الاثنين، 4 مارس 2013

درس في الشموخ


من صناديد قريش الذين كان يُشار إليهم بالبنان رجل كان يدعى عمرو بن ود ، وكان يُعدُّ بألف فارس ، اسمه يرعب الأطفال في مكة ، وأبوه كان يدعى بيضة البلد ، شارك في معركة بدر فأثخنته الجراح ولم يشارك في معركة أحد ، ولما وقعت معركة الأحزاب حمل كفره في يده ، ورغبة الانتقام في صدره ، وراح يتبختر حول الخندق ، وتيمم مكان ضيقا من الخندق  وضرب فرسه فاقتحم الخندق ، وركز عمرو رمحه وأقبل يجول حوله ويصيح : هل من مبارز ؟
 فقال الرسول  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  : من لهذا الكلب ؟
 فلم يجبه أحد ، فقام عليٌّ وهو مقنّع بالحديد ، فقال : أنا له يا نبي الله .
 فقال : إنه عمرو بن ود ، اجلس .
 ولما لم يجد عمرو من يخرج له جعل يؤنبهم ويسبهم ويقول : ألا من رجل ؟ أين جنتكم التي تزعمون أن من قُتل منكم دخلها ؟
فقام علي ، فقال : أنا له يا رسول الله . فأمره النبي بالجلوس ، فنادى عمرو الثالثة .
فقام علي (رضي الله عنه) فقال: يا رسول الله أنا.
فقال: إنه عمرو!
فقال: وإن كان عمراً فأنا علي بن أبي طالب!!
فاستأذن عليُّ رسولَ الله  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ فأذن له، وألبسه درعه ذات الفضول، وأعطاه سيفه ذا الفقار، وعممه عمامة السحاب على رأسه تسعة أكوار (أدوار) ثم قال له: تقـدَّم.
فقال لما ولّى: (اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه).ثم قال: (برز الإيمان كله إلى الشرك كله).

فمشى عليٌّ إليه . وما زال رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  آنذاك رافعاً يديه مقحماً رأسه إلى السماء داعياً به قائلاً: (اللهم إنك أخذت مني عبيدة يوم بدر وحمزة يوم أحد، فاحفظ علي اليوم علياً، رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين).
فقال عمرو: من أنت؟
 قال : أنا علي .
 قال : ابن عبد مناف ؟
قال : أنا ابن أبي طالب .
كان عمرو  نديم أبي طالب في الجاهلية، فقال عمرو: أجل، لقد كان أبوك نديماً لي وصديقاً، فارجع فإني لا أحب قتلك!
 فقال علي (رضي الله عنه ): لكنيّ أحب أن أقتلك!
 فقال عمرو: يا ابن أخي إني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك، فارجع وراءك خير لك، ما آمن ابن عمك حين بعثك إلي أن أختطفك برمحي هذا فأتركك شايلاً بين السماء والأرض لا حي ولا ميت!!
فقال له علي (رضي الله عنه): قد علم ابن عمي أنك إن قتلتني دخلت الجنة وأنت في النار، وإن قتلتك فأنت في النار وأنا في الجنة.
فقال عمرو: كلتاهما لك يا علي؟ تلك إذاً قسمة ضيزى!!
فقال علي : إن قريشاً تتحدث عنك أنك قلت: لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلا أجيب، ولو إلى واحدة منها؟
قال: أجل.
قال: فإني أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
قال: دع هذه!!
قال: فإني أدعوك إلى أن ترجع بمن يتبعك من قريش إلى مكة، فإن يكُ محمد صادقاً فأنتم أعلى به عيناً، وإن يك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمره.
قال: إذن تتحدث نساء قريش عني : أن غلاماً خدعني ، وينشد الشعراء فيَّ أشعارها أني جبنت، ورجعت على عقبي من الحرب، وخذلت قوماً رأسوني عليهم.
قال: فإني أدعوك إلى البراز راجلاً، فحمي عمرو وقال: ما كنت أظن أحداً من العرب يرومها مني .
ثم نزل فضرب وجه فرسه ففر ـ ثم قصد نحو علي وضربه بالسيف على رأسه، فأصاب السيف الدرقة فقطعها، ووصل السيف إلى رأس علي .
فضربه علي على رجليه بالسيف فوقع على قفاه، وثار العجاج والغبار، وأقبل عليّ ليقطع رأسه فجلس على صدره، فتفلَ اللعين في وجه الإمام فغضب، وقام عن صدره يتمشى حتى سكن غضبه، ثم عاد إليه فقتله.
وجاء علي برأس عمرو إلى رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ فتهلل وجه رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ ) فقام أبو بكر وعمر بن الخطاب وقبلا رأسه.
فقال عمر: هلا سلبته درعه، فإنه ليس في العرب درع مثلها؟
 فقال علي : إني استحييت أن أكشف سوأة ابن عمي.
ولما قتل علي عمراً انهزم المشركون وانكسرت شوكتهم، وكفى الله المؤمنين القتال ،
وفي رواية الحاكم في المستدرك عن النبيـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  :
( لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة)
.وسبب ذلك أنه لم يبق بيت من بيوت المشركين إلا وقد دخله وهنٌ بقتل عمرو، ولم يبق في المسلمين بيت من بيوت المسلمين إلا ودخله عزٌّ بقتل عمرو .
  

ليست هناك تعليقات: