الأحد، 24 فبراير 2013

في ظلال معركة بدر

في ظلال معركة بدر
درس في الـــــــولاء

الأفكار تتغير مع عقارب الثواني ، والعواطف تتغير  مع عقارب الدقائق ،والعادات تتغير مع عقارب الساعات .
 الأفكار تتغير بسرعة لأنهها مرتبطة بالمعرفة والجهل ، وأداة المعرفة العقل الذي يربط بين الأسباب والمسببات ، وسيطرة الإنسان عليه قوية ، أما العواطف فتتغير ببطء ، لأن أداتها القلب الذي يتشرب المواقف ببطء ، وهو الذي يفرض سيطرته على الإنسان ، أما العادات فأداتها موقف المجتمع ، ذلك الموقف الذي تقل فيه سيطرة الفرد إلى حدها الأدنى ، فتغيير النفوس أصعب من تغيير العقول وكلاهما مقدمة لتغيير المجتمع .  لذا كانت معركة بدر يوم الفرقان ، يوم التفريق بين فكرتين ومجتمعين ، وأهم ما فيها من الفصل ، أنها كانت  فاصلة بين  الولاء للقبيلة والولاء للعقيدة .
 نستطيع أن نلخص الولاء بثلاث كلمات مجتمعات متكاملات ، إذا غابت واحدة منهن غاب الولاء ، وهن : المحبة والطاعة والنُصرة . فإذا قلت : أنا أحب الرسول وأطيع الرسول وأنصر الرسول فولاؤك للرسول . وإذا قلت أنا أحب الرسول وأطيع ـ مختارا ـ أبا جهل فإن ولاءك لأبي جهل ، وإذا قلت أنا أحب الرسول وأطيع الرسول ولكن في الحرب أقاتل في جيش أبي جهل فإن ولاءك لأبي جهل .
الولاء في الجاهلية كان للقبيلة ، وكانت رابطة عصبية الدم والقربى الرابطة الأقوى في المجتمع ، رابطة ما زالت من أقوى الروابط في المجتمعات العربية وبعد ألف وخمسمائة سنة ، وقد تبقى ، ولكن إذا تصادمت هذه الرابطة مع الأخوة الإسلامية ، فما سيكون الموقف ؟
يوم بدر كان يوم الفرقان ، فرَّق به بين الحق والباطل ، وبين رايتين ، وبين مجتمعين ، وبين مرحلتين .
كانت رابطة الدم من أقوى الروابط في الجاهلية ، والعصبية القبلية من محركات المجتمع الرئيسة ، لذا كان الجاهلي لا يعرف ولاء إلا لأسرته وعائلته وقبيلته  ، وجاء الإسلام ليدعو الناس إلى رابطة جديدة هي رابطة الأخوة في العقيدة ، وكانت معركة بدر اختبارا حقيقيا لهذا التغيير ، فهل نجح المسلمون في هذا الاختبار ؟
وقع بين يدي المسلمين سبعون أسيرا ، وشاور الرسول الكريم الصحابة في أمرهم ، فكان رأي عمر بن الخطاب أن تضرب أعناقهم ، واقترح أن يَضْرِبَ الأسير أحد أقرابائه  : " ولكن أرى أن تمكنني  من فلان (قريب لعمر) فأضرب عنقه ، وتمكن عليّاً من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه ، حتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين " .
كان أبو عزيز من مشركي قريش وحامل لوائهم ، وكان أخوه مصعب بن عمير من مسلمي المدينة ، وحامل لواء المسلمين ، وحدث أن وقع أبو عزيز في الأسر ، ورآه أخوه مصعب فقال لمن أسره : شدّ يدك به فإن أمّه ذات مالٍ ومتاعٍ كثير ، فقال أبو عزيز : يا أخي،هذه وساطتك بأخيك ؟ قال مصعب : إنه أخي في الله ولا أخوة في كفر ، وقد دفعت أمه فداءه أربعة ألآف درهم ، وهو أعلى فداء في أسرى بدر .
وهذا الرسول يقاتل عمّه العباس ، وأبو بكر يقاتل أباه أبا قحافة ، وهذا أبو عبيدة عامر بن الجراح الذي سمّاه الرسول r أمين الأمة ، والذي قال عنه عمر بن الخطاب : لو كنت متمنيا ما تمنيت إلا بيتا مملوءا برجال أمثال أبي عبيدة عامر بن الجراح . يقاتل في معركة بدر في صف المسلمين ، ويقاتل أبوه في صف المشركين ، فيقتل أباه ، فتنزل آية من السماء تثني على الموقف الجديد : ] لا َتِجدُ قَوْمَاً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ يُوَادُونَ مَنْ حادَّ اللهَ ورسولَهُ وَلَو كَانُوا آبَاَءَهُم .. [

ليست هناك تعليقات: