الثلاثاء، 5 مارس 2013

آيــــــــة الدعـــــــاء ....

آيــــــــة الدعـــــــاء ....

آية كريمة ألقاها الوحي بين آيات الصيام، فقطعت السياق، ولم تقطع التناسق ..
آية اعتصرت قلوب الفقهاء بالحكم البليغة ...
آية سماها العلماء: آية الدعاء ..
هي قول الحق عز وجل في سورة البقرة:
{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [ البقرة : 186 ]

وفي سبب نزول هذه الآية:
 روى ابن أبي حاتم والطبري في تفسيريهما أن أعرابيا قال يا رسول الله: أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فسكت النبي _ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  _  فأنزل الله: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي ..

لفت نظر المفسرين في هذه الآية أمور منها:
أولا : الآية جاءت بين آيات الصيام في سورة البقرة، فالآية قبلها
{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ }
 والآية التي بعدها أيضا تتحدث عن أحكام الصيام :
{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ }.
 والفصل بين المتلازمين يعني أن هناك أمرا يُراد إبرازه، والحكمة من ذكر الدعاء بين آيات الصيام أن الدعاء في شهر رمضان له شأن عظيم، فهو أقرب للاستجابة، كما في الحديث الشريف: ثلاثة لا تردُّ دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام يوم القيامة ونتفتح لها أبواب السماء ويقول: بعزتي وجلالي لأنصرنّك ولو بعد حين. ( رواه أحمد/ 305)

ثانيا: إذا استعرضنا الأسئلة الموجّه للرسول_ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  _ في القرآن وجدنا أن الله تعالى يوحي إليه الجواب مبدوءا بلفظ قل، ومن أمثلة ذلك :
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ  [ 189 ]
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ [ 217]
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ [ 222]
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [ 219 ]
أما في هذه الآية فجاء الجواب مجردا من لفظ قل، وجاءت مباشرة من الله تعالى بلفظ ( فإني قريب ) وهذا باب عظيم من أبواب العقيدة يفيد يقينا أن لا واسطة بين العبد وربه، بل كما قال اله تعالى :
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ(16)}[
وكما قال تعالى : ( وهو معكم أينما كنتم ) .

ثالثا : هناك سرٌّ  في قوله تعالى في قوله ( إذا دعان) فالمعلوم أن قوله تعالى : (وأجيب دعوة الداعي ) يفيد أنه سيدعو، فما السر في ( إذا دعان )  ؟!
 نعم إن هناك سرا عظيما في التعقيب بهذه العبارة ذلك أن قوله ( إذا دعان ) يفيد إذا دعاني أنا لا غيري،  ولولا ذلك لقال إذا دعا .
 كما أن إذا في قوله تعالى ( إذا دعان) تفيد الظرفية الرمانية، أي أنه يستجيب الدعاء وقت الدعاء، وذلك بشرط أن يستجيبوا لله تعالى ويؤمنوا به .

أخي الحبيب ..
شهر رمضان شهر صيام متواصل، يتخلله فاصل من الإفطار في الليل، لقوله تعالى : { وأتموا الصيام إلى الليل } والدقائق التي تفصل بين الصيام والإفطار، سواء أكانت في السحر أم قبل الغروب، دقائق ثمينة غالية، فهي ساعة استجابة فلنغتنمها بالدعاء ..

الاثنين، 4 مارس 2013

زوجة ذكية وزوج مغفل

كان الشيخ عبد السلام أحد المخالفين المتظاهرين بالزهد، وكانت له شهرة واسعة، إلى درجة بلغت بمريديه وأتباعه أن يكتبوا اسمه على الأعلام تبركاً به، فكانوا يكتبون: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، شيخ عبد السلام ولي الله!!وفي يوم من الأيام قال هذا الشيخ على المنبر: كل من يشتري الجنة فليأت، فازدحم الناس عليه ليشرعوا بشراء الجنة، فباع الشيخ كل الجنة، وبعد ذلك جاءه أحد الأشخاص وقال: وصلت متأخراً ولي أموال طائلة وعلي أن أشتري مكانا في الجنة، فأجابه الشيخ: لم يبق مكاناً بعد في الجنة إلا مكاني ومكان حماري، فطلب من الشيخ أن يـبـيع مكانه له، ويكتفي الشيخ بمكان حماره، فقبل الشيخ ذلك ورحب به!!وفي يوم من الأيام قال الشيخ في الصلاة: جخ جخ، وبعد انتهاء الصلاة قيل له: لماذا قلت جخ جخ فأجاب: مع أني في البصرة شاهدت مكة وقد أراد كلب أن يدخل المسجد الحرام فطردته! فلما سمع الناس منه هذا الكلام ازداد تعلقهم بالشيخ.وكان أحدهم قد نقل هذه القصة إلى زوجته ـ وكانت موالية ـ وكان قد رغّبها بترك مذهبها.فقالت الزوجة: لا بأس بذلك، بشرط أن تدعو الشيخ ومريديه لتناول الغداء، حتى أختار مذهبك بحضور الشيخ، فقبل الرجل ذلك وبان عليه الفرح والسرور، فدعا الشيخ وأتباعه إلى وليمة فلما حضروا فرشت سفرة الطعام وجاءت الزوجة بمائدة ووضعت لكل واحد منهم دجاجة على الرز، إلا الشيخ فقد وضعت دجاجته تحت الرز، فلما حضر الطعام، التفت الشيخ إلى طعام رفاقه فرأى الدجاج على الرز، ولم ير دجاجته لأنها تحت الرز، فصاح بصاحب البيت وقال: لماذا لم تقدموا لي دجاجة كهؤلاء، لماذا تحقروني؟
وكانت المرأة تنتظر مثل هذه الفرصة فخرجت إليه وقالت: أيها الشيخ!
أنت في البصرة وقد شاهدت مكة مع بعد المسافة وطول الطريق، فَلِمَ لم تر الدجاجة تحت الرز، مع قرب المسافة.
فغضب الشيخ وقال: هذه رافضية خبيثة!!
وخرج من المجلس، فاختار الزوج مذهب زوجته.

موريس بوكاي .. !!

الجثمان الذي أحيا عالما بالإيمان

 أُشتـهر عن فرنسا أنها من أكثر الدول اهتماما بالآثار والتراث ، وعندما تسلّم الرئيس الفرنسي الاشتراكي الراحل ( فرانسوا ميتران ) زمام الحكم في البلاد عام 1981 طلبت فرنسا من مصر  في نهاية الثمانينات استضافة مومياء ( فرعون مصر ) إلى فرنسا لإجراء اختبارات وفحوصات أثرية ، فتم نقل جثمان أشهر طاغوت عرفته مصر، وهُناك وعلى أرض المطار أصطف الرئيس الفرنسي ووزراؤه وكبار المسئولين في البلد عند سُـلّم الطائرة ليستقبلوا فرعون مصر استقبال الملوك وكأنه ما زال حياً ، وكأنه إلى الآن يصرخ على أهل مصر ( أَنَـا رَبُّـكُـمُ الْأَعْلَى )..!
 عِندما انتهت مراسم الاستقبال الملكي لفرعون مصر على أرض فرنسا ..حُمل مومياء الطاغوت بموكب لا يقل حفاوة عن استقباله وتم نقله إلى جناح خاص في مركز الآثار الفرنسي ، ليبدأ بعدها أكبر علماء الآثار في فرنسا وأطباء الجراحة والتشريح في دراسة ذلك المومياء واكتشاف أسراره ، وكان رئيس الجراحين والمسئول الأول عن دراسة هذا المومياء هو البروفيسور ( موريس موكاي ).
 كان المعالجون مهتمين في ترميم المومياء ، بينما كان اهتمام رئيسهم ( موريس موكاي ) مختلفاً للغاية ، كان يحاول أن يكتشف كيف مات هذا الملك الفرعوني ، وفي ساعة متأخرة من الليل.. ظهرت نتائج تحليلاته النهائية.. لقد كان بقايا الملح العالق في جسده أكبر دليل على أنه مات غريقاً..! وأن جُـثـته استخرجت من البحر بعد غرقه فوراً ، ثم أنـهم أسرعوا بتحنيط جُثـته لينجو بدنه ! ولكن ثمة أمــراً غريباً ما زال يُحيره وهو كيف بقيت هذه الجثة دون باقي الجثث الفرعونية المحنطة أكثر سلامة من غيرها رغم أنها استخرجت من البحر..!
 كان ( موريس موكاي ) ي
ُعد تقريراً نهائيا عما كان يعتقده اكتشافاً جديداً فـي انتشال جُـثة فِرعون من البحر وتحنيطها بعد غرقه مباشرة، حتى همس أحدهم في أذنه قائلاً : لا تتعجل فإن المسلمين يتحدثون عن غرق هذه المومياء.. ولكنه استنكر بشدة هذا الخبر ، واستغربه ، فمثل هذا الاكتشاف لا يمكن معرفته إلا بتطور العلم الحديث وعبر أجهزة حديثة بالغة الدقة ، فقال له أحدهم إن قرآنهم الذي يؤمنون به يروي قصة عن غرقه وعن سلامة جُـثته بعد الغرق..! فازداد ذهولاً وأخذ يتساءل:
كيف يكون هذا وهذه المومياء لم تُكتشف أصلاً إلا في عام 1898 ميلادية أي قبل مائتي عام تقريبا ، بينما قرآنهم موجود قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام!؟ وكيف يستقيم في العقل هذا ، والبشرية جمعاء وليس العرب فقط لم يكونوا يعلمون شيئاً عن قيام قُدماء المصريين بتحنيط جثث فراعنتهم إلا قبل عقود قليلة من الزمان فقط !؟
 جلس ( موريس موكاي ) ليلته محدقاً بجثمان فِرْعَوْنَ ، يفكر بإمعان عما همس به صاحبه له من أن قرآن المسلمين يتحدث عن نجاة هذه الجُثة بعد الغرق.. بينما كتابهم المقدس ( الـــتوراة ) يتحدث عن غرق فِرْعَوْنَ أثناء مطاردته لسيدنا موسى عليه السلام دون أن يتعرض لمصير جُثمانه البتة.. وأخذ يقول في نفسه : هل يُعقل أن يكون هذا المحنط أمامي هـو فِرْعَوْنَ مصر الذي كان يُطارد موسى !؟ وهل يعقل أن يعرف محمدهم هذا قبل أكثر من ألف عام وأنا للتو أعرفه !؟
 لم يستطع ( موريس ) أن ينام ، وطلب أن يأتوا له بالتوراة ، فأخذ يقرأ في ( سفر الخروج ) من التوراة من قوله (( فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيش فِرْعَوْنَ الذي دخل وراءهم في البحر لم يبق منهم ولا واحد )).. وبقى موريس موكاي حائراً ، فحتى التوراة لــم تتحدث عن نجاة هذه الجُثة وبقائها سليمة !
 بعد أن تمت معالجة جثمان فِـرْعَوْنَ وترميمها ، أعادت فرنسا لمصر المومياء بتابوت زجاجي فاخر يليق بمقام فِرعَوْنَ ! ولكن ( موريس ) لم يهنأ له قرار ولم يهدأ له بال ، مُنذ أن هزه الخبر الذي يتناقله المسلمون عن سلامة هذه الجُثة ! فحِزم أمتعته وقرر أن يسافر إلى المملكة السعودية لحضور مؤتمر طبي يتواجد فيه جمعٌ من علماء التشريح المسلمين..وهناك كان أول حديث تحدثه معهم عما أكتشفه من نجاة جُثة فِرْعَوْنَ بعد الغرق.. فقام أحدهم وفتح له المُصحف وأخذ يقرأ له قوله تعالى ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُون ﴾ لقد كان وقع الآية عليه شديداً ، ورجّت له نفسه رجة جعلته يقف أمام الحضور ويصرخ بأعلى صوته( لقد دخلت الإسلام وآمنت بهذا القرآن)..!
رجع ( موريس موكاي ) إلى فرنسا بغير الوجه الذي ذهب فيه.. وهناك مكث عشر سنوات ليس لديه شغل يشغله سوى دراسة مدى تطابق الحقائق العِلمية والمكتشفة حديثاً مع القرآن الكريم ، والبحث عن تناقض علمي واحد مما يتحدث به القرآن ليخرج بعدها بنتيجة قوله تعالى
﴿ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ كان من ثمرة هذه السنوات التي قضاها الفرنسي موريس أن خرج بتأليف كتاب ( القرآن والتوراة والإنجيل والعِلم .. دِراسة الكُتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة ) .. فماذا فعل هذا الكِتاب ؟
 من أول طبعة له نفذ من جميع المكتبات ! ثم أعيد طباعته بمئات الآلاف بعد أن تُرجم من لغته الأصلية ( الفرنسية ) إلى
لغات العالم ..! لينتشر بعدها في كل مكتبات الشرق والغرب ، بل الأعجب من هذا أن بعض العلماء في الغرب بدأ يجهز رداً على الكِتاب ، فلما انغمس بِقراءته أكثر وتمعن فيه زيـادة .. أسلم ونطق بالشهادتين على الملأ !!
 يقول موريس موكاي في مقدمة كتابه ( لقد أثارت هذه الجوانب العلمية التي يختص بها القرآن دهشتي العميقة في البداية ،فلم أكن أعتقد قط بإمكان اكتشاف عدد كبير إلى هذا الحد من الدقة بموضوعات شديدة التنوع ، ومطابقتها تمامًا للمعارف العلمية الحديثة، وذلك في نص قد كُتب منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا..!

درس في الشموخ


من صناديد قريش الذين كان يُشار إليهم بالبنان رجل كان يدعى عمرو بن ود ، وكان يُعدُّ بألف فارس ، اسمه يرعب الأطفال في مكة ، وأبوه كان يدعى بيضة البلد ، شارك في معركة بدر فأثخنته الجراح ولم يشارك في معركة أحد ، ولما وقعت معركة الأحزاب حمل كفره في يده ، ورغبة الانتقام في صدره ، وراح يتبختر حول الخندق ، وتيمم مكان ضيقا من الخندق  وضرب فرسه فاقتحم الخندق ، وركز عمرو رمحه وأقبل يجول حوله ويصيح : هل من مبارز ؟
 فقال الرسول  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  : من لهذا الكلب ؟
 فلم يجبه أحد ، فقام عليٌّ وهو مقنّع بالحديد ، فقال : أنا له يا نبي الله .
 فقال : إنه عمرو بن ود ، اجلس .
 ولما لم يجد عمرو من يخرج له جعل يؤنبهم ويسبهم ويقول : ألا من رجل ؟ أين جنتكم التي تزعمون أن من قُتل منكم دخلها ؟
فقام علي ، فقال : أنا له يا رسول الله . فأمره النبي بالجلوس ، فنادى عمرو الثالثة .
فقام علي (رضي الله عنه) فقال: يا رسول الله أنا.
فقال: إنه عمرو!
فقال: وإن كان عمراً فأنا علي بن أبي طالب!!
فاستأذن عليُّ رسولَ الله  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ فأذن له، وألبسه درعه ذات الفضول، وأعطاه سيفه ذا الفقار، وعممه عمامة السحاب على رأسه تسعة أكوار (أدوار) ثم قال له: تقـدَّم.
فقال لما ولّى: (اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه).ثم قال: (برز الإيمان كله إلى الشرك كله).

فمشى عليٌّ إليه . وما زال رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  آنذاك رافعاً يديه مقحماً رأسه إلى السماء داعياً به قائلاً: (اللهم إنك أخذت مني عبيدة يوم بدر وحمزة يوم أحد، فاحفظ علي اليوم علياً، رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين).
فقال عمرو: من أنت؟
 قال : أنا علي .
 قال : ابن عبد مناف ؟
قال : أنا ابن أبي طالب .
كان عمرو  نديم أبي طالب في الجاهلية، فقال عمرو: أجل، لقد كان أبوك نديماً لي وصديقاً، فارجع فإني لا أحب قتلك!
 فقال علي (رضي الله عنه ): لكنيّ أحب أن أقتلك!
 فقال عمرو: يا ابن أخي إني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك، فارجع وراءك خير لك، ما آمن ابن عمك حين بعثك إلي أن أختطفك برمحي هذا فأتركك شايلاً بين السماء والأرض لا حي ولا ميت!!
فقال له علي (رضي الله عنه): قد علم ابن عمي أنك إن قتلتني دخلت الجنة وأنت في النار، وإن قتلتك فأنت في النار وأنا في الجنة.
فقال عمرو: كلتاهما لك يا علي؟ تلك إذاً قسمة ضيزى!!
فقال علي : إن قريشاً تتحدث عنك أنك قلت: لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلا أجيب، ولو إلى واحدة منها؟
قال: أجل.
قال: فإني أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
قال: دع هذه!!
قال: فإني أدعوك إلى أن ترجع بمن يتبعك من قريش إلى مكة، فإن يكُ محمد صادقاً فأنتم أعلى به عيناً، وإن يك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمره.
قال: إذن تتحدث نساء قريش عني : أن غلاماً خدعني ، وينشد الشعراء فيَّ أشعارها أني جبنت، ورجعت على عقبي من الحرب، وخذلت قوماً رأسوني عليهم.
قال: فإني أدعوك إلى البراز راجلاً، فحمي عمرو وقال: ما كنت أظن أحداً من العرب يرومها مني .
ثم نزل فضرب وجه فرسه ففر ـ ثم قصد نحو علي وضربه بالسيف على رأسه، فأصاب السيف الدرقة فقطعها، ووصل السيف إلى رأس علي .
فضربه علي على رجليه بالسيف فوقع على قفاه، وثار العجاج والغبار، وأقبل عليّ ليقطع رأسه فجلس على صدره، فتفلَ اللعين في وجه الإمام فغضب، وقام عن صدره يتمشى حتى سكن غضبه، ثم عاد إليه فقتله.
وجاء علي برأس عمرو إلى رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ فتهلل وجه رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ ) فقام أبو بكر وعمر بن الخطاب وقبلا رأسه.
فقال عمر: هلا سلبته درعه، فإنه ليس في العرب درع مثلها؟
 فقال علي : إني استحييت أن أكشف سوأة ابن عمي.
ولما قتل علي عمراً انهزم المشركون وانكسرت شوكتهم، وكفى الله المؤمنين القتال ،
وفي رواية الحاكم في المستدرك عن النبيـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  :
( لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة)
.وسبب ذلك أنه لم يبق بيت من بيوت المشركين إلا وقد دخله وهنٌ بقتل عمرو، ولم يبق في المسلمين بيت من بيوت المسلمين إلا ودخله عزٌّ بقتل عمرو .
  

قصة أبي قلابـة الجـرمي

 
جاء في كتاب سير أعلام النبلاء للذهبي ( ج 4/ص 474 ) : قال عبد الله بن محمد : " خرجت إلى ساحل البحر مرابطا ، فلمّا انتهيت إلى الساحل إذا أنا بخيمة فيها رجل قد ذهب يداه ورجلاه ، وثقُل سمعه وبصره ، وما له من جارحة تنفعه إلا لسانه ، وهو يقول : اللهم أوزعني أن أحمدك حمدا أكافئ به شكر نعمتك التي أنعمت بها عليّ ، وفضلّتني على كثير ممن خلقت تفضيلا ، فقلت والله لأتين هذا الرجل ولأسألنه أنّى له هذا الكلام ، فأتيت الرجل فسلمت عيه فقلت : سمعتك وأنت تقول اللهم أوزعني أن أحمدك حمدا أكافئ به شكر نعمتك التي أنعمت بها عليّ ، وفضلّتني على كثير ممن خلقت تفضيلا ، فأيُّ نِعَمٍ من نِعَمِ الله عليك تحمده عليها ؟ وأي فضيلة تفضَّل بها عليك تشكره عليها ؟! قال : أوما ترى ما صنع ربي !! والله لو أرسل السماء عليّ نارا فأحرقتني ، وأمر الجبال فدمَّرتني ، وأمر البحار فغرّقتني ، وأمر الأرض فبلعتني ، ما ازددت لربي إلا شكرا ، لما أنعم عليّ من لساني هذا ، ولكن يا عبد الله إذ أتيتني فإني لي إليك حاجة ، قد تراني على أي حالة أنا ، أنا لست أقدر لنفسي على ضرٍّ ولا نفع ، ولقد كان معي ابن لي يتعهدني في وقت صلاتي فيوضيني ، وإذا جعت أطعمني ، وإذا عطشت سقاني ، ولقد فقدته منذ ثلاثة أيام ، فتحسسه لي رحمك الله .
فقلت : والله ما مشى خلقٌ في حاجة خلقٍ كان عند الله أعظم أجرا ممن يمشي في حاجة مثلك . فمضيت في طلب الغلام ، فلما مضيت غير بعيد حتى صرت بين كثبان من الرمل ، فإذا أنا بغلام قد افترسه سبع وأكل لحمه ، فاسترجعت وقلت : بأي شيء أخبر صاحبنا ؟ فبينما أنا مقبل نحوه إذ خطر على بالي ذكر أيوب النبي عليه السلام ، فردّ علي السلام فقال : ألست بصاحبي . قلت : بلى . قال : ما فعلت في حاجتي ؟ قلت : أنت أكرم على الله أم أيوب النبي ؟ قال : بل أيوب النبي . قلت : هل علمت ما صنع به ربه ، أليس قد ابتلاه ربه بماله وأهله وولده ؟ . قال :بلى . قلت : فكيف وجده ربه ؟  قال : وجده صابرا شاكرا حامدا ، أوجز رحمك الله . قلت : لم يرض منه بذلك حتى أوحشه من أقربائه وأحبائه؟ قال : نعم . فقلت : فكيف وجده ربه ؟ قال : وجده صابرا شاكرا حامدا . قلت : فلم يرض منه بذلك حتى صيّره عرضا لمارِّ الطريق ، هل علمت ذلك ؟ قال : نعم : فقلت : فكيف وجده ربه ؟ قال : صابرا شاكرا حامدا ، أوجز رحمك الله . قلت له : إن الغلام الذي أرسلتني في طلبه وجدته بين كثبان الرمل ، وقد افترسه سبع فأكل لحمه ، فأعظم الله لك الأجر ، وألهمك الصبر . فقال المُبتلى : الحمد لله الذي لم يخلق من ذريتي خلقا يعصيه فيعذبه بالنار ، ثمّ استرجع وشهق شهقة فمات .
فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، عظمت مصيبتي في رجل مثل هذا ، إن تركته أكلته السباع ، وإن قعدت لم أقدر على ضرٍّ ولا نفع ، فسجيته بشملة كانت عليه ، وقعدت عند رأسه باكيا ، فبينما أنا قاعد إذ جاء أربعة رجال ، فقالوا : يا عبد الله ما حالك ؟ وما قصتك ؟ فقصصت عليهم قصتي وقصته ، فقالوا لي اكشف لنا عن وجهه ، فعسى أن نعرفه . فكشفت عن وجهه ، فانكب القوم عليه يقبلونه ، ويقولون : بأبي عين طالما غضت عن محارم الله ، بأبي جسم طالما سجد لله والناس نيام . فقلت : من هذا يرحمكم الله ؟ فقالوا : هذا أبو قلابة الجرمي صاحب ابن عباس ، لقد كان شديد الحب لله وللرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ . فغسلناه وكفناه بأثواب كانت معنا ، وصلينا عليه ودفناه ، فانصرف القوم وانصرفت إلى رباطي ، فلما جنّ الليل وضعت رأسي ، فرأيت فيما يرى النائم في روضة من رياض وعليه حلتان من حلل الجنة ، وهو يتلو الوحي : ﴿ سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ﴾ ( الرعد 24 ) . فقلت : ألست بصاحبي ؟ قال : بلى . قلت : أنى لك هذا ؟" قال : إن لله درجات لا تنال إلا بالصبر عند البلاء ، والشكر عند الرخاء ، مع خشية الله عز وجل في السر والعلانية .   

العمى والصراط المستقيم


     يكثر في القرآن الكريم وصف الكافر بأنه أعمى ، ووصف المؤمن بأنه بصير ، قال تعالى :
﴿ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (19) .
وفي مواقع أخرى كثيرة منها ﴿وَمَثَلُ الذينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الذي يَنْعِقُ بما لا يَسْمَعُ إلا دُعَاءً وَ نِداءً صُمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يَعْقِلون  ( 117 ) ( البقرة)
﴿ ومن كانَ في هَذهِ أعمى فهوَ في الآخرةِ أعمى وَ أَضلُّ سَبِيلا (72) (الإسراء).
الآن إليك هذه الحقيقة العلمية :
إذا أعصبت عيني شخص لن يستطيع السير في خط مستقيم ، وسوف يسير في خط دائري ، ولو وضعت هدفا أمام الإنسان على بعد خمسة أمتار ثم عصبت عينيه لوجدت أنه لا يستطيع الوصول إليه ،  وذلك لأن الجسم ليس متماثلا تماما في نصفيه الأيمن والأيسر ،  لذلك يضيع الإنسان في الضباب ويعود إلى النقطة التي انطلق منها ، وإذا قاد السيارة شخص معصوب العينيين فسوف يجنح خارج الطريق بعد عشرين ثانية .
معصوب العينيين أو الأعمى ببساطة لا يستطيع الوصول إلى هدف لأنه لا يراه ، وإن رآه في لحظة فهو بحاجة لتوجيه سيره من خلال النظر ، فالرؤية متعلقة بتحديد الهدف والتوجه إليه ، ولأن الكافر  يغفل عن الهدف والغاية من الخلق والوجود فهو أعمى ، والمنافق الذي يسير إلى هدف مخالف لما أراده الله فهو أعمى البصيرة .

عرّف المـــوت ..!


من باب أكثروا ذكر هادم اللذات ، وضعت يوما في محرك البحث في الشبكة العالمية( الانترنت )  سؤال : ما هو الموت ؟ فتلقيت الإجابات التالية ، فتأمل فيها  :
Ô الموت حق .
Ô الموت هو هادم اللذات ومفرِّق الجماعات .
Ô الموت هو النهاية الحتمية لكل كائن حي .
Ô الموت هو أن تخلع الروح ملابس الجسد .
Ô الموت هو الانتقال إلى حياة على موجة أخرى مثل محطات الراديو .
Ô الموت هو أن يأكل الدود الصغير الدود الكبير ، والحياة أن يأكل الدود الكبير   
    الدود الصغير .
Ô الموت بوابة حتمية ينتقل فيها الإنسان من عالم الدنيا إلى عالم البرزخ .
Ô الموت هو الصمت الأبدي .
Ô الموت هو بداية البداية .
Ô الموت ليس أكثر من ترك النفس الإنسانية لآلاتها التي تستعملها ، أي أعضائها التي  
    يًسمّى مجموعها البدن ، كما يترك الصانع آلات عمله ( ابن سينا ).
Ô الموت هو الغروب في حقيقة الحياة .
Ô الموت حاصد لا يعرف القيلولة .
Ô الموت داء لا دواء له ، إلا التقى والعمل الصالح
Ô الموت هو الوجه الآخر للحياة فكيف نعرفه مادمنا نجهل أسرار الحياة .

الذين يحبون أن يُحمدوا ...

قيل إن من علامات النفاق: أن يحب المرء المدح بما ليس فيه ،  ويكره الذمَّ بما فيه ، ويبغض من يُبَصِّـره بعيوبه، يقول الله تعالى في سورة آل عمران  : ﴿ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 188) .
ذهب المفسرون عند هذه الآية في فريقين : فريق قال أنها تصف اليهود لدلالة السياق ، وفريق قال أنها تصف المنافقين ، فقد جاء عن أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ : أَنَّ رِجَالا مِنْ الْمُنَافِقِينَ فِي عَهْد ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  كَانُوا إِذَا خَرَجَ رَسُول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ إِلَى الْغَزْو تَخَلَّفُوا عَنْهُ وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلَاف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا قَدِمَ  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ مِنْ الْغَزْو اِعْتَذَرُوا إِلَيْهِ وَحَلَفُوا وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا.
من الحالات التي نعرفها في عصرنا ما نراه من دعوات ويافطات وأحجار تاريخ ، تقول أن هذا العمل تحت رعاية فلان وليس لفلان فيه فضل غير حبه للظهور بثوب لم يدفع فيه ثمن خيط ، ولا بذل فيه أدنى جهد ، ولكنه ومن حوله يمارسون ما نهى الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  عنه ،  كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيّ ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  " مَنْ اِدَّعَى دَعْوَى كَاذِبَة لِيَتَكَثَّرَ بِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّه إِلَّا قِلَّة " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا " الْمُتَشَبِّع بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلابِسِ ثَوْبَيْ زُور " .
(صنّف الشيخ  أبو غالب المعروف بابن التياني الأندلسي  (436 هـ ) كتابا جليلا في مدينة مرسية بالأندلس ، ولمّا علم أميرها أبو الجيش مجاهد العامري به أرسل إلى ابن التياني ألف دينار أندلسي مع كسوة فاخرة على أن يزيد في الكتاب عبارة " مما ألفه تمام بن غالب لأبي الجيش  مجاهد " لكن هذا العالم ردّ الدنانير والكسوة ، وقال : كتاب صنفته لله وطلبة العلم أصرفه إلى اسم الملك ! هذا والله ما يكون أبدا " . وبذلك زاد التياني في عين مجاهد ، وعظم في صدور الناس ).

أحبك ولكني غاضب منك

                             
كان أحد بسطاء  المسلمين يكثر من القول :  : الحمد لله الذي جعلني ابنا لوالدين مسلمين ، وحين سئل عن سرّ هذتكرار هذا الحمد ، قال : لأني رجل على الفطرة ، لو لم يكن والدي مسلمين لعبدت العجول أو البقر ، أو ربما قردا من القرود السود .
وتلك حقا نعمة لا يعرف قيمتها إلا من فقدها .
 يقول الداعية التركي محمد فتح الله كولن : في كتابه ( النور الخالد محمد مفخرة  الإنسانية  ص : 194 ):
سكن أحد أصدقائنا الأطهار في أحدى الشقق في ألمانيا ، واستطاع بروحه الطاهرة وسلوكه ،وبعون الله تعالى التأثير في نفوس أصحاب البيت ، وأصبح وسيلة لهدايتهم ، فأسلم الأب أولا ثم تبعته الزوجة ثم الأولاد ، وأصبح ذلك البيت قطعة من الجنة بالجو الذي أصبح سائدا فيه ، وفي أحد الأيام بينما كان صاحب البيت جالسا مع هذا الصديق يتسامران ، إذ قال له صاحب البيت الذي بدأت أحاسيس الهداية ومشاعرها تهب على قلبه فتملأه سعادة :
ـ يا صديقي .. ! إنني أحبك إلى درجة أتمنى لو أفتح قلبي وأضعك فيه ، ذلك لأنك كنت وسيلة لهدايتي ، وأكسبتني أنا وعائلتي حياة أبدية .. ولكني غاضب منك في الوقت نفسه غضبا شديدا  إلى درجة أنني أود لو أقوم فأضربك ضربا مبرحا . وقد تسأل لماذا ؟ سأشرح لك الأمر ، فقبل مجيئك بوقت قصير توفي والدي مع أنه كان لائقا ليكون مسلما أكثر منَّا ، كان يملك روحا صافية وعاش حياة نظيفة ، فلو أتيت هنا قبل وفاته لكنت وسيلة لهدايته ، لذا فإنني غاضب منك غضبا شديدا لتأخرك في المجيء ، فلماذا ... لماذا لم تأتنا قبل وفاته ؟؟ )