الأحد، 24 فبراير 2013

ضيق الدنيا وسعة الآخرة

ضيق الدنيا وسعة الآخرة

يقول ابن الجوزي رحمه الله : "خلقنا نتقلب في ستة أسفار إلى أن يستقر بالقوم المنزل :
السفر الأول : سفر السلالة من الطين .
السفر الثاني : سفر النطفة من الظهر إلى البطن .
السفر الثالث : سفر الجنين من البطن إلى الدنيا .
السفر الرابع : سفر الإنسان من الدنيا إلى القبر .
السفر الخامس : السفر من القبر إلى العرض .
السفر السادس : السفر من العرض إلى دار الإقامة ".
ومن يتتبع هذه الرحلة الإنسانية بعد يجد أنها تسير في خطين متوازيين :
الأول : هو السير من الضيِّق إلى الواسع في المكان .
الثاني : هو السير من القليل إلى الكثير في الزمان .
فبداية يكون بعض الإنسان خلية صغيرة في ظهر الأب أو ترائب الأم ] خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ ` يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ  [ ، وهو المكان الأضيق ثم يجتمعان في المكان الضيق و هو رحم الأم المهيأ لخلقه  ]أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ ` فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ` إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ ` فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ ٱلْقَادِرُونَ [، ثم يخرج من الرحم طفلا إلى الدنيا الواسعة ، ثم يخرج من الدنيا الواسعة إلى الآخرة الأوسع.
 ويرافق هذه الرحلة سلسة من الاصطفاءات ، فهناك الكثير من الخلايا التي يختار منها الله خلايا أقل عدد لتكون حيوانات منوية في الأب وبويضات عند الأم ، ويختار من هذه حيوانا واحدا وبويضة واحدة ليتشكل منها الجنين ويموت الباقي ، ثم يولد الإنسان ، فيختار من الملايين أعدادا محددة لتكون حية بالإيمان ، والباقي تكون ميتة بالكفر ، ثم ينتقل الناس إلى الدار الآخرة ، فيفوز المؤمنون بالحياة الخالدة في الجنة ، ويلقى الكافرون في جهنم .
ويرافق هذه المراحل أزمان تسير من القليل إلى الكثير .فالسفر الأول من الطين إلى السلالة كان في لحظة كن فيكون ، وتخلّق الخلية التناسلية في الرجل و المرأة في ساعات أو أيام معدودة ، وتبقى فترة أيام في خصية الرجل أو رحم الأم ، وإذا ما تم التلقيح يتكون الطفل ويبقى شهورا في بطن الأم ، حتى إذا خرج بقي سنوات في هذه الدنيا ، ويعيش ما شاء الله له أن يعيش ، ثم ينتقل إلى الدار الآخرة ، وهناك الآزال والآباد ، والسنة بألف سنة مما نعد في هذه الدنيا .
فرحلة الإنسان يصاحبها ثلاثة أبعاد : المكان من الضيق إلى الواسع ، والزمان من القليل إلى الكثير ، والاصطفاء سمة ترافق مراحل سفر الإنسان .
الآن تدبًّر المواقف التالية اعتمادا على ما تقدم :
قول الرسول r :
" الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر "  .
" لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء " .
وانظر إلى عمق فهم ربعي بن عامر ، وهو  يجيب قيصر الروم عن سبب خروج المجاهدين وجيوش الفتح إلى بلاد الدنيا :
" ابتعثنا الله تعالى لنخرج الناس من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة " .

ليست هناك تعليقات: