الأحد، 24 فبراير 2013

ورقـة أم جـــذع

ورقـة أم جـــذع
أم هبــــاء منثـــور !     

  في ليلة مباركة من ليالي هذا الشهر الكريم نزل الوحي الكريم على الرسول الكريم  r في غار حراء ، فأخذه وغطّه ، وعلَّمه :] اقْرَأْ باسْمِ َربِّكَ الَّذيْ خَلَق[ ، فعاد الرسول إلى مكة يرتعد خوفا من هول ما رأى ، فبث خوفه لخديجة رضي الله عنها ، فأخذته إلى ابن عمها ورقة بن نوفل أعلم أهل مكة ، ولما قصَّ الرسول  rعليه الخبر ، قال له ورقة:
"  هذا الناموس الذي نزَّله الله على موسى ، يا ليتني فيها جذعا ، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك " . سبحان الله ، اسمه ورقة ، ويتمنى أن يكون جذعاً في شجرة الإسلام المباركة !!  وتمرُّ أيام قلائل ويموت ورقة بن نوفل ، وتمرًّ السنون ويهاجر محمد r إلى المدينة المنورة ، ويبني مسجدا ، ويجعل منبره جذع نخلة يقف عليه ، وللجذع خبر يرويه الثقات يذكرنا بأمنية ورقة بن نوفل . فقال جابر بن عبد الله : "كان المسجد مسقوفا
على جذوع النخل، فكان عليه الصلاة والسلام إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلما صُنع له المنبر سمعنا لذلك الجذع صوتًا كصوت العِشار " . وفي رواية أنس : "حتى ارتجَّ المسجد لخواره " . وفي رواية سهل: " وكَثُر بكاء الناس لمِـا رأوه به". وفي رواية أخرى " وانشق حتى جاء النبي ـ
 rـ فوضع يده عليه فسكت، فقال عليه الصلاة والسلام : إن هذا بكى لما فقد من الذكر" .وزاد غيره : والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لم يزل هكذا إلى يوم القيامة ، تحزُّنـًا على رسول الله، فأمر به فدُفن تحت المنبر، وهذا الحديث أخرجه أهل الصحة ورواه من الصحابة الكثيرون .
جذع النخلة يبكي لفراق الحبيب المصطفى له ، لأنه ليس قطعة من خشب ، بل أُمنية عالِم مكة وحكيمها ، وحظي الجذع بما لم يحظ به ورقة ، فحق للورقة التمني وحقّ للجذع البكاء.
ويُقبر الجذع تحت المنبر الجديد الذي جُعِلت له ثلاث عتبات ، وذات يوم صعد الرسول
r المنبر ، وسمعه الصحابة يقول عند كلّ عتبة : آمين . وجاء خبر ذلك في حديث رواه ابن حبان في صحيحه ، وصححه الشيخ الألباني ، عن  أبي هريرة  :
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رقي المنبر ، فقال : آمِينَ ، آمين ، آمين ، فقيل له : يا رسول الله ، ما كُنْتَ تَصنع هذا ؟ ! فقال : قال لي جبريل : أرغم الله أنف عبد أو بَعُدَ دخل رمضان فلم يُغفر له ، فقلت : آمين . ثم قال : رَغِمَ أنفُ عبد أو بعد أدرك  والديه أو أحدَهما ولم يدخله الجنة ، فقلت : آمين . ثم قال : رغم أنف عبد أو بعد ، ذُكرت عنده فلم يصلِّ عليك . فقلت : آمين .
ثلاثُ عتبات مباركات ينتظرن ثلاثَ خطوات ، أمام بوابة هذا الشهر الفضيل تُفضي كلُّ عتبة منها إلى خير دار .
خطوة صبر يجتاز المسلم بها عتبة رمضان ليدخل باب الريان  .
وخطوة صدقٍ يعبر بها المسلم عتبة برِّ الوالدين ليدخل باب الرحمة .
وخطوة محبة يمشيها المسلم ليعبر بها عتبة الصلاة على الرسول الكريم  ليدخل باب المحبة.
وهذا رمضان قد حطّ رحاله في الديار ، جاء يحملنا إلى روضة ربِّ غفّار ،  فتزودوا منه قبل رحيله ، فقد جمع الشهر الكريم أدواء القلب الخمسة ، تلك الأدواء التي جمعها الشيخ زين الدين المليباري في قوله شعرا :
دواء القلب خمسة : قراءة القرآن بتدبر المعنى وللبطن الخلا
 وقيام ليل ، وتضرع بالسحر ، ومجالسة الصالحين الفُضلا
.

ليست هناك تعليقات: