الاثنين، 4 مارس 2013

الرشــــوة والهـــــدية...!!

بعث الرسول  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ عبد الله بن رواحة إلى خيبر يخرص النخل ( يقدر التمر على النخل ) بينه وبين يهود خيبر ، فجمعوا له حليّـًا من حليِّ نسائهم ، فقالوا له : هذا لك ، وخفف عنّا وتجاوز في القسمة. فقال عبد الله : يا معشر يهود ، والله إنكم أبغض خلق الله إليّ ، وما ذلك بحاملي على أن أحيف عليكم ، فأما ما عرضتم من الرشوة فإنها السحت وإنا لن نأكلها ، فقالوا : بهذا قامت السموات والأرض !!
بين الحلال والحرام شعرة دقيقة ، لذلك جاء الدين ليبين هذه الشعرة ، فالقرآن مبين ، والرسول مبين ، ونحن بأمس الحاجة لهذا التبيين ، ولولاه لهمنا مع الهائمين في الكفر والضلال ، فالذي يفرق بين الزواج الحلال والزنا الحرام هو العقد ، أو الورقة أما العملية بحد ذاتها فهي متشابهة ، وما يفرق بين الربا والبيع هو وجود السلعة أما زيادة رأس المال فواحدة ، لذا حذرنا الله بقوله ﴿ وقالوا إنما البيع مثل الربا وأحلّ الله البيع وحرّم الربا ، هنا يجب الانتباه لنعرف الفرق بين الرشوة والهدية ، وإن كان كلاهما في المظهر واحد .
في قصة سيدنا سليمان مع ملكة سبأ عبرة يجدر التوقف عندها ، فبعد معرفة سليمان أن أهل سبأ يعبدون الشمس من دون الله ، أرسل إليها بكتاب جاء فيه ﴿ ألا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين رسالة واضحة أن اتركوا عبادة الشمس وأسلموا لله رب العالمين ، فكان رأي الملكة أن تستميل رأيه بهدية : ﴿ وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بما يرجع المرسلون * فلما جاء سليمان قال أتمدوننِ بمال فما آتاني الله خيرا مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون ونسب الهدية لهم لأنها لم تكن هدية بل كانت رشوة ليعود عن مهاجمة بلادها . الهدية مستحبة والمسلم مدعو لأدائها وقبولها ، والرشوة من الكبائر مطلوب من المسلم اجتنابها وتركها ،   فما الفرق بين الهدية والرشوة ؟؟
نجمع الفروق بينهما من حيث الطريقة والغاية :
·       فالهدية مقصدها استمالة القلوب وتعميق المحبة ، والرشوة غايتها تغير المواقف والآراء .
·        الهدية نتيجة علاقة أو لترسيخ علاقة ، الرشوة وراءها مصلحة ، وغالبا ما تكون مخالفة للحق .
·        الهدية تقدم بعد الطلب ، والرشوة تقدم قبل الطلب تلميحا أو تصريحا .
·        الهدية لها مناسبة تخص المُهدى إليه ، والرشوة لها مناسبة تخص المَهدي .
·       الرشوة يسبقها أو يليها شرط ، أما الهدية فلا شرط فيها .
وعلامة قبول الرشوة هي قبول الكذب ، لقوله تعالى : ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ . وسمي المال الحرام سحتا لأنه يسحت ( يستأصل ) الطاعات ، وقيل لأنه يسحت المروءة ، ومن لا دين له لا مروءة له ، وعن النبي  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ أَنَّهُ قَالَ : ( كُلّ لَحْم نَبَتَ بِالسُّحْتِ فَالنَّار أَوْلَى بِهِ ) قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه ; وَمَا السُّحْت ؟ قَالَ : ( الرِّشْوَة فِي الْحُكْم ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِذَا اِرْتَشَى الْحَاكِم اِنْعَزَلَ فِي الْوَقْت وَإِنْ لَمْ يُعْزَل , بَطَلَ كُلّ حُكْم حَكَمَ بِهِ بَعْد ذَلِكَ .
قال الركن محمود شيت خطاب : " إن الذي أعلمه علم اليقين ولا أشك فيه أبدا أن الملوّث جنسيا أو جيبيا لا يمكن أن يقاتل في الحرب كما يقاتل الرجال ، وأريد بالملوّث جنسيا الذي تردى في مهاوي الرذيلة ، وأقصد بالملوّث جيبيّـًا الذي دخل جيبه المال الحرام رشوة وغشا .. "
لذا شدد الإسلام في مسألة الرشوة لأنها تفسد النفوس وتضيع الحقوق وتهدم المجتمعات ، وحثّ على الهدية لأنها تربط القلوب وتبني المجتمعات . 
وقديما قالوا : إذا دخلت الرشوة من الشباك ، خرجت الأمانة من الباب .

ليست هناك تعليقات: