الأحد، 27 نوفمبر 2011

جزاء التوبة الكاذبة ..

يقول الله تعالى في كتابه الكريم :
 ]إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنْ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً [
وفي الحديث القدسي :
" ..  يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيك،  وَلَا أُبَالِي .  يَا ابْنَ آدَمَ ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي.  يَا ابْنَ آدَمَ  ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي  لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَة .. "
بعض الناس دينهم مثل دين الحمّالين ، إذا رَفَعَ الحملَ على ظهره قال : يا الله ، يا رب ، وإذا مشى بالحمل قال : يا قوي ،  يا معين ، وإذا وضع الحمل عن ظهره فسق وكفر ولعن القدر .
مثل هذا سماه الله تعالى في كتابه العزيز : ( الختّـار الكَفور )   وتجد فيما تجد من الناس عجبا ، تراه يوما مواظبا على الصلوات ، يسارع لتلبية نداء الله ، فتسأل عن الخبر ، فيقال : ستجرى له بعد أيام عملية جراحية ،  ثم تراه بعد الشفاء  قد ترك الصلاة وخاض في الدنيا مع الخائضين ، و إذا ما مات له قريب صلى وصام ، وإذا طال العهد تكاسل وغفل ، وهكذا ، يؤمن ثم يكفر ، ثم يؤمن ثم يكفر .
قال منصور بن عمار رحمه الله  :
كان لي صديق مسرف على نفسه ، ثمّ تاب ، وكنت أراه كثير العبادة والتهجد ، ففقدته أياما ، فقيل لي : هو مريض ، فأتيت إلى داره  ، فخرجت لي ابنته ، فقالت : من تريد ؟ قلت : فلانا . فاستأذنت لي ثمّ دخلت فوجدته في وسط الدار ، وهو مضطجع على فراشه ، وقد اسودّ  وجهه وازرقت عيناه ، وغلُظت شفتاه ، فقلت له وأنا خائف منه : يا أخي ، أكثر من قول لا إله إلا الله ، ففتح عينيه ونظر إلي شزرا ، وغشي عليه ، فقلت له ثانيا : يا أخي أكثر من قول لا إله إلا الله ، ثمّ ثالثا ، ففتح عينيه وقال : يا أخي منصور ، هذه كلمة حيل بيني وبينها . فقلت : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . ثمّ قلت له : يا أخي ، وأين تلك الصلاة والتهجد والقيام ؟!فقال : كان ذلك لغير الله ، وكانت توبتي كاذبة ، إنما كنت أفعل ذلك ليقال عني وأذكر به ، وكنت أفعل ذلك رياء الناس ، فإذا خلوت إلى نفسي ، أغلقت الباب ، وأرخيت الستور وشربت الخمور ، وبارزت ربي بالمعاصي ، ودمت على ذلك مدّة فأصابني مرض ، وأشرفت على الهلاك ، فقلت لابنتي الصغيرة هذه : ناوليني المصحف ، وقلت : اللهم بحق هذا القرآن العظيم إلا ما شافيتني ، وأنا لا أعود إلى ذنب أبدا ، ففرّج الله عني .
فلمّا شفيت عدت إلى ما كنت عليه من اللهو والملذات ، وأنساني الشيطان العهد الذي كان بيني وبين ربي، فبقيت على ذلك مدّة من الزمان ، فمرضت مرضا أشرفت به على الموت ، فدعوت أهلي فأخرجوني إلى وسط الدار على عادتي ثم دعوت بالمصحف فقرأت فيه ، ثم رفعته ، وقلت : اللهم بحرمة ما في هذا المصحف الكريم من كلامك إلا فرجت عني ، فاستجاب الله منِّي وفرَّج عني ، ثمّ عُدت إلى ما كنت عليه من اللهو فوقعت في هذا المرض ، فأمرت أهلي فأخرجوني إلى وسط الدار كما تراني ، ثمّ دعوت بالمصحف لأقرأ فيه فلم يتبين لي حرف واحد ، فعلمت أن الله سبحانه وتعالى غضب عليّ ، فرفعت رأسي إلى السماء ، وقلت : اللهم بحرمة هذا المصحف ، إلا ما فرجت عني ، يا جبار السماوات والأرض .
قال منصور بن عمار : فو  الله ما خرجت من عنده إلا وعيني تسكب العبرات ، فما وصلت إلى الباب ، حتى قيل لي : إنه قد مات .
 ومن الشعر :
تتوب عن الذنوب إذا مرضتا
فكم كربة نجاك منها
أمـا تخشـى بأن ـأتي المنــايا



وترجع للذنوب إذا برئتا
وكم كشف البلاء إذا بُليتا
وأنت عـلى الخطايـا قد وَهيتا

توبة قاتل أمه ....

من عجائب التـائبين

[قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ  * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ] { الزمر : 53.54 }
وفي صحيح مسلم عن عائشة _رضي الله عنها_ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدأ من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟).
مالك بن دينار البصري ، ممن تاب الله عليهم ، بدأ حياته شرطيا مسرفا على نفسه يظلم الناس ويشرب الخمر ، ولما تاب الله عليه انصرف للعلم والزهد ، يأكل من كسب يده ، ويكتب المصاحف بالأجرة ، توفي بالبصرة سنة 131هـ ، وله مواعظ ومواقف مشهودة ، ومن طريف قصصه ما ذُكر في كتاب " نزهة المجالس للصفوري الشافعي :270 " : 
قال مالك بن دينار ـ رحمه الله ـ :
" خرجت إلى الحج فرأيت الناس على عرفات ، فقلت :
 ليت شعري مَنْ المقبول منهم فأهنيه ، ومن المردود منهم فأعزيه ؟!
فرأيت في المنام قائلا يقول : قد غفر الله للقوم أجمعين إلا محمد بن هارون البلخي ، فقد ردَّ الله عليه حجّه . فلما أصبحت أتيت ركب خراسان ، فقلت : أفيكم البلخيون ؟
قالوا : نعم .
 فأتيتهم فسألتهم عن محمد بن هارون البلخي .
فقالوا : سألت عن رجل زاهد عابد ، اطلبه في خراب مكة .
 فأتيته فوجدته في خربة ويده في عنقه والقيد في رجليه ، وهو يصلي ، فلما رآني قال : ـ منْ أنت ؟
قلت : مالك بن دينار .
 قال : لعلك رأيت في المنام ؟
قلت : نعم .
 قال : في كلِّ عام يرى رجل صالح مثل ما رأيت .
 فقلت : ما السبب ؟
 قال : كنت أشرب الخمر ، فشربته في أول ليلة في رمضان ، فزجرتني أمي فأخذتها ووضعتها في التنور ، فلما أفقت من سُكري أخبرتني زوجتي بذلك ، فقطعت يدي بنفسي وقيدت رِجلي ، وفي كلِّ عامٍ أحجُّ ، وأقول : يا فارج الهمِّ ، ويا كاشف الغمَّ ، فرِّج همِّي ، واكشف غمِّي ، وارضَ عن أمّي .
وأعتقت ، بعد ذلك ، ستة وعشرين عبدا  وستاً وعشرين جارية .
قال مالك : فقلت له : قد كِدْتَ تحرق الأرض ومن عليها بنارك . وتركته .
ورأيت في تلك الليلة في المنام النبي r  ، وقال لي :
ـ  يا مالك ، لا تُقْنِط الناس من رحمة الله تعالى ، قد اطلع الله تعالى على محمد بن هارون ، واستجاب دعوته ، وأقال عثرته ، فأخبره أنه يمكث في النار ثلاثة أيام من أيام الدنيا ، ثم يلقى الله الرحمة في قلب أمه فتستوهبه من الله تعالى فيهبه لها فيدخلان الجنّة جميعا .
قال مالك : فأخبرته بذلك ، ففاضت روحه في الحال ، وصليت على جنازته رحمه الله.
وجاء في اليواقيت الجوزية :
" التوبة الصادقة كيمياء السعادة ، إذا وضعت منها حبة صافية على جبال من أكدار الذنوب ، دكتها كهيبة التجلّي قبل المباشرة ، فصارت كحلاً مصلحاً لأحداق البصائر.
ربَّ ذنبٍ أدخل صاحبه الجنّة ، وإذا صدق التائب قُلبت الأمَّارة مطمئنة "

الأحد، 20 نوفمبر 2011

العمياء والبصير

العميـاء والبصـير ....          

قال الله -تعالى- في سورة طه : [وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى]{طه:131}.
وإلى هذا المعنى العظيم يشير قول النبي-صلى الله عليه وسلم-: "إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فُضِّل عليه".وزاد مسلم: "فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم"
ويقال : جبُل طين الرجال بماء القوة ، وجُبل طين النسا ء بماء الغيرة .
جاء في كتاب ( صور من حياة التابعين ) في فصل أبي مسلم الخولاني ،واسمه عبد الله بن ثوب، أن أبا مسلم كان من أئمة الزهد والتقوى ، جادل مسيلمة الكذاب ، وكان يغشى الخلفاء وينكر عليهم ، وكان إذا انصرف من منزله أو عاد كبّر على باب داره فتكبّر امرأته ، فإذا كان في صحن داره كبّر ، فتجيبه زوجته ، فإذا بلغ إلى باب بيته كبّر فتجيبه زوجته ، زوجان متحابان على طاعة الله يودعان بعضهما بالتكبير !!
ذات ليلة عاد أبو مسلم إلى بيته، وقف عند باب الدار وكبّر كعادته فلم يجبه أحد، فدخل إلى صحن الدار وكبّر فلم يجبه أحد، فلما كان في باب البيت كبّر، فلم يجبه أحد .
وكان إذا دخل بيته أخذت امرأته رداءه، ثم أتته بالطعام، فدخل البيت في تلك الليلة فإذا البيت ليس فيه سراج، وإذا امرأته جالسة تنكت الأرض بعود في يدها، فسألها:
ـ  ما بك ؟
فقالت: أنت لك منزلة من معاوية، وليس لنا خادم ، فلو سألته لأجابك فجعل لنا خادما .
فقال أبو مسلم: اللهم من افسد عليَّ امرأتي فأعمِ بصره .
 وكان قد جاءتها امرأة من جيرانها قبل ذلك فقالت لها: زوجك له منزلة من معاوية، فلو قلت له أن يسأل معاوية أن يخدمه ويعطيه عشتم بهناء.
فبينما تلك المرأة الموسوِسة في بيتها إذ أنكرت بصرها ، فقالت لبعض أهلها : ما لسراجكم طفئ ؟ قالوا : لا .
فخرجت إلى بيت أبي مسلم تبكي، وتسأله أن يدعو الله ـ عز وجل ـ لها، فرد الله لها بصرها .
قال أبي بن كعب رضي الله عنه-: "من لم يتعز بعزة الله تَقَطَّعتْ نفسه، ومن يتبع بصره فيما في أيدي الناس يَطُل حزنه، ومن ظن أن نعمة الله في مطمعه ومشربه وملبسه فقد قل علمه، وحضر عذابه"

فتى الخير ..

فتــى الخيــر  ..

قال سبحانه : [ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] { البقرة : 148}
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْظُرُونَ إِلاَّ فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَّرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ.أخرجه الترمذي (2306) قال هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ
بينما كان الأحنف بن قيس ،وكنيته أبو بحر،  يطوف بالبيت العتيق  في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، إذ لقي رجلا كان سفير  رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  لقومه  يوم دعاهم للإسلام ، فأخذ بيد ه ، وقال: ألا أبشرك ؟
قال الأحنف بن قيس : بلى .
قال سفير رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  : ألا تذكر يوم بعثني رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  إلى قومك لأدعوكم إلى الإسلام ؟
قال الأحنف : وكيف أنسى يوما ولدت فيه ، واتبعت الخير والنور !
وكان رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  قد بعث رجلا من أصحابه إلى غربي اليمامة قبل وفاته بسنوات قليلة يدعوهم إلى الإسلام  ولكن القوم سكتوا وترددوا ، فبادرهم الأحنف وكان فتى حدث السِّن،  فقال :
ـ يا قوم ، ما لي أراكم مترددين تقدمون رجلا وتؤخرون أخرى ؟ والله إن هذا الوافد خير ، إنه يدعوكم إلى مكارم الأخلاق وينهاكم عن ملائمها (ما يجلب اللوم منها) ، ووالله ما سمعنا منه إلا حُسناً ، فأجيبوا داعي الخير والهدى تفوزوا بخير الدارين .
فأسلم القوم ومعهم الأحنف بن قيس ، ووفد كبار القوم على الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  ، غير أن الأحنف لم يفد معهم لحداثة سنّه .
فقال السفير : لما رجعت إلى النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  أخبرته بمقالتك ، فقال : اللهم اغفر للأحنف .
فكان الأحنف يقول : ما من شيء من عملي أرجى ـ أعظم أجرا وأكثرا أجرا ـ لي في يوم القيامة من دعوة النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  عندي من ذلك .
وقال وهيب بن الورد : إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل.
والمسابقة إلى الخيرات خلق لا يتصف به إلا المؤمن الصادق , والمسارعة إلى أعمال البر طبع لا يتخلق عليه إلا من وهبه الله تعالى رجاحة في العقل وانشراحا في الصدر وسلامة في القلب .

حقيقة الشكر لله

حقيقة الشكر لله تعالى ..
يقول الله تعالى :
[إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ]  { الزمر : 7}
وروى الحسن عن النبي  ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ  أنه قال :  ما أنعم اللَّه على عبد من نعمة صغرت أو كبرت،  فقال الحمد لله إلا كان قد أعطى أفضل مما أخذ.
أبو حازم سلمة بن دينار من كبار علماء التابعين، وعظ الخلفاء والأمراء وعامة الناس ، وهو الذي أجاب سليمان عبد الملك الأموي عندما سأله :
ـ يا أبا حازم، ما بالنا نكره الموت ؟
فأجابه : لأنكم خربتم آخرتكم ، وعمرتم دنياكم ، فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمار إلى الخراب .
ذات يوم قال رجل لأبي حازم: ما شكر العينين؟
قال: إن رأيت بهما خيراً أعلنته، وإن رأيت بهما شراً سترته.
قال:  ما شكر الأذنين ؟ قال: إن سمعت بهما خيراً وعيته، وإن سمعت بهما شراً أخفيته.
قال:  فما شكر اليدين؟  قال: لا تأخذ بهما ما ليس لهما، ولا تمنع حقاً لله هو فيهما.
 قال:  فما شكر البطن؟  قال: أن يكون أسفله طعاماً، وأعلاه علماً.
 قال :  فما شكر الفَرج ؟، قال: قال تعالى ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [ المؤمنون ]
 قال:  فما شكر الرجلين؟ قال: إن رأيت ميتاً غبطته استعملت بهما عمله،  وإن رأيت ميتا مقته كففتهما عن عمله وأنت شاكر لله تعالى. .
وانظر أخي المسلم رعاك الله إلى هذا الفهم المتوازن لمفهوم الشكر عند التابعين، فهو منع ومنح ، سلب وإيجاب ، احذر ما يدخلك النار، واتبع ما يدخلك الجنّة ، وانظر الفهم الشامل لخلق الشكر فهو شكر يشمل جميع الأعضاء وجميع السلوكيات النفسية والمادية ، وانظر أخي إلى التخصيص ، فالجزاء من جنس العمل والشكر من جنس العمل، كما النصاب من جنس المال في الزكاة .
وقال بعض الحكماء: اشتغلت بشكر أربعة أشياء:
أوّلها أن اللَّه تعالى خلق ألف صنف من الخلق ورأيت بني آدم أكرم الخلق فجعلني من الرجال، والثالث رأيت الإسلام أفضل الأديان وأحبها إلى اللَّه تعالى فجعلني مسلما، والرابع رأيت أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلم أفضل الأمم فجعلني من أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلم.
اللهم ارض عن الصحابة والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وارزقنا حسن النظر فيما يرضيك عنّا ويقودنا إلى رضوانك وجنتك

السبت، 22 أكتوبر 2011

لو ردوا لعادوا ..

لـو ردّوا لعـادوا  ..!!

يقول الحقّ ـ جلّ وعلا ـ مخبرا عن ندم الكافرين وحسرتهم لحظة النزع :
[حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ۞  لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ] ﴿المؤمنون : 99
ويقول سبحانه واصفا حال الكافرين لحظة الوقوف على النار :
[وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۞ بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ] ﴿الأنعـام: 28 ﴾
ويقول رب العزة  في سورة الزمر واصفا أمنية الكافر حين يرى العذاب :
[أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ۞ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ۞ بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ] ﴿الزمــر: 58
سؤال بسيط :
إذا كان معدل عمر الإنسان في أغلب الدول الإسلامية 70 عاما، وإذا كان سن البلوغ يبدأ بعد 15 سنة ، فكم مرّة يسمع المسلم الأذان في حياته ؟
55 × 365 ×  5 = 100375 مرّة .
قتل الإنسان ما أكفره، أعطاه الرب الرحيم الحليم الرؤوف الودود مئة ألف فرصة أو يزيد، ثم هو يطمع أن يعطيه الله تعالى فرصة أخرى ، فرصة أخرى لكي يتوب ويستقيم وقد عاين الجنّة ، ألم يعلم ابن آدم أن إبليس عاينهما قبله ، ولكنه لم يستقم !!!

من موازيين الحكم الراشد ...

ميزان الحكم الراشد  ..

عندما طلب إبراهيم عليه السلام من ربه أن يورّث ذريته الإمامة، كان الرد حاسما:
[وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ] ﴿البقرة/124﴾
وعن عائشة أن قريشاً أهمّهم أمر المرأة المخزومية التي سرقت ، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله ، ومن يجترئ عليه إلا أسامة ، فكلمه أسامة ، فقال الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ   : ( أتشفع في حد من حدود الله ، ثم خطب فقال : إنما أهلك من كان قبلكم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيم الله ! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ).
وعن نافع أن عمرَ بن الخطاب ـ  رضي الله عنه ـ  كان فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف وفرضَ لأبنه ثلاثة آلاف وخمسمائة، وابنه عبد الله مهاجر، فنقصه عن المهاجرين خمسمائة من أربعة آلاف، فقيل له: إنه من المهاجرين فلماذا نقصته؟ قال: إنما هاجر به أبوه ولم يهاجر هو بنفسه، وليس من هاجر به أبوه كمن هاجر بنفسه.
 وهذا يدل دلالة عظيمة على شدة ورع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ورفض الفاروق أن يوصي لولده عبد الله بالخلافة وقد زكاه الكثيرون عند أبيه ، وقال : يكفي آل الخطاب رجلا واحدا يُسأل يوم القيامة عن الأمة .
ولما حضرت عمر بن عبد العزيز الوفاةُ دخل عليه مسلمة بن عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين إنك قد أفغرت أفواه ولدك من هذا المال، فلو أوصيت بهم إليَّ وإلى نظرائي من قومك فكفوك مؤونتهم، فلما سمع مقالته: قال: أجلسوني فأجلسوه فقال: قد سمعت مقالتك يا مسلمة، أما قولك: إني قد أفغرت أفواه ولدي من هذا المال فوالله ما ظلمتهم حقًّا هو لهم ولم أكن لأعطيهم شيئًا لغيرهم، وأما ما قلت في الوصية فإن وصيتي فيهم: [إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ] {الأعراف/ 196}. وإنما ولد عمر بين أحد رجلين: إما صالح فسيغنيه الله، وإما غير ذلك فلن أكون أول مَن أعانه بالمال على معصية الله ادع لي بني، فأتوه فلما رآهم ترقرقت عيناه، وقال: بنفسي فتية تركتهم عالة لا  شيء لهم ، وبكى: يا بني إني قد تركت لكم خيرًا كثيراً، لا  تمرون بأحد من المسلمين وأهل ذمتهم إلا رأوا لكم حقًا
 يا بني إني قد مثلت بين الأمرين: إما أن تستغنوا وأدخل النار، أو تفتقروا وأدخل الجنة، فأرى أن تفتقروا إلى ذلك أحب إلي، قوموا عصمكم الله، قوموا رزقكم الله .
وقال ابن الجوزي: أبلغني أن المنصور قال لعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه-: عظني. قال: مات عمر بن عبد العزيز - رحمه الله- وخلف أحد عشر ابنًا، وبلغت تركته سبعة عشر دينارًا كُفن منها بخمسة دنانير، وثمن موضع قبره ديناران وقُسِّم الباقي على بنيه، وأصاب كل واحد من ولده تسعة عشر درهمًا، ومات هشام بن عبد الملك وخلف أحد عشر ابنًا فقسمت تركته وأصاب كل واحد من تركته ألف ألف، ورأيت رجلاً من ولد عمر بن عبد العزيز قد حمل في يومٍ واحد على مائةِ فرس في سبيل الله عز وجل، ورأيت رجلاً من ولد هشام يُتصدق عليه.
عَنْ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  ـ قَالَ:
 (إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ ، الْقِيَامَةِ فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ ويئست الْفَاطِمَةُ:  أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ ; وَثَانِيهَا نَدَامَةٌ ، وَثَالِثُهَا عَذَابٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، إِلَّا مَنْ عَدَلَ . وفي رواية : وكيف تعدلون مع الأقارب؟ .

الأربعاء، 19 أكتوبر 2011

تحت أي لواء أنت ..

تحت أي لـواء أنت .. !!

يقول الله  تعالى :
﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ(22)مِنْ دُونِ اللَّهِ فاهْدُوهُمْ إلىَ صِراطِ الجحيم [ الصافات ]   .
قال المفسرون أزواجهم يعني أشكالهم ونُظَرَاءَهُمْ، فيُحْشَرْ علماء المشركين مع علماء المشركين، ويُحْشَرْ الظلمة مع الظلمة، ويُحْشَرْ منكري البعث مع منكري البعث، ويُحْشَرْ منكري الرسالة وهكذا في أصناف. ثم بعدها يكون الوزن، فتوزن الأعمال في ميزان لا يترك مثقال الذرة .
ينتظم الناس في جماعات ، وأمام كل جماعة صاحب اللواء ، واللواء هو العلم الكبير  فيجتمع تحت كل لواء أتباعه، ومن الأحاديث نقرأ عن لواءين مشهورين ، الأول لواء الحمد وهو لواء الرسول الكريم ــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ   عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  قال: ( أنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفَّع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلقة باب الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر)  .
وذكرت الأحاديث لواء الغدر ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَفَعَ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءً فَقِيلَ : هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ )  
وذكر الحديث لواء الغدر ، فالعقوبة غالبا تقع بضد الذنب، فلما كان الغدر من الأمور الخفية ناسب أن تكون عقوبته بالشهرة على رؤوس الأشهاد .
ويرفع لكل غادر لواء تحت إسته والعياذ بالله ، أي تحت مقعدته ، ويرتفع هذا اللواء بقدر غدرته إن كانت كبيرة صار كبيرا ، وإن كانت صغيرة صار صغيرا ، ويقال : هذه غدرة فلان بن فلان . والعياذ بالله .
ذُكر في الحديث لواء الحمد ، والحمد من أعلى مراتب الطاعات ،والله يجزي المؤمنين بأحسن ما عملوا ، وهل عمل أعلى من الحمد !!
تأمل أخي المسلم، ألوية الجنان ترفع :  لواء الحمد ، لواء القرآن ، لواء الجهاد ، لواء برّ الوالدين ، لواء المحبة في الله ، لواء البراءة من المشركين ، لواء الإصلاح بين الناس ، لواء أداء الأمانة ، لواء إماطة الأذى عن الطريق ، فبأي صفة تُعرف في الدنيا لتكون تحت لوائها يوم القيامة ؟!!
وتفكّر في ألوية النيران ترفع : لواء الشرك ، لواء الخيانة ، لواء فتنة المؤمنين ، لواء الغدر ، لواء الخيانة ، لواء الكذب، لواء الخمر ، لواء الزنا، لواء الغيبة، لواء النفاق ، هناك حيث لا تخفى خافية ، ولا يُكتم سر ، وتكون الفضيحة على رؤوس الخلائق ، ذلك هو الخسران المبين.
فانظر رعاك الله أي الطاعات تعرف فيها في الدنيا ، ويفتح الله عليك بها أبواب السكينة القلبية ، فتلك الطاعة هي لواءك يوم القيامة

حفظوا المصحف وضيعوا القرآن ..

حفظوا المصحف وضيَّعوا القرآن

قال تعالى :
[ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا] { الفرقان: 30 }
قال ابن القيم في " الفوائد ": وهجر القرآن أنواع: أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه. والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه. والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه. والرابع: هجر تدبره وتفهمه. والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها،... وإن كان بعض الهجر أهون من بعض.
رأيت عجوزا أميا في المسجد يأخذ مجلدا من الكتب المتوفرة  ، ويقبله سبع مرات ويضعه على جبهته ، فعل ذلك وهو يحسب أن هذا الكتاب قرآنا ، ومثل هذا العجوز يُعذر فهو يظن أن ما غلافه مثل القرآن فهو قرآن ، ورأيت وسمعت عن أناس كثيرين هم مثل هذه العجوز ، لا يعرفون من القرآن غير غلافه المجلد، رغم أنهم يقرؤون ويكتبون ، وقد يكونون من حملة الشهادات ،وسميتهم أهل الغلاف .
أهل الغلاف هؤلاء يحتفظون بمصاحف في صالوناتهم، وتحت مخداتهم ، ويتبعون عادات وتقاليد الناس لأنهم يتبعون آية في القرآن يحفظونها هي : يا أيها الناس اتبعوا الناس ، وإذا قيل لهم هذه ليست آية في القرآن ، قالوا ربما حديث ، وإذا قلت وليس من الحديث قالوا وهل أنت تعرف كل الآيات وكل الأحاديث ؟!
أهل الغلاف هؤلاء يطالبون في كل أمر بأن (  يطبل ) خصمهم يمينا على القرآن ، وإذا قلت لهم هذا سلوك ليس له أصل في الإسلام ولا يجوز أن يقال مثل ذلك ، لأن القرآن كتاب هداية ونور من رب العالمين وليس طبلا، قالوا نقصد أن للقرآن جلد وللطبل جلد ، ويطبل هنا تعني أن يحلف يمينا مغلَّظة .
أهل الغلاف يفتتحون متجرا أو مطعما وما شابه ويعلقون القرآن على المخل ، ولا يجدون غضاضة في إحاطته بصور فتيات كاسيات عاريات ، وإذا قيل لهم هذا لا يليق بكتاب الله الذي ينهى عن التبرج ويأمر بعدم إظهار زينة المرأة ولحمها ، قيل لك نريد أن نبارك المحل بالقرآن ، فالقرآن بركة .
سافر أب إلى بلد بعيد تاركا زوجته وأولاده الثلاثة،سافر سعيا وراء الرزق، وكان أبناؤه يحبونه حبا جما ،ويكنّون له كل الاحترام ، أرسل الأب رسالته الأولى إلا أنهم لم يفتحوها ليقرؤها ، بل أخذ كل واحد منهم يُقبّل الرسالة لأنها من عند أغلى الأحباب،  وتأملوا الغلاف من الخارج، ثم وضعوا الرسالة في علبة من قطيفة مذهبة، وبين الحين والآخر كانوا يخرجون الرسالة  لينظفوها من التراب ويعيدونها ثانية، وهكذا فعلوا مع كل رسالة أرسلها أبوهم ومضت السنون، وعاد الأب ليجد أسرته لم يبق منهم إلا ابنا واحدا فقط فسأله الأب: أين أمك؟؟
 قال الابن : لقد أصابها مرض شديد بعيد سفرك، ولم يكن معنا مالا لننفق على علاجها فماتت .
 قال الأب: لماذا؟ ألم تفتحوا الرسالة الأولى لقد أرسلت لكم فيها مبلغا كبيرا من المال .
قال الابن: لا.. فسأله أبوه وأين أخوك؟؟
قال الابن: لقد تعرف على بعض رفاق السوء وبعد موت أمي لم يجد من ينصحه ويُقومه فذهب معهم .
تعجب الأب وقال: لماذا؟ ألم يقرأ الرسالة التي طلبت منه فيها أن يبتعد عن رفقاء السوء.. وأن يأتي إليّ.
 رد الابن قائلا: لا قال الأب : لا حول ولا قوة إلا بالله.. وأين أختك؟
قال الابن: لقد تزوجت ذلك الشاب الذي أرسلتْ تستشيرك في زواجها منه، وهى تعيسة معه أشد تعاسة.
 فقال الأب ثائرا: ألم تقرأ هي الأخرى الرسالة التي أخبرها فيها بسوء سمعة وسلوك هذا الشاب ورفضي لهذا الزواج قال الابن: لا لقد احتفظنا بتلك الرسائل في هذه العلبة القطيفة.. دائما نجملها ونقبلها, ولكننا لم نقرأها .
الله اجعل القرآن العظيم هادينا إلى رضوانك، وقائدنا إلى جنانك ، وشفعينا يوم لقائك ..