الثلاثاء، 5 مارس 2013

مُحَيّصَــة وَحُوَيّصَـــــــة


من القلوب الغافلة ، ما يستفيق بضربة لطيفة ..  
ومن القلوب الغافلة ، ما لا يستفيق إلا بصعقة عنيفة ..
وفي قصة حويصة ومحيصة مثلا لتلك القلوب التي تستفيق بالصعقة، صعقة حق في موقف مفاصلة، توقظ القلب الغافل، وتذيب عنه طبقة الران التي تحجب نور الإيمان عن شغافه  ..
محيصة بن مسعود من الأوس من الصحابة الكرام، شهد أحد والخندق ، وكان من رسل النبي إلى القبائل، كان شريكا في التجارة مع أخيه الأكبر حويصة الذي كان مشركا، وكانت تربط الشقيقين علاقة تجارية قوية مع تاجر يهودي من بني قريظة اسمه كعب بن يهوذا. 
ولما أظفر الله رسوله على يهود بني قريظة ، قال النبي _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _:
ـ من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه .
فوثب عند ذلك محيصة بن مسعود الأوسي على ابن يهوذا ،  وهو رجل من تجار يهود كان يعاملهم ويبايعهم، فقتله، وكان أخوه  حويصة بن مسعود أسن منه ، ولم يُسلم بعد، فلما قتله جعل حويصة يضربه ، ويقول لِأَخِيهِ مُحَيّصَة:
أَقَتَلْت كَعْبَ بْنَ يَهُوذَا ؟
 قَالَ :  نَعَمْ .
فَقَالَ حُوَيّصَة : أَمَا وَاَللّهِ لَرُبّ شَحْمٍ قَدْ نَبَتَ فِي بَطْنِك مِنْ مَالِهِ إنّك لَلَئِيمٌ يَا مُحَيّصَة .
 فَقَالَ لَهُ مُحَيّصَة : لَقَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ مَنْ لَوْ أَمَرَنِي بِقَتْلِك لَقَتَلْتُك .
 فَعَجِبَ مِنْ قَوْلِهِ ثُمّ ذَهَبَ عَنْهُ مُتَعَجّبًا . فَذَكَرُوا أَنّهُ جَعَلَ يَتَيَقّظُ مِنْ اللّيْلِ فَيَعْجَبُ مِنْ قَوْلِ أَخِيهِ مُحَيّصَة . حَتّى أَصْبَحَ وَهُوَ يَقُولُ :  وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَدِينٌ . ثُمّ أَتَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمَ .
فانظر إلى شدة محيصة في الجهر بالحق إذ لم يجادل ولم يهادن ولم يعايش – حسب ما يقتضيه تعبير هذا الوقت – ولم يتردد أمام أخيه الأكبر منه سنا وكيف كانت لطمة الحق هذه سببا يسره الله تعالى لزلزلة جليد الغفلة والضلال عن قلب حويصة،  وانظر كيف كان يكون الأمر لو أن محيصة تخاذل وجامل .

ليست هناك تعليقات: