الأربعاء، 1 أغسطس 2012

لا صدقة ولا جهاد

طبع الإنسان على حب الأجر العاجل والنتيجة الفورية ، وذلك مصداقا لقول الله تعالى ﴿ خُلِقَ الإنسانُ مِنْ عَجَلٍ، كما طبع الإنسان على حب المال ﴿ وَتحبُونَ المالَ حًبَّاً جَمَّاً وجاء الدين ليهذب هذه الطبائع ويوجهها إلى غاية سامية ، ألا ترى أن الطفل الصغير يحب المكافأة الفورية المباشرة ، وكلما تقدم به العمر والنضوج العقلي صار يبحث عن الأجر العظيم وإن تأخر ؟! ويبلغ الإنسان قمة نضوجه عندما يوقن أن الأجر الحقيقي يأتي متأخرا في اليوم الآخر ، عن يحيى بن معاذ ـ رحمه اللَّه تعالى ـ  أنه قال: الدنيا مزرعة رب العالمين، والناس فيها زرعه، والموت منجله ، وملك الموت حاصده، والقبر مداسه ، والقيامة بيدره ، والجنة والنار بيت أهوائه: فريق في الجنة وفريق في السعير" .
ولكن مزرعة الدنيا فيها أنواع شتى من الغراس ، ولا ريب أن ثمار الأشجار مختلفة القيمة ، فأي الأشجار أكثر إثمارا للحسنات المؤدية  إلى الجنة ؟
قال تعالى في سورة التوبة :
﴿ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ   [التوبة :111]
تتحدث هذه الآية عن ثلاث أشجار باسقات في السماء ضاربات جذورها في أعماق النفس البشرية ، ثمارها في الجنّة من أشرف الثمار :
الشجرة الأولى : البيعة لجماعة المسلمين .
الشجرة الثانية : النفقة في سبيل الله .
الشجرة الثالثة : الجهاد  في سبيل الله .  
وهذا ما يتضح أكثر من حديث ابن الخصاصية ، فقد روى الحاكم في المستدرك  من حديث بشير بن الخصاصية رضي الله عنه ، قال :
 ( أتيت رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  لأبايعه على الإسلام فأشترط عليَّ :
تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، وتصلي الخمس ، وتصوم رمضان ، وتؤدي الزكاة ، وتحج البيت، وتجاهد في سبيل الله.
قال : قلت: يا رسول الله, أما اثنتان فلا أطيقهما، أما الزكاة فما لي إلا عشر ذود - أي إبل -  هن رسلُ أهلي وحمولتهم، وأما الجهاد فيزعمون أنه من ولّى - أي هرب من المعركة- فقد باء بغضب من الله ، فأخاف إذا حضرني كرهت الموت وخشعت نفسي ، قال : فقبض رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  يده ثم حركها . ثم قال: لا صدقة ولا جهاد فبم تدخل الجنة ؟ قال بشير ، ثم قلت : يا رسول الله ، أبايعك .  فبايعني عليهن كلهن (. [قال الحاكم حديث صحيح ووافقه الذهبي] .
هذا الحديث العظيم يؤكد المعنى الحقيقي للانضمام إلى جماعة المسلمين المعبر عنها بالمبايعة والتي تقتضي التجرد التام من أوساخ الدنيا وحطامها . وبذل النفس والنفيس في مرضاة الخالق العظيم.
إن بشيراً- رضي الله عنه- كان بحاجة إلى وقفة تربوية ومراجعة نبوية تبّين له حقيقة المبايعة على الإسلام, وأن الإسلام لا يقبل من المسلم إلا أغلى ما يملك لينال شرف الانضمام إلى أهله, ويفوز بلقب الانتماء إلى شريعته .
فحين اشترط بشير ، أن يُبقي على نفسه وماله, باذلاً ما سواها بكل رحابة صدر؛ قبض رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  يده الشريفة ، واعتذر عن المبايعة ؛لأنً سلعة الله غالية الثمن, باهظة التكاليف !

ليست هناك تعليقات: