الأربعاء، 1 أغسطس 2012

معي في قبري ..!!

 
عندما طلب بنو إسرائيل من نبيهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون تحت لوائه، فبعث الله لهم طالوت، ولكن نفوسهم لم تطمئن له، فقد رأوا أن فيهم من هو أحق بالملك منه، ولم يؤت سعة من المال، فأراد الله أن يثبت قلوب المقاتلين وهم يواجهون الموت، فأراد الله أن يؤيد ملك طالوت بعلامة :
﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ ءالُ مُوسَى وَءالُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة: 248]
ذهب المفسرون لتعيين مكونات التابوت المادية ،  فقالوا السكينة طست من ذهب كان يغسل فيه صدور الأنبياء، وقالوا: السكينة مثل الريح الخجوح، صوتها مثل الهرة إذا صرخت في حال الحرب أيقن بنو إسرائيل بالنصر .
وقالوا  عن ﴿ وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون كان فيه رضاض الألوح وشيء من المن الذي كان نزل عليهم بالتيه ، وقيل : فيه عصا موسى وثيابه ودرعه . وكان بنو إسرائيل ينصرون على أعدائهم ما دام التابوت معهم ، ولما سلب منهم صاروا  يهزمون فأعاده الله لهم لكي يربط على قلوبهم .
إذا تدبرنا هذه القصة وسياق الآيات نجد أن هناك عناصر توافرت في هذا الآية: التابوت والسكينة والبقية من آثار الصالحين وتحمله الملائكة في مواجهة القتل أو الموت المتوقع من الحرب .
التابوت وهو آلة النقل إلى القبر تحمله الملائكة كما تحمل الروح إلى ربها، وهناك السكينة وهي أغلى مطلب لمن يواجه هذه الرحلة الصعبة التي تجف لها الحلوق وترتعد لها الفرائص، وهناك البقية من آثار الصالحين؛ السلاح الأمضى في نحر الخوف وتحقيق السكينة، وهناك الملائكة التي تحمل هذا التابوت .
وتروي لنا كتب التراث الكثير من المواقف التي عمد فيها بعض السابقين لتحقيق السكينة في مواجهة الموت من خلال البقية من آثار الصالحين ومنها:
تقول كتب السير أنه لما حضر معاوية الموت أوصى بأن يدفن في قميص رسول الله وإزاره وردائه وشيء من شعره .
وحينما حضرت عمر بن العزيز الوفاة، دعا بشعر من شعر النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  وأظفار من أظفاره وقال: إذا مت فخذوا الشعر والأظفار ثم اجعلوه في كفني .
المسلمون فيما بعد فعلوا شيئا مشابها ، فهذا الخليفة العثماني السلطان بايزيد خان الثاني ابن السلطان محمد الفاتح ، كان من عادته أن يجمع في قارورة ما علق بثيابه من غبار ، وهو راجع من أية غزوة من غزوات جهاده في سبيل الله. وفي إحدى المرات عندما كان السلطان يقوم بجمع هذا الغبار من على ملابسه لوضعه في القارورة ، قالت له زوجته (كولبهار): أرجو أن تسمح لي يا مولاي بسؤال. لم تفعل هذا مولاي ؟ وما فائدة هذا الغبار الذي تجمعه في هذه القارورة ؟
- إنني سأوصي يا (كولبهار) بعمل طابوقة ( طوبة )  من هذا الغبار ، وأن توضع تحت رأسي في قبري عند وفاتي ، ألا تعلمين يا (كولبهار) أن الله سيصون من النار يوم القيامة جسد من جاهد في سبيله ؟
ونفذت فعلاً وصيته ، إذ عمل من هذا الغبار المتجمع في تلك القارورة … غبار الجهاد في سبيل الله ، عمل منه طابوقة ، وضعت تحت رأس هذا السلطان الورع عندما توفي سنة 1512م ، وقبره موجود حتى الآن بجانب الجامع الذي بناه (جامع بايزيد) ، رحمه الله تعالى
 وهذا الإمام ابن الجوزي كان يجمع براية الأقلام التي يكتب بها، ويحتفظ بها في مكان خاص . ولمّا حضرته الوفاة أوصى أن يُسخن الماء الذي سيغسل به ببراية تلك الأقلام . ولمّا مات نفذوا وصيته، فكفَت براية أقلامه لتسخين مائه، وزاد منها شيء كثير بعد ذلك .
ولكن من أين لنا في لحظة الوفاة بوصية كتلك ؟؟

ليست هناك تعليقات: