نقول في اللغة عَلٍِمَ فهو عالم ، وعلَّم فهو معلِّم ، وشتان ما بين الحالين .
لأنا نسأل عن عَلٍم ماذا ، ونسأل عن تعلّم كيف ، فنقول : علم المسلم أن الصلاة فرض ، وتعلّم المسلم كيف يصلي ، ونقول : علم الرجل أن العسل شفاء ، ونقول تعلّم الرجل كيف يداوي بالعسل ، وكأن عَلِم فعل معرفي ، وعلّم فعل سلوكي ، فلا يكون المعلّم معلما حتى يؤثر في سلوك من يُعلّم ، فالتعليم هو تغيير الأفكار وتغيير السلوك في آن واحد ، لذا كان من سياسة المعلمين أن يختبروا طلابهم سلوكيا ليقيسوا مدى الفائدة التي تحققت ، وهذا مثال :
روي عن شفيق البلخي ـ رحمه الله ـ أنه قال لحاتم الأصم :
ـ قد صحبتني مدّة ، فماذا تعلّمت منّي ؟
قال تعلمت منك ثماني مسائل :
أما الأولـى : فإني نظرت إلى الخلق ، فإذا كلّ شخص له محبوب ، فإذا وصل إلى القبر فارق محبوبه ، فجعلت حسناتي محبوبي لتكون معي في القبر .
وأما الثانيـة : فإني نظرت إلى قول الله تعالى : ﴿ ونهى النفس عن الهوى﴾فأجهدتها في دفع الهوى حتى استقرت على طاعة الله تعالى .
وأما الثالثـة : فإني رأيت كل من معه شيء له قيمة عنده يحفظه ، ثم نظرت في قول الله سبحانه وتعالى : ﴿ ما عندكم ينفذ وما عند الله باق ﴾ فكلما وقع معي شيء له قيمة ، وجهته إليه ليبقى لي عنده .
وأما الرابعـة : فإني رأيت الناس يرجعون إلى المال والحسب والشرف ، وليست بشيء فنظرت قول الله تعالى : ﴿ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ﴾ ، فعملت في التقوى لأكون عنده كريما .
وأما الخامسـة : فإني رأيت الناس يتحاسدون ، فنظرت في قوله تعالى : ﴿ نحن قسمنا بينهم معيشتهم ﴾ فتركت الحسد _ لأنه اعتراض على قسمة الله _.
وأما السادسـة : رأيتهم يتعادون ، فنظرت في قول الله تعالى : ﴿إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ﴾ فتركت عداوتهم واتخذت الشيطان وحده عدوا .
وأما السابعـة : رأيتهم يذلُّون أنفسهم في طلب الرزق ، فنظرت في قوله تعالى : ﴿ وما من دابَّـة في الأرض إلا على الله رزقها ﴾ فاشتغلت بما له علي ، وتركت مالي عنده ، ثقة بوعده .
وأما الثامنـة : رأيتهم متوكلين على تجاراتهم وصنائعهم وصحة أبدانهم ، فتوكلت على الله رب العالمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق