الثلاثاء، 5 مارس 2013

فبصرك اليوم الحديد ...

فبصرك اليوم الحديد ...

نعرف اليوم أن قدرة العين على الرؤية محدودة، وذلك لسببين:
الأول لأن العين لا ترى الأجسام حقيقة بل ترى الضوء المنعكس أو الصادر عن هذه الأجسام.
الثاني لأن الله سبحانه وتعالى بحكمته جعل العين قادرة على استقبال الضوء المرئي المحصور بين اللونين الأحمر والبنفسجي فقط .
ونعرف إذن أننا نرى جزء بسيطا من الوجود، وما لا نراه يسمى عالم الغيب، والإنسان محجوب عن الغيب ما دام في الحياة الدنيا ، حتى إذا مات كشف الغطاء، واطلع على الغيب، وقد ورد في سورة ق :
{ لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ }
لقد كنت في حياتك الدنيا أيها الإنسان غافل عن عالم الغيب، والغفلة شيء من الغطاء كاللبس وأكثر منه، لأن الشاك يلتبس الأمر عليه، والغافل يكون الأمر بالكلية محجوباً قلبه عنه وهو الغلف.
و قوله تعالى: {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ} إشارة إلى أن الموت نوما يستيقظ الإنسان منه ، ويزاح عنه غطاءه الثقيل ، لكي يرى بعين الحقيقة ما كان يسمع عنه من غيب، يرى البعث والنشور، ويرى الملائكة ، ويرى الصراط ، وما أخبر الله تعالى عنه في عالم الغيب ، {فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ} أي قوي؛ يقطع ستائر الغيب ويخترق الحواجز التي كانت تفصلك عن الآخرة، وقد كان في الدنيا ضعيفا محدودا قاصرا.
وقتها يعرف الإنسان أنت الحياة الحقيقية هي حياة الآخرة ، فيقول :
{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51)
 قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) يس
وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23)
 يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) الفجر
ومن هنا نستطيع أن نفهم قول علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ : الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا .
ولله در الشاعر أبي الحسن التهامي حين قال :

حُكمُ المنيِة في البريِّة جارِبينـا تـرى الإنسانَ فيها مُخبراً
طُبعت على كدر وأنت ترومها
ومكلِّفُ الأيام ضـدَّ طِبـاعها
والعيش نومٌ والمنيـة يقظةٌ

مــا هـذه الدنيا بدارِ قـرارِحتى يـُرى خيراً من الأخيـار
صفواً من الأقـذار والأكدار
متطلِّبٌ في الماء جذوةَ نارِوالمـرءُ بينهمـا خيالٍ ساري

ليست هناك تعليقات: