الأحد، 24 فبراير 2013

التوبة الكاذبة وسوء الخاتمة

التوبة الكاذبة وسوء الخاتمة

 بعض الناس دينهم مثل دين الحمّالين ، إذا رَفَعَ الحملَ على ظهره قال : يا الله ، يا رب ، وإذا مشى بالحمل قال : يا قوي ،  يا معين ، وإذا وضع الحمل عن ظهره فسق وكفر ولعن القدر .
مثل هذا سماه الله تعالى في كتابه العزيز : ( الختّـار الكَفور )   وتجد فيما تجد من الناس عجبا ، تراه يوما مواظبا على الصلوات ، يسارع لتلبية نداء الله ، فتسأل عن الخبر ، فيقال : ستجرى له بعد أيام عملية جراحية ،  ثم تراه بعد الشفاء  قد ترك الصلاة وخاض في الدنيا مع الخائضين ، و إذا ما مات له قريب صلى وصام ، وإذا طال العهد تكاسل وغفل ، وهكذا ، يؤمن ثم يكفر ، ثم يؤمن ثم يكفر .
قال منصور بن عمار رحمه الله  :
كان لي صديق مسرف على نفسه ، ثمّ تاب ، وكنت أراه كثير العبادة والتهجد ، ففقدته أياما ، فقيل لي : هو مريض ، فأتيت إلى داره  ، فخرجت لي ابنته ، فقالت : من تريد ؟ قلت : فلانا . فاستأذنت لي ثمّ دخلت فوجدته في وسط الدار ، وهو مضطجع على فراشه ، وقد اسودّ  وجهه وازرقت عيناه ، وغلُظت شفتاه ، فقلت له وأنا خائف منه : يا أخي ، أكثر من قول لا إله إلا الله ، ففتح عينيه ونظر إلي شزرا ، وغشي عليه ، فقلت له ثانيا : يا أخي أكثر من قول لا إله إلا الله ، ثمّ ثالثا ، ففتح عينيه وقال : يا أخي منصور ، هذه كلمة حيل بيني وبينها . فقلت : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . ثمّ قلت له : يا أخي ، وأين تلك الصلاة والتهجد والقيام ؟!فقال : كان ذلك لغير الله ، وكانت توبتي كاذبة ، إنما كنت أفعل ذلك ليقال عني وأذكر به ، وكنت أفعل ذلك رياء الناس ، فإذا خلوت إلى نفسي ، أغلقت الباب ، وأرخيت الستور وشربت الخمور ، وبارزت ربي بالمعاصي ، ودمت على ذلك مدّة فأصابني مرض ، وأشرفت على الهلاك ، فقلت لابنتي الصغيرة هذه : ناوليني المصحف ، وقلت : اللهم بحق هذا القرآن العظيم إلا ما شافيتني ، وأنا لا أعود إلى ذنب أبدا ، ففرّج الله عني .
فلمّا شفيت عدت إلى ما كنت عليه من اللهو والملذات ، وأنساني الشيطان العهد الذي كان بيني وبين ربي، فبقيت على ذلك مدّة من الزمان ، فمرضت مرضا أشرفت به على الموت ، فدعوت أهلي فأخرجوني إلى وسط الدار على عادتي ثم دعوت بالمصحف فقرأت فيه ، ثم رفعته ، وقلت : اللهم بحرمة ما في هذا المصحف الكريم من كلامك إلا فرجت عني ، فاستجاب الله منِّي وفرَّج عني ، ثمّ عُدت إلى ما كنت عليه من اللهو فوقعت في هذا المرض ، فأمرت أهلي فأخرجوني إلى وسط الدار كما تراني ، ثمّ دعوت بالمصحف لأقرأ فيه فلم يتبين لي حرف واحد ، فعلمت أن الله سبحانه وتعالى غضب عليّ ، فرفعت رأسي إلى السماء ، وقلت : اللهم بحرمة هذا المصحف ، إلا ما فرجت عني ، يا جبار السماوات والأرض .
قال منصور بن عمار : فو  الله ما خرجت من عنده إلا وعيني تسكب العبرات ، فما وصلت إلى الباب ، حتى قيل لي : إنه قد مات .
  يقول الله تعالى في كتابه الكريم : ]إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنْ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً [
ومن الشعر :
تتوب عن الذنوب إذا مرضتا
فكم كربة نجاك منها
أمـا تخشـى بأن ـأتي المنــايا



وترجع للذنوب إذا برئتا
وكم كشف البلاء إذا بُليتا
وأنت عـلى الخطايـا قد وَهيتا

ليست هناك تعليقات: