الثلاثاء، 26 فبراير 2013

لـــــــّذة الطاعــــــة

قال أبو نعيم في الحلّية :
"  ..كان مُطْرف بن عبد الله أحد الصالحين يزور المقابر ، فيبكي ، ويدعو لأهلها ، وفي ليلة من الليالي التي كانت  باردة ممطرة ترك زيارتهم ، وما زارهم ، فرأى في المنام في تلك الليلة كأن رجلاً من أهل المقابر من المسـلمين يقول :
يا مطرف , ما زرتنا الليلة , والله الذي لا إله إلا هو يا مطرف ، إنّـا نستأنس بزيارتك , وإن الله ينوِّر قبورنا بزيارتك أسبوعاً كاملاً , يا مطرف تزوّد من " لا إله إلا الله " فقد حِيل بيننا وبين "لا إله إلا الله" ، والله لو تعلم يا مطرف نفع لا إله إلا الله لقضيت بها أنفاسك ..."
 وتلا قول الله  تعالى من سورة سبأ :
﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ( 54)    .
يا للموتى يشتهون ذكر الله ، يشتهون كلمة التوحيد ، وقد انقطع عملهم من الدنيا ، ونحن في الدنيا ، فهل نكون موتى ينسون ذكر الله تعالى ؟؟
اذكروا الله ..
ما أطيبَ ذكر الله !
ما أطيب الجلوس في بيت من بيوت الله أحبَّ بقاع الأرض إلى الله !
ما أطيب هذا المجلس لأنه مجلس يذكر فيه اسم الله نسبحه ونحمده ونستغفره !
ما أرقّ هذا المجلس في أفياء رمضان شهر الرحمة والتوبة والعتق من النيران !
ما ألذ الطاعة بعد يوم من الظمأ والجوع ومجاهدة النفس !
أحقا للطاعة لذّة ؟!
يقول ابن المنكدر - رحمه الله ـ  :
" كل ملذوذ إنما له لذَّةٌ واحدة  إلا العبادةَ فإنّ لها ثلاثَ لذاتٍ : إذا كًنْتَ فيها ، وإذا تذكّرتها ، وإذا أُعطيت أجرُهـا  .
وكان الصالحون من قبلنا عند الموت والاحتضار يتأسفون على فراق الصيام ، يقول علقمة بن مرفد :
 لما احتضر عامر بن عبد القيس بكى ، فقيل له :
أتجزع من الموت وتبكي ؟!
قال : ومالي لا أبكي ، ومَن أحقُّ الناس بذلك منّي ، والله ما أبكي جزعا من الموت ، ولا حرصا على دنياكم ، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر ، وقيام ليل الشتاء .
ولما حضرت عبد الرحمن بن الأسود النخعي الوفاة بكى ،  وقال :
"  يا أسفا على الصلاة والصيام  "
ويقول الإمام بن تيمية:
" مساكين أهل الدنيا ،خرجوا منها ولم يذوقوا أحلى ما فيها،قيل وما أحلى ما فيها؟ قال:" حبُّ الله عز وجل  "

ورحم الله الحسن البصري إذ قال:
" لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من لذة لجالدونا عليها بالسيوف" .
ولله درّ القائل :
تفنى اللذائذُ يا مَنْ نال شهوتَـه
تبقى عواقبُ سوءٍ لا انفكاك لها



من المعاصي ويبقى الإثم والعارُ
ل
ا خير في لذَّة من بعدها النـارُ

باب الكريم لا يٌغلق ..


يقول الله عز وجل في محكم كتابه في أواخر سورة الفرقان :
﴿ وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ آثاما (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ( 69) إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70 ) ﴾ .

هو باب مفتوح في كل الأوقات  لا يغلق أبدا ، لا في الليل ولا في النهار ، مادام في الإنسان عروق تخفق ، وفي الأرض شمس تُشرق  ، هل تعرفونه ؟!
هو باب واسع  يسير الراكب في عرضه سبعون عاما ما بين مصراعيه ولا يبلغهما ، لو دخلته أمَّة الثقلين من الإنس والجن وفي نفس اللحظة لدخلوه دون أن يحدث أيُّ ازدحام أو أيُّ تأخير ، هل تعرفونه  ؟!
هو باب لدار  صاحبها كريم  ، يأتيه أبغض الخلق إليه في أيِّ ساعة ومن أيِّ مكان فيفرح صاحب الدار بقدومهم فرحة المسافر في البيداء يجد راحلته التي تحمل ماءه وقوته ، هل تعرفونه  ؟!
هو باب لدار  صاحبها عفوٌّ  يأتي بابه من كفره وعصاه وهجره وجفاه ، ثم جاء يطلب منه ملء الأرض من حاجات ، فيفرح بقدومه ويعطيه ما يُريد ويزيد ، هل تعرفونه ؟!
أسمع القلوب تقول: الباب هو التوبة ، والدار هي الجنة وصاحبها هو الله جل في علاه.
فاسمعوا هذا الحديث وأبشروا :
" جاء شيخ هرم قد سقط حاجباه على عينيه ، وهو يدّعم على عصا، حتى قام بين يديّ النبي فقال : أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلَّها ، فلم يترك منها شيئا ،وهو في ذلك لم يترك حاجّة ولا داجّة ( أي صغيرة ولا كبيرة ) إلا أتاها ، وفي رواية ، إلا اقتطعها بيمينه ، لو قسِّمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم (أي أهلكتهم) فهل لذلك من توبة ؟ قال : فهل أسلمت  قال : أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله . قال : تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهن الله لك خيرات كلَّهن . قال : وغدراتي وفجراتني !  قال : نعم . قال : الله أكبر . فما زال يكّبر حتى توارى.(رواه الطبراني )
ما أعظم كرم الله عزّ وجلَّ ، يقبل التوبة ، ويعفو ، ويبدل السيئات حسنات !
ألم تسمعوا قول الله تعالى في الحديث القدسي  :
{  يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة } (رواه الترمذي )
ما أوسع رحمة الله تعالى ،  وقُتِل الإنسان ما أكفره !!
هذا عن السيئات التي تبدَّل حسنات ، فماذا عن الحسنات التي عملها قبل الإسلام ، تلك مسألة جوابها في الحديث الشريف :
عن عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام أخبره أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أي رسول الله أرأيت أموراً كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتِاقة أو صلة رحم أفيها أجر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أسلمت على ما أسلفت من خير " ( رواه البخاري ).

الاثنين، 25 فبراير 2013

لا تخرج من رمضان

لا تخرج من رمضان
خروج الثعلب من كرم العنب
 
  هذا رمضان قد لاح هلال إدباره مودعًا ، كما لاح هلال إقباله قادماً ، وهل الدنيا إلا إقبال وإدبار ، ينتقل بينهما المرء من حال إلى حال ؟ ! هذا شهر الصبر يودعنا بهمّة ، وقد ترك معنا ودائع  جمّة ، يرحل وقد زرع فينا أشجارا طيبة ، فهل سنقلعها إذا أقلع؟ 
ترك معنا وديعة صلاة الفجر في جماعة ، فهل سنحفظها إذا غاب ؟
 وترك فينا وديعة قيام الليل فهل سنرعى شجرتها إذا ولّى ؟
ترك فينا شجرة الصدقة وحب المساكين ، فهل سنلقيها وراءه إذا أدبر؟
وزرع فينا عادة الجلوس مع كتاب الله ، فهل سنقفله بعد رمضان كما نفعل في كلّ عام ؟
 يقولون رمضان مدرسة التقوى ، فهل سننجح في امتحان بقية الشهور ؟
 أم سيكون حالنا كحال الثعلب الذي دخل كرم العنب ؟
   يحكى أن ثعلبا هزيلا أنهكه الجوع مرّ على بستان عنب دنت قطوفه حلاوة ونضجا ، فثارت حُمى الجوع في أمعائه ، فجعل يبحث عن مدخلا يعبر منه إلى البستان ، طاف حول السور حتى وجد فتحة صغيرة لتصريف المياه ، تمطى بجسمه النحيل على عادة الثعالب ، ودخل من الفتحة بمشقة ، فالفتحة ضيقة لا تكاد  تسعه ، ولما صار في البستان بين القطوف الدانية ، والظلال الوارفة ، أخذ يأكل من ثمارها ويشرب من مائها ، يأكل ويرتع ويتفيء الظلال ، وعند العصر جاء وقت العُسر ، فقد وصل صاحب البستان وعمّاله ، وعرفوا أن غريبا دخل  البستان ، فصاروا يبحثون عنه بالعصي والكلاب ، وجعل الثعلب يهرب من مكان إلى مكان ، ولما أيقن أن لا خلاص  ولات حين مناص ، طلب الفرار ، وإلا مزقته الكلاب شر ممزق ،  فقصد الثعلب الفتحة التي دخل منها ، وحاول الخروج دون جدوى ، فقد امتلأ بطنه وانتفخ من كثرة ما أكل ، وحاول الخروج مرة بعد مرة  ، وبعد حين عرف أنه لا سبيل للخروج وهو ممتلئ البطن  ، فجعل طرف ذنبه في حلقه ، وتقيء ما في بطنه ، فخرج ملوما مدحورا .
 " الأمور بخواتيمها " ،  واللهو ساعة الحمل ، والشدة عند الولادة ، فاسأل نفسك هل أنت في مقام :
{وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً[
أم أنت في مقام :
{قُلْ هَلْ نُنَبئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ` ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ` أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً ` ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَٱتَّخَذُوۤاْ آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً [

ابن العلقمي وسقوط بغداد

ابن العلقمي وسقوط بغداد

  لمـَّا وصلت جيوش أبرهة الأشرم القادمة لهدم الكعبة عبر رمال الصحراء العربية ، مرّت بثقيف ،  فطلب أبرهة الأشرم منهم دليلا يدُّله على الطريق ، فأرسلت ثقيف معه جاسوسا يدعى أبا رُغال ، ولما مات أبو رغال صارت العرب ترجم قبره ، وذات مرّة قال جرير في خصمه الفرزدق : " إذا مات الفرزدق فارجموه كرجمكم لقبر أبي رغال"،
وكل غاز كأبرهة يبحث عن فأر كأبي رغال .
سقطت بغداد  حاضرة الخلافة العباسية سنة 656هـ على يد هولاكو سقوط الذُّل والهوان ، سقوطا مدوِّياً لم يشهد مثله الزمان ، ولعب دور أبي رغال وزير الخليفة مؤيد الدين أبو طالب بن العلقمي .
 خرج ابن العلقمي بأهله وخدمه وحشمه لمقابلة التتار ، واجتمع مع هولاكو ، ولما عاد أشار على الخليفة أن يخرج لمصالحة التتار على نصف خراج العراق كما اتفق معهم ، وادعى أن هولاكو يريد مصاهرة الخليفة لتوثيق العقد .
خرج الخليفة في سبعمائة من الأمراء والقادة والفقهاء والعلماء في موكب عرس مهيب ، ولما وصلوا أدخل هولاكو عليه منهم سبع عشرة نفساً ، وأُنزل الباقون عن مراكبهم ونُهبت وقتلوا عن آخرهم .
عاد الخليفة وممن بقي معه إلى بغداد برفقة ابن العلقمي ، فأشار ابن العلقمي على الخليفة أن يجمع ما في القصر من الجواهر والنفائس ، ويقدمها لهولاكو عساه يقبل الصلح . فأخذها ولم يقبل ، ودخل هولاكو بغداد ، ومكث فيها أربعين يوما يدمر ويقتل ويحرق ، ولم ينجُ إلا من اختبأ في الآبار وأماكن الحشوش وقني الوسخ . أو في دور أهل الذمة من اليهود والنصارى ، أو في بيت الوزير ابن العلقمي .  
 أما الخليفة فقد قتلوه رفساً ، وهو في جوالق ( أكياس ) ، لئلا يقع على الأرض شيئا من دمه . وقُتل معه ولداه أحمد وعبد الرحيم ، وأُسرت أخواته ، مع ألف بكر من دار الخلافة .
واستباح التتار بغداد أربعين يوما ، فقتلوا الصغير والكبير ، حتى قيل أن من قتلوا فيها بلغ ألف ألف ، وقيل ألفي ألف . ولما انقضى الأمر المقدَّر ، وانقضت الأربعون يوما ، بقيت بغداد خاوية على عروشها ، والقتلى في الطرقات كأنها التلول ، وسقط عليهم المطر فتغيرت صورهم ، وأنتنت من جيفهم البلد ، فحصل الوباء ، وسرى مع الريح إلى بلاد الشام ، فمات خلق كثير ، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون ، إنا لله وإنا إليه راجعون ،  ولعنة الله على الخائنين .
ابن العلقمي كان من كبار وزراء في بلاط الخليفة ، وكان له عند الخليفة من التعظيم والوجاهة ما لم يكن لغيره من الوزراء ، ولكنه كان رافضيا خبيث الطوِّية على الإسلام وأهله .
ورحل هولاكو إلى مقر ملكه ، وفوض الأمر في بغداد إلى الأمير علي بهادر وإلى الوزير ابن العلقمي ، ثم ذاق ابن العلقمي الذَّل والهوان على يد التتار الذين والاهم ، شأنه شأن الخائنين ،  ورأته امرأة في بغداد يركب برذونا ( كديشا ) وهو مُرَسَّـم عليه ، وسائق يسوق به ويضرب فرسه ، فقالت له : يا بن العلقمي أهكذا كان بنو  العباس يعاملونك ؟ فوقعت كلماتها في أذنيه ، وكان موكبه يضاهي موكب السلطان زمن العباسيين ، وانقطع إلى داره إلى أن مات كمدا وضيقا ، وقلة وذلة . (نهاية الظالمين : 17).
وتلك نهاية الرغاليين والعلاقمة الذين جاؤوا على متن الطائرات والدبابات الأمريكية إلى العراق ، وبدؤوا يخرجون على ظهور براذين المذلّة ، وليعلموا ]أن َّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الخائِنِينَ [

ســــــــرّ البـــــركة

ســــــــرّ البـــــركة

نقول كثيرا  هذا مال فيه بركة ، أو هذا مال لا بركة فيه ، ونقول هذا طعام فيه بركة أو هذا طعام لا بركة فيه  ، وهذا وقت فيه بركة أو هذا وقت لا بركة فيه ، فما المقصود بالبركة ؟ وأين تكون ؟ ولماذا تختفي  ؟
  الرسول r رضيعا تأخذه حليمة السعدية ولها طفل ترضعه وما في صدرها لا يكفيه ، وما أن تضعه في حجرها حتى يبارك الله في لبنها فترضع محمد حتى يروى ، وترضع ولدها حتى يروى ، فيقول زوجها : تعلمي والله يا حليمة ، لقد أخذتِ نسمة مباركة.
و في طريقه إلى المدينة مهاجرا بصحبة أبي بكر ، مرّ على خباء أعرابية تدعى أم معبد الخزاعية تُطعِم وتَسقي مَنْ مرّ بها ، وليس في الجوار غير شاة عجفاء ، خلَّفها الجهد عن الغنم ، فمسح الرسول ضرعها ، فدرَّت اللبن الكثير ، ولما عاد زوجها أبو معبد وعجب من أمر الشاة ، قالت الزوجة : لقد مرّ بنا رجل مبارك .
وكذا البركة في شاة جابر بن عبد الله في غزوة الخندق ، فقد أكل الرسول r وصحبه من لحم شاة وصاعا من الشعير وشبعوا  .
فالبركة تجعل القليل كثيرا ، وغيابها يجعل الكثير قليلا .
في المثل الشعبي نقول : "اللي بينقص بيخلص " . وهذه قاعدة لا يختلف عليه اثنان ، والرسول r يقول : " ما نقص مالٌ من صدقة " . فكيف لا ينقص المال من الصدقة التي تؤخذ منه ؟
البركة في اللغة : النماء والزيادة والسعادة ، وقال ابن عباس البركة : الكثرة من كل خير ، وابن القيم يقول : النافع هو المبارك ، وأنفع الأشياء أبركها ، والبركة شيء من الخير يجعله الله في بعض مخلوقاته .
يقول الدكتور جاسم المطوع أنه كان في ندوة في باريس مع علماء أجانب وتحدث فيها عن البركة ، فقام علماء لغة بالبحث في معاجمهم عنها فلم يجدوها ، فكأن هذه كلمة إسلامية بمعناها ومرادها .
وأحسب البركة الزيادة في الشيء عند الأخذ منه و دون أن يعتريه نقص ، لقوله r  : " ما نقص مال من صدقة " .
وذكر الدكتور جاسم المطوع في تلك المحاضرة القصة التالية :
رجل من المسلمين رزقه الله رزقا واسعا ، فصار صاحب شركات وأموال كثيرة ، لم ينس هذا الرجل حق الله في ماله ، فكان كثير الصدقات والهبات ، يقدم للجمعيات الخيرية والمحتاجين ولا يبخل بما أفاض الله عليه من خير ، ونمت أمواله ، وكَبُر أولاده ، وأرسل أكبر أولاده ليدرس الاقتصاد في أرقى الجامعات البريطانية ، وتخرَّج الولد ، وفرح الأب أن ابنه صار كفؤا ليحل محله ، فلم يعد الأب قادرا على إدارة كل هذه الشركات ، ذات يوم جلس الأب مع ابنه ، وأوصاه أن يسير على نهجه في الصدقات ، فقال الابن :
ـ ولكن جميع حساباتك لا يظهر فيها ما يُصرف في هذا الباب ، والأصل أن تُسَجًّل لتحسم من النفقات ، لنحدد بدقة الأرباح والخسائر  .
فقال الأب : لا أفهم .
قال الولد : درسنا في الجامعة أن المال الذي يستهلك دون أن يوظف ويستثمر ينقص رأسمال الشركات ، وما تنفقه يقع في هذا الباب .
قال الأب : ألم تدرسوا عن البركة في المال ؟
قال الابن : علم الاقتصاد لا يعترف بمثل هذه المصطلحات .
قال الأب : حسنا ، هل تعرف كم تنجب الشاة في كل ولادة ؟
قال الابن : تنجب واحدا أو اثنين .
قال الأب : أما الكلبة فتنجب سبعة أو ثمانية جراء في البطن الواحد ، والناس بشكل عام يذبحون أبناء الماعز ، ولا يذبحون الكلاب ، فحسب علمكم يجب أن تكون الكلاب التي تتكاثر بوفرة ولا تُذبح  أكثر في الدنيا من الماعز الأقل تكاثرا والأكثر ذبحا  وواقع الحال يقول غير ذلك ، إنها  البركة ، يا ولدي ، التي لا تدرسونها في الغرب .

أســراجٌ مــع الشمــس؟!

أســراجٌ مــع الشمــس؟!

    أجمل ما يقرأ المرء ذلك ما صنفه العرب تحت باب الأجوبة المُسْكِتة ، فهناك الكلمة الواضحة ، والفكرة العميقة ، والحجة المفحمة ، وخير الأجوبة المسكتة ما جاء في القرآن الكريم ، انظر مثلا في المناقشة التي جرت بين إبراهيم عليه السلام والنمرود :
 ]أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ [   .   
وجاء في كتاب ربيع الأبرار : أن رجلا قال لجعفر بن محمد الصادق : ما الدليل على الله، ولا تذكر لي العلم والعرض والجوهر ؟ فقال له : هل ركبت البحر؟ قال : نعم ، قال :هل عصفت بكم الريح حتى خِفتم الغرق؟ قال : نعم ، قال : فهل انقطع رجاؤك من المركب والملاحين؟ قال : نعم ، قال :تتبعت نفسك أن ثَمَّ من ينجيك؟ قال : نعم ، قال : فإن ذاك هو الله ، قال الله تعالى  ]وإذا مَسَّكُمُ الضُّرُ في البَحْرِ ضلَّ مَنْ تَدْعُونَ إلا إياه [ ، ] وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون [ .
و رُوِيَ عن أبي حنيفة : أن بعض الزنادقة سألوه عن وجود الله تعالى فقال لهم : إني مُفَكِّر في أمر قد أُخْبرت عنه :  ذكروا لي أن سفينة في البحر فيها بضاعة وحمولة ،وليس بها أحد يقودها ،ولا يحرسها ومع ذلك تذهب وتجيء بنفسها في مقاومة الأمواج ، وترسو على الشواطئ ما بالكم أتصدقون ؟
 قالوا  : هذا شيء لا يقوله عاقل .
 فقال : ويحكم هذه الموجودات بما فيها من العالم ،وما اشتملت عليه ليس لها صانع ! فبهت القوم وأسلموا على يديه .
في نهاية القرن التاسع عشر حكم الخديو اسماعيل مصر ، ومن وظائفه التشريفية الإشراف على شؤون الأزهر ، وكان يزوره قادة اليهود والنصارى ، ويجري بينهم نقاش في الدين والدنيا ، أحس الملك بسطحية ثقافته الدينية ، فحار في الدين الحق ، فسأل أحد معاونيه :
ـ من أعلم أهل مصر بالإسلام ؟
فقال المعاون : الشيخ محمد عبده .
قال الملك : حسنا ، ومن أعلم أهل مصر بالمسيحية ؟
قال المعاون : سيادة بابا القبط  .
قسأل  : ومن أعلم أهل مصر باليهودية ؟
قال المعاون : الحاخام الأكبر .
قال: أطلب منك أن تدعو الشيخ والبابا والحاخام إلى القصر على وجه السرعة .
وتم ما أراد الملك ، حضر الثلاثة ، وأعد لهم الملك مجلسا ، وبعد السلام والمجاملة ، قال الملك : اسمعوا ، أريد من كل منكم أن يقدم لي حجة واحدة فقط ، يثبت فيها أن دينه الصحيح ، دون أن يدخل في الفلسفة ، حجة واحدة فقط لا يزيد عليها ، ثم قال :
ـ تفضل يا سيادة الحاخام .
قال الحاخام بتواضع مصطنع :
ـ شكرا لتقديمي ، ولكني أقدم الكلام لسيادة البابا .
قال الملك : حسنا ، تفضل يا سيادة البابا .
فقال البابا : شكرا لكم ، وأنا بدوري أقدم الشيخ فهو أكبرنا سنا .
قال الملك : لا بأس ، تفضل يا شيخ .
أدرك الشيخ ذكاء محاوريه ، فهم يُريدون منه أن يبدأ بقضية ، ويَرُدُّون بأحسن منها كما في المبارزات الشعرية بين الفرزدق وجرير والأخطل أمام الخليفة عبد الملك  ، ففكر الشيخ قليلا ، وقال :
ـ لا بأس ما دمتم قدمتموني فسوف أقول ، ولكن قبل قولي علينا أن نتفق جميعا على جواب سؤال : ما هي غاية الدين الكبرى ؟
قال الحاخام : الحياة الأبدية .
قال البابا : الدينونة .
قال الشيخ : أحسنتم ، غاية الدين متعلقة بالفوز بعد الموت .
فقال الملك : غاية الدين نيل رضا الله ودخول الجنة ، أتوافقون ؟
فقبلوا جمعيا ما لخصه الملك من إجابات ، فقال الشيخ :
ـ إذا دخل اليهود الجنة سيدخل معهم النصارى والمسلمون لأن أتباعهما يؤمنون بموسى عليه السلام ورسالته ، وإذا دخل النصارى الجنة فسيدخل معهم المسلمون لأنهم يؤمنون بعيسى ورسالته ، ولن يدخل معهم اليهود لأنهم لا يؤمنون بعيسى ورسالته ، أما إذا دخل المسلمون الجنة فلن يدخل معهم لا اليهود ولا النصارى لأنهم لا يؤمنون برسالة محمد r .
فأسقط في يد الحاخام والبابا ، نظر الملك إلى الجميع وقال :
ـ لقد قضي الأمر ، انصرفوا إلى أعمالكم .

بطاقة عضوية في حزب الشيطان

بطاقة عضوية في حزب الشيطان

بعض الأسئلة ملغومة ومفخخة ، تجيب عليها بداهة فتجد نفسك قد تورطَّت فيما لا يحمد عقباه ، وهي أسئلة استدراجية ليس الغاية منها الجواب بل ما بعد الجواب من مقاصد ، ومثل هذه الأسئلة  :
ـ أيهما أكثر وأقوى في هذا العالم الخير أم الشر ؟
سألت هذا السؤال لعدد كبير من الناس من مختلف الثقافات والمنابت ، من المسلمين وغير المسلمين ، فأجاب أغلب الناس  : الشر طبعا .
ولم يكن سؤالي إلا بعد قراءة تقرير صحفي عن زمرة ( عبدة الشيطان ) ، فعلمت أن هذا السؤال هو بطاقة العضوية في هذه الزمرة الضالة ، التقرير كان يتحدث عن شاب لبناني انضم إلى عبدة الشيطان ثم فرّ منها قبل أن يرتكب جريمة شنعاء .
بدأت قصة الشاب مع الزمرة بأن تعرف على شباب من جيله دعوه إلى حفلة رقص صاخبة ، ثم توالت الدعوات وتوالت الحفلات ، ودخل في دهاليز الانحراف من الخمر إلى الزنى إلى المخدرات ، وذات يوم عرض عليه أحدهم أن يعرفه على شخص سماه " الأستاذ " يأتي بالعجائب ويقوم بالغرائب ، وتعرف الشاب على الأستاذ في إحدى شقق العاصمة بيروت ، وصار يزوره لما رأى عنده من المدهشات ، فكان الأستاذ يخرج نفسه من النافذة ويعود ، ويرتفع في سماء الغرفة ، وتلك من الأعمال التي يتقنها السحرة ، دهش الشاب ، وخبل الأستاذ عقله ، وبعد لقاءات وتوطد العلاقة بين الشاب والأستاذ ، سأل الأستاذ الشاب : أيهما أقوى في عالمنا الخير أم الشر ؟؟
أجاب الشاب بثقة : الشر طبعا .
فقال الأستاذ : إذا كان الخير من الله والشر من الشيطان ، فالشيطان في عالمنا أقوى من الله ، ألا يقول المنطق ذلك ؟
قال الشاب : هذا غريب ولكنه المنطق .
واصل الأستاذ : والمنطق أيضا يقول أن على الإنسان أن يعبد الأقوى ، فلا طائل من عبادة الضعيف المغلوب على أمره .
واستمر الحوار حتى دخل الشاب في زمرة عبدة الشيطان ، وتعلم من أستاذه أن دين عابد الشيطان أن يحرم الحلال ويحلل الحرام ، ولا تكون عبدا للشيطان حتى تخالف كل ما جاءت به الأديان . وصار الشاب يعبد مع رفاقه الشيطان حتى تجاوز كل محظور .
وكان أن طلب منهم الأستاذ التحضير لاحتفال كبير ستكون فيه طقوس كبيرة لعبادة الشيطان ، وعرض عليهم فيلما صوَّره عبد الشيطان في إحدى الدول الغربية لتقليد طقوسه في يوم الاحتفال ، وكان الفيلم يظهر عبدة الشطان وقد تجمعوا في أحد المقابر المهجورة ، وهناك أشعلت النيران ، ودقت الموسيقى الصاخبة ، وقدمت الخمور والمخدرات ، وكان أن جاء أحد الشباب بأخته ، وأدخلها في الحفلة وهي تصرخ وتصيح من الخوف ، ثم قام الأخ باغتصاب أخته ، أمام الحفل ، وتوالى عليها الحضور ، ثم قتلوها وقطعوا جسدها وألقوه في النار بين صرخات الذهول والانتعاش ، بعد الفيلم شرح الأستاذ عن إخلاص جماعة الفيلم للشيطان ، وتفاخر بجرأتهم ، وحدث أن طلب من الشاب أن يكون هو من يحضر أخته لتكون القربان ، هنا ارتعش الشاب خوفا ، وقد كانت تربطه بأخته علاقة حميمة ، فوعد ، ولكنه هرب من الجماعة وكشف أمرها واعتقلت السلطات عناصرها ، ثم أهملت القضية لأن بعض أعضاء الجماعة كانوا من أبناء كبار القوم في لبنان . 
سألت مرة صديق ذات السؤال ، فأجاب الإجابة المعهودة ، فقلت له :
ـ حيث تعيش ، هل يخرج أغلب الناس في بلدكم صباحا للعمل أم للسرقة ؟
و هل أغلب الأولاد في بلدكم أولاد زواج أم أولاد زنى ؟!
 فقال : للعمل طبعا .
فقلت : كيف تقول إذن أن الشر أقوى ، وأكثر ، والكسب خير والسرقة شرّ ، والزواج خير و الزنى شرّ ؟!
فأجاب : إذن ، لماذا يجيب الناس بأن الشر أغلب وأقوى ؟
قلت : لأن الشر يطفو أمام الناس كما يطفوا السمك الميت على سطح البحر فيظن الجاهل أن السمك الميت أكثر من السمك الحي . 



النظر في وجوه المومسات

النظر في وجوه المومسات

   جاء في الأثر : أن مَنْ غضَّ البصر ، وترك النظر ، جعل الله في قلبه حلاوة لا يدركها إلا من عرفها .
 هكذا يكافئ الله سبحانه من غض البصر عن النساء العفيفات الطاهرات اللواتي يجعلن من حمرة الحياء في وجوههن زينة ، فما تكون عقوبة الناظر في وجوه الزانيات المتبرجات اللواتي ينصبن شباكهن لكل ناظر !؟ يدعونه بنظرات فاضحات إلى الزنا والعياذ بالله ، نساء في كامل زينتهن يتصدرن لوحات الإعلان ، ونساء كاسيات عاريات يملأن شاشات التلفاز ، والإعلانات تملأ الطرقات ، والتلفاز شباك مفتوح على فيح نار جهنم ليل نهار ، ولا مناص للمسلم من السير في الطرقات ، أو الجلوس في البيت ، وإذا كان النظر لسائر النساء زنا بالعين وإثم بالقلب ، فماذا يكون عقاب النظر والتحديق في وجوه المومسات ؟

  روى البخاري ومسلم ، واللفظ له ، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ  عن النبي r قال : لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة : عيسى بن مريم وصاحب جريج ، وكان جريج رجلاً عابداً ، فاتخذ صومعة فكان فيها ، فأتته أمه ، وهو يصلي .
فقالت  :  يا جريج .
فقال : يا رب أمي وصلاتي !
 فأقبل على صلاته ، فانصرفت . فلما كان من الغد أتته ، وهو يصلي .
 فقالت : يا جريج .
فقال :  يا رب أمي  وصلاتي !
 فأقبل على صلاته ، فانصرفت  .
فلما كان من الغد أتته ، وهو يصلي ،
 فقالت : يا جريج .
  فقال : أي رب أمي وصلاتي !
 فأقبل على صلاته .
فقالت : اللهم لا تُـمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات  .
قتذاكر بنو إسرائيل جريجاً وعبادته ، وكانت امرأة بغيٌّ يتمثل بحسنها ،  
فقالت : إن شئتم لأفتننه لكم .
فتعرضت له فلم يلتفت إليها ، فأتت راعياً كان يأوي إلى صومعته ،  فأمكنته من نفسها فوقع عليها ، فحملت ،  فلما ولدت ،
قالت  : هو من جريج .
 فأتوه فاستننزلوه , وهدموا صومعته ، وجعلوا يضربونه .
فقال : ما شأنكم ؟
قالوا : زنيت بهذه البغي فولدت منك .
 فقال : أين الصبي ؟
فجاءوا به ، فقال : دعوني حتى أصلي . فصلى فلما انصرف أتي الصبي فطعن في بطنه وقال : يا غلام من أبوك ؟
 قال : فلان الراعي.  فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به .
 وقالوا : نبني لك صومعتك من ذهب .
 قال : لا أعيدوها من طين كما كانت ، ففعلوا .
تُرى لو طاوعنه نفسه ونظر إليها وحدثها ، كيف ستكون خاتمته !!