الاثنين، 4 مارس 2013

هكذا يُعلِّم الصغارُ الكبارَ ..!


الكبير يُعلم الصغير بالوعظ المباشر ، أو بالأمر الصريح والنهي الواضح ، لأن لسنوات العمر تقديرا يسمح بذلك ، ولأن قَدْر الكبير يعطيه الأهلية للأمر والنهي ، ولكن عندما يريد الصغير أن يعلِّم الكبير فعليه أن يتلطف ويتواضع ، فلا يجيز له واقع الاحترام أن يأمر وينهى ..
 هكذا فعل إبراهيم عليه السلام عندما علّق الفأس في رقبة الصنم ليعلّم أباه بطلان ما يعبد ..
 وهكذا فعل الحسن والحسين مع الأعرابي الذي لا يحسن الوضوء فادعيا التخاصم فيمن يحسن الوضوء ..
 وهكذا فعل الصبي معاذ مع والده عمرو بن الجموح في قصة يرويها ابن إسحاق .
قال ابن إسحاق :
كان عمرو بن الجموح سيدا من سادات بني سلمة ، وشريفا من أشرافهم ، وكان قد اتخذ في داره صنما من خشب ، يقال له : مناة . فلمّا أسلم فتيان بني سلمة : معاذ بن جبل ، ومعاذ بن عمرو ، وغيرهم ممن أسلم وشهد العقبة ، كانوا يدلجون بالليل على صنم عمرو ذلك ، فيحملونه فيطرحونه في بعض حفر بني سلمة ، وفيها عذرات الناس ، منكَّسا على رأسه ، فإذا أصبح عمرو ، قال : ويلكم ، من عدا على إلهنا هذه الليلة ؟ ثم يغدو يلتمسه ، حتى إذا وجده غسله وطهره ، وطيبه ، ثم قال : والله لو أعلم من فعل بك ذلك لأخزينه ، فإذا أمسى ونام غدوا ففعلوا بصنمه مثل ذلك ، فيغدوا فيلتمسه ، فيجده مثل ما كان فيه من الأذى ، فيغسله ويطيبه ويطهره ، فيغدون عليه إذا أمسى فيفعلون به ذلك ، فلما طال عليه ذلك استخرجه من حيث ألقوه يوما ، فغسله وطهره ، ثم جاء بسيف فعلَّقه عليه ، ثم قال له : والله إني لا أعلم من يصنع بك ما ترى ، فإن كان فيك خيرا فامتنع ، فهذا السيف معك ، فلما أمسى ونام غدوا عليه ، فأخذوا السيف من عنقه ، ثم أخذوا كلبا ميتا فقرونه فيه بحبل ، ثم ألقوه في بئر من آبار بني سلمة فيها عُذر من عُذر الناس ، وعاد عمرو فلم يجد الصنم في مكانه الذي كان فيه فخرج يتبعه ، حتى وجده في تلك البئر منكسا ، مقرونا بكلب ميت ، فلما رآه أبصر شأنه ، وكلَّمه من أسلم من قومه ، فأسلم وحسن إسلامه ، فقال يوما وهو يذكر قصة إسلامه :
والله لـو كنتَ إلهـًا لم تكـنِ        أنت وكلبٌ وسـط البئر في قرنِ
الحمـد لله العـليِّ ذي المنـن        الواهـب الـرزاق ديَّـان الدّينِ
هـو الذي أنقـذني من قبل أن       أكـون في ظلمـة قـبرٍ مُـرتهنِ
ولما جاءت غزوة أحد ذهب عمرو بن الجموح إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتوسل إليه أن يأذن له ، وقال له : يا رسول الله إن بني يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك إلى الجهاد ، والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة . واستشهد في معركة أحد في السنة الثالثة للهجرة .
سأل الرسولـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ   جماعة من بني سلمة قبيلة عمرو : من سيدكم يا بني سلمة ؟
 قالوا : الجد بن قيس .
 قال : بل سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح .

ليست هناك تعليقات: