لا تخرج من رمضان
خروج الثعلب من كرم العنب
هذا رمضان قد لاح هلال إدباره مودعًا ، كما لاح هلال إقباله قادماً ، وهل الدنيا إلا إقبال وإدبار ، ينتقل بينهما المرء من حال إلى حال ؟ ! هذا شهر الصبر يودعنا بهمّة ، وقد ترك معنا ودائع جمّة ، يرحل وقد زرع فينا أشجارا طيبة ، فهل سنقلعها إذا أقلع؟
ترك معنا وديعة صلاة الفجر في جماعة ، فهل سنحفظها إذا غاب ؟
وترك فينا وديعة قيام الليل فهل سنرعى شجرتها إذا ولّى ؟
ترك فينا شجرة الصدقة وحب المساكين ، فهل سنلقيها وراءه إذا أدبر؟
وزرع فينا عادة الجلوس مع كتاب الله ، فهل سنقفله بعد رمضان كما نفعل في كلّ عام ؟
يقولون رمضان مدرسة التقوى ، فهل سننجح في امتحان بقية الشهور ؟
أم سيكون حالنا كحال الثعلب الذي دخل كرم العنب ؟
يحكى أن ثعلبا هزيلا أنهكه الجوع مرّ على بستان عنب دنت قطوفه حلاوة ونضجا ، فثارت حُمى الجوع في أمعائه ، فجعل يبحث عن مدخلا يعبر منه إلى البستان ، طاف حول السور حتى وجد فتحة صغيرة لتصريف المياه ، تمطى بجسمه النحيل على عادة الثعالب ، ودخل من الفتحة بمشقة ، فالفتحة ضيقة لا تكاد تسعه ، ولما صار في البستان بين القطوف الدانية ، والظلال الوارفة ، أخذ يأكل من ثمارها ويشرب من مائها ، يأكل ويرتع ويتفيء الظلال ، وعند العصر جاء وقت العُسر ، فقد وصل صاحب البستان وعمّاله ، وعرفوا أن غريبا دخل البستان ، فصاروا يبحثون عنه بالعصي والكلاب ، وجعل الثعلب يهرب من مكان إلى مكان ، ولما أيقن أن لا خلاص ولات حين مناص ، طلب الفرار ، وإلا مزقته الكلاب شر ممزق ، فقصد الثعلب الفتحة التي دخل منها ، وحاول الخروج دون جدوى ، فقد امتلأ بطنه وانتفخ من كثرة ما أكل ، وحاول الخروج مرة بعد مرة ، وبعد حين عرف أنه لا سبيل للخروج وهو ممتلئ البطن ، فجعل طرف ذنبه في حلقه ، وتقيء ما في بطنه ، فخرج ملوما مدحورا .
" الأمور بخواتيمها " ، واللهو ساعة الحمل ، والشدة عند الولادة ، فاسأل نفسك هل أنت في مقام :
{وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً[
أم أنت في مقام :
{قُلْ هَلْ نُنَبئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ` ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ` أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً ` ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَٱتَّخَذُوۤاْ آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً [
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق