الثلاثاء، 5 مارس 2013

ســـــنة أولـــى صيــــام ....

ســـــنة أولـــى صيــــام  ....

الصلاة أول مرة في المسجد، كالخطوة الأولى للطفل ..
الصيام أول مرة في رمضان كأول يوم في فطامه ..

الصلاة الأولى كالخطوة الأولى، فيها تردد وخوف، فيها إقدام وإحجام، ولكن فيها لذة تسري في الروح تحملك إلى ضفاف السعادة ..
سعادة تشبه تلك الضحكة البريئة المجلجلة التي يطلقها الطفل وقد خطا خطوته الأولى ..  
هذه أول سنة أصوم فيها رمضان، وهذه أول مرة أصلي فيها، فما العمل؟
ما العمل كي أسير في رحلة الإيمان إلى منتهاها ولا أرتد على أعقابي خاسئا؟
ما العمل كي أكمل الرحلة، وأنا أحس في نفسي الضعف، وفي قلبي الشك،  وأخاف أن أرتد زائغا بعد أن هداني الله ؟

الأخ الحبيب  ....اعلم أولا أخي في الله ، أن لحظة التوبة هي لحظة نور وسرور،  لحظة يفرح بها الله تعالى، والملائكة ، والصالحين من عباده..واعلم أنك ما دمت تسأل عن الدين فأنت بخير .. واعلم أخي الحبيب ، أن السير في طريق الإيمان الموصلة إلى رضا الرحمن تحتاج ثلاثة أمور : عــلم وعمـــل وتواصـــي .
العلم في الإسلام لا يأخذ بداية من الكتب ولكن يؤخذ من أهل العلم ، كذلك أخبرنا الرسول _ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  _:
وقال الإمام الشاطبي :
 " وإن كان الناسُ قد اختلفوا هل يمكن حصول العلم دون معلم أم لا؟ فالإمكان مسلّم به، ولكن الواقع في مجاري العادات: أن لا بدَّ من المعلم، وهو متفق عليه في الجملة " .
فاختر لنفسك شيخا عالما ثقة تسأله عن أمور دينك .
العمل بالدين يحتاج إلى مربٍ من أهل الصلاح والفقه يُقتدى به، وقد قيل :
 لولا المربي ما عرفت ربي ....
 وظيفة المربي أن يأخذ بيدك خطوة خطوة على الطريق المستقيم، وأن تأخذ منه أدب الإسلام في القلب والجوارح، لكي تسير على نور ما تعلمت من العلم على نور الهداية الربانية .
أخي الحبيب ..
وتحتاج إلى مرآة لترى فيها أعمالك، مرآة صافية لا تقعر فيها ولا تحدب، والمؤمن مرآة أخيه ، فاختر لك أخا ناصحا ، تتواصى معه بالحق والصبر، يهدي إليك عيوبك، وتهدي إليه حسنات الدال على الخير.
أخيرا أن تكثر من الدعاء لربك ومولاك أن يأخذ بيدك ويعينك على الثبات على دينه متأسيا برسولك ونبيك محمد –صلى الله عليه وسلم-: "يا مصرف القلوب ثبت قلبي على طاعتك" [مسند أحمد].
{ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء }
{ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }  { رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}

{ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }  { رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}


لا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء ..



نحلق في منطاد شهر رمضان المبارك نحو أفراح الروح  ...
نلقي من صندوق المنطاد شهوات الجسد، ونقدح في قبة المنطاد أنوار الوحي ..
فنسمو نحو الأعالي، نحو تلك القمم السامقة، حيث ملتقى الأنوار الربانية .. 
لأن الصيام وسيلة لغاية..

الوسيلة هي الامتناع عن الأكل والشراب والشهوة من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس بنية التعبد ..
الغاية هي تحقيق حالة التقوى التي تعني الابتعاد عن المعاصي.

الصيام حالة جسدية يمتنع الفم والفرج عن شهوته ..
والتقوى حالة قلبية يكف بها الجسم عن المعاصي ..
لذا يرسب في امتحان رمضان من حرم الجسد ولم يرتقِ بالنفس ..

جاء في الحديث الصحيح الذي يرويه أبو هريرة  :
(رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر ) .
وأوضح ذلك في الحديث :
( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه) .   
هذا الذي يجعل بعض الصائمين يفشلون في الدورة التدريبية التي تستمر طوال شهر رمضان، والمتمثلة في الصيام نهارا والقيام ليلا ، فيرسبون في مدرسة التقوى .

يقول النبي _ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _:
( الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب - وفي رواية: (ولا يجهل) - فإن امرؤ سابه أو قاتله فليقل: إني صائم، مرتين )  (متفق عليه عن أبي هريرة).

وقد ورد عن عمر بن الخطاب قوله :
"  ليس الصيام من الشراب والطعام وحده، ولكنه من الكذب والباطل واللغو" .  
وقال جابر بن عبد الله الأنصاري:
" إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب، والمأثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء " .  
وروى طليق بن قيس عن أبي ذر قال:
"  إذا صمت فتحفظ ما استطعت. وكان طليق إذا كان يوم صيامه، دخل فلم يخرج إلا إلى صلاة " .

وكان أبو هريرة وأصحابه إذا صاموا جلسوا في المسجد، وقالوا: " نُطهر صيامنا.
وعن حفصة بنت سيرين من التابعين قالت: الصيام جنة، ما لم يخرقها صاحبها، وخرقها الغيبة!.
وعن إبراهيم النخعي قال: كانوا يقولون: الكذبُ يفطِّر الصائم!.
وعن ميمون بن مهران: إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب.

قال العلماء :
"  أن المعاصي لا تبطل الصوم، كالأكل والشرب، ولكنها قد تذهب بأجره، وتضيع ثوابه" .
لأنها تفقد الصيام الغاية والجوهر والمضمون، وتبقي الوسيلة والشكل والقشرة ..

يا رب نسألك حقيقة الصيام، وحقيقة القيام، وتقوى القلوب
ونعوذ بك من الشقاق والنفاق والرياء، إنك أنت مقلب القلوب ..
اللهم إذا أعطيتنا الاسم فلا تسلبنا المعنى ..  

آيــــــــة الدعـــــــاء ....

آيــــــــة الدعـــــــاء ....

آية كريمة ألقاها الوحي بين آيات الصيام، فقطعت السياق، ولم تقطع التناسق ..
آية اعتصرت قلوب الفقهاء بالحكم البليغة ...
آية سماها العلماء: آية الدعاء ..
هي قول الحق عز وجل في سورة البقرة:
{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [ البقرة : 186 ]

وفي سبب نزول هذه الآية:
 روى ابن أبي حاتم والطبري في تفسيريهما أن أعرابيا قال يا رسول الله: أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فسكت النبي _ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  _  فأنزل الله: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي ..

لفت نظر المفسرين في هذه الآية أمور منها:
أولا : الآية جاءت بين آيات الصيام في سورة البقرة، فالآية قبلها
{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ }
 والآية التي بعدها أيضا تتحدث عن أحكام الصيام :
{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ }.
 والفصل بين المتلازمين يعني أن هناك أمرا يُراد إبرازه، والحكمة من ذكر الدعاء بين آيات الصيام أن الدعاء في شهر رمضان له شأن عظيم، فهو أقرب للاستجابة، كما في الحديث الشريف: ثلاثة لا تردُّ دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام يوم القيامة ونتفتح لها أبواب السماء ويقول: بعزتي وجلالي لأنصرنّك ولو بعد حين. ( رواه أحمد/ 305)

ثانيا: إذا استعرضنا الأسئلة الموجّه للرسول_ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  _ في القرآن وجدنا أن الله تعالى يوحي إليه الجواب مبدوءا بلفظ قل، ومن أمثلة ذلك :
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ  [ 189 ]
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ [ 217]
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ [ 222]
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [ 219 ]
أما في هذه الآية فجاء الجواب مجردا من لفظ قل، وجاءت مباشرة من الله تعالى بلفظ ( فإني قريب ) وهذا باب عظيم من أبواب العقيدة يفيد يقينا أن لا واسطة بين العبد وربه، بل كما قال اله تعالى :
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ(16)}[
وكما قال تعالى : ( وهو معكم أينما كنتم ) .

ثالثا : هناك سرٌّ  في قوله تعالى في قوله ( إذا دعان) فالمعلوم أن قوله تعالى : (وأجيب دعوة الداعي ) يفيد أنه سيدعو، فما السر في ( إذا دعان )  ؟!
 نعم إن هناك سرا عظيما في التعقيب بهذه العبارة ذلك أن قوله ( إذا دعان ) يفيد إذا دعاني أنا لا غيري،  ولولا ذلك لقال إذا دعا .
 كما أن إذا في قوله تعالى ( إذا دعان) تفيد الظرفية الرمانية، أي أنه يستجيب الدعاء وقت الدعاء، وذلك بشرط أن يستجيبوا لله تعالى ويؤمنوا به .

أخي الحبيب ..
شهر رمضان شهر صيام متواصل، يتخلله فاصل من الإفطار في الليل، لقوله تعالى : { وأتموا الصيام إلى الليل } والدقائق التي تفصل بين الصيام والإفطار، سواء أكانت في السحر أم قبل الغروب، دقائق ثمينة غالية، فهي ساعة استجابة فلنغتنمها بالدعاء ..

الاثنين، 4 مارس 2013

زوجة ذكية وزوج مغفل

كان الشيخ عبد السلام أحد المخالفين المتظاهرين بالزهد، وكانت له شهرة واسعة، إلى درجة بلغت بمريديه وأتباعه أن يكتبوا اسمه على الأعلام تبركاً به، فكانوا يكتبون: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، شيخ عبد السلام ولي الله!!وفي يوم من الأيام قال هذا الشيخ على المنبر: كل من يشتري الجنة فليأت، فازدحم الناس عليه ليشرعوا بشراء الجنة، فباع الشيخ كل الجنة، وبعد ذلك جاءه أحد الأشخاص وقال: وصلت متأخراً ولي أموال طائلة وعلي أن أشتري مكانا في الجنة، فأجابه الشيخ: لم يبق مكاناً بعد في الجنة إلا مكاني ومكان حماري، فطلب من الشيخ أن يـبـيع مكانه له، ويكتفي الشيخ بمكان حماره، فقبل الشيخ ذلك ورحب به!!وفي يوم من الأيام قال الشيخ في الصلاة: جخ جخ، وبعد انتهاء الصلاة قيل له: لماذا قلت جخ جخ فأجاب: مع أني في البصرة شاهدت مكة وقد أراد كلب أن يدخل المسجد الحرام فطردته! فلما سمع الناس منه هذا الكلام ازداد تعلقهم بالشيخ.وكان أحدهم قد نقل هذه القصة إلى زوجته ـ وكانت موالية ـ وكان قد رغّبها بترك مذهبها.فقالت الزوجة: لا بأس بذلك، بشرط أن تدعو الشيخ ومريديه لتناول الغداء، حتى أختار مذهبك بحضور الشيخ، فقبل الرجل ذلك وبان عليه الفرح والسرور، فدعا الشيخ وأتباعه إلى وليمة فلما حضروا فرشت سفرة الطعام وجاءت الزوجة بمائدة ووضعت لكل واحد منهم دجاجة على الرز، إلا الشيخ فقد وضعت دجاجته تحت الرز، فلما حضر الطعام، التفت الشيخ إلى طعام رفاقه فرأى الدجاج على الرز، ولم ير دجاجته لأنها تحت الرز، فصاح بصاحب البيت وقال: لماذا لم تقدموا لي دجاجة كهؤلاء، لماذا تحقروني؟
وكانت المرأة تنتظر مثل هذه الفرصة فخرجت إليه وقالت: أيها الشيخ!
أنت في البصرة وقد شاهدت مكة مع بعد المسافة وطول الطريق، فَلِمَ لم تر الدجاجة تحت الرز، مع قرب المسافة.
فغضب الشيخ وقال: هذه رافضية خبيثة!!
وخرج من المجلس، فاختار الزوج مذهب زوجته.

موريس بوكاي .. !!

الجثمان الذي أحيا عالما بالإيمان

 أُشتـهر عن فرنسا أنها من أكثر الدول اهتماما بالآثار والتراث ، وعندما تسلّم الرئيس الفرنسي الاشتراكي الراحل ( فرانسوا ميتران ) زمام الحكم في البلاد عام 1981 طلبت فرنسا من مصر  في نهاية الثمانينات استضافة مومياء ( فرعون مصر ) إلى فرنسا لإجراء اختبارات وفحوصات أثرية ، فتم نقل جثمان أشهر طاغوت عرفته مصر، وهُناك وعلى أرض المطار أصطف الرئيس الفرنسي ووزراؤه وكبار المسئولين في البلد عند سُـلّم الطائرة ليستقبلوا فرعون مصر استقبال الملوك وكأنه ما زال حياً ، وكأنه إلى الآن يصرخ على أهل مصر ( أَنَـا رَبُّـكُـمُ الْأَعْلَى )..!
 عِندما انتهت مراسم الاستقبال الملكي لفرعون مصر على أرض فرنسا ..حُمل مومياء الطاغوت بموكب لا يقل حفاوة عن استقباله وتم نقله إلى جناح خاص في مركز الآثار الفرنسي ، ليبدأ بعدها أكبر علماء الآثار في فرنسا وأطباء الجراحة والتشريح في دراسة ذلك المومياء واكتشاف أسراره ، وكان رئيس الجراحين والمسئول الأول عن دراسة هذا المومياء هو البروفيسور ( موريس موكاي ).
 كان المعالجون مهتمين في ترميم المومياء ، بينما كان اهتمام رئيسهم ( موريس موكاي ) مختلفاً للغاية ، كان يحاول أن يكتشف كيف مات هذا الملك الفرعوني ، وفي ساعة متأخرة من الليل.. ظهرت نتائج تحليلاته النهائية.. لقد كان بقايا الملح العالق في جسده أكبر دليل على أنه مات غريقاً..! وأن جُـثـته استخرجت من البحر بعد غرقه فوراً ، ثم أنـهم أسرعوا بتحنيط جُثـته لينجو بدنه ! ولكن ثمة أمــراً غريباً ما زال يُحيره وهو كيف بقيت هذه الجثة دون باقي الجثث الفرعونية المحنطة أكثر سلامة من غيرها رغم أنها استخرجت من البحر..!
 كان ( موريس موكاي ) ي
ُعد تقريراً نهائيا عما كان يعتقده اكتشافاً جديداً فـي انتشال جُـثة فِرعون من البحر وتحنيطها بعد غرقه مباشرة، حتى همس أحدهم في أذنه قائلاً : لا تتعجل فإن المسلمين يتحدثون عن غرق هذه المومياء.. ولكنه استنكر بشدة هذا الخبر ، واستغربه ، فمثل هذا الاكتشاف لا يمكن معرفته إلا بتطور العلم الحديث وعبر أجهزة حديثة بالغة الدقة ، فقال له أحدهم إن قرآنهم الذي يؤمنون به يروي قصة عن غرقه وعن سلامة جُـثته بعد الغرق..! فازداد ذهولاً وأخذ يتساءل:
كيف يكون هذا وهذه المومياء لم تُكتشف أصلاً إلا في عام 1898 ميلادية أي قبل مائتي عام تقريبا ، بينما قرآنهم موجود قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام!؟ وكيف يستقيم في العقل هذا ، والبشرية جمعاء وليس العرب فقط لم يكونوا يعلمون شيئاً عن قيام قُدماء المصريين بتحنيط جثث فراعنتهم إلا قبل عقود قليلة من الزمان فقط !؟
 جلس ( موريس موكاي ) ليلته محدقاً بجثمان فِرْعَوْنَ ، يفكر بإمعان عما همس به صاحبه له من أن قرآن المسلمين يتحدث عن نجاة هذه الجُثة بعد الغرق.. بينما كتابهم المقدس ( الـــتوراة ) يتحدث عن غرق فِرْعَوْنَ أثناء مطاردته لسيدنا موسى عليه السلام دون أن يتعرض لمصير جُثمانه البتة.. وأخذ يقول في نفسه : هل يُعقل أن يكون هذا المحنط أمامي هـو فِرْعَوْنَ مصر الذي كان يُطارد موسى !؟ وهل يعقل أن يعرف محمدهم هذا قبل أكثر من ألف عام وأنا للتو أعرفه !؟
 لم يستطع ( موريس ) أن ينام ، وطلب أن يأتوا له بالتوراة ، فأخذ يقرأ في ( سفر الخروج ) من التوراة من قوله (( فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيش فِرْعَوْنَ الذي دخل وراءهم في البحر لم يبق منهم ولا واحد )).. وبقى موريس موكاي حائراً ، فحتى التوراة لــم تتحدث عن نجاة هذه الجُثة وبقائها سليمة !
 بعد أن تمت معالجة جثمان فِـرْعَوْنَ وترميمها ، أعادت فرنسا لمصر المومياء بتابوت زجاجي فاخر يليق بمقام فِرعَوْنَ ! ولكن ( موريس ) لم يهنأ له قرار ولم يهدأ له بال ، مُنذ أن هزه الخبر الذي يتناقله المسلمون عن سلامة هذه الجُثة ! فحِزم أمتعته وقرر أن يسافر إلى المملكة السعودية لحضور مؤتمر طبي يتواجد فيه جمعٌ من علماء التشريح المسلمين..وهناك كان أول حديث تحدثه معهم عما أكتشفه من نجاة جُثة فِرْعَوْنَ بعد الغرق.. فقام أحدهم وفتح له المُصحف وأخذ يقرأ له قوله تعالى ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُون ﴾ لقد كان وقع الآية عليه شديداً ، ورجّت له نفسه رجة جعلته يقف أمام الحضور ويصرخ بأعلى صوته( لقد دخلت الإسلام وآمنت بهذا القرآن)..!
رجع ( موريس موكاي ) إلى فرنسا بغير الوجه الذي ذهب فيه.. وهناك مكث عشر سنوات ليس لديه شغل يشغله سوى دراسة مدى تطابق الحقائق العِلمية والمكتشفة حديثاً مع القرآن الكريم ، والبحث عن تناقض علمي واحد مما يتحدث به القرآن ليخرج بعدها بنتيجة قوله تعالى
﴿ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ كان من ثمرة هذه السنوات التي قضاها الفرنسي موريس أن خرج بتأليف كتاب ( القرآن والتوراة والإنجيل والعِلم .. دِراسة الكُتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة ) .. فماذا فعل هذا الكِتاب ؟
 من أول طبعة له نفذ من جميع المكتبات ! ثم أعيد طباعته بمئات الآلاف بعد أن تُرجم من لغته الأصلية ( الفرنسية ) إلى
لغات العالم ..! لينتشر بعدها في كل مكتبات الشرق والغرب ، بل الأعجب من هذا أن بعض العلماء في الغرب بدأ يجهز رداً على الكِتاب ، فلما انغمس بِقراءته أكثر وتمعن فيه زيـادة .. أسلم ونطق بالشهادتين على الملأ !!
 يقول موريس موكاي في مقدمة كتابه ( لقد أثارت هذه الجوانب العلمية التي يختص بها القرآن دهشتي العميقة في البداية ،فلم أكن أعتقد قط بإمكان اكتشاف عدد كبير إلى هذا الحد من الدقة بموضوعات شديدة التنوع ، ومطابقتها تمامًا للمعارف العلمية الحديثة، وذلك في نص قد كُتب منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا..!

درس في الشموخ


من صناديد قريش الذين كان يُشار إليهم بالبنان رجل كان يدعى عمرو بن ود ، وكان يُعدُّ بألف فارس ، اسمه يرعب الأطفال في مكة ، وأبوه كان يدعى بيضة البلد ، شارك في معركة بدر فأثخنته الجراح ولم يشارك في معركة أحد ، ولما وقعت معركة الأحزاب حمل كفره في يده ، ورغبة الانتقام في صدره ، وراح يتبختر حول الخندق ، وتيمم مكان ضيقا من الخندق  وضرب فرسه فاقتحم الخندق ، وركز عمرو رمحه وأقبل يجول حوله ويصيح : هل من مبارز ؟
 فقال الرسول  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  : من لهذا الكلب ؟
 فلم يجبه أحد ، فقام عليٌّ وهو مقنّع بالحديد ، فقال : أنا له يا نبي الله .
 فقال : إنه عمرو بن ود ، اجلس .
 ولما لم يجد عمرو من يخرج له جعل يؤنبهم ويسبهم ويقول : ألا من رجل ؟ أين جنتكم التي تزعمون أن من قُتل منكم دخلها ؟
فقام علي ، فقال : أنا له يا رسول الله . فأمره النبي بالجلوس ، فنادى عمرو الثالثة .
فقام علي (رضي الله عنه) فقال: يا رسول الله أنا.
فقال: إنه عمرو!
فقال: وإن كان عمراً فأنا علي بن أبي طالب!!
فاستأذن عليُّ رسولَ الله  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ فأذن له، وألبسه درعه ذات الفضول، وأعطاه سيفه ذا الفقار، وعممه عمامة السحاب على رأسه تسعة أكوار (أدوار) ثم قال له: تقـدَّم.
فقال لما ولّى: (اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه).ثم قال: (برز الإيمان كله إلى الشرك كله).

فمشى عليٌّ إليه . وما زال رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  آنذاك رافعاً يديه مقحماً رأسه إلى السماء داعياً به قائلاً: (اللهم إنك أخذت مني عبيدة يوم بدر وحمزة يوم أحد، فاحفظ علي اليوم علياً، رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين).
فقال عمرو: من أنت؟
 قال : أنا علي .
 قال : ابن عبد مناف ؟
قال : أنا ابن أبي طالب .
كان عمرو  نديم أبي طالب في الجاهلية، فقال عمرو: أجل، لقد كان أبوك نديماً لي وصديقاً، فارجع فإني لا أحب قتلك!
 فقال علي (رضي الله عنه ): لكنيّ أحب أن أقتلك!
 فقال عمرو: يا ابن أخي إني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك، فارجع وراءك خير لك، ما آمن ابن عمك حين بعثك إلي أن أختطفك برمحي هذا فأتركك شايلاً بين السماء والأرض لا حي ولا ميت!!
فقال له علي (رضي الله عنه): قد علم ابن عمي أنك إن قتلتني دخلت الجنة وأنت في النار، وإن قتلتك فأنت في النار وأنا في الجنة.
فقال عمرو: كلتاهما لك يا علي؟ تلك إذاً قسمة ضيزى!!
فقال علي : إن قريشاً تتحدث عنك أنك قلت: لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلا أجيب، ولو إلى واحدة منها؟
قال: أجل.
قال: فإني أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
قال: دع هذه!!
قال: فإني أدعوك إلى أن ترجع بمن يتبعك من قريش إلى مكة، فإن يكُ محمد صادقاً فأنتم أعلى به عيناً، وإن يك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمره.
قال: إذن تتحدث نساء قريش عني : أن غلاماً خدعني ، وينشد الشعراء فيَّ أشعارها أني جبنت، ورجعت على عقبي من الحرب، وخذلت قوماً رأسوني عليهم.
قال: فإني أدعوك إلى البراز راجلاً، فحمي عمرو وقال: ما كنت أظن أحداً من العرب يرومها مني .
ثم نزل فضرب وجه فرسه ففر ـ ثم قصد نحو علي وضربه بالسيف على رأسه، فأصاب السيف الدرقة فقطعها، ووصل السيف إلى رأس علي .
فضربه علي على رجليه بالسيف فوقع على قفاه، وثار العجاج والغبار، وأقبل عليّ ليقطع رأسه فجلس على صدره، فتفلَ اللعين في وجه الإمام فغضب، وقام عن صدره يتمشى حتى سكن غضبه، ثم عاد إليه فقتله.
وجاء علي برأس عمرو إلى رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ فتهلل وجه رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ ) فقام أبو بكر وعمر بن الخطاب وقبلا رأسه.
فقال عمر: هلا سلبته درعه، فإنه ليس في العرب درع مثلها؟
 فقال علي : إني استحييت أن أكشف سوأة ابن عمي.
ولما قتل علي عمراً انهزم المشركون وانكسرت شوكتهم، وكفى الله المؤمنين القتال ،
وفي رواية الحاكم في المستدرك عن النبيـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  :
( لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة)
.وسبب ذلك أنه لم يبق بيت من بيوت المشركين إلا وقد دخله وهنٌ بقتل عمرو، ولم يبق في المسلمين بيت من بيوت المسلمين إلا ودخله عزٌّ بقتل عمرو .