الاثنين، 4 مارس 2013

( سَـوْفَ )..من جنود الشيطان

  
قيل لأحد الصالحين : أوصنا ! فقال : احذروا "سوف " .
وكان الحسن البصري ـ رحمه الله ـ يقول : إياك والتسويف ، فإنك بيومك ولست بغدك ، فإن يكن غدٌ لك فاجتهد فيه ، كما اجتهدتَ في اليوم ، وإن لم يكن الغدُ لك لم تندم على ما فرّط في اليوم .
والمسلم في لحظته بين أمرين :
 إما طاعة يسارع فيها ، قبل أن تفوته ، وإما معصية يبادرها بالتوبة قبل أن يطبع على قلبه ، والشيطان يجنّد جنوده ليحجب المسلم عنهما ، كيف ؟
 بالتسويف والتأجيل والمماطلة ،  لأنه يعلم أن الله تعالى حث على الإسراع في الحالتين :
الأولى : ﴿سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض .
والثانية : ﴿إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب. والشيطان يزيِّن للنفس التسويف لأن في الأمرين مشقة على النفس فتركن إليه ، فيقف الشيطان بواب سوء أمام الخير ، يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ : كلما جاء طارق الخير صرفه بواب لعلّ وعسى .
هذا التسويف أحد جنود الشيطان في عدم قبول التوبة : ﴿ وليست التوبة للذين يعملون السيئات (النساء:18) فهو تنبيه منه سبحانه على نفي قبول نوع من التوبة، وهي التي تكون عند حضور الموت واليأس من الحياة ﴿ حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن (النساء:18) . فيموت المرء وهو يمني النفس بالتوبة،فيدخل النار، وقد ورد في الأثر : " إن أكثر صياح أهل النار من التسويف " .          
   وهذا التسويف باب من يدخله قد يصل وهو لا يدري إلى مستنقع النفاق  ، ولعل في قصة الثلاثة الذين خُلّفوا  درسا بليغا في عواقب التسويف ، على المسلم أن يفيد منه ، ونستمع لما يرويه أحدهم وهو كعب بن مالك حيث يصف حاله عند غزوة تبوك :
: " فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ، ولم أقض شيئا ، فأقول في نفسي : أنا قادر عليه . فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجدُّ ، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ، ولم أقض من جهازي شيئا ، فقلت : أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئا ، ثم غدوت ، ثم رجعت ولم أقض شيئا ، فلم يزل بي حتى أسرعوا ، وتفارط الغزو ، وهممت أن أرتحل فأدركهم ، وليتني فعلت ، فلم يقدر لي ذلك ، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أنِّي لا أرى إلا رجلا مغموسا عليه النفاق ، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء.
سمعت معلما يسأل تلاميذه :
ـ إذا كان الإنسان يركب السيارة ليصل إلى غايته برّا ، ويركب السفينة ليصل غايته بحرا ، ويركب الطائرة ليصل غايته جوا ، أتدرون ما يركب المنافق ليصل إلى جهنم جرّا  والعياذ بالله ؟
حار التلاميذ في الجواب ، فأسعفهم المعلم بالقول : إنه يركب " سوف " .
وأخذ يشرح لهم مخاطر التسويف .

ليست هناك تعليقات: