكم للتعرف على الإسلام، ولقد أ عطيتك المبلغ الزائد عمداً لأرى كيف سيكون تصرفك"!
وعندما نزل الإمام من الباص، شعر بضعف في ساقيه وكاد أن يقع أرضاً من رهبة الموقف!!! فتمسك بأقرب عامود ليستند عليه،و نظر إلى السماء و دعا باكيا:
يا الله ، كنت سأبيع الإسلام بعشرين بنساً!!!

ليست هناك تعليقات: