الأربعاء، 1 أغسطس 2012

درس في تدبر القرآن !!

 
في سلسلة الحرب النفسية التي اخترعها الجيش اليهودي في تدمير غزة ، وتدمير معنويات أهلها في العدوان الأخير ، صار يتصل هاتفيا بصاحب البيت وينذره أن البيت سيقصف قريبا، لو فرضنا أن لحظة الاتصال كانت على البث المباشر ، وحضرها أهل البيت، وضيف، وصحفي ، ومصور ، ومشاهد من الضفة ، فكيف يتصرف كل واحد تلقى هذا البلاغ ؟
سينفعل الأب ويحتج ويصرخ ، ثم سيخرج أهله وما خف حمله من البيت على وجه السرعة .
سيعتذر الضيف، ويعود إلى بيته خفيفا مسرعا، وقد يعرض على صديقه المأوى .
سينشغل الصحفي بتدوين ردات الفعل، ويحاول تسجيل حوار مع الأب والأولاد .
سيلتقط المصور صورة الهلع التي دبت في البيت ، ويخرج إلى مرتفع ليلتقط لحظة التدمير .
سيواصل المشاهد الجلوس أمام التلفاز ليتابع الحدث. 
 أترك لخيالك أخي القارئ بقية التفاصيل ، لأعود بك إلى كيفية التعامل مع القرآن الكريم ، وهو بلاغ للناس لينذروا به من خلال مثالين ، الأول مع الشاعر محمد إقبال والثاني مع أبي حنيفة النعمان .   
محمد إقبال (1877 ـ 1938) ـ رحمه الله ـ شاعروفيلسوف وسياسي مسلم هندي ، يوم كانت الباكستان جزءا من الهند ، ولد في البنجاب و هو صاحب الأبيات الرائعة :   
إذا الإيــمان ضاع فلا أمان
ومن رضي الحياة بغير دين
تـساندت الكواكب فاستقرت
وفـــي التـوحيد للـهمِّ اتحاد

و لا دنيا لــمن لم يحي دينا
فقد جعــــل الفناء لها قرينـا
ولولا الجـــــاذبيــة ما بقينا
ولن تــــبنـوا العلا متفرقينا
طاف العالم يدعو إلى الإسلام ، وحضر المؤتمر الإسلامي الذي عقد في القدس عام 1930 وممن أقواله في كلمة الافتتاح :
 " على كل مسلم عندما يولد ، ويسمع كلمة لا إله إلا الله ، أن يقطع على نفسه العهد على إنقاذ الأقصى".
كان أبوه رجلا صالحا علمه القرآن صغيرا ، ذات يوم رأى الأب ابنه يقرأ القرآن كما يقرأ الرجل الجريدة ، وحرص أبوه أن تكون قراءة ابنه للقرآن قراءة وعي وتدبر وفهم تؤدي إلى العمل به والاهتداء بهدية،  فقال له : "يا بني اقرأ القرآن كأنه نزل عليك"، ويقول إقبال تعقيبًا علي هذه الوصية العظيمة بقوله" : ومنذ ذلك اليوم بدأت أتفهم القرآن، وأقبل عليه، فكان من أنواره ما اقتبست ومن بحره ما نظمت " .
وعرف عن إقبال أنه كان طوال أيام عمره له جلسة مع القرآن قلما يتركها ، فكان  يقرأ القرآن بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس ،  ولا يختم المصحف ـ كما قالوا عنه ـ حتى يبله بالدموع .
يروى أن الإمام أحمد بن حنبل.. بلغه أن أحد تلامذته يقوم الليل كل ليلة ويختم القرآن الكريم كاملا حتى الفجر... ثم بعدها يصلى الفجر فأراد الإمام أن يعلمه كيفية تدبر القرآن فأتى إليه وقال: بلغني عنك أنك تفعل كذا وكذا ..
فقال: نعم يا إمام .  
قال له : إذن اذهب اليوم وقم الليل كما كنت تفعل ولكن اقرأ القرآن وكأنك تقرأه عليًّ .. أي كأنني أراقب قراءتك... ثم أبلغني غدا فأتى إليه التلميذ في اليوم التالي وسأله الإمام فأجاب: لم أقرأ سوى عشرة أجزاء فقال له الإمام: إذن اذهب اليوم واقرأ القرآن وكأنك تقرأه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب ثم جاء إلى الإمام في اليوم التالي وقال: يا إمام.. لم أكمل حتى جزء عم كاملا فقال له الإمام: إذن اذهب اليوم.. وكأنك تقرأ القرآن الكريم على الله عز وجل فدهش التلميذ... ثم ذهب في اليوم التالي... جاء التلميذ دامعا عليه آثار السهد الشديد فسأله الإمام: كيف فعلت يا ولدى ؟
فأجاب التلميذ باكيا: يا إمام... والله لم أكمل الفاتحة طوال الليل .

ليست هناك تعليقات: