الاثنين، 4 مارس 2013

تجري تحتها أم من تحتها الأنهار ...!!

ورد وصف الجنة في آيات القرآن ( تجري مِنْ تحتها الأنهار ) إلا في آية واحدة جاءت ( تجري تحتها الأنهار ) وحين يقرأها قارئ القرآن بلا ( مِنْ)  يشكُّ الناس في صحة قراءته ، ولكنها القراءة الصحيحة ، وذلك في سورة التوبة :
﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( 100) ﴾ .
محمد بن كعب قال: مر عمر برجل وهو يقرأ هذه الآية: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ، قال: من أقرأك هذه الآية؟ قال: أقرأنيها أبي بن كعب. قال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه! فأتاه فقال: أنت أقرأت هذا هذه الآية؟ قال: نعم! قال: وسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: نعم!. قال: لقد كنت أرانا رفعنا رفعةً لا يبلغها أحد بعدنا!
فما هو الفرق بين من تحتها وتحتها بدون من ؟
(مِنْ ) هنا تفيد معنى الظرفية ، و(تحت )تدل على ظرف مكان ، وكل منهما يدل على بعد أو مسافة معينة ، وكأن الأنهار هنا بعيدة شيئا ما عن ساكن الجنة ، أما في قوله تجري تحتها ، فالبعد أقل والمسافة أقرب ، وكأن ساكن الجنة يلامس النهر أو يكاد ، فهو في مرتبة أعلى بفضل الله .
من هم أهل هذه المرتبة الكريمة في الجنة ؟
قال المفسرون هم الذين صلّوا إلى القبلتين ، وتوسع البعض ليجعلهم أهل بيعة الرضوان ، وخصصهم البعض بأهل بدر ، وما أدراك ما أهل بدر !!
 أولئك الذين كانوا من  السابقين  الأولين ، أولئك الذين هبت ملائكة السماء لنجدتهم والقتال معهم ، وكان مجرد وصف رجل بأنه من أهل بدر يكفي لأن يكون من الثلة الأولى ، ومن خير القرون ، صفة تكفي لأن تغفر لصاحبها ما أِثم به من خطايا ، حتى لو كانت كخطيئة حاطب ، أم تريد أن تكون مثل ذي الجوشن !!!
 قابل النبي ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  ذا الجوشن الكلابي بعد غزوة بدر، وكان شاباً كافراً، فقال له النبي ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  : يا ذا الجوشن! ألا تسلم فتكون من أول أهل هذا الأمر؟ (أي تكون من الأوائل، والنبي كان يحاول أن يرغب ذا الجوشن بالإسلام ، واختار كلمة "أول أهل هذا الأمر" لكي يشعل فيه الحماسة، لكن ذا الجوشن كان مثل نماذج كثيرة في هذه الأيام ) ، فقال لا ، قال النبي: فما يمنعك منه؟ قال: رأيت قومك كذبوك وأخرجوك وقاتلوك. ثم قال: أنظر إن ظهرت عليهم آمنت بك واتبعتك، وإن ظهروا عليك لم أتبعك، فقال رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  : "لعلك إن عشت ترى ذلك" . ودارت الأيام والسنون، وفتح رسول الله مكة، وأظهره الله على قريش، وبلغ الأمر ذا الجوشن وهو في ضَريَّة (من أرض نجد) فقال: هَبِلَتْني أمي (أي ثكلتني) ولو أُسْلِم يومئذ ثم أسأله الحيرة لأقطعنيها. فكان ذو الجوشن يتوجع على تركه الإسلام حين دعاه إليه رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  . (مسند الإمام أحمد ) .
 لقد فاته أن يكون من الأوائل.... وأراد أن يتبع ما يفعله الناس، لذا حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن نكون إمَّعة، إن أحسن الناس أحسنَّا، وإن أساؤوا أسأنا، وقال: بل وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا.
فماذا تختار لنفسك؟ أن تكون من الأوائل؟ أم أن تكون إمَّعة؟

ليست هناك تعليقات: