الأربعاء، 1 أغسطس 2012

ما ذنب البخاري !!

يقول الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في حديث يرويه حذيفة:
( والذي نفسي بيده لتأمرُنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنَّه فلا يستجيب لكم).
ويوضح في حديث آخر يرويه نعيم بن حماد في الفتن عن الحسن مرسلا:
( لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليبعثن الله عليكم العجم فليضربن رقابكم، وليكونن أشداء لا يفرون).
وإليكم هذه القصة من القرن الماضي ..
لما وقعت الحرب بين مصر والحبشة في زمن الخديوي إسماعيل، وتوالت الهزائم على مصر في تلك الحرب، ضاق صدر الخديوي لذلك، فركب الخديوي يوما مع شريف باشا، وهو محرج الصدر، فأراد أن يفرج عن نفسه، فقال لشريف باشا: ماذا تصنع حينما تلمّ بك ملمّة تريد أن تدفعها ؟
فقال شريف باشا: يا أفندينا، إن الله عوّدني إذا حاق بي شيء من هذا أن الجأ إلى صحيح البخاري يقرؤه لي علماء أطهار الأنفاس فيفرِّج الله عني.
فكلم الخديوي شيخ الجامع الأزهر ـ وكان الشيخ ألعروسي ـ في ذلك، فجمع له جمعا من صلحاء العلماء، و أخذوا يقرؤون في البخاري أمام القبلة القديمة في الأزهر، فيما ظلت أخبار الهزائم تتوالى، فذهب الخديوي ومعه شريف باشا إلى العلماء،  وقال لهم غاضبا يتطاير الشرر من عينيه:
ـ إما أن هذا الذي تقرؤونه ليس صحيح البخاري، أو أنكم لستم العلماء الذين نعهدهم من رجال السلف الصالح، فان الله لم يدفع بكم ولا بتلاوتكم شيئا.
فوجم العلماء لذلك التهجم الغاضب، إلا أن شيخا من آخر الصف ابتدره قائلا:
 ـ هذا منك يا إسماعيل، فإنا روينا عن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  انه قال: ( لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليسلطنّ الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم )  فزاد وجوم المشايخ، وانصرف الخديوي وشريف باشا ، ولم ينبسا بكلمة.
وأخذ المشايخ يلومون الشيخ الذي قال ذلك للخديوي، ويؤنّبونه، فبينما هم كذلك إذا شريف باشا قد عاد، وسألهم قائلا:
ـ أين الشيخ الذي قال للخديوي ما قال ؟
فقال الشيخ: أنا..
 فأخذه وقام ذاهبا إلى القصر والعلماء يودعون الشيخ وداع من لا يرجو لقاء.
و دخل الشيخ مع شريف باشا إلى الخديوي، وهو جالس في البهو وأمامه كرسي، فطلب من الشيخ أن يجلس أمامه، ثم قال له:
ـ أعد يا أستاذ ما قلته في الأزهر.
 فأعاد الشيخ كلمته كما هي، وشرح الحديث النبوي الشريف للخديوي أتم شرح.
فقال له الخديوي : وماذا صنعنا حتى ينزل بنا هذا البلاء ؟
فقال له الشيخ : يا أفندينا أليس الزنا مباحا ؟! ألستم تحكمون بغير ما انزل الله ؟! أليس أليس !! وعدّد له كثيرا من المنكرات ، ثم قال له:
 فكيف تنتظرون النصر من السماء ؟
فقال الخديوي:  وماذا نفعل، وقد اضطررنا إلى ذلك ؟
فقال الشيخ للخديوي: إذا فما ذنب البخاري، وما حيلة العلماء ؟
ففكّر الخديوي مليّا، واطرق طويلا، ثم رفع رأسه ساهما وقال للشيخ :
ـ صدقت .. صدقت .

ليست هناك تعليقات: