الاثنين، 4 مارس 2013

لا توحشـــوا الملائكـــــة ..!!


أن تسمع بالآية أو الحديث شيء ، وأن تعيش مع الحديث أو الآية شيئا آخر  ..
أن تطرق الموعظة طبلة الأذن شيء ، وأن تطرق سويداء القلب شيء آخر ..
أن تحمل القرآن في جيبك شيء ، وأن تصير قرآنا يمشي على الأرض شيء آخر ..

تمر بالواحد منا  مواقف لا ينساها ، لأنها تلامس في شغاف القلب المفارقات السابقة، عندما تثير في النفس هذا الحس المرهف بحقائق الدين ، حقائق  تسري في التفاصيل اليومية البسيطة  ، مواقف مع قلوب رجال  تعيش في ملكوت الله تعالى في  سكونها وحركتها ، تلك النفوس التي ارتبطت بالغيب ارتباطها بالواقع تحس به وترعاه ، وتتفاعل معه في كل خافقة وساكنة ، من تلك الأرواح أخ عرفته في سجن النقب يدعى (إبراهيم ) كان له موقف ما زلت أذكره ، وقبل ذكر الموقف لا بدّ من التذكير بحديثٍ للرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ . 
في الحديث الصحيح يذكر النبي  " ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  :
 إن لله تبارك وتعالى ملائكة يطوفون في الطريق يلتمسون أهل الذكر،  فإذا وجدوا قوما يذكرون الله ، تنادوا: هلمُّوا إلى حاجتكم .
 قال: فيحفوهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم عز وجل ـ وهو أعلم منهم : ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك. قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال :يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيداً وأكثر لك تسبيحاً. قال: يقول : فما يسألوني؟ قال: يقولون: يسألونك الجنة، قال: فيقول: هل رأوها؟ فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها، فيقول: فكيف لو رأوها، فيقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبة. قال: فمم يتعوذون؟ قال: فيقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها، قال: فكيف لو رأوها ؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً وأشد منها مخافة. قال: فيقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة. قال : هم الجلساء لا يشقى بهم جليسُهم . رواه البخاري .
كنّا في بداية الانتفاضة الأولى في سجن النقب في بداية تأسيسه ، وكان لنا جلسة مع القرآن بعد العصر في خيمة اتخذناها مسجدا ، ذات يوم وصل البريد ، ولحظة وصول البريد في السجن لحظة مهمة لا يعرفها إلا من جرّبها ، فالأخوة كلهم في شوق لمعرفة أخبار الأهل بعد طول انقطاع ، فتشاغل أهل القرآن عن القرآن ، وتحلقوا عند بوابة القسم يستمعون للمنادى ينادى أسماء من وصلتهم الرسائل ، وسمعت الشيخ أبو عمرو يقول : وبقيت مثل السيف فردا ، كان بين الأخوة ( إبراهيم ) ، جلس لحظة ثم قام غاضبا ، وانقضى الوقت ولم نجلس للقرآن ، فرأيته غاضبا متوترا على غير عادته ، وعرفت أن سبب غضبه ضياع جلسة القرآن ، فقلت له : يا أخي هون عليك ، فالأمر بسيط والأخوة معذورون ، وإن ضاعت جلسة فالوقت أمامنا طويل . فقال : أتظن الأمر بهذه البساطة ، حسبتك أذكى من ذلك . قلت له : كيف ؟ قال : لأنك لا تعير اهتمامك لخيبة أمل  ملائكة السماء . قلت : لا أفهم . قال :  لله ملائكة تطوف في الأرض ، فإذا ما صادفت حلقة ذكر أو قرآن حفتها بالرحمة واستأنست بها ، وقد اعتادت أن تمر على خيمتنا في مثل هذا الوقت ، فتسمع كلام الله ، واليوم أتت ولكنا أوحشنا ها وخيّبنا أملها ، لأنها لم تجد غايتها .    

ليست هناك تعليقات: