من عجائب التـائبين
مالك بن دينار البصري ، ممن تاب الله عليهم ، بدأ حياته شرطيا مسرفا على نفسه يظلم الناس ويشرب الخمر ، ولما تاب الله عليه انصرف للعلم والزهد ، يأكل من كسب يده ، ويكتب المصاحف بالأجرة ، توفي بالبصرة سنة 131هـ ، وله مواعظ ومواقف مشهودة ، ومن طريف قصصه ما ذُكر في كتاب " نزهة المجالس للصفوري الشافعي :270 " :
قال مالك بن دينار ـ رحمه الله ـ :
" خرجت إلى الحج فرأيت الناس على عرفات ، فقلت :
ليت شعري مَنْ المقبول منهم فأهنيه ، ومن المردود منهم فأعزيه ؟!
فرأيت في المنام قائلا يقول : قد غفر الله للقوم أجمعين إلا محمد بن هارون البلخي ، فقد ردَّ الله عليه حجّه . فلما أصبحت أتيت ركب خراسان ، فقلت : أفيكم البلخيون ؟
قالوا : نعم .
فأتيتهم فسألتهم عن محمد بن هارون البلخي .
فقالوا : سألت عن رجل زاهد عابد ، اطلبه في خراب مكة .
فأتيته فوجدته في خربة ويده في عنقه والقيد في رجليه ، وهو يصلي ، فلما رآني قال : ـ منْ أنت ؟
قلت : مالك بن دينار .
قال : لعلك رأيت في المنام ؟
قلت : نعم .
قال : في كلِّ عام يرى رجل صالح مثل ما رأيت .
فقلت : ما السبب ؟
قال : كنت أشرب الخمر ، فشربته في أول ليلة في رمضان ، فزجرتني أمي فأخذتها ووضعتها في التنور ، فلما أفقت من سُكري أخبرتني زوجتي بذلك ، فقطعت يدي بنفسي وقيدت رِجلي ، وفي كلِّ عامٍ أحجُّ ، وأقول : يا فارج الهمِّ ، ويا كاشف الغمَّ ، فرِّج همِّي ، واكشف غمِّي ، وارضَ عن أمّي .
وأعتقت ، بعد ذلك ، ستة وعشرين عبدا وستاً وعشرين جارية .
قال مالك : فقلت له : قد كِدْتَ تحرق الأرض ومن عليها بنارك . وتركته .
ورأيت في تلك الليلة في المنام النبي r ، وقال لي :
ـ يا مالك ، لا تُقْنِط الناس من رحمة الله تعالى ، قد اطلع الله تعالى على محمد بن هارون ، واستجاب دعوته ، وأقال عثرته ، فأخبره أنه يمكث في النار ثلاثة أيام من أيام الدنيا ، ثم يلقى الله الرحمة في قلب أمه فتستوهبه من الله تعالى فيهبه لها فيدخلان الجنّة جميعا .
قال مالك : فأخبرته بذلك ، ففاضت روحه في الحال ، وصليت على جنازته رحمه الله.
وجاء في اليواقيت الجوزية :
" التوبة الصادقة كيمياء السعادة ، إذا وضعت منها حبة صافية على جبال من أكدار الذنوب ، دكتها كهيبة التجلّي قبل المباشرة ، فصارت كحلاً مصلحاً لأحداق البصائر.
ربَّ ذنبٍ أدخل صاحبه الجنّة ، وإذا صدق التائب قُلبت الأمَّارة مطمئنة " .
] قُلْ يَا عِبَادِيْ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفِسِهمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الّلهِ إنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُبَ جّميِعَاً [
وفي الشعر :
قُبُـورنا تُبْـنى ومـا تُبْـنَا يا ليتنا تُبْـنَا قَبْلَ أنْ تُبْنى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق