الاثنين، 25 فبراير 2013

لا مِســــــــــــــــاس

لا مِســــــــــــــــاس

  قالوا الإنسان حيوان اجتماعي ، وقالوا الإنسان حيوان ناطق ، وقالوا الإنسان حيوان مفكِّر ، ولا ريب أن غرضهم القول أن الإنسان يحتاج لغيره من بني جنسه ، لا يحيا فردا مهما ابتدع من أساليب عزلة ، لذا فإن عزل هذا الإنسان في بسجن أو عزله بمقاطعته من بني جنسه من أشد العقوبات ، لذا بقي سلاح المقاطعة عبر التاريخ من الأسلحة الفعالّة في عقاب الإنسان  .
والله سبحانه وتعالى شرّع عقوبة المقاطعة ، فالرجل يهجر زوجه الناشز ، وفي قصة الثلاثة الذين خُلِّفوا صورة واضحة .  
خرج الرسول r إلى غزوة تبوك وقد أعلن النفير العام ، فخرج المسلمون وتخلف ثلاثة لا عذر لهم هم : كعب بن مالك ، ومرارة بن ربيع العمري ، وهلال بن أمية الواقفي ، والثلاثة ممن يُشهد لهم بالصلاح ، فأمر الرسول r بمقاطعتهم ، ونهى الناس عن كلامهم ، واستمرت المقاطعة خمسين ليلة ، ثم أنزل الله قبول توبتهم ، وهذه مقاطعة عامة مؤقتة .
أما لا مساس فهي المقاطعة التي لم يُذكر لها شبيها .
غادر موسى عليه السلام قومه وذهب لميقات ربه ، وقال لقومه أنه لن يغيب عنهم أكثر من ثلاثين ليلة ، وشاء الله أن يُتمَّها بعشر ، فلما طالت غيبته عن قومه بعد الثلاثين استبطأوه ، وظنّوا أن موسى أخلفهم وعده ، فعندئذ تحركت في السامري الوثنية القديمة ، فجمع حلي نساء بني إسرائيل وألقاها في النار ، وسبك منها عجلا له خوار ، وأمرهم بعبادته .
عاد موسى عليه السلام فوجد قومه يعبدون العجل من دون الله ، فغضب ، وأخذ بشعر أخيه هارون يجذبه من رأسه ولحيته ، أما السامري فكان عقابه ] فاذهب فإن لك في الحياة أنْ تقولَ لا مِساس [ طه : 93 .
" لا مساس " عقوبة الله تعالى للسّامري ، وإذا أردتَ أن تتعرف على الواقع الأليم لهذه العقوبة ، فخيل رجلا يقول لكل ما يصادفه وقبل أن يقترب منه : لا تمسني ولا أمسك ، فلا يصافح صديقا ولا يمسّ شيئا يعود له ، ولا يمسّ زوجة ولا طفلا ، لا يمس خضار البائع ، ولا منتجات الصانع ، ويمشى منبوذا بلا أصحاب ، مطرودا عن الأبواب ، مريضا أجرب بلا صديق ، بلا حبيب أو رفيق ، تلك عقوبة تشقُّ على الكلاب والبراغيث والذباب ، فما بالك بمَنْ كرَّمه على سائر المخلوقات ، وسخر له ما في الأرض والسماوات ؟!
في هذين الخبرين دعوة لمقاطعة العاصي ، تبدأ من الهجر لأيام وتنتهي بالهجر التام ، لأن لا سواء بين المعصية والتوبة ، ولأن الجسم السليم يرفض المرض ويحتج عليه بمقاطعة النوم والراحة ، ولكن إذا ما وصلنا لمرحلة نستمرئ فيها المعصية ونقبلها فذلك من علامات مرض القلب ، المكلف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفي حديث ابن مسعود  عن الرسول r أنه قال : " إنّ منْ كان قبلكم ، كانوا إذا عمل العامل منهم بالخطيئة ، نهاهُ الناهي تعذيرا ، فإذا كان الغد جالسه وواكله وشاربه كأنه لم يرهُ على خطيئته بالأمس ، فلما رأى الله ـ عزّ وجلّ ـ ضرب بقلوب بعضهم على بعض .."

ليست هناك تعليقات: