الاثنين، 4 مارس 2013

عصر داحس والغبراء وعصر العصباء


نقرأ الآية التالية من سورة الروم ، ونتدبَّـر ما فيها من عِظة :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55)
تقرر الآية الأولى قانونا ربانيا يتمثّل في الانتقال من مرحلة إلى أخرى ، بترتيب لا استثناء فيه ، فهو ينتقل من مرحلة  الضعف إلى القوة حتى يصل قمتها ، ثم يبدأ بالانحدار من قمة القوة  ، ويبدأ بالعد التنازلي حتى يصل إلى مرحلة الضعف وهكذا تدور الدائرة  ، ولكن الإنسان يحاول إنكار هذا القانون وتزيفيه ، فتراه يكره الضعف وينكره ، ويرفض الاعتراف بالهزيمة ويبررها ويسميها بغير أسمائها ، أنظروا كيف سمينا هزيمة حزيران الفظيعة بالنكسة والوكسة ، وكيف قلنا أننا لم نهزم مادام الرئيس حيا ولم ينجحوا في القضاء عليه، وقد سقطت بيت المقدس وتشرد الناس !!!
وضع الله تعالى في هذه الدنيا قوانين من عاندها وأنكرها  أوهى قرنه وهو يناطح الصخر ، ولا يغيِّـر من الأمر شيئا ، ومن هذه القوانين قانون القوة والضعف ، في الأشياء والناس والحركات والدول ، والقانون هو ضعف ثم قوة ثم ضعف ، فالقوي لا يظل قويا إلى الأبد ، والضعيف لن يبقى ضعيفا إلى الأبد ، وكذلك الفقراء والأغنياء ، والحكام والمحكومين ،  وإلى ذلك تشير الآية الكريمة ، وهكذا فهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلّم ـ  وفهم الصالحون الآية  ، فتراهم يرددون معناها بطرق شتى ، ويقبلون الضعف ويستعدون له كما يستعدون للموت .
 أما الجاهليون قديما وحديثا فهم وإن كانوا يعرفون هذا القانون فهم غير مستعدين للاعتراف به سلوكيا  ، ويرفضون قبوله واقعا في حياتهم ،  ويحاربون مظاهر الضعف التي قد تبدو في صورهم  ، فتراهم يصبغون الشعر ويشدون جلد الوجه ، ويزيفون نتائج الانتخابات ، وهاتان قصتان لسباقين ، الأول في العصر الجاهلي عصر العمى والظلام والثاني في عصر الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  عصر الهداية والنور .  
كان داحس فرسا لقيس بن زهير سيد بني عبس ، والغبراء فرسا لحمل بن بدر سيد بني فزارة من ذبيان  فتراهنا عليهما بمئة بعير . وكان يوم السباق في موضع يسمى (ذات الأصاد وأُرسل الفرسان فبرز داحس عن الغبراء حتى شارف على النهاية ، ولكن صاحب الغبراء وضع عبيدا له في كمين ، ليعيقوا داحس إذا سبق ، ودنا من الكمين فوثب العبيد عليه ، ولطموه على رأسه ، وردوه فسبقت الغبراء ، وبعث حذيفة بن بدر اخو حمل ابنه مالكاً إلى قيس بن زهير يطلب منه حق السباق ، فأبى قيس دفعها ، وقتل مالكاً فوقعت الحرب بين القبيلتين ، تلك الحرب التي أكلت رؤوس الكثير من الناس .
وحدث سباق آخر في عصر الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  ، ولكن بنزاهة وصدق ، فما الموقف ؟
عن أنس : كان للرسول صلى ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  ناقة تسمى الغصباء ، وكانت مشهورة بين العرب بسرعتها ، ولا تسبقها ناقة ، غير أن أعرابيا أشعث أغبر ، رثَّ الثياب ، جاء من البادية وهو يسوق قعودا كي ينافس ناقة الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  الغصباء ، وجرى السباق ، وفاز قعود الأعرابي على ناقة الرسول  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ ، فأراد الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ   أن يعلِّم المسلمين درسا عظيما في سنة الله في خلقه ، فقال  : " حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه " .

ليست هناك تعليقات: