الثلاثاء، 5 مارس 2013

مفتاح كنز المعرفة ....


" يجعل لكم فرقانا " أي : يجعل لكم ما تفرقون به بين الحق والباطل وبين الضار والنافع وهذا يدخل فيه العلم بحيث يفتح الله على الإنسان من العلوم ما لا يفتحها لغيره فإن التقوى يحصل بها زيادة الهدى وزيادة العلم وزيادة الحفظ ولهذا يذكر عن الشافعي ـ رحمه الله ـ أنه قال : % شكوت إلى وكيع سوء حفظي % % فأرشدني إلى ترك المعاصي % % وقال اعلم بأن العلم نور % % ونور الله لا يؤتاه عاصي % ولاشك أن الإنسان كلما ازداد علما ازداد معرفة وفرقانا بين الحق والباطل والضار والنافع وكذلك يدخل فيه ما يفتح الله على الإنسان من الفهم لأن التقوى سبب لقوة الفهم وقوة الفهم يحصل بها زيادة العلم فإنك ترى الرجلين يحفظان آية من كتاب الله يستطيع أحدهما أن يستخرج منها ثلاثة أحكام ويستطيع الآخر أن يستخرج أكثر من هذا بحسب ما آتاه الله من الفهم فالتقوى سبب لزيادة الفهم ويدخل في ذلك أيضا الفراسة أن الله يعطي المتقي فراسة يميز بها حتى بين الناس ف
ثم ختم سبحانه وتعالى نداءاته للمؤمنين بهذا النداء الذي يهديهم إلى سبيل الخير والفلاح فقال سبحانه “يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم”.وقد اختلف العلماء والمفسرون في معنى “فرقانا” فقال بعضهم (يجعل لكم مخرجا) وقال بعضهم: (نجاة) وقال بعضهم
(
فصلا وفرقا بين حقكم وباطل مَنْ يبغيكم السوء من أعدائكم وكل ذلك متقارب المعنى وإن اختلفت العبارة كما يقول ابن جرير الطبري في تفسيره.وقال الآلوسي معنى (فرقانا) هداية ونورا في قلوبكم تفرقون به بين الحق والباطل.ويقول الدكتور محمد سيد طنطاوي: كل هذه المعاني جائزة ويمكن الجمع بينها والمعنى “يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا اللهبأن تصونوا أنفسكم عن كل ما يغضبه، وتطيعوه في السر والعلن (يجعل لكم فرقانا) أي هداية في قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل
ونصرا تعلو به كلمتكم على كلمة أعدائكم ومخرجا من الشبهات التي تقلق النفوس ونجاة مما تخافون وفضلا عن كل ذلك فإنه سبحانه يكفر عنكم سيئاتكم أي يسترها عليكم في الدنيا، و”يغفر لكم” يوم القيامة ما فرط منكم من ذنوب بلطفه وإحسانه.
{ يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِِ }  [ الأنفال : 29 ]
يقول العلامة ابن سينا : كنت أقرأ في مسألة في كتاب ، فأعجزتني ، وتعسّر علي حلها، فطويت الكتاب ،وذهبت إلى المسجد لصلاة العصر ، فلما فرغت من الصلاة ، وجدت بباب المسجد وراقا يبيع الكتب ، فقدَّم إلي كتابا يبيعني إياه، ولم أكن في حاجة إلى شرائه، ولكن الرجل قال لي: يا سيدي،  إني في حاجة إلى ثمن هذا الكتاب لأشتري به طعاما ، فاشتريته لا بقصد قراءته ، إنما لسد حاجة بائعه ، ولما جلست في بيتي فتحت الكتاب فإذا هو نفس الكتاب الذي أعجزتني مسألته الرياضية، ولكنني لما قرأته ، فتح الله ما كان مستعصيا عليّ من قبل ، فعلمت أن أفعال الخير تفتح كنوز المعرفة . 
وقد كان كثير من أهل العلم إذا استعصت عليهم مسألة ، وعجزوا عن طلابها في الكتب، رجعوا إلى الله بالرجاء والدعاء والاستغفار فيفتح لهم فيها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" كنت إذا استعصت عليَّ المسألة لجأت إلى الله بالدعاء والاستغفار، فما هو إلا هنيهات حتى يفتح عليَّ بها " .
وكما أعمال الخير تفتح كنوز المعرفة المستعصية، فإن المعاصي تحجب نور الله عن قلوب العباد، قال أبو الأديان:
" كنت مع أستاذي أبي بكر الدقاق، فمّر حدثٌ فنظرت إليه، فرآني أستاذي وأنا أنظر إليه، فقال: يا بني لتجدّن غِِبها ولو بعد حين.
 يقول: فبقيت عشرين سنة وأنا أراعي الغِبّ، فنمت ليلة وأنا متفكر فيه، فأصبحت وقد نسيت القرآن كله" .
وممن جميل ما ينسب للإمام الشافعي ، قوله لشيخه وكيع بن الجراح :

شَكَوْتُ إِلى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظي
وَأَخْبَرَني أنَّ العِلْمَ نورٌ
 

فَأرْشَدَنِي إِلى تَرْكِ المَعاصي
ونورُ اللهِ لا يُهْدَى لعاصِ



ليست هناك تعليقات: