قال أبو نعيم في الحلّية :
" ..كان مُطْرف بن عبد الله أحد الصالحين يزور المقابر ، فيبكي ، ويدعو لأهلها ، وفي ليلة من الليالي التي كانت باردة ممطرة ترك زيارتهم ، وما زارهم ، فرأى في المنام في تلك الليلة كأن رجلاً من أهل المقابر من المسـلمين يقول :
يا مطرف , ما زرتنا الليلة , والله الذي لا إله إلا هو يا مطرف ، إنّـا نستأنس بزيارتك , وإن الله ينوِّر قبورنا بزيارتك أسبوعاً كاملاً , يا مطرف تزوّد من " لا إله إلا الله " فقد حِيل بيننا وبين "لا إله إلا الله" ، والله لو تعلم يا مطرف نفع لا إله إلا الله لقضيت بها أنفاسك ..."
وتلا قول الله تعالى من سورة سبأ :
﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ( 54) ﴾ .
يا للموتى يشتهون ذكر الله ، يشتهون كلمة التوحيد ، وقد انقطع عملهم من الدنيا ، ونحن في الدنيا ، فهل نكون موتى ينسون ذكر الله تعالى ؟؟
اذكروا الله ..
ما أطيبَ ذكر الله !
ما أطيب الجلوس في بيت من بيوت الله أحبَّ بقاع الأرض إلى الله !
ما أطيب هذا المجلس لأنه مجلس يذكر فيه اسم الله نسبحه ونحمده ونستغفره !
ما أرقّ هذا المجلس في أفياء رمضان شهر الرحمة والتوبة والعتق من النيران !
ما ألذ الطاعة بعد يوم من الظمأ والجوع ومجاهدة النفس !
أحقا للطاعة لذّة ؟!
يقول ابن المنكدر - رحمه الله ـ :
" كل ملذوذ إنما له لذَّةٌ واحدة إلا العبادةَ فإنّ لها ثلاثَ لذاتٍ : إذا كًنْتَ فيها ، وإذا تذكّرتها ، وإذا أُعطيت أجرُهـا .
وكان الصالحون من قبلنا عند الموت والاحتضار يتأسفون على فراق الصيام ، يقول علقمة بن مرفد :
لما احتضر عامر بن عبد القيس بكى ، فقيل له :
أتجزع من الموت وتبكي ؟!
قال : ومالي لا أبكي ، ومَن أحقُّ الناس بذلك منّي ، والله ما أبكي جزعا من الموت ، ولا حرصا على دنياكم ، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر ، وقيام ليل الشتاء .
ولما حضرت عبد الرحمن بن الأسود النخعي الوفاة بكى ، وقال :
" يا أسفا على الصلاة والصيام "
ويقول الإمام بن تيمية:
" مساكين أهل الدنيا ،خرجوا منها ولم يذوقوا أحلى ما فيها،قيل وما أحلى ما فيها؟ قال:" حبُّ الله عز وجل "
ورحم الله الحسن البصري إذ قال:
" لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من لذة لجالدونا عليها بالسيوف" .
ولله درّ القائل :
تفنى اللذائذُ يا مَنْ نال شهوتَـه
تبقى عواقبُ سوءٍ لا انفكاك لها |
من المعاصي ويبقى الإثم والعارُ
لا خير في لذَّة من بعدها النـارُ |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق