ريــــاضة النفــــــوس
أذكر يوما أني صحبت أخا يدرّب الكاراتيه في سفر طويل شاق،وعدنا إلى بيته في ساعة متأخرة ، وكنّا في غاية الإرهاق ، أما أنا فألقيت نفسي على الأريكة كالقتيل ، أما هو فتخفف من ثيابه ، وبدأ يقفز ويضرب في الهواء ، حتى تصبب جسده بالعرق ، قلت له : سبحان الله ، بعد كل هذا السفر والتعب عندك طاقة لكي تتدرب !! فقال : شعرت بأن جسمي يؤلمني فأرحته بالتدريب . فتذكرت ذات يوم التحقت به بدورة كاراتيه لأيام معدودات كانت أشقُّ عليَّ من حمل الجبال وأكل الحصى ، فما الذي جعل التعب عند أخي راحة ؟
هل يستطيع المسلم أن يصل إلى مرحلة لو تأخر عن قيام الليل لاضطربت نفسه ، وقلقت فلا دواء لها إلا في القيام بين يدي الله تعالى ؟
هل يستطيع المسلم أن يصل إلى درجة لو فاتته قراءة القرآن لأصيب بالغمِّ والهمِّ حتى يقوم إلى ورده يقرأه ؟
هل يستطيع المسلم أن يصل إلى حالة من حب الخير لدرجة أنه إن نسي أن يغيث ملهوفا ، أو يتصدق بصدقة ، قام من ليله وبحث عن باب خير يدخل فيه ؟
واختصارا هل يستطيع المسلم أن يصل إلى مرحلة يستلذ فيها بالطاعات ، وَتَتَكدر نفسه إذا قصَّر عنها أو أَغْفَلها ؟؟
نعم يستطيع ، فانظر لنفسك أخي مقيم الصلاة كيف تثور نفسك إذا جاء موعد الصلاة ، وكيف ترتاح نفسك إذا أديت الفريضة ، ولو نظرت في السبب لوجدت اليقين وطول المجاهدة ، ومن عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل .
قال محمد بن المنكدر من التابعين : كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت .
قال أبو يزيد البسطامي : ما زلت أشوّق نفسي إلى الله وهي تبكي ، حتى حملتني إليه وهي تضحك .
وجاء في كتاب ( الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ) :" ولا يزال العبد يعاني الطاعة ويألفها ويحبها ويؤثرها حتى يرسل الله سبحانه وتعالى عليه برحمته الملائكة تؤزه عليها أزّا وتحرّضه عليها ، وتزعجه عن فراشه ومجلسه إليها ، ولا يزال يألف المعاصي ويؤثرها ويحبها حتى يرسل الله إليه الشياطين فتؤزه إليها أزّاً ، فالأول قوّى جند الطاعة بالمدد ، فكانوا من أعوانه ، والآخر قوّى جند المعصية بالمدد فكانوا أعوانا عليه".
ولله در الشاعر يوم قال :
هـي الأخـلاق تنبـت كالنبـات إذا سُـقيت بمـاء المكرمـات
وجاء في الحديث الشريف عن حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودا ،فأيُّ قلب أُشربها نُكِت[ نُقطت] فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء ، حتى تصير القلوب على قلبين ، على أبيض مثل الصفا ، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض ، والآخر أسود مرباداً [ شديد السواد ] كالكوز مجخيّاً[ مكبوباً] لا يعرف معروفا ، ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه ) .
ومن الشعر :
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله
وقال آخر :
لا يؤيسنّك من مجد تباعده
|
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصخرا
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق