الاثنين، 25 فبراير 2013

عنــدما تفكـــر المعـــدة

عنــدما تفكـــر المعـــدة
يضحك الكنيف

قالوا  : قل لي ،  ماذا تقرأ ؟ لأقول لك : من أنت .
وقالوا  :  قل لي ، من تصاحب ؟  لأقول لك : من أنت .
وقالوا : قل لي ، ماذا ترى في الأحلام ؟ أقل لك من أنت .  
وليتهم قالوا : قل لي ، ماذا تأكل وكيف تأكل ؟ لأقل لك :  من أنت .
جلست يوما عند صديق في متجره قبيل الظهر بساعة ، فضَّيفني قهوة في إناء غريب الشكل، وجعل يشرح لي أن هذه القهوة فريدة من نوعها ، وأنه أحضر إبريق تحضيرها من أمريكا ، وأسهب يشرح كيفية إعدادها بالتقطير ، ثم رفع سماعة الهاتف إذ اتصلت به زوجته تسأله ماذا يريد أن يأكل اليوم ، فبدأ يعدّد أصناف الأكل ، ويقول هذا على بالي ، وهذا ليس على بالي ، وجل اهتمامه منصرف لما يقول ، وطال الحديث وأنا جالس أستمع ، وأنتظر علّ الله يهدي صاحبي لأكلة يأكلها ، وبعد طول تردد ومحاورة ، قرّ قراره واستقر رأيه على أن يأكل منسفا ، وبدأ يشرح لها كيف يريد المنسف ، لحم خاروف صغير ، ويحمر اللحم ، ويبهر بكذا وكذا ، والرز من نوع كذا ، وبدأ يسرد أدق التفاصيل المملة ، ,ومرت نصف ساعة والرجل يشرح ويفصل ، وخرجت لآذان الظهر والرجل يشرح ويفصل .
مشيت وفي نيتي البحث عن علاقة الطعام بشخصية الإنسان ، فوجدت الآتي :  
الرسول r  سأل أهله الإدام يوما : فقالوا ما عندنا إلا خل ، فجعل يأكل ويقول : نعم الإدام الخل ، نعم الإدام الخل . ودعاه رجل ميسور الحال فقدم له الخل ، فصار يقول : بئس الإدام الخل ، بئس الإدام الخل . وذكر أن الرسول r ما عاب طعاما قط كان إذا اشتهاه أكله ، وإن كرهه تركه .  
عن يونس بن عبيد قال : كان عيسى عليه السلام يقول :" لا تصيبُ حقيقةَ الإيمان حتى لا تُبالي من أكلِ الدنيا " .
عتبة بن أبان بن صمعة المعروف بـ "عتبة الغلام " من التابعين ، وسمي بالغلام لأنه في العبادة كان غلام رهان ، كان من الزهاد المجاهدين أستشهد في موقع المصيصة في حرب مع الروم في ، كان عتبة يأخذ الدقيق فيبله بالماء ويعجنه ، ويضعه في الشمس حتى يجف ، فإذا كان الليل أخذه وأكل منه لُقمًا ، فقالت له مولاته : يا عتبة ، لو أعطيتني دقيقك فخبزته لك ، وبردت لك الماء . فقال لها : يا أم فلان ، لقد سددت عني كلب الجوع . وكان عتبة يأكل خبزا وملحا ويقول : العرس في الدار الآخرة .
 كان الخليفة الأموي معاوية إذا أراد أن يولي واليا دعاه إلى وليمة  ، ووضع بين يديه دجاجة ،  وجعل ينظر إليه كيف يأكل ، فإذا رآه عفيف النفس قنوعا ولاه ، وإذا رآه شرها لقّامـًا لم يوله ، فقد كان يعرف الرجال من صغائر الأعمال .
وعن ذي النون المصري : بداية السخاء أن تسخو نفسك بما في يديك ، ونهايته أن تسمو نفسك عمّا في أيدي الناس ، وأن لا تبالي من أكل الدنيا .
ومن الشعر :
ولقد سألت الدار عن أخبارهم
حتى مررت على الكنيف فقال لي


فتبسمت عجبا ولم تُبدِّ
أموالهم ونوالهم عندي

ليست هناك تعليقات: