الثلاثاء، 14 مايو 2013

وزير للتقوى ... !!

كلمة التقوى وما تصرَّف منها وردت في القرآن الكريم حوالي مئتين وخمسين مرة ؛ وذلك لأن تحقيق التقوى مقصد رفيع من مقاصد الشريعة، كما أن الأمر بالتقوى جاء متنوعا وشاملا في القرآن الكريم، فقد خوطب به الناس جميعا ، قال تعالى :  { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ }
كما خوطب به المؤمنون ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ }
وخوطب به الرسول الكريم : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ }  [الأحزاب:1]

روي أنه عندما ولي عمر بن الخطاب الخلافة جلس على المنبر،  وبايعه الناس بيعة عامة، فقام رجل، وقال لعمر: " اتق الله يا عمر ! " فنبهه بعض الحاضرين بأنه لا يجوز أن يقول ذلك للخليفة، يومها قال عمر كلمته المشهورة: " لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها " .
وعلى ذات الطريق سار الخليفة العباسي هارون الرشيد .
فقد ذُكر أن يهوديا من أهل الذمّة كانت له مظلمة عند هارون الرشيد، فاختلف إلى بابه مدة، ولكن الحجَّاب منعوه  من الوصول إلى الخليفة، ذات يوم انتظر اليهودي خروج موكب الخليفة من القصر، فلما خرج هارون الرشيد وكان راكبا في موكبه، سعى اليهودي حتى وقف بين يديه، وقال : أتـق الله يا أمير المؤمنين!
 فنزل هارون الرشيد عن دابته وخرّ ساجداً، فلما رفع رأسه أمر بحاجة الذميّ فقضيت، فلما رجع قيل له: يا أمير المؤمنين، نزلت عن دابتك لقول يهودي !
قال : لا، ولكن تذكرت قول الله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَاد }  [ البقرة :206]  .

وقد روى عن رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ قوله : ( .. أن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل : أتق الله ، فيقول : عليك بنفسك ) . { خرجه الألباني في السلسلة الصحيحة ]  

عمر بن عبد العزيز جعل للأمر وزيرا ، فقيل أنه انه استدعى وزيرا يدعى مهاجرا، وقال له: كن بجانبي، فإذا رأيتَني ظلمت مسلمًا أو انتهكت عرضاً، أو شتمت مؤمناً، فخذ بتلابيب ثوبي وقل: اتق الله يا عمر. فكان وزيره مهاجر يهزه دائمًا، ويقول: اتق الله يا عمر.

وروي أن الإمام الزاهد أبا الحسن بن سنان ـ رضي الله عنه ـ دخل على حاكم مصر أحمد بن طولون ذات يوم ، وقال له : يا بن طولون اتق الله ! فعجب الجالسون في مجلس الحاكم واستشاط الحاكم غضبا، فأمر الأمير أن يسجن ابن سنان ، وأمر الحراس أن يجوِّعوا له أسدا ثلاثة أيام، حتى اشتدّ به الجوع وكاد أن يأكل ما أمامه من بشر أو حيوان، وأدخل الحارسُ الأسد على العالم الزاهد، وانتظر وراء الباب ساعة، ثم نظر فوجد العالم ساجدا لله، والأسد فوق رأسه يحرسه، فرفع الخبر إلى الحاكم ، فأمر بإحضاره، وقال له : بم دعوت الله ، قال  بقوله { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } [الطور: 48]
فقال الأمير : ألم تخف من الأسد؟ فأجاب : بلى خفت أن يمسني لعاب الأسد ، فتلحق بثوبي نجاسة تمنعني من الصلاة .

فانظر، رعاك الله، إلى تلك الكلمة التي أكثر الله تعالى من ذكرها، والتي جعل لها الخليفة الراشدي الخامس وزيرا يذكره بها، واعلم أنك إن لم تقلها لغيرك فإنه لا خير فيك ، وإن لم تسمع أحد يقلها لك، فإنك محروم من الأخ الناصح والصديق الوفي . فقوِ قلبك، وعوِّد لسانك على قولها للآخرين، وتقبلها من غيرك بكل صدر رحب، فلا يقولها لك إلا من يتوسم فيك خيرا، ويراك من أهل التقوى .  

جـيران الله ... !!


جيران الله تعالى هم أيضا  أهل الرباط الأكبر ، فمن هم ؟؟
قال تعالى :
{ فِي بُيُوتٍ أّذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ والآصََالِ (*) رِجَالٌ لاَ تُلهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصّلاةِ وَإيتَاءِ الزّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (*) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } ]النور:36-38. [
وعن أبي هريرة أن رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ قال:
"  مُنْتَظِرُ الصَّلاةِ منْ بعد الصلاة، كفارس اشتدَّ به فرسه في سبيل الله على كَشْحِهِ تُصلِّي عليه ملائكة الله، ما لم يُحدث أو يقوم، وهو في الرّباط الأكبر" . [ مسند أحمد : إسناده صحيح ]

وقال الإمام  ابن رجب:
( وإنما كان ملازمة المسجد مكفراً للذنوب لأنه فيه مجاهدة النفس، وكفاً لها عن أهوائها فإنها تميل إلى الانتشار في الأرض لابتغاء الكسب، أو لمجالسة الناس ومحادثتهم، أو للتنزه في الدور الأنيقة والمساكن الحسنة ومواطن النزهة ونحو ذلك، فمن حبس نفسه في المساجد على الطاعة فهو مرابط لها في سبيل الله، مخالف لهواها وذلك من أفضل أنواع الصبر والجهاد. )

كان زياد مولى ابن عباس-أحد العباد الصالحين- يلازم مسجد المدينة فسمعوه يوماً يعاتب نفسه ويقول لها: أين تريدين أن تذهبي! إلى أحسن من هذا المسجد!! أتريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان !!
وعَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ـ رَضِيِ اللهُ تِعَالى عَنْهُ ـ   عَنِ النَّبِيِّ ‏ ـ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  ‏ ‏قَالَ: ‏
" إِنَّ لِلْمَسَاجِدِ أَوْتَادًا الْمَلَائِكَةُ جُلَسَاؤُهُمْ،إِنْ غَابُوا يَفْتَقِدُونَهُمْ، وَإِنْ مَرِضُوا عَادُوهُمْ، وَإِنْ كَانُوا فِي حَاجَةٍ أَعَانُوهُمْ " .  [ الألباني: إسناده حسن ]

وأهم صفات الوتد القوة و الثبات، وأهم وظائفه التثبيت والرفع، فكيف هم ثابتون، وماذا يثبَّتون ؟
هم ثابتون على محبة الله تعالى فقلوبهم معلقة ببيت الحبيب، كما جاء في حديث السبعة الذين يظلهم الله تعالى بظله يوم لا ظل إلا ظله : عن أبي هريرة عن النبي قال:  (سبعة يُظلُّهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلا ظلّه ) فذكر منهم ( رَجُـلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَــاجِد ) .
فلمَّا آثر طاعة الله تعالى، وغلب عليه حبه، صار قلبه معلقاً بالمساجد، ملتفتاً إليها يحبها ويألفها، لأنه يجد فيها حلاوة القُرب، ولذة العبادة، وأُنس الطاعة، ينشرح فيها صدره، وتطيب نفسه،وتقر عينه. فهو لا يحب الخروج منها، وإذا خرج تعلق بها حتى يعود إليها.
وفي الحديث: ( إن الله لينادي يوم القيامة: أين جيراني، أين حيراني؟ فتقول الملائكة: ربنا! ومن ينبغي أن يجاورك؟ فيقول: أين عمار المساجد؟) . [ الألباني: حسن صحيح ]

الخميس، 9 مايو 2013

من يحكم القدس يحكم العالم ..

في شهر شوال من عام 15 للهجرة ، بدأ حصار المسلمين للقدس ، وكان قائد جيوش المسلمين أمين الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح ، والجيش الذي حاصرها بقيادة عمرو بن العاص ، واستمر الحصار ستة أشهر، في تلك الأيام كان المتصرف بأمر القدس البطريرك صفرونيوس ، وكان رجلا عالما ومحنكا ، يعتبره النصارى من أعظم البطاركة الذين عاشوا في القدس ، وله مؤلفات كثيرة ، لذلك لقبوه بالحكيم ، وعندما رأى صفرونيوس أن الدائرة تدور للمسلمين وأن لا مجال لمقاومة الحصار وقتا أطول ، قرر تسليم المدينة مقابل شروط منها التعهد بعدم مس كنائسها وأديرتها ، أما الشرط الثاني الذي أصر عليه طلب رئيس البطارقة والأساقفة منهم أن لا يسلم القدس إلا للخليفة عمر بن الخطاب. فأرسل عمرو بن العاص يخبر الخليفة عمر في المدينة بما طلبه صفرونيوس رئيس الأساقفة المسيحيين في القدس فاستشار الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصحابه فكان أول من تكلم عثمان بن عفان فقال: أقم ولا تسر إليهم فإذا رأوا أنك بأمرهم مستخفن ولقتالهم مستحقر فلا يلبثون إلا اليسير حتى ينزلوا على الصغار ويعطوا الجزية. وقال علي بن أبي طالب: إني أرى أنك إن سرت إليهم فتح الله هذه المدينة على يديك وكان في مسيرك الأجر العظيم. ففرح عمر بن الخطاب بمشورة علي فقال: لقد أحسن عثمان النظر في المكيدة للعدو وأحسن علي المشورة للمسلمين فجزاهما الله خيراً ولست آخذاً إلا بمشورة علي فما عرفناه إلا محمود المشورة ميمون الغرة.
في ربيع الأول من السنة 16 هـ وصل عمر إلى فلسطين ، لم يدخل عمر إلى القدس مباشرة، وإنما ذهب إلى منطقة الجابية وكان المسلمون هناك مستعدين لاستقباله، مع أبي عبيدة بن الجراح، وخالد، ويزيد، فرحبوا به ترحيبًا عظيمًا، وقام في الجابية يخطب : " أيها الناسُ أصلحوا سرائركم تَصلُحْ علانيتكم، واعملوا لآخرتكم تُكْفَوْا أَمْرَ دنياكم" .
ودخل عمر القدس فاتحا ترفرف فوقه الأعلام الإسلامية ظافرة إلى بيت المقدس، بعد أن خيمت عليها أعلام النسر الروماني نحو ثلاثة قرون من الزمن ، وكان ما كان من العهدة العمرية ، ورفض عمر لطلب البطريرك الصلاة في الكنيسة ، وعندما ودع عمر البطريرك ، استوقفه عمر وسأله عن سر إصراره على تسليم المدينة للحليفة شخصيا ، فأجاب البطريرك :
ـ لقد أحببت أن أرى بعيني الرجل الذي يحكم العالم ، فمن يحكم بيت المقدس يحكم العالم .

الأربعاء، 1 مايو 2013

المؤمن ينصح .. والمنافق يغش

قال الإمام المحدث أبو داود صاحب كتاب " سنن إبي داود " :
 مدار الفقه على أربعة أحاديث : حديث " إنما الأعمال بالنيات" ، وحديث " الحلال بين والحرام بيّن "؛ و حديث " الدين النصيحة " و حديث " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " .
النصيحة في اللغة مأخوذة من نصح الثوب ، أي أصلحه وخاطه ، فيشبه فعل الناصح مع المنصوح له بفعل من يصلح ثوبه ويسد خلله، فالناصح يسد خللا في المنصوح،  وقيل مأخوذة من نصح العسل إذا صفاه من العوالق كالشمع، وهنا وجه الشبه أن الناصح يحاول تصفية حال المنصوح ، ومنها التوبة النصوح الخالصة من شوائب العزم على العودة للذنب . فلا خرق فيها ولا شائبة .
ذكر ابن حجر في الفتح ، أن جريراً كان ناصحاً لعباد الله، أرسل غلاما له ليشتري فرسا من السوق ، فاشترى فرساً بأربعمائة درهم، ثن جاء بالفرس وصاحبه إلى سيده جرير بن عبد الله ليدفع له ثمنه ، فقال جرير لصاحب الفرس: بكم بعته؟ قال: بأربعمائة درهم، فرأى جرير أن الغلام بخس ثمن الفرس ،  فقال جري لصاحب الفرس : أتريد أن تكون خمساً، قال: نعم، قال: وستاً، قال: نعم. قال: وسبعاً، قال: نعم. قال: وثمانياً، قال: نعم. قال: خذ ثمان مائة فإني بايعت رسول الله عليه الصلاة والسلام على النصح لكل مسلم .
فانظروا عباد الله ، ونحن في عالم يتفنن الناس في أساليب الاحتيال لتحصيل المال ، وينشئون معاهد لتعليم فن الكسب بأي طريقة .   
ولا تقتصر النصيحة على الاقتصاد بل تشمل كل نواحي الحياة ، واسمعوا لهذا الموقف من علي بن أبي طالب ، وحكته وبلاغته في التفريق بين المؤمنين والمنافقين ..
جاء أبو سفيان فطرق الباب على علي ، يوم تولى أبو بكر الخلافة؛ لأن أبا سفيان ينظر إلى بني هاشم، ويريد أن يتولوا هم الخلافة؛ لأنه حديث عهد بجاهلية وما هضم فكرة أن يتولى أبو بكر الخلافة؛ لأن أبا بكر من تيم وهي أسرة ضعيفة.
طرق الباب على علي ، من هو علي ؟ تربى في القرآن، عرف النصيحة، عرف الأدب، عرف كيف يتعامل مع الكتاب والسنة، رضع الرسالة الخالدة، ففتح الباب في ظلام الليل، قال أبو سفيان : يا علي ! كيف يتولى أبو بكر الخلافة، وهو تيمي وأنت من بني هاشم؟ إن شئت ملأت لك المدينة خيلاً جرداً وشباباً مرداً. فهو يريد القتال، قال علي وأخذ بتلابيب أبي سفيان : يا أبا سفيان ! المؤمنون نصحة، والمنافقون غششة.
فالنصيحة علامة فارقة بين المؤمنين والمنافقين ، وجاء تأكيد هذه القضية في كتاب الله ـ عز وجل ـ ، فقال في وصف المؤمنين :
: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]
قال الله في المنافقين: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ [التوبة:67]
فالنصيجة من الإيمان ، والغش من النفاق ، فانظر أخي المسلم هل تنصح إخوانك ، وهل تقبل نصيحة الناصحين ، نسأل الله تعالى أن يطهرنا من النفاق والشقاق وسوء الأخلاق ، وأن يجعلنا من عباده الناصحين المنتصحين .

الخميس، 18 أبريل 2013

فكّوا العاني ...

في نهاية سورة يوسف ، وبعد أن مكن الله تعالى لنبيه جاء :
( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ )يوسف عليه السلام يحمد الله على نعمته الكبرى وهي إحراجه من السجن ، ويتجاهل مصيبة إلقائه بالبئر ، هو هنا ينسى إساءة إخوته الكبيرة عندما ألقوه في البئر رغم ما فيها من هلاك محقق ، ويحمد الله تعالى على نعمة الخروج من السجن ، فالسجن ابتلاء عظيم يسمى مدافن الأحياء ، والدفن حيا أعظم من دفن الميت ، وجاء في الأثر أن يوسف عليه السلام لما أراد أن يخرج من السجن كتب على بابه :
هَذَا قَبْرُ الْأَحْيَاءِ، وَبَيْتُ الْأَحْزَانِ، وَتَجْرِبَةُ الْأَصْدِقَاءِ، وَشَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ .
والنبي  صلى الله عليه وسلم  قد أدرك هذا الأمر، وعلم شدة ألمه، وعظيم أثره، فقد جاء عنه  صلى الله عليه وسلم  أنه قال:« وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لأَجَبْتُ الدَّاعِي »، أي أجاب داعي الملك لما أرسله إلى يوسف عليه السلام  ليخرج لمقابلة الملك، فلم يجب الداعي حتى يتبين الجميع من براءته، ويَظْهر للناس نزاهته وعفته .
، فنبينا  صلى الله عليه وسلم  يبين لو أنه لبث ما لبث يوسف عليه السلام لأجاب الداعي، ولعجَّل بالخروج من السجن، كل ذلك لعظم أمر السجن، وشدة قهره، وبلائه.
 قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -:( فكاك الأسارى من أعظ الواجبات، وبذل المال الموقوف وغيره في ذلك من أعظم القربات) مجموع الفتاوى(28/642). 
 عندما عاد أبو جعفر المنصور من بعض غزواته، لقيته امرأة، وقالت له: يا منصور، استمع ندائي، أنت في طيب عيش وأنا في بكائي. فسألها عن مصيبتها التي عمتها وغمتها، فذكرت له أن لها ابناً أسيراً في بلاد سمتها، وأنها لا يهنأ عيشها لفقده، ولا يخبو ضرام قلقها من فقده، وأنشد لسان حالها ذلك الملك المعلى:( أيا ويح الشجيّ من الخليّ ) فرحب المنصور بها، وأظهر الرقة بسببها، وخرج من القابلة إلى تلك المدينة التي فيها ابنها، وجاس أقطارها وتخلَّلها حتى دوخها، إذ أناخ عليه بكلكله وذلَّلها، وأعراها من حماتها، وببنود الإسلام المنصورة ظلَّلها، وخلص جميع ما فيه من الأسرى، وجلبت عوامله إلى قلوب الكفرة كسراً، وانقلبت عيون الأعداء حسرى). (نفح الطيب1/597: نقلاً عن كتاب صلاح الأمة في علو الهمة6/214).
ويومَ رجعَ الأمير الحاجب المنصور من جهادِه بنصرٍ عزيز مؤزر في 16 السادس عشر من يونيو الموافق الخامس عشر من صفر 609 هـ..، يذكر بعض المؤرخين المسلمين أن تعداد الجيش الإسلامي وصل لثلاث مئة ألف مقاتل وآخرون يوصلون العدد لنصف مليون مقاتل لكثرة المتطوعين فيه .وكان صبيحةَ عيدِ الأضحى المبارك ، والناسُ يُهللون ويُكبرون في المساجد والطرقات ، فقبلَ أن يَنزِلَ عن جوادِه اعترضتْ طريقَه امرأةٌ عجوز قائله :
” يا منصور ، كلُّ الناسِ مسرورٌة إلا أنا ، فقال المنصور: لما ذا ؟
قالت: ولدي أسيرٌ عندَ الصليبين في حِصن رباح.
فإذا هو يرفض النزولْ عن ظهرِ جوادِه ، و إذا به يلوي عنقَ فرسِه مباشرةً وينادي في جيشِه ألّا ينزلَ أحدٌ عن فرسِه ، ثم ينطلقُ متوجهاً كالسهم الخارق إلى حِصنِ رباح ، وظلُّ يجاهدُهم حتى فتحَ اللهُ على يديه ذلك الحِصن ، وُرجعُ بأسرى المسلمين إلى أهلِهم ليشهدوا مع أهلِهم فرحةَ العيد ، وكان من بينهم ولدُ المرأةِ العجوز ، ففَرِحتْ ودعتْ للمنصورِ بخير.
وقد كان السلطان محمد الناصر معلنا الجهاد وأمرا بتجهيز الجيوش لإيقاف المد الصليبي ، وسائرا بقواته إلى الأندلس ليستقر في اشبيلية ومرسلا جزءا من جيشه لتحرير – قلعة رباح – ذات الموقع الإستراتيجي و حصن رباح يقع وسط الأندلس وأغار على جيان وبياسة وأجزاء من مرسية. و قد استطاع المسلمون أن يغزوا ذلك الحصن الذي كلله الأمير بالنصر وعودة الأسرى. على الرغم من أن ألفونسو الثامن و البابا آنوسنت الثالث معلنا حربهم الصليبية في أوروبا وكان للبابا أمر – حرب صليبية لا يحل الغفران على من لا يساعد أو يشارك فيها – لذا أرسلت أوربا كلها الجنود والمؤن لدعم التحالف النصراني .
ففكاك الأسير، والمسارعة في نجدته، والحرص على الوقوف معه، وبذل كل مجهود لتخليصه من الأسر، مما أمر به الشارع الحكيم، فنصرته والسعي إلى فكاكه واجب شرعي على الكفاية.

الثلاثاء، 5 مارس 2013

الاشتغال بالقرآن ....


أمر الله سبحانه وتعالى عباده بدعائه ، وحذره من تركه لأنه مظهر من مظاهر الكبر، ولا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ‏سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر:60]
والدعاء كما يعلمنا الرسول مخ العبادة ، ولكن كيف ندعو ؟؟
جاء في حديث فضالة ‏بن عبيد أن رسول الله سمع رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله تعالى ولم يصل على النبي ‏فقال رسول الله : عجل هذا، ثم دعاه فقال له أو لغيره : إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه ‏عز وجل والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد بما شاء" رواه ‏الإمام احمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح
وفي حديث أنس: أنه كان  ‏جالسا مع النبي، ورجل يصلي ثم دعا: اللهم إنى أسالك بأن لك الحمد لا اله إلا أنت، المنان، بديع ‏السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد دعا الله
باسمه ‏الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى"
وقد بين العلماء أن الدعاء قد يأتي على صورتين ، دعاء ثناء ودعاء طلب :
داء الثناء مثلدعاء ذى النون علية السلام : ونادى في الظلمات لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ))
 
وهو ما يتعارف عليه بالذكر، ولهذا جاء في ‏الحديث أفضل الدعاء" لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل ‏شيء قدير"
أما دعاء الطلب أو المسألة هو ما فيه سؤال مباشر :
  ((وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ 89 فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ 90)). <<الأنبياء :89,90>>
فخير الدعاء هو الدعاء الذي يبدأ بالثناء على الله سبحانه وتعالى ، بتسبيحه وتحميده وتكبيره، والثناء على الرسول بالصلاة عليه، ثم تقديم السؤال.
وإذا طلب تم ما هو خير من ذلك فهو قراءة القرآن ، ففيه تسبيح وتحميد وخير الدعاء دعاء الرسل وألأنبياء والصالحين، ومن هنا نفهم حديث الرسول وقد روى ‏الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من شغله قراءة القرآن عن ذكري ‏ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" رواه الترمذي وقال حديث حسن .
فيما يرويه أبو سعيد الخدري أن الرسول قال: من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله تعالى على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه .

الراوي: أبو سعيد الخدري - خلاصة الدرجة: صحيح أو حسن - المحدث: ابن الملقن - المصدر: تحفة المحتاج - الصفحة أو الرقم: 2/173

أخـــلاق رفيعـــة

أخـــلاق رفيعـــة

بينما كان أمير المؤمنين ( عمر بن عبدا لعزيز ) يدخل المسجد لأداء صلاة الصبح،  وكان المكان مظلما , فإذا به يتعثر ويسقط بسبب رجل نائم عند باب المسجد , فقام عمر واعتذر للرجل , ولكن هذا الرجل - وهو المخطئ - صرخ في وجه عمر قائلاً  : هل أنت أعمى ؟! 
فقال عمر : لا .وكان أحد الجند واقفاً عند باب المسجد فاستل سيفه،  وقال : دعني أقتص منه يا أمير المؤمنين .فلما سمع الرجل ذلك ارتعد خوفاً،  وعرف أنه صرخ في وجه أمير المؤمنين , ولكن عمر ـ رضي الله عنه ـ  ربت على كتفه وقال : لا تخف .ثم التفت إلى الجندي وقال له: تقتص ممن ؟ مالكم والناس ،  سألني الرجل هل أنت أعمى وأجبته ، وانتهى الأمر ...

فلما سمعت امرأته ما نزل في زوجها وفيها من القرآن، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة، ومعه أبو بكر رضي الله عنه، وفي يدها فهر من حجارة، فلما وقفت عليه أخذ الله بصرها عن رسول الله ـ  صلى الله عليه وسلم ـ ، فلا ترى إلا أبا بكر. فقالت: يا أبا بكر، إن صاحبك قد بلغني أنه يهجوني، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه، والله إني لشاعرة:   مذممًا عصينا***وأمره أبينا  ***ودينه قلينا, ثم انصرفت. فقال أبو بكر: يا رسول الله، أما تراها رأتك؟ قال: (ما رأتني، لقد أخذ الله بصرها عني). وكانت قريش إنما تسمي رسول الله  صلى الله عليه وسلم مذممًا؛ يسبونه، وكان يقول: (ألا تعجبون لما صرف الله عني من أذى قريش، يسبون ويهجون مذمما  وأنا محمد).