الاثنين، 4 مارس 2013

من القبعة إلى الحجاب ..!!

 في مساء الجمعة 5/8/2005م ، وقف أحد الشعراء في سرادق عزائها في القاهرة يرثيها بكلمات حرّكت قلوب المعزين  :  
بكيْتُ، وقلبي في الأسى يتقلبُ
وقال: أتبكي والقضاءُ محتمٌفقلتُ : تعـالى اللهُ ، فالحزنُ سـاعرٌ

فجاء رفيقي مُفزعًا، وهو يَعتبُ
وليس لنا من قبضةِ الموتِ مَهربً؟
قـويٌّ  ، عَتيٌّ ، والفقيــدةُ زينبُ
إنها الداعية الكبيرة والمجاهدة الصابرة زينب الغزالي ـ رحمها الله ـ ، التي لقيت ربها مساء الأربعاء 3/8/2005م ،  لقيت ربها قابضة على جمر دينها رغم المحن والفتن رحمها الله .
 كان والدها أحد علماء الأزهر ويناديها نُسيْبة ، تيمنا بنسيبة المازنية التي تزينت باثني عشر وساما ما بين طعنة وضربة سيف تلقتها يوم أحد حين ثبتت مع النبي ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ في ساعة تراجع من حوله الناس،  وكأن الوالد يؤهلها لما تخبئه لها الأيام فيصنع لها سيفا من خشب، ويخط لها دائرة على الأرض بالطباشير، ويقول لها قفي واضربي أعداء رسول الله.. فكانت تقف وسط الدائرة.. تضرب يمينا وشمالا.. من الأمام والخلف.. ثم يسألها كم قتلت من أعداء رسول الله وأعداء الإسلام؟.. فتجيب المجاهدة الصغيرة: واحدا.. فيقول لها اضربي ثانية.. فتسدد الصغيرة طعناتها في الهواء وهي تقول: اثنين.. ثلاثة.. أربعة..!!!
وخرجت ذات يوم من منزلها بحي شبرا وعمرها اثنا عشر عاما وراحت تتجوَّل في الشوارع، فوقعت عيناها على مدرسة خاصة بالبنات فطرقت بابها، وعندما سألها البوَّاب عن غرضها، قالت له: جئت لمقابلة مدير المدرسة فسألها: لماذا؟ فقالت وهي واثقة من نفسها: أنا السيدة زينب الغزالي الشهيرة بنسيبة بنت كعب المازنية.. ولدي موعد معه.. فأدخلها البواب وهو يتعجب من طريقة هذه الفتاة الصغيرة!!!.وقبلها في مدرسته وأظهرت تفوقا ونبوغا . 
بعد حصولها على الثانوية طالعَتْ في إحدى الصحف أن " الاتحاد النسائي" الذي ترأسه هدى شعراوي ( وهي أول امرأة خلعت الحجاب في مصر وأسست الاتحاد النسائي ) يُنَظِّم بعثة إلى فرنسا تتكون من ثلاث طالبات، فتوجهت من فورها إلى مقر الاتحاد والتقت هدى شعراوي التي تعاطفت معها وعلى الفور سجلتها في جمعيتها، وأظهرت ترحيبها بها وسعادتها بصيدها الثمين ، فزينب خطيبة مفوهة تلقت الخطابة والإلقاء عن والدها ـ رحمه الله ـ  وراحت تقدِّمها لروَّاد الجمعية وتطلب منها أن تخطب فيهن ، وكانت ترى فيها خليفتها للاتحاد النسائي ، وسرعان ما وجدت زينب اسمها على رأس البعثة التي تمنتها ، لكن الله أراد لها غير ذلك.
بعد شهر من إعلان البعثة تحدد موعد سفر أعضائها، كانت الأحلام السعيدة تداعب قلب زينب وعقلها المتدفق حيوية وأملا،  ومن بين تلك الأحلام كان الحلم الأكثر تميزا وتأثيرا ، يوم رأت والدها في منامها يطلب منها عدم السفر إلى فرنسا ويقول لها: إن الله سيعوضك في مصر خيرا مما ستجنينه من البعثة،  فقالت له: كيف؟ قال: سترين ، ولكن لا تسافري لأنني لست راضيا عن سفرك ، وكأن روح الوالد الحنون تتسلل من عالمها الغيبي لتحنو على القلب الصغير الغرير، تنير له الدرب، وتجنبه عثرات الطريق ، بعض الآباء يواصلون رعايتهم لأبنائهم حتى بعد وفاتهم ، ويرسلون نصائحهم وتوصياتهم من قبورهم البعيدة .
وسرعان ما عملت الرؤيا مفعولها ، فاعتذرت زينب عن  الذهاب للرحلة،  وحل الذهول بهدى شعراوي التي كانت زينب أملا من آمالها ، وتعدها لتكون إحدى العضوات البارزات في جمعيتها .
وتعرضت زينب بعد ذلك لحادث شكل نقطة التحول في حياتها ، فقد انفجر موقد الغاز بها وهي تعد الطعام بمنزلها، وطالت النار كل جسدها ، فلزمت فراشها  وتردد عليها الطبيب لعلاجها في منزلها دون أن يبشِّر ببادرة أمل في الشفاء ، وكانت صحتها تسوء يوما بعد يوم ، حتى إنها سمعت صوت أخيها يهمس للأهل في القرية بأن الطبيب أعلمهم أنها ستموت، وكان يحرص ألا تسمعه زينب التي أقبلت على العبادة والتضرع إلى الله والتأهب للقائه ، فكانت تتيمم وتصلي لله: يا رب إذا كان ما وقع لي عقابا لانضمامي لجماعة هدى شعراوي فإنني قررت الاستقامة لوجهك الكريم، وإن كان غضبك علي لأنني ارتديت القبعة فسأنزعها وسأرتدي حجابي.. وإني أعاهدك وأبايعك يا ربي إذا عاد جسمي كما كان عليه فسأقدم استقالتي من الاتحاد النسائي، وأؤسس جماعة لنشر الدعوة الإسلامية، وأدعو المسلمات إلى ما كانت عليه الصحابيات، وأعمل من أجل الدعوة وأجاهد في سبيلها ما استطعت..
وكان ما شاء الله فبرئت بإذن الله تعالى ، وأوفت بعهدها مع الله ، فأسست عام 1937 جمعية السيدات المسلمات ، ومارست من خلالها نشاطاتها ، وفي عام 1965 دخلت السجن لأنها رفضت مصافحة جمال عبد الناصر يوم قالت لرسوله : أنا لا أصافح يدا تلطخت بدم الشهيد عبد القادر عودة ، وخلال سجنها أجبروا زوجها على طلاقها ، وأُرسلت لها الورقة في السجن ، الذي لاقت فيه صنوف التعذيب والإذلال وظلت صابرة محتسبة ، وخرجت بعد ثماني سنوات ، وواصلت طريقها ، فساعدت بالمعونات الجهاد في أفغانستان والتقت الشيخ عبد الله عزام ، وأصدرت عدّة مؤلفات منها كتاب " نظرات في القرآن " وكتاب تشرح فيه أيام سجنها سمته " أيام من حياتي " . رحم الله الداعية المجاهدة زينب الغزالي وجعلها قدوة لبنات المسلمين .

ليست هناك تعليقات: